الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهر ابريل القادم دورة قد تكون استثنائية لمجلس الامن حول قضية الصحراء

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2018 / 3 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


من الأكيد ان مجلس الامن سيعقد في أواخر ابريل القادم دورة حول نزاع الصحراء . وقد دأب المجلس يعقد مثل هذه الدورات منذ بدأ العمل العسكري بدعوى الحفاظ على الامن والسلم الدوليين ، رغم ان هذا السلم وهذا الامن لم يكن مهددا دوليا على الاطلاق . المجلس يكون قد اصدر حوالي اثنتي وأربعين قرار منذ بداية النزاع المسلح ، والى الآن ، وآخر دورة كانت في ابريل 2017 ، لم يستطع المجلس وضع حد لنزاع عمر اكثر من اثنتي وأربعين سنة ، بل يعتبر من اقدم النزاعات التي انتقلت من النزاع المسلح الذي دام ستة عشر سنة ، والصراع السياسي والحقوقي والبدلوماسي منذ التوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار وتحت اشراف الأمم المتحدة في سنة 1991 ، أي سبعة وعشرين سنة .
الغريب في قرارات مجلس الأمن ، انه رغم تعددها ، فهي قرارات من طينة واحدة ، حيث كل قرار ينسخ القرار الذي سبقه ، وكأننا امام نفس القرار . ان شكل ومضمون صياغة القرارات كان مقصودا ، لان هدفه كان إطالة الصراع طالما ان الدول العظمى لا تستعجل الحل الذي لم يحن وقته . وطالما ان نص القرار يحمل في طياته استحالة تطبيقه . ان التنصيص على الشرط الواقف في كل القرارات (موافقة وقبول اطراف النزاع لأي حل) ، هو عصى موضوعة في عجلة أي حل قد يطرحه احد الأطراف ، وبما ان لا احد من الأطراف سيوافق او سيقبل بحل الطرف الآخر ، فهذا دليل على استحالة تطبيق الاستفتاء من جهة ( وهنا يرضي القرار المغرب ) ، ومن جهة عدم اعتراف القرارات بمغربية الصحراء ( وهنا القرارات ترضي الجزائر والجبهة ) .
ان هذا الستاتيكو الذي خيم على المنطقة منذ التوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار ، بحيث لا يزال الوضع على ما كان عليه قبل 1991 ، قد عرف تغييرا جذريا هذه المرة ، وتطورات خضعت لسياسة الامر الواقع التي فرضت نفسها على الصراع بالمنطقة ، ويكون هذا الجديد الذي هو اعتراف النظام المغربي بالجمهورية الصحراوية ، وبالحدود الموروثة عن الاستعمار عندما اعترف بالقانون الأساسي للاتحاد الافريقي ، قد خلخل ليس فقط الوضع القانوني الذي فرض نفسه بعد هذا الاعتراف ، بل خلخل حتى وضع مجلس الامن الذي اصبح متجاوزا في قراراته التي تنص على الاستفتاء . فكيف يمكن تصور استمرار المجلس في التنصيص على تقرير المصير ، ونحن اصبحنا امام حقيقة جمهورية اعترف بها احد اطراف النزاع الأساسيين الذي هو النظام المغربي ؟
ان هذا الاعتراف بدوره ، سيعرف تطورا سلبيا بخصوص مغربية الصحراء ، حين اعترف الاتحاد الأوربي بالجمهورية ، سواء من خلال الجلوس معها في اللقاء الأفرو-- اوربي ، او من خلال حكم محكمة العدل الاوربية الذي صدر متزامنا مع تاريخ تأسيس الجمهورية الصحراوية في 27 فبراير 1976 ، ومن المنتظر أنّ اعتراف النظام بالمغربي بالجمهورية الصحراوية ، يكون قد سهل وفرّش للاعتراف القادم بها من قبل الأمم المتحدة .
ان كل هذه التطورات التي لم تكن متوقعة وفرضت نفسها في آخر لحظة ، ستلقي بظلالها على القرار القادم لمجلس الامن الذي سيكون مختلفا عن كل القرارات السباقة التي خرج بها منذ 1975 . فبالرجوع الى سياسة الامر الواقع التي فرضت نفسها ، فمن المنتظر ان يكون القرار القادم محرجا انْ لم يكن مضراً بأطروحة مغربية الصحراء التي تخلى عنها النظام عندما اعترف بالحدود الموروثة عن الاستعمار ، واعترف بالجمهورية الصحراوي . لأنه ما الفائدة ان يكون وضع مجلس الأمن متخلفا عن التطورات التي رمت بظلالها على العلاقة بين بلدان المنطقة بعد هذا الاعتراف ؟ وما الفائدة ان يسقط المجلس في الرتابة والروتين والتكرار اذا كان سيصدر قرارا بنفس شكل ومضمون القرارات السابقة ؟ الا تكون الدورة القادمة في هذا الحال دورة مضيعة للوقت والجهد وللتكاليف والمصاريف ؟
لذا فان القرار القادم يجب الاّ يفاجئ الجميع ، لان المجلس في هذه المرة سيحرص على تغيير المشهد بالاستناد الى الجديد بالمنطقة وبالساحة الدولية ، وقد يذهب المجلس هنا الى تضمين القرار توسيعا لصلاحيات المينورسو لتشمل حقوق الانسان ، والدعوة الى اشراك الاتحاد الافريقي والاوربي ( أصدقاء الصحراء ) ، وقد ينص القرار على الاستفتاء مباشرة طبقا للمسطرة الأممية ، ودون ربطه بالشرط الواقف ( القبول والموافقة ) ، مع رسم اجندة معقولة للاستفتاء ، كما قد ينص القرار على تعيين لجنة لمراقبة ثروات الصحراء واجواءها ومياهها ، باعتبارها مناطق متنازع عليها ولا تعترف بها الأمم المتحدة ، وبالاستناد الى احكام محكمة العدل الاوربية ، كما قد يشمل القرار القادم طرح النزاع على انظار الجمعية العامة للأمم المتحدة ، كما كان عليه الحال قبل 1975 ، ومن ثم الرجوع الى سنة 1960 التي صدر فيها القرار الاممي 1514 الذي يعتبر الصحراء الغربية أراضي تخضع لتصفية الاستعمار ، وحلها ان باشرتها الأمم المتحدة بدل مجلس الامن ، ونظراً للتطورات الجديدة التي طرحت في الساحة بعد اعتراف النظام بالحدود الموروثة عن الاستعمار وبالجمهورية الصحراوية ، فانه قد يتجاوز قرارات مجلس الامن ، من التأكيد على حل الاستفتاء ، الى الاعتراف المباشر بالجمهورية الصحراوية .
امام هذا الضغط الممارس على النظام المغربي ، فإن هذا اصبح يتمسك فقط بمجلس الامن بسبب القرارات المستحيلة التطبيق التي يصدرها كل سنة من شهر ابريل ، ويرفض تدخل الجمعية العامة لمعالجة القضية ، كما يرفض تدخل اتحاد الافريقي والاتحاد الأوربي ، ويرفض انشاء اية وصاية دولية او افريقية ( الاتحاد الافريقي ) لتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل حقوق الانسان ومراقبة الثروات الطبيعية .
ان القرار القادم لمجلس الامن سيكون هذه المرة متميزا عن القرارات السابقة ، وسيكون صادما لأطروحة مغربية الصحراء ، لان المجلس ليس بليدا ان يتخلف عن التطورات الجديدة بالمنطقة ، ولن يكون مغفلا حتى يدرج على اصدار نفس القرارات التي دأب يصدرها منذ سنة 1975 .
فحتى يعطي المجلس مصداقية لهيئته ولقراراته ، وحتى يحرك المياه التي لم تعد راكدة واضحت تسير بسرعة لافتة ، فان المجلس سيركز على التقدم خطوة غير منتظرة في تحديد الوضع القانوني والسياسي والطبيعي للأراضي المتنازع عليها ، وحتى يتماشى مع العد العكسي الذي فرض نفسه منذ انضمام النظام الى الاتحاد الافريقي .
ان الدورة القادمة لمجلس الامن ستكون مصيرية ومحددة لأجندة راديكالية لا يتجاوز تنفيذها أواخر 2019 . اما إذا لم يستطع المجلس مواكبة التطورات اللاّحقة ، ولم يتقدم شبرا في ترتيب الأوضاع ، وهو ما قد يعني ديمومة الستاتيكو ، فان نزاع الصحراء قد يخرج من اختصاص مجلس الامن الذي يعول عليه النظام المغربي ، لتتولى البث فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة كما كان الامر منذ 1960 وحتى 1975 .
الملفت للاختلاف في القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة منذ بداية ستينات القرن الماضي ، كالقرار 1514 ، والقرار 34 / 37 الصادر سنة 1979 الذي يعتبر الجبهة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي ، والقرارات المنسوخة لمجلس الامن ، أنّ قرارات هذا الأخير كانت ولا تزال قرارات سياسية إرضائية للنظامين المغربي والجزائري . فالتقدم بشرط واقف لتنفيذ الاستفتاء ، والذي هو حصول قبول وموافقة اطراف النزاع ، وحيث ان هذا القبول والموافقة لن تتحقق ابدا في ظل توسيع الخلافات بين النظامين ، فهذا الاشكال المقصود يخدم النظام المغربي باستحالة تطبيق الاستفتاء . لكن حين ينص القرار على الاستفتاء ، فهذا يعني ان مجلس الامن لا يتعرف بمغربية الصحراء ، ويكون هنا قد أرضى النظام الجزائري ، وإنه نفس الارضاء نلاحظه عند تحليل الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 16 أكتوبر 1975 .
اما القرارات التي كانت تصدرها الجمعية العامة للأمم المتحدة ، فكانت اكثر راديكالية ، لأنها كانت تدعو فقط الى الاستفتاء دون ربطه بضرورة تحقيق شرط واقف مثل قرارات مجلس الامن ، وهذا الاختلاف البيّن بين القرارات ، هو ما يجعل النظام يتمسك فقط بمجلس الامن ، ويرفض تدخل الأمم المتحدة .
كما ان تشبث النظام المغربي بمجلس الأمن ، يمليه تواجد فرنسا التي تعطل باستعمال حق الفيتو بعض القرارات التي قد تمس بالسيادة ، وفرنسا المدركة بخطورة الوضع بالنسبة للنظام المغربي ، فرغم انها تصوت بالإيجاب على جميع القرارات التي تنص على الاستفتاء ، فإنها في الواقع وعلى الأرض تعطلها ، لأنها تدرك جيدا ان مصالحها المرتبطة مع النظام ستكون في مهب الريح ، لان تنظيم الاستفتاء يعني انفصال الصحراء ، ويعني اوتوماتيكيا الإسراع بتفتيت المغرب ، وبحتمية اسقاط او سقوط النظام . لذا ففرنسا لا تستعجل من امرها طالما ان النظام لا يزال يواصل تحت حمايتها ، لكن إنْ اصبح النظام مهددا بالزوال ، فان فرنسا سوف لن تتأخر في فرض قرار الاستفتاء بدعوى الالتزام بالمشروعية الدولية .
ان ما يهمنا الآن ليس ما يُختمر او اختمر منذ اعتراف النظام بالجمهورية الصحراوية وبالحدود الموروثة عن الاستعمار، كما لا يهمنا الجرجرة التي عرفها الملف منذ 1975 ، والتي تنقسم الى فترتين :
ا – فترة أولى وتبدأ منذ سنة 1975 ، وحتى سنة 1991 ، أي ستة عشر سنة من الحرب الضروس .
ب – وفترة ثانية ابتدأت منذ التوقيع على اتفاق وفق اطلاق النار وتحت اشراف الأمم المتحدة في سنة 1991 ودامت هذه الفترة سبعة وعشرين سنة ، دون ان تنجح فيها ( المينورسو ) من تنظيم الاستفتاء ولا تقرير المصير .
لكن ما يهمنا بدرجة أولى ، وحتى لا نفاجأ ، هو كيفية وخطورة معالجة مجلس الامن للنزاع الذي استعصى عن الحل ، باستعمال الفصل السابق من ميثاق الأمم المتحدة ، وهنا سنسقط مباشرة في نموذج تيمور الشرقية ، وقد يكون هذا القرار في دورة ابريل 2019 ، فيما إذا ظهر بصيص أمل لمواصلة المفاوضات بين اطراف النزاع خلال دورة ابريل 2018 ، لكن هذه المرة قد تكون دورة 2019 هي أخر دورة للمجلس بخصوص مناقشة النزاع لأنه من غير المستساغ ان يستمر الوضع على ما هو عليه لسنوات أخرى قادمة .
وقد يستعيض المجلس من المواقف المتباعدة لأطراف النزاع ، وقد يعلن الاستسلام وحتى الفشل ، وبطريقة حربائية يعرض المشكل على انظار الجمعية العامة للأمم المتحدة ، باعتبارها تمثل المجتمع الدولي الذي يعني السيادة الدولية . والمجلس هنا لن يجد من بديل ، وهو نوع من التهرب من المسؤولية ، سوى التخندق وراء أي قرار تصدره الأمم المتحدة في النزاع الذي عمر لأكثر من ثمانية وخمسين سنة مضت ، أي منذ سنة 1960 حين كانت الجمعية وحدها وليس مجلس الامن ، هي من تتولى البث في الموضوع ، وتصدر القرارات الراديكالية المؤدية الى الانفصال .
فإذا عالج مجلس الامن النزاع باستعمال البند السابع ، ولنتصور اعتراض فرنسا باستعمالها لحف الفيتو ، فلا مناص من عرض النزاع على الجمعية العامة ، وهنا لا مناص من الانفصال ، لأن كل دول الاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي ، وكل الدول الاسكندنافية ، والولايات المتحدة الأمريكية ، واليابان ، وروسيا الاتحادية ، والصين ، والكوريتين ، وانجلترا ،وأستراليا ،ومصر، والجزائر ، وتونس ، وليبيا ، واليمن ، وموريتانية ... ستصوت لصالح الاعتراف بالجمهورية الصحراوية .
هنا كيف يمكن تصور الوضع الجديد للمغرب بدون صحراءه ؟ وما هي انعكاسات هذا الوضع على الوضع العام للمغرب كبلد وكشعب ؟ وكيف سيكون مصير النظام الذي تلاعب بالصحراء واضاعها بالمجان ؟
كل المؤشرات تنبؤ بمستقبل حالك لمصير الصحراء ، ولوحدة المغرب ارضا وشعبا .
فمن المسؤول ومن يعطي الحساب ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على