الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آسيان والهند.. علاقات محورها التنين الصيني

عبدالله المدني

2018 / 3 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


مما لا شك فيه أن التحولات الاقليمية والدولية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، وانتهاء الثنائية القطبية، فرضت على بعض الدول انتهاج سياسات وتبني رؤى مختلفة عما كان سائدا زمن الحرب الباردة. من هذه الدول الهند التي يمكن القول إنها اضطرت إلى خلع ردائها الاشتراكي القديم وارتداء رداء اقتصاد السوق، فنجحت بامتياز في الانتقال من حال إلى حال دون معوقات تذكر، بل كان مردود هذا الانتقال عليها سريعا وايجابيا.

ومن ثمار ما حدث، تبني الحكومة الهندية لما يعرف بـ«سياسة التوجه شرقا» ( تغير اسمها الآن إلى «سياسة التفاعل شرقا») بمعنى تطوير وتعزيز علاقاتها الثنائية والجماعية مع دول رابطة «آسيان» الجنوب شرق آسيوية؛ بهدف الاستفادة من تجاربها والتعاون معها في ما يصب في صالح الطرفين، خصوصا وأن في دول آسيان الملايين من ذوي الأصول الهندية ممن يعملون وينشطون في حقول التجارة والصناعة والادارة والزراعة، بل ممن يملكون شيئا من النفوذين السياسي والاقتصادي، ناهيك عن أن روابط الطرفين ذات جذور عميقة تعود إلى زمن الحضارات القديمة. وقد رحبت سائر دول آسيان بالتوجه الهندي، ولم تجد فيه ما يدعو إلى القلق والحذر كذلك الذي عادة ما يطفو في حالة أي تحرك صيني تجاهها.

وقد بدا جليا إلى أي مدى توثقت الشراكة والثقة بين الطرفين خلال أعمال القمة التي استضافت نيودلهي في نهاية يناير من العام الجاري على هامش احتفالات الهند بيوم الجمهورية التاسع والستين؛ إذ لم تدعُ الهند زعيم دولة أجنبية واحدة لمشاركتها تلك الاحتفالات كضيف شرف كما جرت العادة، وانما وجهت الدعوة إلى كل زعماء دول الآسيان العشر، وهؤلاء لبوا الدعوة دون استثناء، الأمر الذي شكل تظاهرة دبلوماسية لم يسبق لها مثيل.

والجدير بالذكر أنه في العام الماضي حلت الذكرى الـ 25 لتدشين حوار الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين، كما حلت الذكرى الـ15 لأول اجتماع بين الطرفين على مستوى القمة، والذكرى الخامسة لاطلاق الشراكة الاستراتيجية، علما بأن الجانبين منخرطان منذ سنوات في 30 منصة من منصات الحوار الخاصة بقطاعات وميادين متنوعة شاملة الاقتصاد، والسياحة، والتكنولوجيا، وعلوم الفضاء، والتعليم والتدريب، والبيئة النظيفة، والطاقة البديلة، والتصدي للعمليات الارهابية والجماعات الانفصالية، ومقاومة القرصنة البحرية وتجارة البشر والمخدرات، وغيرها. علاوة على ذلك هناك منصات غير رسمية تجمع رجال الأعمال والمستثمرين الهنود بنظرائهم في دول رابطة آسيان.

واذا تفحصنا الأرقام والاحصائيات المنشورة، نجد ان الطرفين مجتمعين يشكلان ثقلا بشريا في حدود 1.85 بليون نسمة (ثلث اجمالي سكان كوكب الأرض)، وناتجا إجماليا يتجاوز 3.8 تريليون دولار، الأمر الذي يجعلهما معا ثالث أكبر اقتصاد في العالم. فاذا أضفنا إلى كل هذا حقيقة أن حجم تجارة الهند ودول رابطة آسيان في الإتجاهين تجاوز ما قيمته 76 بليون دولار، وأن حجم الاستثمارات الهندية في دول آسيان في الفترة ما بين 2007 إلى 2015 بلغ أكثر من 39 بليون دولار مقابل 49 بليون دولار من استثمارات دول رابطة آسيان في الهند في الفترة من 2000 إلى 2016، فإننا أمام مشهد يحتم تعاون الجانبين أكثر فأكثر.

ومما لا جدال فيه أن أهمية هذا التعاون بين الهند ورابطة آسيان قد تضاعفت اليوم على ضوء النفوذ الصيني المتعاظم في مياه المحيطين الهادي والهندي، والقلق الذي يساور الجانبين من تداعياته الأمنية والاستراتيجية من ناحية، ثم على ضوء تهديدات الجماعات الارهابية الساعية إلى مد أنشطتها إلى أراضي الطرفين؛ من أجل زرع الفوضى وعدم الاستقرار من ناحية أخرى، خصوصا في ظل عجز مؤسسات المجتمع الدولي عن إيقاف الحروب وحل الأزمات الاقليمية المستفحلة.

وعلى حين أن دول آسيان راغبة في أن تقوم الهند بدور استراتيجي أعظم إزاء التوسع الصيني الاقليمي في المنطقة وما يرتبط بسياسات بكين من عناد خلال السنوات القليلة الماضية، في ظل انحسار الدور الامريكي، بل ترى في الهند عامل توازن يبعد عنها ــ ولو نظريا ــ شبح الهيمنة الصينية، فإن نيودلهي تبدو حذرة. بمعنى أنها لا تريد الذهاب بعيدا الى حد الاصطدام ببكين، وتحبذ تقديم الدعم الدبلوماسي وارسال رسائل إلى الصينيين بأنها لن تقف مكتوفة اليدين، خصوصا وأنها تعلم أن سياسات دول آسيان الاقليمية ليست متطابقة تماما. وفي الوقت نفسه تكرر في كل الاجتماعات على مستوى وزراء الخارجية بأن الهند لن تسمح لأيٍّ كان بالمسِّ بنفوذها في دول آسيان لأنه نفوذ لم ينجم عن الغطرسة أو الاستعمار أو ليِّ الأذرع، وانما تحقق من خلال الأسلحة الناعمة مثل التواصل والتجارة والثقافة، بحسب وزيرة الخارجية الهندية السيدة ساشما سواراج.

غير أن الحكومة الهندية، وهي تشدد على مثل هذه السياسات والمواقف، تعمل في الوقت نفسه على تعزيز مركزها الاقتصادي في دول آسيان بصورة كما لو أنها تتصدى لمشروع «الحزام والطريق» الصيني الذي ترفضه وتقاومه نيودلهي وتتحسس منه دول آسيان، على الرغم من مبادلات الأخيرة التجارية الضخمة وعلاقاتها الاقتصادية المتينة بالتنين الصيني. ولعل أوضح دليل على تحركات الهند في هذا السياق هو قيامها بتنفيذ طريق ثلاثي سريع بطول 1400 كيلومتر (ينتظر الانتهاء منه في العام القادم) يربطها برا بميانمار وتايلاند وبالتالي بعدد آخر من دول آسيان، وقيامها في الوقت نفسه بطرح فكرة ربط هذا الطريق ــ من خلال تايلاند ــ بكل من فيتنام ولاوس وكمبوديا. وبطبيعة الحال فان كل هذا سوف يعزز التبادل التجاري والتواصل السكاني والتعاون الفني بين الجانبين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى