الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الثورة و النضال من أجل المساواة بين الجنسين - مريم جزايري
شادي الشماوي
2018 / 3 / 19ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الثورة و النضال من أجل المساواة بين الجنسين
مريم جزايري
( العنوان الأصلي " الثورة " وهو عنوان الفصل 14 من كتاب :
" الماركسيّة و النسويّة " ، تجميع و نشر شهرزاد موجاب ، كتب زاد ، لندن 2015 )
تعريف مقتضب بالمؤلّفة بالصفحة 376 من الكتاب :
" مريم جزايري باحثة و ناشطة في الحركة الشيوعيّة الإيرانيّة منذ أواخر سبعينات القرن الماضي . وهي تساهم بصفة منتظمة في النقاشات النظريّة حول الحركات النسائيّة و تجديد الشيوعيّة .
------------------------------------------------------
دعونى أستهلّ حديثي بملاحظة مباشرة و إستنادا إلى هذه الملاحظة ، أقدّم مقترحا لموقف و حلّ سياسيّين واضحين . الإنسانيّة تصارع اللامساواة و الفقر و الإضطهاد السياسي و الحروب و الاحتلال و الظروف العالميّة التي أوجدها النظام الرأسمالي العالمي . و لا يجب أن يستمرّ هذا الوضع ، يجب أن نضع له حدّا . لذا علينا أن نفكّر في كيفيّة قلب مسار هذا الوضع و ما هي القوّة الإجتماعيّة التي يمكن أن تدفع كتابة فصل جديد في تاريخ الإنسانيّة يكون فيه التنظيم الاجتماعي مغايرا جذريّا ، و هكذا يتمّ تحرير الإنسانيّة من مجازر الرأسماليّة . هذا ما أطلق عليه ثورة .
عقب ما يسمّى ب " الربيع العربي " و الحركات المناهضة للتقشّف في أوروبا ، صارت كلمة " ثورة " كلمة شعبيّة . باتت مفهوما عالي الإحترام في صفوف قطاعات متباينة من الجماهير بعدما جرى تشويهه خاصة طوال العقود الثلاثة الماضية. و بينما يعود هذا إلى المشهد السياسي لمفهوم " الثورة " كطموح منعش ، فإنّ مضمونه و معناه يظلاّن ضبابيّين إلى درجة خطيرة . و ينظر غالبيّة الناس إلى الثورة على نحو يؤدّى عمليّا إلى الإبتعاد عنها . إنّ الفهم الشعبي و المشوّه للثورة هو إمّا " المضيّ من الأسوأ إلى السيّئ " و إمّا نوع من المناورة في إطار هيكلة السلطة ، و في كلتا الحالتين تظلّ العلاقات الإجتماعيّة الرأسماليّة ، بما فيها البطرياركيّة / النظام الأبوي ، هي هي في ألساس . و بالتالى ، التحدّى هو إنجاز تنظير جلي و دقيق لمفهوم الثورة .
الثورة ليست هدفا أخلاقيّا و مضمونها لا يتحدّد في كلّ عصر تحديدا عبثيّا . و مثلما حاجج ماركس ، الثورة الإشتراكيّة ضروريّة و ممكنة بفعل التناقضات الباطنيّة للرأسماليّة . الثورة صراع طبقي معقّد ، تدخل فيه عديد العناصر المتناقضة وهي في نفس الوقت في وحدة و صراع مع بعضها البعض . و في هذا الفصل ، سأحاجج بأنّ الثورة في عصر الرأسماليّة لا يمكن إلاّ أن تكون ثورة شاملة ، ثورة تفكّك الدولة الرأسماليّة ، خاصة مؤسّساتها للعنف المنظّم و القمع السياسي – كقواتها المسلّحة و شرطتها و سجونها و كذلك قوى بيروقراطيّاتها الإداريّة . كما يجب القضاء بموجب هذه الثورة الشاملة على التملّك الخاص للإنتاج الإجتماعي . يجب أن تقود الثورة قوى إجتماعيّة لها مصلحة عميقة في إلغاء الإختلافات الطبقيّة ، و علاقات الإنتاج التي تنتج هذه الإختلافات الطبقيّة و العلاقات الاجتماعية التي تتناسب و علاقات الإنتاج هذه ، و الثقافة التي تعمل سقالة و واجهة لمجمل هذا النظام الاجتماعي الإستغلالي و الإضطهادي . و هذا لا يمكن تحقيقه عدا بواسطة نظريّة و ممارسة و وعي ثوريين .
أكتب كشيوعيّة ثوريّة من الشرق الأوسط لها تجربة ثريّة في صفوف الحركة النسائيّة الإيرانية . لقد نشأت سلطة الدولة التيوقراطية الحاليّة في إيران في فيفري 1979 و دشّنت حكمها بفرض الحجاب على النساء . و تمرّدت النساء و نظّمن إحتجاجا جماهيريّا في 8 مارس 1979 و كان شعارهنّ " لم ننجز ثورة لنعود إلى الوراء " يلخّص إحتجاجاتهنّ . و اليوم نعلم أنّ صعود التيوقراطيّة في إيران كانت له إنعكاسات عبلا العالم و لا يزال يشكّل و يؤثّر على المشهد الإيديولوجي ، لا سيما فلى ما يتّصل بإضطهاد النساء . فهمى الأحدّ لمفهوم " الثورة " متأثّر إلى درجة كبيرة بهذا التاريخ . و سأركّز على أعمال النسويّات [ المناضلات من أجل المساواة بين الجنسين ] الماركسيّات على غرار سلفيا فدرتشى و ماريا ميس قصد التعاطى النظري بأكثر عمق مع موضوع التحويل الثوري للمجتمع و دور الحركة النسائيّة في هذه السيرورة . و بالتالى ، هذا الفصل ليس عرضا للأدب الغزير بصدد النساء في الحركات الإجتماعيّة ، أدب تعرّضت له على نطاق واسع أعمال مؤثّرة لمؤلّفين مثل أحمد ( 1982) و دافيس (1983) و روبوثان (1972، 1992) ، سنغاتانا (1989) و مارى آن تنريولت (1994). و كي تكون حجّتى واضحة ، أطرح بعض أفكاري عن الترابط بين النظام البطرياركي / الأبوي و الرأسماليّة و كذلك عن العلاقة بين تحرير النساء و تحرير الإنسانيّة .
بعض الإعتبارات الفلسفيّة (1)
لطالما سعت الأكاديميّات النسويّات الماركسيّات إلى الجمع بين الماركسيّة و النضال من أجل المساواة بين الجنسين على أنّهما قطبا مفهوم سيكون قادرا على تجاوز نظرة جندريّة – خصوصيّة للمجتمع . و من خلال هذه السيرورة ، قدّمت مساهمات ثمينة في فهم دور البطرياركيّة في إعادة إنتاج المجتمع الطبقي ككلّ . و مع ذلك ، أحاجج أنّهنّ لم تنجح في تخطّى إشكاليّة الواصلة في مصطلح النسويّة – الماركسيّة .
و رغم أنّ مزج الماركسيّة و النسويّة كان يسعى على تجاوز " الخصوصيّة " الجندريّة ، فإنّه غالبا ما تحوّل إلى " إختزال طبقي " – القطب المناقض ل " الخصوصيّة " الجندريّة ، و أقصد إختزال العلاقات الإجتماعيّة المعقّدة المتعدّدة الأبعاد على أنّها تتفاعل مع بعد واحد فقط ثمّ زعم أنّ ذلك هو أساس جميع العلاقات الإجتماعيّة الأخرى . هذه نظرة خطّية و ميكانيكيّة للواقع الاجتماعي المعقّد . أحاجج بأنّ الرأسماليّة تجمع بالفعل معا كلّ علاقة سلطة إضطهاديّة و نمط إنتاج إضطهادي في نظام كونيّ واحد .
و أشرح هذه الديناميكيّة – أي العلاقة بين الخاص و العام – بالمعنى الفلسفي . فالبطرياركيّة لم تظهر مع الرأسماليّة و إنّما هي موروثة عن علاقات إجتماعيّة ما قبل رأسماليّة ، لكن الرأسماليّة قد أدمجت البطرياركيّة في ديناميكيّتها . و من ثمّة ، بينما لإضطهاد النساء الذى تعبّر عنه العلاقات البطرياركيّة طابع مختلف عن طابع علاقات الإستغلال الطبقيّة ، له ترابطات شديدة مع العلاقات الطبقيّة في الرأسماليّة . و لنضع ذلك بشكل آخر . إضطهاد النساء في ظلّ الحكم البطرياركي و العلاقات الطبقيّة الإستغلاليّة في ظلّ الرأسماليّة ليسا ظاهرتين خارجيّتين الواحدة نسبة للأخرى ؛ إنّهما مترابطتان لكن منفصلتان ، و إنفصالهما نسبي و ليس مطلقا . إنّ البطرياركيّة و الإضطهاد و الإستغلال الطبقيين مندمجين في كامل الجسد الرأسمالي و فيما يشاهدان منفصلين ، هما مرتبطان وثيق الإرتباط . و تتحدّد خصوصيّات كلّ واحدة بحياتهما العضويّة داخل هذا الكلّ و صلاتهما الباطنيّة مع بعضهما البعض في إطار كلّية العلاقات الإجتماعيّة الرأسماليّة . فى فهم التناقضات و العلاقات الباطنيّة لمختلف أشكال الإضطهاد و الإستغلال بهذه الطريقة ، يصبح من الجليّ أنّ تفرّد لكن ربط الأشكال الخاصة للإضطهاد و الإستغلال ، كالطبقة و الهويّة / الجنسيّة القوميّة و الجندر و الحركات الإجتماعيّة المتصلّة بها لن يوجد التنظير الكوني و حركة إجتماعيّة يمكن أن تفضي إلى تفكيك الرأسماليّة و البطرياركيّة و كافة أشكال الإضطهاد الأخرى .
لا تختزل البطرياركيّة في الإستغلال و الإضطهاد الطبقيين و لا ينبغي أن ننخرط في إستخدام التحليل الطبقي كأداة لتفسير العلاقات البطرياركيّة . للبطرياركية ميزاتها الخاصة على أنّها جزء لا يتجزّأ من الديناميكيّة الباطنيّة للمجتمع الطبقي . و من المهمّ أن نلاحظ أنّ هناك تناقض بين الإضطهاد الطبقي و إضطهاد النساء . و بالتناقض أقصد أنّهما ليسا ذات العلاقات الإجتماعيّة صلب المجتمعات الطبقيّة . فلكلّ منها خصوصيّاته المميّزة و يعوّل على مظاهره الخاصة ليشكّل نظاما إضطهاديّا كونيّا . في هذا التمفصل الجدلي ، " الكوني " لا يطفئ " الخاص " ؛ و بالفعل يوجد العام في الخاص و في ظروف معيّنة من سيرورة التطوّر الحلزونيّ لهذه الجدليّة ، يمكن لإحدى الخصوصيّات أن تغدو التعبير الأدقّ عن العام نسبة للخصوصيّات الأخرى . فعلى سبيل المثال ، بوسعنا أن نرى أن إضطهاد النساء اليوم أضحى تكثيفا و تجسيدا جليّا لسير الرأسماليّة إلى درجة أنّ المرء تغريه إعادة كلمات ماركس عن البروليتاريا و قول إنّ إضطهاد النساء يمثّل كلّ الإساءة إلى كامل الإنسانيّة و الطبيعة . و هكذا ، الموضوع الثوري للبطرياركيّة هو النساء بالمقارنة مع الموضوع الثوري للرأسماليّة الذى هو الطبقة العاملة . غير أنّه لا الطبقة العاملة و لا النساء مواضيع ثوريّة جاهزة . يجب أن تتشكّل مثل هذه المواضيع نظريّا و عمليّا من خلال حركة ثوريّة .
البطرياركيّة أقدم علاقة من التملّك الخاص لنشاط حياة النساء . في ظلّ الرأسماليّة ، تركّز الروابط الإجتماعيّة عبر التعويل الشامل و المتبادل للناس الذين هم غرباء عن بعضهم البعض . و هذا الرابط الاجتماعي يحصل عبر تبادل القيمة. في ظلّ العلاقات الرأسماليّة يحمل كلّ شخص قوّته الإجتماعيّة و كذلك صلاته بالمجتمع في جيبه ( ماركس 1973: 157) . و عندئذ تسمّى العلاقات الإجتماعيّة الخاصة بالعلاقات الرأسماليّة علاقات قيمة . و العلاقات البطرياركيّة ليست العلاقات الرأسماليّة لكنّها تخدم تحقّق علاقات القيمة و إعادة إنتاجها . فمن جهة ، تنزع الرأسماليّة في توسيعها بلا هوادة لعلاقات القيمة إلى جميع أركان الوجود الإنساني ، إلى إلغاء الإنقسام إلى رجل – إمرأة دافعة بنشاط حياة النساء إلى معمعان علاقات القيمة ؛ و من الجهة الثانية ، تقيّد الرأسماليّة النساء في العلاقات البطرياركيّة . و هذا التوتّر لا يمكن أبدا محوه أو حلّه في ظلّ الرأسماليّة طالما أنّ التناقض الأساسي للرأسماليّة لم يعالج : التناقض بين الإنتاج الاجتماعي و تملّكه و التحكّم فيه الخاصين .
دون القضاء على البطرياركيّة ، لن يتمّ القاضء على التملّك الخاص الرأسمالي . تُنشأ علاقات الإنتاج الإجتماعيّة التاريخيّة – العالميّة المندمجة هذه أنواعا متباينة من البروليتاريا – القوّة الإجتماعيّة التي لها أعمق المصالح في إجتثاث الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج و في النهاية ، كلّ أصناف العلاقات السلعيّة و الحقّ البرجوازي . في ظلّ الرأسماليّة ، إضطهاد النساء ليس مظهرا عرضيّا ؛ إنّه مظهر دائم . و هذا يجعل النساء موضوع الثورة الشيوعيّة – موضوع للتشكّل – بالضبط كالطبقة العاملة التي ينبغي أن تصبح موضوع الثورة . بيد أنّ التحوّل إلى موضوع الثورة سيرورة واعية من جانب المضطهَدين .
حول المشاعات : الشيوعيّة داخل الرأسماليّة ؟
و أنا أقرأ كتاب سلفيا فردريتشى ، " كاليبان و ويتش " (2004) ، شعرت بالحماس لمزيد التعلّم و الفهم . فالكتاب يوفّر رؤى ثاقبة عميقة حول كيف أنّ العلاقات الرأسماليّة ، كما طوّرت و عزّزت حكم البرجوازيّة ، منهجت و رفعت إلى مستويات جديدة العنف ضد النساء – بغاية التحكّم في نشاطهنّ الإنجابي و كذلك تقليص إمكانيّاتهنّ الثوريّة . و قد تتبّعت المسار التاريخي للعلاقات بين الدولة الرأسماليّة و النساء من خلال العدسة التاريخيّة لفردريشى و من خلال أعمال أخرى قيمة ألفتها أكادميّات نسويّات أخريات ، خاصة سلما جامس (2012) و ميشال بارات (1988) و العمل الأوّلي لزيلا أر . إيزنشتاين (1979) الذى أثار فيّ أسئلة أعمق بصدد كيف عزّزت البرجوازيّة سلطتها . لقد كانت الدولة الرأسماليّة تحدّد حتّى الأجور إعتمادا على " المنزلي " – ليس إعطاء أجر للعمل المنزلي المنجز و إنّما للإستفادة من الأدوار التي تنهض بها النساء من أجل تخفيض سعر العمل بالنسبة للمؤسّسات الرأسماليّة و كذلك لخلق مؤسسات لضمان إعادة إنتاج سلطة العمل بلا إنقطاع . إنّ الأضواء التي سلّطتها فردريتشى و ملاحظاتها بشأن تاريخ الرأسماليّة و مقاومتها ، و دقّة ملاحظاتها لإكتشاف القدرات الهائلة القائمة من أجل علاقات إجتماعيّة مغايرة جذريّا – بما في ذلك علاقات الإنتاج الشيوعية – أفكار ملهمة و تدعو للتفكير .
لكن مفهوم فردريتشى للمشاعات المقترح كمشروع سياسي أو وسيلة سياسيّة لتحقيق هذه الإمكانيّة يحيد بمرارة عن الهدف. فهي تخفق في المسك بعنصرين من العناصر المفاتيح في سير الرأسماليّة – تحديدا ، هيكلة الدولة و الديناميكيّة الداخليّة للإنتاج الرأسمالي ، و كلاهما يدخلان بإستمرار في و يتأقلمان حتّى مع أشكال الإنتاج الأكثر تصلّبا و مقاومة . و هذا الأساس ( اطار البنية الفوقيّة يجعل من غير الممكن لعلاقات الإنتاج الإجتماعيّة الشيوعيّة أن تمدّ جذورها في ظلّ الرأسماليّة – و بالفعل ، من إستنتاجات فدريتشى المنطقيّة لكن الخاطئة أنّ مثل علاقات الإنتاج هذه يمكن أن تمدّ جذورها ببساطة مثلما مدّت جذورها العلاقات البرجوازيّة صلب الإقطاعيّة ( كافنتزيس و فردريتشى 2013 ) . هذه المقاربة للمجتمع الإقطاعي الذى في رحمه تطوّرت العلاقات الرأسماليّة و الطبقة البرجوازيّة ، مقاربة ميكانيكيّة . و لن يتكرّر هذا – بعلاقات شيوعيّة تتشكّل في رحم الرأسماليّة – لسبب أساسي هو أنّ العلاقات البرجوازيّة ضمن إطار المجتمع الطبقي ليست مختلفة راديكاليّا عن العلاقات الإقطاعيّة . بيد أنّ العلاقات الشيوعيّة لا يمكن أن تولد إلاّ نتيجة القطيعتين الراديكاليّتين اللتين أشار إليهما ماركس : أوّلا ، قطيعة راديكاليّة مع علاقات الإنتاج القديمة و ثانيا ، قطيعة راديكاليّة مع الأفكار القديمة التي تقوم على هذه العلاقات . و القطيعتان غير ممكنتين ، حسب ماركس و إنجلز ، إلاّ مع الثورة الشيوعيّة التي تخوّل :
" للأفراد المنفصلين أن يتحرّروا من قيود قوميّة ومحلّية متنوّعة ، و أن يحتلّوا موقع كسب القدرة على التمتّع بكلّ هذا الإنتاج من كلّ الجوانب ، و هذا الشكل الطبيعي للتعاون التاريخي ـ العالمي للأشخاص ستحوّله الثورة الشيوعيّة بفضل تفاعل الإنسان الواحد مع الآخر،إلى سيطرة و تحكّم واعيين في هذه القوى التي إلى الآن قد سيطرت على الناس و تحكّمت فيهم على أنّها قوى غريبة تماما عنهم . " ( ماركس و إنجلز 1970 : 55 )
تقدّم فردريتشى المشاعات بديلا عن مثل هذه الثورة . فهي تعدّ فكرة المشاعات " بديلا منطقيّا و تاريخيّا لكلّ من الدولة و الملكيّة الخاصة ، الدولة و السوق " ( فريدريتشى 2012 : 138-139 ). و مع ذلك ، في الرأسماليّة ، لا يمكن للملكيّة الخاصة و السوق أو يوجدا دون دولة . و الدولة الرأسماليّة إمتداد لا ينفصل لعلاقات الإنتاج الرأسماليّة . هي الجهاز التنفيذي المشترك للطبقة الرأسماليّة . و يملى هذا الواقع أنّه من أجل تحقيق الإمكانيّة الواردة لمجتمع شيوعي ، فإنّ جهاز دولة الطبقة الرأسماليّة يجب أن يحطّم . كيف يتصوّر هذا الواقع في إستراتيجيا المشاعات ؟ لا يُتصوّر . إنّ مقترحى فكرة المشاعات على أنّه مشروع سياسي مناهض للرأسماليّة يمدحون الزاباتستاس بالمكسيك لعدم محاولتهم الإطاحة بجهاز الدولة . فمثلا ، يصرّح ناغرى و هاردت في كتابهما " ملتيتود " بأنّ هدف الزاباتستاس ما كان قط إلحاق الهزيمة بالدولة و إعلان سلطة مستقلّة و إنّما بالأحرى تغيير العالم دون إفتكاك السلطة " ( هاردت و نغرى 2004: 85).
حتى و إن وُجدت إختلافات طفيفة بين القوى المناهضة للرأسماليّة التي تبنّت هذا المشروع السياسي، ما تشترك فيه جميعا هو فكرة تغيير العالم دون الإطاحة بالدولة الرأسماليّة . و بالتالى لا ترى حاجة إلى نوع مغاير جذريّا من الدولة و لا حاجة إلى طرح أسئلة من قبيل كيف يمكن أن تنظّم كجهاز تنفيذي للمستغَلين و المضطهَدين ، كيف ستفرض على البرجوازيّة المطاح بها علاقات إنتاج جديدة غير إستغلاليّة ؛ و بالفعل ، كيف ستنظّم و تنجز السيرورة التاريخيّة العالميّة ل " الكلّ الأربعة " ، بكلمات ماركس ، إلغاء كلّ الإختلافات الطبقيّة و إلغاء كلّ علاقات الإنتاج التي تفرز هذه الإختلافات الطبقيّة ؛ و إلغاء كلّ الإختلافات الإجتماعيّة القائمة على هذا الأساس و إلغاء كافة ألفكار التي تتناسب و هذا الإطار و تساعد على إعادة إنتاجه ( ماركس 1960: 117). (2)
و تستبعد فردريتشى هذه الثورة الشاملة على أساس أنّ ذلك سيكون دولاتيّا و تعتقد ( أو تتوقّع ) أنّ إستراتيجيا المشاعات قد تكون وسيلة إستبعاد هذه الضرورة . إنّها – شأنها في ذلك شأن كروبتكين (3) قبلا في القرن العشرين – تقف ضد الإستراتيجيا الثوريّة التي توصّل إليها ماركس بتطبيق الماديّة التاريخيّة في دراسة المجتمع الإنساني : أنّ المرور من الرأسماليّة إلى الشيوعيّة يجعل من الضروري تحطيم الدولة القديمة و بناء نوع مغاير راديكاليّا من الدولة قصد تحقيق هذا المرور التاريخي – العالمي – و في نهاية المطاف ، قصد إلغاء الدولة ذاتها . (4) و لقد نقد ماركس بوضوح نزعتين : نزعة الإشتراكيين الطوباويين الذين إعتقدوا بأنّه ضمن إطار المجتمع الرأسمالي كان من الممكن بناء علاقات إنتاج شيوعيّة و نزعة الإشتراكيين الديمقراطيين الذين إعتقدوا أنّه بوسعهم التنافس مع البرجوازيّة بشأن سيطرة البرجوازيّة على الدولة . و معارضا الإشتراكيين الديمقراطيين ، حاجج ماركس بأنّ الثورة ضد المجتمع الرأسمالي تحتاج إلى تحطيم جهاز الدولة البرجوازيّة بدلا من إفتكاكه ( ماركس و إنجلز 1973).
و الآن ، لا يعنى تحطيم الدولة أيّة سيرورة سلسة أو غير متناقضة . عمليّا ، المجتمع الذى سيظهر بعد الإطاحة بالملكيّة الخاصة و دولتها إشكالي للغاية كما دلّلت على ذلك الثورات الإشتراكية في القرن العشرين في روسيا و الصين . المشكل هو كيفيّة ضمان أن لا تتحوّل مثل هذه الدولة الجديدة إلى دولة برجوازيّة . و بالتالى ، تسعى هذه الدولة الجديدة عن وعي إلى " إضمحلال " الدولة نفسها . و لقد أسفرت إعادة تركيز الرأسماليّة في البلدين الإشتراكيين سابقا ، عن إطلاق المثقّفين اليساريين لحملة تنكّر للوقائع الأساسيّة للصراع الطبقي ، تنكّر نظّر له ، ضمن آخرين ، فلاسفة و مفكّرو ما بعد الحداثة. و في موقع القلب من هذا التنظير ما بعد الحداثي يكمن التنكّر لواقع أنّه من أجل تحطيم علاقات الملكيّة القديمة يجب تحطيم الدولة التي تحميها .
ماذا هناك حقّا وراء التحوّل إلى المشاعات ؟
تقدّم فردريتشى عرضا عن كيف أنّ الرأسماليّة يمكن أن تتبنّى " خطاب المشاعات " ، وهي بذاتها ، تحذّر من صياغة خطاب المشاعات " على نحو يصيّره يخوّل للطبقة الرأسماليّة أن تستغلّ هذه الفرصة " ( فريدريتشى 2012: 141 ) – لكن إلى أن يتمّ القضاء على الرأسماليّة ، ستعاد بشكل عام أيّة جهود عفويّة و خلاّقة في إنتاج المعرفة و الحاجيات الماديّة إلى مسارات الرأسماليّة ، إن لم يقضى عليها قضاءا مبرما . من غير الممكن توحيد " عديد المشاعات المتناثرة ... لتشكيل كلّ منسجم يوفّر قاعدة لنمط إنتاج جديد " (5) لسبب بسيط ألا وهو أنّ الرأسماليّة تهيمن على العالم و تملك وسائل الإنتاج. تملك وسائل الإنتاج الضروريّة لبناء الطرقات و المصانع و المعاهد و لتمويل التجديدات – و أكثر من ذلك تملك تعبأة قوّة العمل و التحكّم فيها . و تسمح لها سيطرتها على وسائل الإنتاج بالتحكّم في النشاطات الحيويّة للإنسانيّة ككلّ ، و خاصة النشاطات الحيويّة للشغّالين . و لأجل إرساء " أسس نمط إنتاج جديد " ينبغي أوّلا أن تنتزع ملكيّتها بالقوّة .
و على أن يحدث هذا ، كلّما تجمع الناس لإقامة أي نوع من التعاون ، عاجلا أم آجلا ، سيصبحون هم أنفسهم رأسماليّون أو يتمّ إستبعادهم من الحياة الإقتصاديّة بفعل " اليد غير المرئيّة " للسوق. و مهما كان إتّساع و إندماج مثل هذه المشاعات، لن تقدر على الهروب من الواقع الاجتماعي لحكم الملكيّة و التملّك الخاصين . و مهما تبدو بعيدة عن السوق ، في النهاية ، ستظلّ تحت توجيه النظام الرأسمالي – بعلاقات إنتاجه و كذلك بسلطته السياسيّة .
و بالتالى ، أحاجج بأنّ مفهوم المشاعات يندفع نحو فتح الأبواب على مصراعيها أمام الطبقة الرأسماليّة كي لا تتبنّى فحسب " خطاب المشاعات " بل أيضا كي تتدخّل في و تتأقلم مع أي إنتاج جماعي للمشاعات. وبالفعل ، هذا هو جوهر الرأسماليّة: التملّك الخاص للإنتاج الجماعي . و المشكل ليس أنّنا لا ننتج جماعيّا حياتنا ؛ يمكن أن نشاهد كيف ننتج حياتنا جماعيّا بمجرّد الإطّلاع على ملصقات السلع التي نستهلك يوميّا . فالعلاقات الأساسيّة و الجوهريّة بين مليارات البشر حول العالم تقوم على تبادل قوّة العمل . هذا هو التناقض الأساسي لرأسماليّة و الطابع الاجتماعي المتزايد حتّى أكثر للإنتاج على النطاق العالمي، مع تملّك خاص للإنتاج من قبل قلّة ، تملّك يفرز حركات في صفوف الشعوب المتطلّعة إلى التحرّر من براثن " التملّك الخاص " – حركات مثل " المشاعات " التي وثّقتها و حلّلتها فريدريتشى و أكاديميّون آخرون ( مثلا ، فردريتشى 2012 : 132-143 ؛ كافنتزيس و فردريتشى 2013 ).
في بلدان مختلفة كإيران و الولايات المتحدة ، رأينا كيف أنّه خلال الكوارث الطبيعيّة هذه الأنواع من التعاونيّات المشاعيّة التي تبرز في صفوف الناس و كيف يتقدّم جهاز الدولة لقمعها و للإستيلاء على الجهد الجماعي للناس . و هذه الحركات دفعات دوران حول إمكانيّة و كذلك ضرورة بديل عالمي و نظام إجتماعي صار يصرخ من أجل الشيوعية .
أتّفق مع فردريتشى أنّ هذه الحركات تبيّن أنّ الظروف – على حدّ سواء الماديّة و كذلك تطلّعات الملايين و مقاومتهم عبر العالم – تعلن وجود إمكانيّة تخطّى تنظيم المجتمع على أساس الإستغلال و الإضطهاد . غير انّ هناك حاجز كبير أمام تحقيق هذه الإمكانيّة : السلطة السياسيّة الرأسماليّة أو الدولة التي تضمن أنّ الذين يوجدون في أعلى هرم المجتمع الإنساني يواصلون مذابحهم و سيقومون بكلّ ما يرونه ضروريّا للحفاظ على الوضع السائد . و مثلما شاهدنا في حروبهم الإستعماريّة و الإمبرياليّة ، التحكّم الأمني في المجتمعات و الإغتيالات و السجن و تنفيذ الإعدامات في حقّ الناشطين ضد الرأسماليّة و ما إلى ذلك . و تخفق فردريتشى في أن تأخذ بعين الإعتبار الحاجز الأوضح أمام بلوغ مثل هذا الصنف من العلاقات الإجتماعيّة التي تدعو إليها : السلطة العنيفة للأقلّية – الطبقة الرأسماليّة – الإمبريالية ؛ كما تخفق في طرح موضوع التجاوز الثوري لهذا الحاجز . و في الوقت نفسه ، تخشى كثيرا السلطة الزاحفة لهذا النظام على التحوّل نحو المشاعات ، و بالفعل ، ما يجعل حركة أو مقاومة منيعة نسبيّا من إستيعابها بيسر من قبل النظام هو أن نضع في المركز في كلّ مرحلة من كلّ حركة هدف الإطاحة الثوريّة بالنظام – حتّى و إن لم يكن هذا على جدول الأعمال المباشر . و من الخطإ أن نعتبر أو نصوغ الشيوعيّة كشيء يمكن التوصّل إليه في إطار النظام الرأسمالي و في علاقة تناغم مع سلطة دولته – أو أتعس ، كشيء يمكن للإنسانيّة عفويّا أن تنزلق نحوه ما يعنى عدم تطلّب عمل ثوري واعي لتحطيم القديم و جهود واعية للبشر لبناء المجتمع الجديد .
لأكثر من أربعة عقود ، قد نقد بعض المثقّفين ما بعد الهيكليين أو ما بعد المعاصرين و شوّهوا الثورة على أنّها " رواية كبرى " و أنكروا إمكانيّتها ، و صرّحوا بأنّ إمكانيّتها " قد ماتت ". و على سبيل المثال ، نغرى و هاردت ، اللذان يمدحان تقريبا الإمبريالية الأمريكية على أنّها قوّة تحرّك العالم بإتّجاه تجاوز الرأسماليّة و إضمحلال الدولة . و يمضون بعيدا إلى حدود لردّ التوسّع افمبريالي للولايات المتحدة إلى " نزعتها الديمقراطية التوسّعيّة الكامنة في مفهوم شبكة السلطة التي يجب أن تتميّز عن غيرها ، الأشكال التوسّعيّة و الإمبريالية الجليّة " . ( هاردت و نغري 2000 : 166)
مع تطوّرها ، تصبح الرأسماليّة حاجزا أكبر بصفة متصاعدة أمام تحرير الإنسانيّة من العلاقات السلعيّة ، و بقدر ما تصبح حاجزا أكبر ، بقدر ما تكبر الحاجة إلى التركيز على افطاحة بالسلطة السياسيّة الرأسماليّة و نظامها الاجتماعي . و إلى أن يكفّ هذا الحاجز عن الوجود ، مهما كان قدر المقاومة كبيرا أم صغيرا إن لم يوجّه و يقاد بإتّجاه هدف الإطاحة بهذا الحاجز، ستستهلك الرأسماليّة الإنسأنيّة و تبتلعها . و مثلما بيّن ماركس و إنجلز ، تحوّل الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج و الإنتاج السلعي الرأسمالي المتوسّع أبدا و المصيّر لكافة العلاقات علاقات سلعيّة ، تحوّل كلّ شيء إلى سلعة تباع و تشترى – و في موقع القلب من هذه العلاقات يكمن تحويل إمكانيّات البشر و قدراتهم على الإنتاج و إعادة الإنتاج إلى سلع . و هذا هو القانون المستمرّ الذى يحكم مجتمعاتنا وهو مسنود بسلطة الدولة الرأسماليّة و مؤسّساتها الحاكمة العالميّة . و ضمن هذا الإطار ، ما من فرصة لتطوير نظام نظام إجتماعي مغاير جذريّا – و لا حتّى في دولة جنينيّة .
و مع ذلك ، ثمّة إمكانيّة الإطاحة بالحكم الرأسمالي في أجزاء متباينة من العالم و إمكانيّة الشروع في تشييد مجتمعات جديدة – و توسيع هذه السيرورة الثوريّة بقفزات و وثبات .
و مثلما وضع ذلك إنجلز ، ستضمحلّ الدولة عندما تكفّ ظروف ضرورتها عن الوجود – أي ، المجتمع الطبقي . و الترابط بين المجتمع الطبقي و الدولة و النظام الأبوي لخّصه بألمعيّة إنجلز في عنوان عمله المؤسّس " أصل العائلة و الملكيّة الخاصة و الدولة " ( 1985) . و هذا جزء لا يتجزّأ من الحزمة . لكن يبدو أنّ إيديولوجيّو و مناضلو المشاعات يؤمنون بأنّ عالما بديلا حقّا للرأسماليّة يمكن أن يوجد داخل إطار الرأسماليّة ، و بالتالى ، لا حاجة إلى أو أساس للثورة .
الإكتفاء الذاتي أم الثورة ؟
منذ ستّينات القرن الماضي ، ألّفت أكاديميّات نسويّات مجموعة أعمال مذهلة حول النظام الأبوي / البطرياركي و صلته بالنظام الطبقي عموما و بالنظام الطبقي الرأسمالي خصوصا . و هذا مصدر هائل للشيوعيين و الشيوعيات منه يتعلّمون و يستوعبون إضطهاد النساء بشكل أصحّ و يثرون بشموليّة النظريّات الشيوعيّة بهذا المضمار . طوال كامل الفترة الممتدّة على أكثر من 160 سنة منذ الصياغة الأولى للشيوعيّة على يد ماركس و إنجلز – و من ثمّة الثورة التي جدّت في الفهم الإنساني للمجتمع و أمراضه – ما فتأ هذا العلم (6) يتطوّر ، مثله مثل كافة العلوم الأخرى بالتحقّق مع مجالات مختلفة من الواقع المادي المحيط بنا و قد شهد قطع خطوات تقدّم حقيقيّة تعود في جزء كبير منها إلى التعلّم من مراكمة المعرفة التي بلغنا في شتّى حقول النشاط الإنساني . لكن الحركة الشيوعيّة منذ نشأتها ، في جزئها الكبر ، قد تجاهلت أو تغاضت عن القسم الهائل من بحوث النسويّات ، في الفرضيّات و البحث و الخوض في طبيعة إضطهاد النساء عبر التاريخ عامة و في العالم الذى يهيمن عليه النظام الرأسمالي الإمبريالي خاصة – و هذه علامة على أنّ حتّى الشيوعيين واقعين تحت تأثير كامل البنية الفوقيّة للبطرياركيّة التي هي متجذّرة بعمق في البنية الفوقيّة للمجتمعات القائمة .
حينما قرأت كتاب ماريا ميس ، " البطرياركيّة و المراكمة على النطاق العالمي " ( 1998) للوهلة الأولى ، سررت بإكتشاف كتابة أخرى نسويّة عن الدور في منتهى الأهمّية و الحيوي الذى لعبته البطرياركيّة في كيفيّة سير النظام الرأسمالي الإمبريالي. و ينطوى هذا الكتاب على عدّة نظرات ثاقبة بشأن واقع أ،ّ الإنقسام إلى رجل- امرأة مظهر أساسي من مظاهر الرأسماليّة اليوم ، مظهر على الأقلّ بأهمّية علاقات إنتاج هيمنة أخرى – أو علاقات إنتاج إمبريالية بين بضعة بلدان رأسماليّة مركزيّة ( تطلق عليهم ميس وصف البلدان الرأسماليّة " المتطوّرة جدّا " ) و بلدان أخرى في آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة تمّ إخضاعها و إدماج إقتصاديّاتها في الشبكة العالميّة للمراكمة الرأسماليّة ، من موقع تبعي . و توفّر هتين العلاقتين الإنتاجيّتين الإستغلاليّتين عناصر مراكمة في ديناميكيّة المراكمة الرأسماليّة و أرباحها الضخمة عبر العالم ، وهي تشكّل جزءا حيويّا جدّا في هيكلة النظام الرأسمالي العالمي . و تضع ماريا ميس بوضوح هذه العلاقات االمترابطة و تبتعد عن النظرة الأورو مركزيّة للرأسماليّة .
تقول ماريا ميس إنّه " لم يعد بوسع النسويّات توهّم أنّ تحرير النساء سيكون ممكنا في إطار هذا المجتمع الرأسمالي " ( نفس المصدر السابق : 208) . لكن بصفة مفاجأة ، لا ترتقى بمقترحاتها مستوى هذا النداء و تبقى داخل إطار النظام الرأسمالي. إنّها لا تمضى بهذا النداء إلى نهايته المنطقيّة ـ أي إلى أنّ بناء الجديد يقتضى هدم القديم . و أعتقد أنّ هذا مردّه واقع أنّها تترك جانبا معادلة مسألة الدولة و تتجاهل مشكل أنّ المجتمع البرجوازي كلّ متداخل له قاعدة إقتصاديّة و بنية فوقيّة سياسيّةـ في المركز منها توجد الدولة الرأسماليّة .
لقد درست نقدا وجّهه إلى ماركس أكاديميّات مثل ميس و فردريتشى و نسويّات أخريات أشرت إليهنّ أعلاه . و ليس هنا مجال التطرّق كما يجب إلى هذا النقد ؛ إلاّ أنّ هناك شيء واضح : ماركس و إنجلز ، من خلال دراستهما الماديّة الجدليّة للمجتمع الإنساني قد إكتشفا و طرحا ليس الظهور المتزامن للإنقسام الطبقي و الجندري للمجتمع فحسب بل كذلك الصلة التي لا تنفصم بين علاقات الإنتاج و الدولة . و هذا الواقع الدائم الحضور تتغاضى عنه أعمال الماركسيّات النسويّات اللاتى تجتهدن لإقتراح تغييرات راديكاليّة في طريقة تنظيم المجتمع الإنساني اليوم القائم على الإستغلال و الإضطهاد . و هذا الواقع ـ واقع أنّ الدولة كجزء من العلاقات الإجتماعيّة المهيمنة ـ يجب أن يتمّ الإقرار به لأجل المعانقة التامة للحلّ الثوري للظروف الإجتماعيّة البائسة للإنسانيّة . و في حال عدم القيام بذلك ، ستعود أيّة إستراتيجيا أو أي مشروع للتغيير الثوري للعالم إلى السقوط في دائرة أحايبل النظام الذى نحاول تغييره و بدلا من ذلك سيساعد على تواصله .
لقد حاججت بهذا في ما يتّصل بالمشاعات كما تقدّمها فردريتشى وأحاجج بأنّ هذا صحيح أيضا في ما يتعلّق بالإكتفاء الذاتي. ( المصدر السابق : 219 ) و حجّة أنّ الإعاشة هي البديل كما تقترح ماريا ميس ( المصدر السابق : xviii ) و كذلك أكاديميّات نسويّات أخريات من معهد بيالوفالد ، على غرار كلوديا فان فارلهوف و فرونيكا بنهولدت ـ ثومسان . و تعدّ مشاركة ماريا ميس ( ميس : 2014 ) في النقاشات حول المشاعات ( وقد إلتحقت بها كافرنتزيس و فردريتشى (2013) ، ضمن أخريات ) مواصلة لحجّة " الإكتفاء الذاتي هو البديل " . و بينما رحّبت بالنقاش حول المشاعات ، علّقت بأنّ ما يجرى تقديمه على أنّه " مشاعات جديدة " ليس مشاعات بتاتا : " ما الذى يمكننا تعلّمه من المشاعات القديمة ؟ ما الذى يجب تغييره اليوم ؟ هل هناك أفاق واقعيّة للمشاعات الجديدة ؟ " ( ميس 2014 : 106 ) . و الملاحظة الأساسيّة لميس هي التالية : " لا يمكن أن توجد المشاعات دون مجتمع . المشاعات القديمة كان يحافظ عليها مجتمع محدّد بوضوح حيث على الناس القيام بعمل مشترك لأجل إعالة أنفسهم . و هذا العمل لم يكن لا مفروضا على الناس و لا تمضية للوقت أو رفاها . كان ضروريّا لبقاء الناس على قيد الحياة أو للإعاشة ..." ( المصدر السابق : 106ـ107 ) ـ و تضرب مثلا " العمل الحرّ لمجتمع صغير في قريتها في لاراينلاند غربي ألمانيا ، عقب الحرب العالميّة الثانية . و من وصفها ، يمكن للمرء أن يفكّر أنّ ألمانيا ما بعد الحرب كانت بلدا إشتراكيّا إنطوى على مجتمعات مختلفة شرعت في بناء محلّى دون دفع قوى السوق الرأسماليّة أو جذبها . لكن الواقع هو أنّه إثر الحرب العالميّة الثانية كانت ألمانيا الرأسماليّة ـ الإمبرياليّة المهزومة بصدد إعادة البناء كألمانيا الغربيّة بمساعدة القوى الرأسماليّة الإمبرياليّة الغربيّة المنتصرة ، على أنّها حصن ضد نموّ البلدان الإشتراكيّة و ضد شبح المزيد من الثورات الإشتراكيّة في أوروبا و بقيّة العالم . و " الناس " من خلال العمل الشاق و التقشّف ، كان عليهم أن يشدّوا احزمتهم لتمويل هذا المشروع الإمبريالي . و لم يكن هذا كلّ شيء . كان عدد كبير من الفلاّحين المجلوبين من مناطق كرديّة و غير كرديّة من تركيا لبناء ألمانيا الغربيّة و العمل في مصانعها بينما إتنى الاقتصاد شبه الإقطاعي في تركيا بأسرهم و بتنشأة أجيال مستقبليّة لهذه اليد العاملة البخسة الثمن . لذا " القرية الألمانيّة الصغيرة السعيدة " لا يمكن أن ينظّر لها بمعزل عن هذا الجيش من اليد العاملة البخسة الثمن ّ فإعادة بناء ألمانيا الغربيّة كانت مرتبطة بفصل قرى في تركيا عن نشاطاتها المعيشيّة و بصورة أعمّ بدافع الإنتاج الرأسمالي الاجتماعي على النطاق العالمي .
و تقترح ميس " إطارا بديلا لإقتصاد لا يقوم على إستغلال الطبيعة و النساء و المستعمرات " و تؤكّد : " من المستلزمات الأولى الأساسيّة لإقتصاد بديل حدوث تغيّر في كلّ من المجتمعات المتطوّرة جدّا و المجتمعات المتخلّفة ، من التبعيّة في الحاجيات الأساسيّة للبقاء على قيد الحياة ـ الغذاء و الملبس و المسكن ـ إلى إقتصاديّات خارج الحدود القوميّة بإتّجاه المزيد من الإكتفاء الذاتي " ( ميس 1998 : 219 و التشديد في النصّ الأصلي ) . بيد أنّ العالم ليس منقسما على هذا النحو . فقد دمجت الرأسماليّة في بوتقتها حتّى المناطق النائية من العالم في سيرورة عالميّة واحدة من المراكمة الرأسماليّة . و تبادل العمل بين سكّان العالم هو الأساس الذى يقوم عليه سير هذا النظام . و هذا الإنتاج الاجتماعي ليس المشكل إذ هو يشكّل القاعدة الماديّة للثورة العالميّة و لبناء عالم شيوعي ؛ المشكل هو أنّ هذا التعاون الاجتماعي العالمي يتحقّق ليس مباشرة و إنّما بواسطة العلاقات الرأسماليّة ، و هذا يعنى قانون القيمة . تستولى الطبقة الرأسماليّة على إنتاجنا الاجتماعي و تبادلنا العالمي و تتحكّم فيه و تستخدمه لمصلحتها الخاصة الذاتيّة في مراكمة رأس المال . و ما يسمح للطبقة الرأسماليّة بالتحكّم في نشاط حياتنا عبر العالم ( بما في ذلك عمل النساء) هو التملّك الخاص و التحكّم في وسائل الإنتاج . و هنا تتدخّل الطبقات. ففي ظلّ نمط الإنتاج الرأسمالي ، الطبقة الرأسماليّة و البروليتاريا قطبان متعاديان يتواجهان مواجهة مباشرة . إلاّ أنّ الرأسماليّة تسحق حياة الناس بأشكال مختلفة ـ بالإستعمار و الإمبريالية و البطرياركيّة .
و تشدّد ميس بطريقة صحيحة على المكانة المهمّة التي يحتلّها الإضطهاد و الإستغلال الإستعماري و الإمبريالي في سير النظام الرأسمالي العالمي . و في الواقع ، التحكّم في المستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات جزء من التحكّم في وسائل الإنتاج فمثلا ، عبر إحتكار النفط في باطن أرض الشرق الأوسط ، الشركات البتروليّة الشهيرة ، " الأخوات السبع " ، التابعة للقوى الإمبريالية الغربيّة ( أنظروا سمبسون 1976) ، وضعت يدها على حياة مئات ملايين الناس في تلك المنطقة في إطار التقسيم العبودي العالمي للعمل . و المشكل هو أنّ ميس تتعاطى مع البلدان المهيمن عليها كما لو أنّها متناسقة و موحّدة . فهذه البلدان هي الأخرى منقسمة إلى طبقات و تسيّر على قاعدة طبقيّة . و طبقاتها الحاكمة جزء لا يتجزّأ من الطبقة الرأسماليّة المندمجة في العالم و بغضّ النظر عن موقعها التبعي نسبة للذين يجلسون في قمّة النظام الرأسمالي ، فهي تدير هذه البلدان باسم النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي . و تتجذّر اللامساواة في النظام العالمي داخل هذه البلدان و ليست مجرّد مسألة " تبعيّتها " الخارجيّة . و بالتالى ، على الثورة أن تغيّر العلاقات الإجتماعيّة صلب هذه البلدان و كذلك في ما بينها و بين النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي .
و أشاطر ميس الرأي بأنّه يجب أن يوجد " إستقلال " في مجال الإكتفاء الذاتي لأجل التصدّى ل" سياسة الحصار والتجويع " ( ميس 1998: 219) . إلاّ أنّ هذا الإستقلال ليس ممكن البلوغ عدا على أساس ثورة شاملة وهو مهمّة من المهام الكبرى لأيّة ثورة . فقد إستطاعت الصين الإشتراكيّة ( 1949ـ 1976 ) الصمود أمام الضغط الإمبريالي و دعّمت ماديّا رفاه شعبها و كذلك الثورات الخرى . و حتّى هذا النوع من الإستقلال الأصلي و الحقيقي كان و سيكون نسبيّا طالما أنّ الثورة لم تحدث إختراقا في معظم العالم .
نوع مختلف من العمل
ماريا ميس هي الأخرى تدعو إلى " نوع مختلف من العمل " . غير انّ هذا الهدف التحرّري لا يمكن بلوغه عبر إستراتيجيا " الإكتفاء الذاتي " . لا يمكن بلوغه إلاّ عندما يصبح العمل على النطاق المجتمعي إجتماعي مباشرة و لا يتوسّطه التبادل السلعي ، قانون القيمة . و توظّف ميس مقتطفا هاما جدّا لماركس و تأوّله على أنّه يقول إنّه ، حسب ماركس ، " مملكة الحرّية " تأتى لمّا تكفّ ضرورة العمل عن التحكّم في البشر . و متّفقة مع شميدت ، تستشهد بجملة لها : " يقلّص ماركس مشكل حرّية الإنسان إلى مشكل وقت فراغ " ( شميدت ، ذكر في المصدر السابق : 213، و التشديد في النصّ الأصلي ). و بالعكس ، أكّد ماركس بجلاء في المقتطف عينه أنّه يجب على البشر " الصراع مع الطبيعة " لأجل الحفاظ على الحياة و إعادة إنتاجها و يجب عليهم القيام بذلك في ظلّ " كافة أنماط الإنتاج الممكنة " . و شدّد على أنّ " الحرّية في هذا المجال ليس ممكنا تشكّلها إلاّ من الإنسان الاجتماعي[هكذا ].لكن مع ذلك يظلّ ذلك مملكة الضرورة " ( ذكر في المصدر السابق: 213).
بجلاء يبيّن ماركس العلاقة الجدليّة بين قوى انتاج البشر و علاقات إنتاجهم ـ العلاقات التي من خلالها ينظّمون قوى إنتاجهم. و ملكيّة وسائل الإنتاج محوريّة في علاقات الإنتاج هذه . وليس قليلا عدد الماركسيين الذين شوّهوا ماركس بهذا المضمار . فقد قلبوا رأسا على عقب العلاقة بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج ، واضعين أنّه لأجل التخلّص من علاقات الإنتاج الإستغلاليّة و الإختلافات الإجتماعيّة و الطبقيّة الناجمة عن ذلك ، يجب تطوير قوى الإنتاج . هذه ليست سوى ماركسيّة زائفة . و قد شرح ماركس أنّ قوى الإنتاج في تطوّرها عند نقطة معيّنة تدخل في نزاع مع" غلافها الخارجي "، أي علاقات الإنتاج . و يمسى الناس واعين بهذا الوضع و يشرعون في إدراك المشكل و البحث عن حلّ له . و يتصاعد الصراع الطبقي الذى في النهاية له إمكانيّة كسر هذا " الغلاف " الخانق و الطبقة التي ترغب في الحفاظ عليه في مكانه . هذا هو الأساس المادي الذى تنشأ عنه الثورة ، الذى يتطلّب الثورة ، و الذى يجعل منها إمكانيّة قابلة للتحقّق .
خلال ثمانينات القرن العشرين ، أصدرت نسويّات معهد بيالفالد تحدّيا جريئا و مثيرا للإستفزاز للمفاهيم السائدة صلب اليسار بصدد سير الرأسماليّة . و في عملها " لا نقد للرأسماليّة دون نقد البطرياركيّة ! لماذا ليس اليسار بديلا للرأسماليّة " ، وفّرت كلوديا فون ورلهوف شرحا واضحا لما يعتقدون أنّه " المشكل " وبالتالى ما ينبغي أن يكون " الحلّ" ( فون ورلهوف 2007) (7) . و أبدت مجموعة بيالفالد ، من خلال شروحاتها لكيفيّة سير الرأسماليّة ملاحظات هامة . فعلى سبيل المثال ، قد ناقشت كيف أنّ أشكالا متباينة من العبوديّة و العمل غير المدفوع الأجر و العمل القسري و القنانة و هكذا ، تستعمل في سيرورة المراكمة الرأسماليّة . و هذه ملاحظة صحيحة ، و بالفعل ، لم تعوّل الرأسماليّة أبدا فقط على العمل المأجور لغاية المراكمة . اليوم ، في أعلى مراحل الرأسماليّة ، تقريبا كافة الأدوات التكنولوجيّة التي نستعملها يوميّا تتضمّن نوعا ما من العمل العبودي . و تشير فون ورلهوف إلى أنّ " لا علاقات من علاقات الإنتاج هذه لا يمكن عدم فهمها على أنّها ما قبل رأسماليّة ـ إنّها جميعا متضمّنة في الرأسماليّة " ( المصدر السابق : 8 ) . أنا متّفقة مع هذا الموقف إن كان يعنى أنّ هذه الأنماط المختلفة من الإستغلال ، بينما هي " إرث " من نمط سالف مختلف ، قد قد غيّرتها الرأسماليّة و أخضعتها لسيرها ، بمعنى أنّها صارت أجزاءا لا تتجزّأ من سيرورة المراكمة الرأسماليّة . الرأسماليّة نمط إنتاج مختلف عن العبوديّة و عن الإقطاعيّة ، هي إنتاج سلعي موسّع في أساسه يكمن تحويل قوّة العمل ذاتها إلى سلعة لأجل مراكمة الأرباح الخاصة . و سيرورات العمل المنظّمة على نحو خاص تترابط و تتشكّل في تقسيم إجتماعي للعمل ، بواسطة التبادل ؛ سيرورات العمل هذه تشترى و تباع بأسعار تتحدّد في نهاية المطاف بوقت العمل الضروري إجتماعيّا لإنتاج العمّال : " هذا هو قانون القيمة، و وقت العمل الاجتماعي هو معدّل الأسعار و الأرباح . و البحث عن الأرباح يهيمن على سيرورات العمل المنظّم بصورة شخصيّة . إنّ الأرباح تحدّد ما يقع إنتاجه ـ و كيف " ( لوتا 2013) .
هذا هو محرّك الرأسماليّة و على هذا الأساس يمتصّ و يجلب إلى دوائره العمل غير مدفوع الأجر ، العبودي و القسري و ما إلى ذلك . هكذا تحوّل الرأسماليّة كلّ الثروة الإجتماعيّة ( لا يهمّ كيف و في ظلّ أيّة ظروف تنتج ) إلى رأسمال . و أعتقد أنّ فون ورلهوف ذاتها وضعت الأمر بشكل سليم : " هدف الرأسماليّة ليس تغيير كلّ العمل إلى أجر و إنّما تغيير كلّ العمل و كلّ الحياة و كلّ الكوكب نفسه إلى رأسمال ـ بكلمات أخرى ، كما لاحظ ماركس ، تحوّل كلّ ذلك إلى مال ، سلعة ، آلة و " تتحكّم في العمل " . ( فون ورلهوف 2007: 4) . كيف نفهم العلاقة بين سيرورة عالميّة واحدة للمراكمة الرأسماليّة و أنماط الإنتاج ما قبل الرأسماليّة الموجودة في قارات آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة ، مثّل جزءا من النقاش صلب الحركة الشيوعية و كذلك صلب الأكاديميين اليساريين و النسويّات إنطلاقا من ستّينات القرن العشرين . (8)
و يتوغّل الاقتصاد السياسي لمعهد بيالفالد في مكوّنات هامة للغاية لنمط الإنتاج الرأسمالي لكنّه يخفق في تلخيص المبدأ التنظيمي الجوهري الأخير . و تظلّ المسألة : ما هي المبادئ الجماعيّة للتنظيم أو القوانين العالميّة للرأسمالية ؟ تزعم كلوديا فون فرلهوف أنّه ، على عكس الاقتصاد السياسي للعديد من الناس في اليسار ، نظرتهم ليست إختزاليّة و أنّ " المفاهيم التي لطالما عملت كخطوط مرشدة لمستقبل أفضل فقدت معناها : البروليتاريا و النقابات و السياسات اليساريّة و التقدّم التكنولوجي و " تطوّر " الأمم المصنّعة ، و الدور القيادي للشمال ، و تفوّق الرجال على النساء . إن كنّا لنتّبع هذه الفماهيم ، لن ينتظرنا غير طريق مسدود " . ( المصدر السابق : 8)
لقد لاحظت أنّ ماريا ميس مثلها مثل أكاديميّات أخريات من معهد بيالفالد تدمج " اليسار " ضمن هيكلة سلطة و / أو تخلط بين اليسار النقابي و الشيوعيين الثوريين . و مع ذلك ، تميّز كامل تاريخ اليسار منذ ماركس بصراع الشيوعيين الثوريين ضد " التحريفيّة " (9) . و بالتالى ، من أجل أي تحدّى جدّي للماركسيّة ، من المناسب الإشارة إلى جملة معيّنة من التنظيرات المقدّ/ة من طرف يسار معيّن . فمثلا ، قضّى ماركس و إنجلز الكثير من وقتهم في القتال ضد التيّارات غير الشيوعيّة صلب اليسار. و يحمل " بيان الحزب الشيوعي " نقدا حادا للإشتراكيين الطوباويين و جاء " نقد برنامج غوتا " ناقدا لمشروع برنامج حزب العمّال الموحّد الألماني . و قد قاتل لينين تحالف الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني مع الإمبريالية الألمانية أثناء الحرب العالمية الأولى . و ماو تسى تونغ الذى أقرّ بإعادة تركيز الرأسماليّة في الإتحاد السوفياتي و فضحها ، حلّل كيف أنّ افشتراكية يمكن أن تعود خلفا إلى الطريق الرأسمالي و قد عارض " نظريّة قوى الإنتاج " التي تجعل التقدّم التقني لقوى افنتاج معيارا ل " الإشتراكيّة " عوضا عن التثوير المستمرّ لعلاقات الإنتاج و العلاقات الاجتماعية و الأفكار و جعلها معيارا ل " التقدّم ". ( لوتا 1978: 287) . قائمة هذه الصراعات " العائليّة " طويلة وهي إنعكاس لواقع أنّ طريق تثوير العالم معقّد و ملتوى .
بعد قول كلّ هذا ، أعود إلى المظهر الأخير لنقدى لمعهد بيالفالد – أي بديلها للعالم الرأسمالي الفظيع . بناءا على تحليلهم لما هو ط المشكل " ، يأتي " حلّهم " . هناك إنسجام بين المشكل و الحلّ . تدّعى كلوديا فارلهوف أنّ " الحلّ " ينبع من تحليلهم أنّ الرأسماليّة " لا تقبل تسويات " و يجب أن يشمل الحلّ " ترك الإنتاج السلعي و إعادة إحياء إقتصاد الإكتفاء الذاتي الذى لطالما كان مقموعا و لطالما وقع تحطيمه على نطاق واسع " ( فون فارلهوف 2007: 9) . المشكل الذى تواجهه الإنسانيّة جراء الرأسماليّة لا يمكن أن يعالج إلاّ عبر ثورة سياسيّة تلحق الهزيمة و تطيح بالدولة البرجوازية و كلّ طبقاتها المستغِلّة ، ثورة ترسى دولة ثوريّة جديدة تكون مهمّتها تشييد إقتصاد إشتراكي جديد ـ دولة لها ديناميكيّة و مبادئ مختلفين راديكاليّا عن ديناميكيّة و مبادئ الرأسماليّة . و اليوم ، لإرساء الحقيقة ، يكتسى الصراع النظري مرّة أخرى أهمّية كبرى بالنسبة لمستقبل الإنسانيّة . و بكلمات ماركس ، تحطيم النظام القائم غير ممكن عمليّا دون تحطيمه بداية على المستوى النظري – في وعي الناس .
المشاعات القديمة و الجديدة كلتاهما قديمة
المشاعات القديمة و الجديدة كلتالهما قديمة ـ إنّهما جهد داخل إطار علاقات الملكيّة الرأسماليّة القديمة التي لا تزال تهيمن على مجتمعاتنا عبر العالم . و البحث عن " فضاء " في ظلّ الرأسماليّة ـ سواء في شكل " مشاعات " ( قديمة أم جديدة ) ، و " الإكتفاء الذاتي " ، و " نقاط حكم ذاتي " حسب آلان باديو ، أو " تعاونيّات عمّاليّة " لنغرى كلاين ، حتّى بنوايا ثوريّة حقيقيّة ـ في أفضل الأحوال وهم لأنّ هذه المشاريع " لن تستطيع أن تحرّر نفسها من العلاقات السلعيّة من حولها : على مستوى متطلّبات الإستثمار و التبادل و ضغوطات المنافسة و التأثيرات الإيديولوجيّة ( الأفق الضيّق ل " أنا / نحن " لدى وحدات الإنتاج ، و ما إلى ذلك ) ( لوتا ؛ دونيا و ك ج أي : 2009 )
تخفق كافة هذه التنظيرات في تبيان أنّ النظام الرأسمالي متكوّن من قاعدة إقتصاديّة و بنية فوقيّة سياسيّة ـ الحكم السياسي للطبقة الرأسماليّة ، و دولتها و كذلك آلتها افيديولوجيّة . و عمليّا ، ماريا ميس تعلم هذا بما أنّها تروى لنا كيف أنّ ط المشاعات القديمة " تحطّمت بفعل ليس المصلحة الذاتيّة و الجشع و التنافس بين الأفراد بل بفعل شيء " فرضه الملاكين العقّريين الرأسماليين و التصنيع على القرى و المدن لتملّك و خوصصة الأرض المشتركة و الغابات و جداول المياه " ( ميس 2014: 108، التشديد مضاف ) و كلّ حركة جدّية بشأن تغيير العالم حقّا تحتاج إلى الإعتراف بأنّ هناك دكتاتوريّة طبقيّة تحرس و تفرض علاقات الإنتاج و العلاقات الإجتماعيّة الرأسماليّة ، و بانّ آلة الإيديولوجيا السائدة تعمل لإعادة الناس تحت أجنحة البرجوازيّة . الدولة جزء من ذات مصنع المجتمع البرجوازي .
و لتركيز نمط إنتاج بديل ، " نوع جديد من العمل " ( مثلما تنادى بذلك ماريا ميس ) يهدف إلى وضع حدّ للإستغلال الطبقي و للبطرياركيّة و للإنقسام الصادم بين ما يسمّى ب " الجنوب " و " الشمال " و لوضع نهاية للتحطيم الخطير للبيئة الناجم عن القوى الهدّامة للرأسماليّة و الحروب الإمبرياليّة و الحروب بالوكالة البغيضة ، نحتاج إلى القيام بالثورة و بناء مجتمعات إشتراكيّة كبديل للرأسماليّة . فقط إثر تفكيك الدولة الرأسماليّة ، ستتمكّن الدولة الجديدة من الإنطلاق في مشركة ملكيّة وسائل الإنتاج . و الدولة الإشتراكيّة " جديدة " لأنّ ما يقودها هو هذا الهدف و تقع على عاتقها مهمّة إلغاء " الكلّ الأربعة " التي حدّدها ماركس في " الصراع الطبقي في فرنسا ، 1848-1850 " ( ماركس 1960: 117 ).
لماذا تراجعت النسويّات الثوريّات
بناءا على ما تقدّم ، يجب أن أحاجج بأنّ إبتعاد نسويّات ستّينات و سبعينات القرن العشرين عن النظرة الثوريّة العالميّة يعزى ليس فحسب إلى عدم كفاية المفاهيم الماركسيّة – النسويّة . في الوقاع ، التيّار الفكري الأساسي الذى كان مؤثّرا هو النسبيّة التي بثّها التنظير ما بعد المعاصر . عديد النسويّات الثوريّات في ستّينات القرن العشرين و سبعيناته تخلّين عن الثورة و إكتفين بإتّخاذ خطوات " صغيرة " . و في العقود الأربعة الأخيرة ، مثّل الجوّ الفكري و الأكاديمي المهيمن صنصرة تامة و تشويها كلّيا للمعطيات الحقيقيّة للتاريخ الشيوعي . و صارت المعاداة للشيوعيّة تعدّ أمرا "موضوعيّا " . و قد حرم هذا الطلبة من فهم ما هي الإشتراكية و الشيوعية فعلا ، و بدلا من ذلك ، أمطرتهم تشويهات و إفتراءات بشأن تلك التجربة التاريخيّة الإشتراكية . و لنأخذ فحسب كيف أنّ التجرؤبة الثوريّة الأهمّ ـ الثورة الثقافيّة في الصين و أهدافها و مكاسبها و كذلك نقائصها الحقيقيّة و ليس الوهميّة ـ فقد صوّرت في كتب عن الصين بيعت على أوسع نطاق ممكن . " وضع الأمور في نصابها " ، واحد من مواقع الأنترنت النادرة الملتزم بمقاتلة هذا الكذب الفاضح ، عبّر عن ذلك على النحوالتالي: " من آلاف الإتّجاهات المختلفة ، يتمّ قذفنا برسالة مفادها أنّ الشيوعيّة كانت " كابوسا " و " فشلا " . توجّهوا إلى المكتبات و أنظروا إلى العناوين الراهنة بصدد ماو و الثورة الثقافيّة أو الإشتراكيّة في افتحاد السوفياتي . إستمعوا إلى المعلّقين في التلفزة أو الإذاعة عندما يقولون شيئا عن الشيوعيّة . تصفّحوا كتابا عاديّا عن النظريّة السياسيّة أو التاريخ الحديث . هناك رواية عالية التشويه للإشتراكية في القرن العشرين و بشكل عام لم يقع الردّ عليها " ( " وضع الأمور في نصابها " ) (10)
و يحتاج هذا المشهد الفكري إلى التغيير ـ و التغيير بصورة إستعجاليّة ـ لأنّنا نعيش إحدى أصعب فترات الرأسماليّة ، فترة تتميّز بالحروب الإمبراطوريّة و الحروب القبليّة و إشتداد العنف ضد النساء اللاتى تقع إهانتهنّ مع تصاعد البطرياركيّة الدينيّة و البرنوغرافيا المقيتة ، إستشراء الجوع على نطاق عالمي و الحالة الإستعجاليّة لبيئة الكوكب وهكذا . الشعوب تقاوم هذه الفظائع لكن القوى الرجعيّة القويّة و المنظّمة من كلّ الرهاط تجذب إليها الشعوب ، عبر العالم قاطبة ـ و كذلك ألفق الوهمي ل " مزيد من الديمقراطية " المدارة من قبل النظام الرأسمالي الإمبريالي أو خدع الأصوليّة الدينيّة .
خاتمة :
عوض اليأس و افنهزاميّة أمام الهزيمة و إعادة تركيز الرأسماليّة في البلدان الإشتراكيّة السابقة ، هناك حاجة للخوض الجدّي في المبادئ الثوريّة ولإعادة صياغتها لأجل بلوغ ظروف تجاوز النقطة الحسّاسة لعدم العودة هذه المرّة إلى الوراء. ثمّة حاجة أكيدة لسلطة دولة جديدة لكن غداة تشكّلها ، ستواجه في الحال ضرورة تنظيم المجتمع على أسس مختلفة راديكاليّا عن الرأسماليّة ؛ و في الوقت نفسه ، يحمل المجتمع معه ثقل بقايا علاقات الملكيّة القديمة و الأفكار القديمة و لا يزال محاصرا بعالم تهيمن عليه الرأسماليّة الإمبرياليّة ( أفاكيان 2006 ) . و بلا شكّ ، الأكثر إشكاليّة من بين المشاكل هو واقع أنّ المجتمع الجديد سيكون مضطرّا جرّاء إكراهات التاريخ إلى إستخدام سلطة الدولة ـ وهذا تاريخيّا ليس سوى تطوّر الطبقات و المجتمع القائم على الطبقيّة، وهو جهاز مختصّ في الحفاظ على الحكم السياسي لطبقة معيّنة على حساب طبقات أخرى . و قد سمّى ماركس سلطة الدولة الجديدة هذه ب " دكتاتوريّة البروليتاريا " التي وفق رأيه و رأي إنجلز ستنشأ عن ضرورة " المرحلة الإنتقاليّة " في العالم بأسره من الإشتراكيّة إلى الشيوعيّة حيث " ستضمحلّ الدولة " معا مع جميع بقيا المجتمع الطبقي . أنا على وعي بواقع أنّ عبارة ماركس " دكتاتوريّة البروليتاريا " تلقى إحتقارا كبيرا من قبل عدّة نسويّات و أكاديميّات و نشطاء اليسار و أنّ البرجوازيّة تستخدمها لتصوّر ماركس على أنّه إنسان عنيف . لكن هذا الإنطباع بعيد عن أن يكون تقييما موضوعيّا و نزيها للنظريّة الثوريّة لماركس . الحقيقة التاريخيّة التي إكتشفها ماركس و إنجلز و نظّرا لها هي أنّ الدولة بشتّى أشكالها ليست سوى دكتاتوريّة طبقة ضد طبقات أخرى . و يمكن أن تكون سلطة الدولة الجديدة إشكاليّة فهي لازمة لسيرورة القطيعة مع علاقات الملكيّة القديمة و الأفكار القديمة و كذلك للتخطيط للجديد و لحماية بزوغ العلاقات الإجتماعيّة الجديدة بما يعنى بالضرورة تعويض حكم الطبقات الحاكمة بحكم طبقات و قوى إجتماعيّة أخرى لها أعمق المصالح في التخلّص من المجتمع الطبقي .
و في حال السلطة السياسيّة الجديدة التي ينبغي أن تنشأ على أنقاض الدولة الرأسماليّة ، لا يمكن للدكتاتوريّة إلاّ أن تعني أنّ تنظيما إجتماعيّا جديدا قائما على إلغاء الإستغلال و الإضطهاد يجب أن يتأسّس و لا يمكن أن تعني إلاّ نوعا جديدا من السلطة السياسيّة التي تهدف إلى إلغاء الدولة أو الدكتاتوريّة الطبقيّة مرّة و إلى الأبد . و أعتقد أنّ ماركس لا يزال على صواب في ما يتّصل بالمشاكل التي تواجه الإنسانيّة و حلولها . لقد شرح بوضوح إطار المشاكل بالتنظيم الرأسمالي للمجتمع. و فسّر ما هي قوّاته المحرّكة و ما هي هياكله . و مع ذلك ، مثل أي جهد إنساني آخر ،" علم الثورة " بدوره يجب أن يتمّ تلخيصه و تطويره و ميزد تلخيصه .
و الآن ، هذه النظرة العلميّة طُبّقت في الثورة الشيوعيّة للقرن العشرين، أوّلا في روسيا (1917) ثمّ في الصين (1949) . و أكّدت الهزائم التالية لهيتن الثورتين و إعادة تركيز الرأسماليّة في البلدين إيّاهما أنّ هذه السيرورة أعقد بكثير من ما توقّعه ماركس و إنجلز . و قد إستطاع ماو الذى قاد البناء الإشتراكي البطولي في الصين عبر عديد الإضطرابات عقب ثورة 1949 ، أن يعترف بهذا التعقيد و أن ينظّر له . و على خلاف الماديين الميكانيكيين و النظرات التبسيطيّة للدولة ، شدّد على واقع أنّه طوال المرحلة الإنتقاليّة المديدة من الإشتراكيّة إلى الشيوعيّة ، سيتواصل الصراع الطبقي إلى أن يتمّ إلغاء كافة بقايا المجتمع القديم و الدولة ذاتها. و في هذا الصراع المديد ، سيوجد على الدوام خطر إعادة تركيز الرأسماليّة.
إنّ الثورات الإشتراكيّة في روسيا و الصين ، رغم هزيمتهما ، لأوّل مرّة في التاريخ قد وضعتا الإنسانيّة على طريق بلوغ تنظيم إجتماعي بلا طبقات . و قد شكّلت إنتصاراتهما و هزائمهما الأرضيّة الفكريّة اليساريّة و نظراتها المتفرّقة ، و يمكن إجمالها في ثلاثة توجّهات كبرى: 1ـ كانت هذه الثورات فظيعة ؛ دعوها جانبا و" أصلحوا " النظام القائم فحسب ؛ 2ـ كانت بلا عيوب ؛ فقط " كرّروها " ؛ و 3ـ مثّلت الخطوات الحقيقيّة الأولى في المسيرة الطويلة الأمد بإتجاه عالم شيوعي، و تعزى عيوبها إلى كونها جهد جديد و إلى عدّة أسباب أخرى ت من تعقيد الطريق إلى الحدود التاريخيّة ، إلى الأفكار المتخلّفة ، إلى عثرات و هكذا . أنا من أنصار هذا التلخيص الأخير المادي الجدلي . و بحث نزيه و موضوعي عن الحقيقة بشأن هذه الثورات سيجلى أنّ هذه المجتمعات التي عمّر كلّ منها بضعة عقود و حسب و بلارغم من كلّ عيوبها ، كانت لا تقارن بالكابوس الرأسمالي الذى نعيشه . و مع ذلك ، لا يمكن و لا يجب تكرارها . فهزيمة هذه الثورات أنهت مرحلة في المسيرة الطويلة نحو الشيوعيّة . و يتعيّن أن تنطلق مرحلة جديدة . و هذا من غير الممكن حصوله دون تلخيص مادي جدلي لكلّ من الجوانب الإيجابيّة و السلبيّة لهذه ألحداث التاريخيّة ـ العالميّة . (11)
ثمّة حاجة ملحّة ، في الأكاديميّات و في مؤسّسات فكريّة أخرى ، للجرأة و النزاهة الثوريّتين في كشف الحقيقة بصدد الثورات افشتراكيّة للقرن العشرين . و سيعنى هذا بجلاء الردّ على التشويهات التي ما إنفكّت المراكز الإيديولوجيّة للنظام الرأسمالي تبثّها حولها ـ و في مساعيها تلقى يد العون من البستيمولوجيا النسبيّة ما بعد المعاصرة. ولنستشهد ببراين ليود :
" أوّل مهام أيّة إيديولوجيا رجعيّة هي تقديم الظاهر على أنّه الواقع . و أكبر ضمان أن يعمل هذا بسلاسة و إطلاق لاأدريّة في ما يتّصل بإمكانيّة التمييز بين افثنين " ( ليود 1997 : 2 ) . ستكون الثورة الإشتراكيّة و هدفها بلوغ الشيوعيّة نهوضا إجتماعيّا تاريخيّا – عالميّا ـ ستكون عبورا للحاجز نحوالمجتمع الإنساني . فلا غرابة في كونها تلقى معارضة خبيثة من قبل النظام الرأسمالي و دفاعا حماسيّا جدّا من طرف أقلّية وضعت أعينها على مستقبل ممكن ـ حتّى و إن يبدو بعيد المنال الآن. و تنهض المرحلة الثانية من الثورة الشيوعيّة سوى على أساس فهم دقيق لما هو المشكل و ما هو نوع الثورة الحلّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
1ـ لتطوير هذه النقاط الفلسفيّة ، إستندت إلى أعمال أرديا سكايبراك و بوب أفاكيان . أنظروا ضمن آخرين ، أفاكيان (2009، 1999) ؛ سكايبراك ( 2006، 1984).
2ـ تشدّد فردريتشى على سببين بارزين شكّلا ، حسب رأيها ، هذا المفهوم ـ تغيير العالم دون إفتكاك السلطة ـ المنتشر شعبيّا على الصعيد العالمي في صفوف اليسار الراديكالي . السبب الأوّل هو " موت النموذج الدولتي للثورة الذى حفّز لعقود جهود الحركات الراديكاليّة لبناء بديل للرأسماليّة "؛ و السبب الثاني هو " المسعى الليبرالي الجديد لربط كلّ شكل من أشكال الحياة و المعرفة بمنطق السوق " . و تعتقد فردريتشى أنّه نظرا للوضوح الكافى ، مبدأ المشاعات يمكن أن يترجم إلى " مشروع سياسي منسجم " . و تلاحظ كذلك أنّ ظهور الزاباتستاس في المكسيك ـ بداية من 31 ديسمبر 1993 ، لإنقاذ أراضيهم المشتركة من التفكّك ـ بعث حياة جديدة في مفهوم المشاعات " ( فردريتشى 2012 : 138- 139 ).
3- ب. أي . كروبتكين ( 1842 ـ 1921 ) جغرافي روسي و منظّر بارز للفوضويّة . إلتحق بمجموعة باكونين الفوضويّة في 1872 و قد سُجن سنة 1874 و فرّ إلى المنفى بعد سنتين و عاد إلى روسيا في 1917. عارض الأفكار الماركسيّة عن الصراع الطبقي و دكتاتوريّة البروليتاريا و كافة أشكال سلطة الدولة . و رغم أنّه ناقد لاذع للبلاشفة ، فإنّه دعا في 1920 العمّال اللوروبيّين إلى معارضة العدوان العسكري للدول الرأسماليّة ضد الإتّحاد السوفياتي .
4ـ بشأن نظريات " إضمحلال " و " تحطيم " الدولة : في أعمال ماركس و إنجلز ، مقاربة البروليتاريا لمسألة الدولة تعالج بوضوح ، لا سيما في ثلاثيّة " الصراع الطبقي في فرنسا " و " الثامن عشر لويس بونابرت " و " الحرب الأهليّة في فرنسا " . و لاحقا ، بنا لينين على أعمالهما في كتابه " الدولة و الثورة " ( 1981) . و إستخدم ماركس و إنجلز مصطلح " تحطيم " لتحديد السياسة و المقاربة الطبقيّة الثوريّة للدولة البرجوازيّة القديمة. وكتب ماركس إلى كوغلمان : " إذا ألقيت نظرة إلى الفصل الأخير من كتابي " الثامن عشر من برومير " رأيت أنّى أعلنت أنّ المحاولة التالية التي ستقوم بها الثورة الفرنسيّة ينبغي أن تتلخّص فيما يلى : لا نقل الآلة البيروقراطيّة العسكريّة من يد إلى يد ، كما حدث حتّى الآن ، بل تحطيمها، و هذا هو على وجه التدقيق الشرط المسبّق لكلّ ثورة شعبيّة فعليّة في القارة . و في هذا بالذات تقوم محاولة رفاقنا الباريسيين البواسل . " ( ماركس و إنجلز 1975 : 247 ، التشديد في النصّ الأصلي [ بالعربيّة ؛ كتاب دار التقدّم ، موسكو : " ماركس و إنجلز " رسائل مختارة " ، الصفحة 175 ] ) .
و مع ذلك ، إستخدما ـ خاصة إنجلز ـ مصطلح " إضمحلال " لتحديد الوجود المطلوب لكن المتداعى لسلطة الدولة البروليتاريّة خلال السيرورة الطويلة من المرور من الإشتراكيّة إلى الشيوعيّة حيث هناك حاجة إلى دولة ثوريّة للحفاظ على مكاسب الثورة الإشتراكيّة ، لكن يجب أن تضمحلّ بمعيّة بقيّة بقايا المجتمع الطبقي عالميّا . و قد إعتبر ماركس أنّ دولة " دكتاتوريّة البروليتاريا " الإنتقال إلى القضاء على كل الطبقات و إلى المجتمع الخالي من الطبقات " ( ماركس إلى فيديماير في المصدر السابق : 64 ، والتشديد في النصّ الأصلي [ بالعربيّة ؛ كتاب دار التقدّم ، موسكو : " ماركس و إنجلز " رسائل مختارة " ، الصفحة 63 ] ).
5ـ عند نقاش المشاعات ، تنظر فردريتشى في إمكانيّة ولادة علاقات إنتاج بديلة بالضبط في رحم الرأسماليّة . مثلا ، فيما تناقش حال " الحدائق المدينيّة " في الولايات المتحدة الموجّهة لإستهلاك الجوار و ليست لها أهداف تجاريّة ( فردريتشى 2012: 142 ) ، رأت أنّه يجب على اليسار أن يقترح " كيف يمكن للدفاع عن المشاعات العديدة المتكاثرة و تطويرها و القتال من أجلها أن يجمّعوا ليمثّلوا كلاّ واحدا يوفّر أساسا لنمط إنتاج جديد ..." و شدّدت على أنّ هاردت و نغرى أثارا هذا الموضوع في " الإمبراطوريّة " (2000) و " ملتيتود " [ حشد ] (2004 ) وكذلك في كتابهم المنشور أخيرا " الكومنوالث " (2009).
6 ـ ب " العِلم " لا أقصد أداة ميسّرة للتكنولوجيا و إنّما وسيلة لفهم السير و الديناميكيّة الداخليّة لموضوع دراسة بموضوعيّة صارمة معتمدة على الملاحظة .
7ـ أنظروا كذلك ميس (1984 ) ؛ فون ورلهوف (1988) ؛ فون ورلهوف ) 1978 ، 1985) ؛ و كتابها (1985)wenn die Bauern wiederkommen : Frauen, Arbeit und Agrobusiness in Venezuela و صالاه ( 1997 ).
8ـ عمل هام في هذا الحقل هو " إنهيار أمريكا " لريموند لوتا و فرانك شانون (1984 ) . و يأخذ الكتاب بعين الإعتبار مروحة واسعة من النقاشات التي إنطلقت في ستّينات القرن العشرين ، بداية مع الاقتصاد السياسي لماركس و لينين كنقطة إرتكاز ، لكنّه يلخّص حجج لينين و يشرح سير الرأسماليّة ـ أو بالأحرى الرأسمالية الإمبرياليّة ـ إلى زمن نشر الكتاب .
9ـ منذ زمن ماركس و إنجلز ، ظهرت في صفوف الحركة الماركسيّة نزعة نحو الإصلاحيّة و البراغماتيّة و بالأساس التخلّى عن هدف الثورة . وفق لينين ، التحريفيّة " أن يحدّد المرء سلوكه تبعا لكلّ حالة و وضع ، أن يتكيّف تبعا لأحداث الساعة ، لتغيّرات الأمور السياسيّة الطفيفة ، أن ينسى مصالح البروليتاريا الجذريّة و الميزات الجوهريّة لمجمل النظام الرأسمالي و لكلّ التطوّر الرأسمالي ، أن يضحّى بهذه المصالح الجذريّة من أجل منافع وقتيّة ، فعليّة أو مفترضة : تلك هي السياسة التحريفيّة ." ( لينين 1977: 30 [ بالعربيّة ؛ لينين " الماركسيّة و النزعة التحريفيّة " ضمن كتاب دار التقدّم ، موسكو " ضد التحريفيّة ، دفاع عن الماركسيّة " ، الصفحة 43 ] ) .
10ـ مهمّة " وضع الأمور في نصابها " هي إعتمادا على الوقائع دحض الإفتراءات المنتشرة في وسائل الإعلام و كتب السوق ـ الجماهيريّة و التعليم السائد بشأن الثورتين السوفياتيّة و الصينيّة و تسليط الضوء على المكاسب العامة لهتين الثورتين و كذلك مشاكلها و نقائصها الحقيقيّة . مهمّتنا هي كشف التاريخ الحقيقي و التجربة الحقيقيّة لهتين الثورتين ، و فتح النقاش من الجانبين حول الإشتراكيّة و الشيوعيّة و تشجيع الحوار حول لماذا توجد إمكانيّة عالم مغاير و تحرّري تماما .
11ـ للمزيد حول هذه النقطة ، أنظروا أفاكيان (2006) و لويد (1997).
و المراجع : ( و الهوامش بالأنجليزيّة ، أدناه )
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. Read the Socialist issue 1268
.. Socialism the podcast episode 130 The fight for worker’s pol
.. المحكمة الابتدائية في تونس تقضي بإعدام 4 أشخاص أدينوا باغتيا
.. حكم بإعدام 4 مدنيين والمؤبد لشخصين بقضية اغتيال شكري بلعيد ف
.. شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني