الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النبي هوري إلى عبد الله أقرع

بدر الدين شنن

2018 / 3 / 17
الادب والفن


أيها النبي الخالـ د ..

كان هذا قبل الحرب العنصرية القذرة ، التي فرضت علينا منذ سنوات . يوم كنا نتعامل مع بعضنا البعض .. سيما مع .. وبيننا.. الآتون من المناطق المتعددة التكوين المذهبي .. أو أن لهم انتماءات قومية مختلفة .. نتعامل كلنا .. معاملة أخوية .. متمدنة .. بوم كنا نتبادل المصالح في الوطن الواحد .. والسوق الواحد .. باحترام متبادل .. وفوائد متبادلة ..

أي قبل أن نتحول إلى كائنات متحاربة .. جشعة .. شرسة . وقبل أن يصبح الوطن غابة .. ويصبح السوق بازار للدماء البشرية .. وتصبح علاقاتنا بعامة وحشية معادية للمصالح الإنسانية .

ـــــــ ـــــــــ ــــــ

تستدعي مفارقات الزمن .. الإشارة إلى أوضاع تلاقينا .. في الربيع .. والصيف قبل الحرب .. وسنبدأ بلقائنا في الصيف الأخير قبل الحرب .. وإبان مجريات هذه الحرب القائمة الآن .

ـــــــــ ـــــــــ ــــــــ

تنظم نقابتنا في صيف كل عام .. أكثر من رحلة إلى المناطق الساحلية . حيث نستمتع بالطبيعة براً وبحراً .. وبأسعر تكاد تكون رمزية .. ما يشجعنا على الاشتراك فيها كل عام . وقد فوجئنا في العام الأخير برحلة بعيدة عن البحر .. وتتجه إلى منطقة تقع شمال حلب .
ولدى سؤال مسؤول الرحلة .. ضحك وأجا ب :
= نحن نذهب سنوياً إلى البحر .. ونستمتع بالبحر .. سباحة .. ومناظر ساحرة . وقد اقترح الزميل .. عبد الله أ. أن نغير الاتجاه إلى موقع آخر هذا العام . وذلك بالذهاب إلى مكان آخر .. يقع شمال شرق حلب . إلى موقع جبلي .. ليس مرتفعاً .. مرهقاً . إنه جميل متواضع .. متعد دالقمم المنخفضة والمتوسطة .. وغني بتنوع الأماكن الجميلة ... وبخاصة .. وادي نهر " صابون .. الممتد في واد ممتع ، منبسط ، مشجر ، ويكتظ بالطيور الأليفة الملونة . وترفده المياه الغزيرة من على بعد عشرات الأمتار ..

أنا أسكن بالقرب بهذا المكان . وأتردد وعائلتي عليه . وقد تكون لدي معرقة جيدة لمعظم الأماكن الجميلة فيها .. من مشاهد طبيعية .. إلى النظافة الشعبية الواضحة .. إلى الأمان المستقر .

إنها بلدة " النبي هوري " .. ,بقال أحياناً .. النبي كورش .. التي تقع شمال شرقي عفرين على بعد ( 45 . كم) . وتقع قلعتها على بعد ( 2 . كم ) من الحدود مع تركيا .
وقد كانت قبل الميلاد بألف عام ، تحت حكم النبي " داود " .

ـــــــــ ـــــــــ ــــــــــ

وانطلقنا من حلب باكراً .. أملاً أن نصل " النبي هوري " قبل ازدحام المكان . وأن نأخذ مكاناً جميلاً أكثر من غيرنا .

ولما وصلنا " النبي هوري " فوجئنا بعدد كبير من الناس قد سبقونا إليها ا.. وهم يتمركزون في أماكن اختاروها قبلنا .. وبخاصة على ضفتي نهر " صابون " الغزبر الوادع .. أو بالقرب منه .. أو قرب الينابيع الغزيرة الصافية التي ترفد النهر . أو حيث يؤجرهم سكان المنطقة من خيام ، ومعدات للراحة ، والطبخ بأسعار بسيطة .
وبروح يغمرها اللطف في التعامل عند تلبية الحاجة المطلوبة .. للاستمتاع بالرحلة .. سواء كانت جماعية .. أو عائلية .. أو صداقات محدودة .

كان نهاراً ليس مثل كل نهار في رحلاتنا السابقة . كان عيداً كانت كل الجموع .. والأفراد .. تتفنن .. تبدع أشكال ووسائل المتعة والفرح .. طهواً لذيذاً أو غناءً .. أو رقصاً .. أو أداء ألعاب هزلية مضحكة .
كانت الأغنيات تصدح باللغات المختلفة.. وكانت روائح الأطعمة تعبق بالمكان .. ويتم تبادلها بين الأفراد والجماعات بسخاء
وكان الأطفال يتراكضون .. يلعبون في مختلف الاتجاهات
وكان الشباب والصبايا .. يتبادلون الغزل .ز عن قرب .. وعن بعد .. دون حرج أو سؤال .
وفي غمرة هذه الجموع سأل أحدهم زميلاً له
= كيف تقيم هذه الرحلة .. وحركة كل هؤلاء الناس بأشكالهم وعاداتهم ولغاتهم وتعبيراتهم الاجتماعية والمتعددة اللافتة .. ؟
أجاب الثاني ويبدو أنه كاتب .. أو شاعر ..
= هذه أكبر من الرحلة .ز إنها ملحمة شعبية عفوية .. تعبر عن وحدة الشعب السوري .. أنظر إلى الألبسة .. والسمات الإنسانية .. واسمع اللغات .. واللهجات . واستمتع بعبق الطبخ الشعبي وتذوقه .

كل هذا لا يأتي من مصدر واحد .. ولون واحد . إنه يأتي لغاية واحدة . وهي التأكيد على وحدة الانتماء .. والرغبة في صياغة السلام والفرح .

=ــــــــــــــ ـــــــــــــ ــــــــــــ

وقبيل الغروب بدأ الاستعداد للعودة . وكان المكان المتفق عليه للقاء وسائل النقل .. هو جزء من جمال بلدة " النبي هوري " حيث انتشرت في محيطه أشجار الزيتون .. وأشجار الرمان . وتحلق في المحيط زهر الرمان الإلهي الأحمر القاني الذي تتو سطه براعم صفراء .. فجعل المكان عرساً يتألق بروعة طبيعية بهية اللون .

وتساءل البعض في حد يث متبادل .. لا يخلو من المزاح .. والاحترام .ترى عندما ينظر " النبي هوري " إلى زواره .. حاملي مقومات الحياة والبقاء والسعادة .. ويقارن الآن ما يرى في أفراح الرحلات .. بما كان يجري قبل ألف عام وأكثر .. من حروب وقتل .. ودمار . سيما في عهد السفاح الملك " داود " .ز الذي حول قلعته الجميلة إلى خراب وآثار مشوهة .
ونتيجة المقارنة لا تحتاج إلى إمعان . إن " النبي هوري " هو مع السلام .. ومع المقومات التي توفر السلام .

ـــــــــــــ ــــــــــــ ــــــــــــ

وبات من الضرورة بمكان ، أن نقوم نحن الآن .. في خضم حربنا الآن .. بمقارنة أفضلية السلام على الحرب . هل يجب أن ننتظر آلاف السنين .. لنتوصل القناعة التي توصل إليها " النبي هوري "
وفي حربنا الوسخة الجارية منذ سنوات دون توقف .. لابد من السؤال .. ترى ما هو مصير مقام .. وهيبة نبي السلام " هوري " وهو لا يبعد عن حدود تركيا .. عن السلطان " أردو غان " الدموي أكثر من " داود " .لا يبعد في حربه على الكرد وسوريا سوى ( 2 . كم )
السلام لك .. وعليك .. أيها النبي هوري .. الذي حافظ على سمعته المقدسة .. وتمسكه بقلعته ثلاثة آلاف عام ..

=ــــــــــــــ ــــــــــــ ــــــ

أيها النبي الخالد .ز
لاغنى عن أن نذكر أن ما يتساقط في هذه الأيام ، من نيران مدمرة على مقامك .. ومحيطك .. ليست نيران " داود " فهو يستخدم المقلاع والحجر . إنها نيران " داعش " .. وأتراك " أردو غان " .. وأميركا .. وعملاء أميركا " قسد "
إنها نيران الكفرة بالإنسانية والمعتقد والحضرات والقيم .
إنها نيران الحرب التي فرضها أولئك علينا . وهي طالما كانت مستمرة ، تحول دون زياتنا لك .. لنعبر عن احترامك .. وعن قيم السلام والحب ، والوحدة الشعبية ، والفرح .. التي تتجلى في زيارتك .. تحت رعايتك ..

أيها النبي الخالد .. يا جاذب الجموع المتنوعة .. والملهم لملاحم .. الإ لفة .. والوحدة الشعبية.. والمسرة الجماعية .. والفرح ..
لك السلام .. والاحترام الأبديين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا