الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل اللولبي

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2018 / 3 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يقول هايدجر :"إن اندهاش الفكر يعبر عن نفسه بالتساؤل "، أما كارل ياسبرز فقد حدد ثلاثة شروط لإمكانية الفلسفة، الدهشة والتساؤل والشك، وهي الأسس التي يقوم عليها العقل للوعي بذاته وضرورة تكونه كوعي فلسفي يتسائل عن أسسه ومبادئه وإمكانياته. وهناك تساؤلات عديدة شديدة الأهمية ساهمت في بناء العقل النظري والنقدي. ومن هذه الأسئلة القائمة والتي من الصعوبة إيجاد جواب نهائي بخصوصها : هل يوجد إتجاه أو خط متواصل لتطور الفكر الفلسفي يتحكم في ظهور المفاهيم والمدارس والأنظمة الفلسفية ؟ بمعنى هل هناك تقدم وتطور في الفلسفة من مرحلة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر مثلما في العلوم الطبيعية ؟ يبدو أن الإجابة على هذا السؤال هي بالنفي القاطع عند العديد من المفكرين وبالذات الذين يشتغلون بالعلوم الطبيعية، الذين يرون أن الفلسفة اليونانية قد قالت كل شيء بخصوص كل المواضيع الفلسفية، وأنه منذ أفلاطون لم تظهر أية فكرة جديدة. ويمكن الإستدلال على ذلك بكتاب ستيفين هاوكنغ الذي ذكر سابقا والذي يعيد فيه نفس الأسئلة القديمة التي طرحتها الفلسفة اليونانية منذ بداياتها الأيونية، بل ويدعي موت الفلسفة وعدم قدرتها على مواكبة التقدم العلمي، كتابه الصادر سنة ٢٠١٠ " التصميم العظيم " stephen Hawking - the Grand Design والذي يطرح فيه أسئلة أساسية في تاريخ الفكر عموما والأوروبي الفلسفي خصوصا مثل : متى وكيف بدأ العالم؟ لماذا نحن هنا؟ وما هي طبيعة الواقع؟ وهل هذا التصميم العظيم الذي يعبر عنه عالمنا يتطلب مهندسا عظيما بدوره لتصميمه وإخراجه للوجود وتحريكه؟ وهي أسئلة فلسفية عالجها اليونانيون منذ زمن طويل وحاول العديد من الفلاسفة إيجاد الفرضيات والحلول لمثل هذه الإشكاليات دون جدوى. فهذه الأسئلة تعاود الظهور في كل عصر، رغم إختلاف الإهتمامات والدوافع والأغراض التي تؤدي إلى معاودة الظهور. فالواقع هو كل ما هو كائن، أي مجموع الكائنات التي يتألف منها ما يسمى بالعالم، ولكن كيف يرى كل إنسان هذه الكائنات؟ وهل هذا العالم حقيقي ومطلق أم أنه نسبي ويعتمد على حساسية كل فرد وتاريخه الشخصي؟ وهل هذا الواقع يكون كما هو لو لم يكن لي به وعي؟ ذلك أنه حتى وقت قريب، كان كل ما یشغل العلماء هو دراسة الكون بما یحتویه وبما یحكمه من قوانین فيزيائية، وبما حدث بعد الانفجارالعظيم Big Bang قبل 13 ملیار عام، أما الآن وبعد تطور فيزياء الكم La physique quantique فقد بدأ العلم في اقتحام مجالات فكرية كانت حكراً على الفلسفة : ماذا كان هناك قبل حدوث الكون ؟ وماذا یوجد خارج نطاق حدوده المعروفة ؟ وبدأ يتسائل عن إمكانية المعرفة وحقيقية الواقع الذي نعيش فيه، وطبيعة المادة والضوء، هل المادة جسم أم موجة ؟ وهي الأسئلة التي كانت مطروحة منذ البداية في الفلسفة منذ بارمينيدس وديموقريطس وافلاطون حتى ديكارت وكانط وهيجل والفينومينولوجيا المعاصرة. ومن هنا انبثقت فكرة الأكوان المتعددة Multiverse، التي يدعو لها هاوكنغ، وهي نظرية تفترض تلازم وجود عدة أكوان - بما فيها الكون الخاص بنا - وتشكل معاً الوجود بأكمله. وأحيانا تسمى هذه النظرية بالأكوان المتوازية Parallel Universes، وقد تأخذ في هذا السياق أسماء أخرى كالأكوان البديلة أو الأكوان الكمية أو الوقائع البديلة أو خطوط الزمن البديلة، إلخ. وتعدد الأكوان هو رأي مفترض في علم الكونيات والفيزياء والفلك والفلسفة واللاهوت والخيال العلمي وكذلك في الأدب والفن والشعر منذ بداية التفكير الفلسفي والعلمي والفني. بالنسبة لهوكنغ، بما أنه توجد أكوان ممكنة مختلفة وعديدة إن لم تكن لامتناهية في العدد، فمن الطبيعي أن يوجد عالم كعالمنا تحكمه قوانينه الطبيعية وتسمح بنشوء الحياة كما نعرفها وتشهد نشوء الكائن العاقل. الأعداد الهائلة للأكوان الممكنة تجعل من غير المستغرب وجود أكوان شبيهة بعالمنا أو مطابقة له تتمتع الخصائص ونفس القوانين. فكما أنه توجد أكوان تمنع قوانينها و حقائقها نمو الحياة والعقل، ثمة أكوان أخرى تسمح بوجود حياة وعقل و تؤدي إليهما. و لذا من غير المستغرب أن نوجد في عالم من تلك العوالم الملائمة لنشوء الحياة.
وهناك تساؤلات أخرى لن نعالجها في هذا الموضوع وسنعود إليها فيما بعد مثل إستقلالية النشاط الفلسفي وعلاقته بالنشاط الفكري عموما : الدين والشعر والفن والعلوم الطبيعية والميثولوجيا والأخلاق والسياسة والإقتصاد وبالذات فيما يخص قضية ماهية الواقع والتي هي الموضوع الرئيسي الدي نجري وراءه. الفلسفة إذا هي علم يدور في حلقة مفرغة حسب بعض الإدعاءات، ولهذا يجب العودة باستمرار إلى الفلسفة اليونانية وطرح نفس الأسئلة من جديد. ونحن لا نتفق مع هذه النظرة المبسطة للفكر عموما وللفلسفة بصفة خاصة. ذلك أن الفلسفة هي المجال المثالي والحيوي الذي يتحقق فيه العقل بكل إمكانياته، يعبر عن نفسه ويرسم أهدافه ويخطط خريطة حدوده القصوى. وأهمية أية عملية فلسفية لا تكمن في نتائجها فقط وإنما في الديالكتيكية الحيوية التي أدت إلى هذه النتائج، ولذلك لا بد من العودة في كل مرة لنعرف الخريطة التي اختارها والطريق التي سلكها والأخطاء والتناقضات التي ارتكبها والفخاخ التي وقع فيها الفكر في رحلته الطويلة نحو المعرفة. ذلك أن الفلسفة ليست علما مغلقا كالعلوم الطبيعية ولا تتطور في خط زمني مستقيم، وكل إشكالية فلسفية تتطلب عدة حلول، حسب الزمن والإمكانيات والأدوات الفكرية المتاحة. في كتابه الكينونة والعدم، سارتر يعالج مشكلة إثبات وجود الغيرية أو الآخر وهو ما يسمى في الفلسفة بالـ Solipsisme وتترجم عادة بكلمة التوحّديّة، فلجأ إلى الكوجيتو الديكارتي، ثم كانط وهيجل وهوسرل وهيدجر، وتمعن في الحلول التي وصل إليها كل منهم، ليتمكن من الإحاطة بالإشكالية من جميع النواحي والزوايا، ليتمكن أخيرا من حل المعضلة الفلسفية وتجاوز المثالية التي يمثلها كل هذا الفكر طوال قرون عديدة. ورغم مجهود سارتر الرائع، فإن العديد من الفلاسفة المعاصرين ما يزالون يحاولون الإثبات منطقيا بوجود أو بعدم وجود الآخر، وما يزالون يعتبرونه موضوعا للمعرفة. فالخط الزمني لتطور الفكر الفلسفي ليس سهما مستقيما يشير إلى إتجاه واحد من الماضي إلى المستقبل، إنه تطور في خط لولبي يعود على نفسه في فترات زمنية متباعدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في جامعات أميركية على وقع الحرب في غزة | #مراسلو_سكا


.. طلبوا منه ماء فأحضر لهم طعاما.. غزي يقدم الطعام لصحفيين




.. اختتام اليوم الثاني من محاكمة ترمب بشأن قضية تزوير مستندات م


.. مجلس الشيوخ الأميركي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل و




.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنبني قوة عسكرية ساحقة