الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شارع البابا شنودة

فاطمة ناعوت

2018 / 3 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



"مات اليومَ رجلٌ صالحٌ، فقوموا وصلّوا على أخيكم." هكذا قال الرسول (ص)، حين مات أصحمة النجاشي ملك الحبشة، الكريمُ العادلُ الذي لا يُظلم عنده أحدٌ. كان مسيحيًّا، وأكرمَ وفدَ المسلمين الذين لجأوا إليه هربًا من تعنُّت قريش مع أتباع الدين الجديد. ومنذ ستّ سنوات، في مثل يوم أمس، فقدت مصرُ الطيبةُ رجلاً صالحًا، قلّما يجودُ الزمان بمثله. قداسة البابا شنودة الثالث، رحمه اللهُ رحمةً واسعةً بقدر ما منح مصرَ وشعبَ مصرَ من حبّ فاق كلَّ تصوّر. لم تَهُن عليه مصرُ أبدًا، حتى في أشد اللحظات قسوةً عليه وعلى أقباط مصر.
كان رجلاً استثنائيًّا في الوطنية والحكمة. امتلكَ ناصية اللغة؛ فكان شاعرًا وفيلسوفًا وكاتبَ مقال رفيعَ الطراز. وامتلك ناصية الوطنية؛ فتحمّل الكثيرَ من أجل استقرار مصرَ ووحدة صفّها. وامتلك ناصية المحبة؛ فكان الأبَ المُعزّي لأبنائه كلما ضربتهم محنة طائفية على يد إرهابيّ ذميم. وامتلك ناصيةَ الحكمة والسياسة؛ فعرف دائمًا كيف يحوّل أحزان الأقباط لمزيد من المحبة لإخوانهم المسلمين، وحتى للمُسيئين منّا. وامتلك ناصية الزهد والتقشّف، فاعتكف في الدير سنوات لا يبرحه، ليحيا للصلاة والتأمل والدعاء لمصر وشعبها الطيب. عاش بهدوء ورحل بهدوءِ ناسكٍ، أحبَّ الله، فأحبَّ كلَّ خلق الله، دون تمييز. كان حديثُه مثقفًا حُلوًا لا يخلو من خفّة ظِلٍّ وسرعة خاطر في امتصاص أحزان المسيحيين؛ مُحوّلاً أنظارهم نحو السماء التي فيها العدلُ والعزاء عمّا يلاقي البشرُ على الأرض.
ترفَّع عن الصغائر والدنايا. فلم يغضب يومًا مما يُقال في حقّه من سخافات كان يُطلقها تافهون فارغو العقل فقيرو الروح. وكان يمنع شعبَه من الغضب لأبيهم الروحي ورمزهم الدينيّ. حتى حين كان ينفجرُ الأمرُ في إحراق كنيسة أو قتل مسيحيين، كان يدعو للغفران مُرددًا قولته الشهيرة: "كلّه للخير، مسيرها تنتهي، ربنا موجود." ثم يُصليّ للمجرمين داعيًا الله ألا يُقيم عليهم خطاياهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون. وحين احتشد الإرهابيون حول مقرّ إقامته بالبيت البابوي في الكاتدرائية، قُبيل رحيله، رافعين اللافتات البذيئة في حقّه وحق المسيحيين، قام وتحدّث إلى الأقباط في وعظة تاريخية عنوانها: "اغفروا"، ونجح في تحويل الأحزان والغضب إلى محبة وتسامح وسموّ؟! في إحدى عِظاته عام 1980، قال البابا شنودة لأقباط مصر:
"مثلما أنا مستعدٌّ لأن أبذل حياتي من أجل أيّ واحد منكم، فإنني مستعد لبذل حياتي من أجل أي مسلم فى هذا البلد. إن الحب الذى فينا لا يعرفُ تعصبًا ولا تفريقًا. فنحن أخوة فى هذا الوطن. ونحن جميعًا مستعدون لبذل أنفسنا من أجل كل ذرة تراب فى مصر. نحن لا نعرف سوى الحب.”
عمل على بناء كنائسَ قبطيةٍ (مصرية) في المهجر؛ حتى لا تذوبَ هُوية الأقباط في الهُويات الغربية. فكأنما بهذا كان يمدُّ خيوطَ المواطَنة بين أبنائه وبين وطنهم مصر، فكأنما لم يبرحوها مهما استطالت خيوطُ الغُربة، وتشتتت في أرجاء الأرض.
في أكتوبر 2012، حينما دسّت أمريكا أنفها في شأننا الوطني، ولوّحت بحماية كنائس مصر، ولوّح بعض أقباط المهجر غير الوطنين بتدويل القضية القبطية، قال البابا شنودة بهدوء وحسم: "إن كانت أمريكا ستحمي الكنائس في مصرَ، فليَمُت الاقباطُ وتحيا مصر."
أقولُ له اليومَ في رحلته للأبدية: يا قداسة البابا شنودة، أيها الوطني الشريف، إن مصر، بعد الله، هي التي ستحمي كنائسَها كما تحمي مساجدها وهياكلها وأهراماتها ومعابدها. مصرُ قادرةٌ على حماية أبنائها بالقانون والعلم. والمصريون على رباط إلى يوم القيامة. لم يفرِّق بينهم شيطانٌ ولا مُغرِض طوال تاريخها العريق، ولن يحدث. فنَمْ مستريحًا، وانعمْ بفردوس السماء، لأنك أهلٌ لذلك.
وأقول للرئيس الوطني عبد الفتاح السيسي، أتمنى أن نجعل في مصر شارعًا باسم قداسة البابا شنودة، مثلما جعلتْ أمريكا أحد شوارع ولاية نيوچرسي على اسم ذلك الرجل المصري العالمي النبيل: Pope Shenouda street. ذلك الشارعُ الذي زُرتُه بنفسي والتقطتُ فيه صورًا تذكارية؛ وأنا أقفُ بفخر تحت لافتة تحملُ اسمَ رجلٍ نبيل من بلادي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق سامي سيمو - بالفيسبوك علي هذا المقال
عبد الودود ( 2018 / 3 / 19 - 23:42 )
أولاً : برافو سامي سيمو
التعليق
Sami Simo
روحي شوفيليك شغله بعيد عن المسيحيين، وروحي صلي على محمد , بعيد عن المسيحيين،،المسيحيين لا يصلون على احد لا انبياء ولا بشر،وحتى الميت المسيحي الصلاة عليه
مجرد طقس لا يُأخر ولا يُقدم،بمجرد مات انتهى وحسابه بيد المسيح انتهى


2 - موائد الرحمن الرمضانية والبابا شنودة
انور نور ( 2018 / 3 / 20 - 13:10 )
موائد الرحمن في كل شهر من رمضان , لا تنسي البابا شنودة
اذ كان يعد مائدة حافلة من أطايب وأفاخر الطعام في شهر رمضان . ليس لفقراء المسلمين .
بل يدعو لها خصيصاً شيخ الأزهر . وجمال مبارك- ابن الرئيس المخلوع . وكبار قيادات الحزب الحاكم
فلا يصل طعام المائدة الرمضانية لعموم المسلمين - الفقراء
ولا بقي تكاليفها لمساعدة فقراء المسيحيين
بينما كان للجامع الأزهر , في شهر رمضان - مائدة افطار لعموم الناس . وأعرف صديقاً ( مثقف قبطي فقير ) كان يذهب لتناول الفطور الرمضاني علي مائدة الأزهر ! فمائدة البابا , كانت للوجهاء الاغنياء .. ) , وبالأزهر لم يسأله أحد عن ديانته . هو الآن في كندا - تورنتو - وينشر مقالاته بالحوار المتمدن . أتمني أن يكتب عن ذكرياته عن هذا الموضوع
طاب ذكر البابا شنودة - ليس فوق لاقتة بشارع بالقاهرة - بل بملكوت السماء
ولأختنا الكاتبة الرائعة ناعوت . هذه الآية من انجيل متي 23: 27 : وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ ! لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً
وشكراً لشاعرتنا وأديبتنا الجميلة علي هذا المقال اللطيف


3 - بلف
سامح عبدالله ( 2018 / 3 / 20 - 13:23 )
انتم نكبة مصر!
شغلتكم - بلف - يخففوا بيه الضغط!
قال ايه: مات رجل صالح، فقوموا صلوا علي اخوك!
اسلاميا اسمها هلك رجل صالح!
طيب هو فيه - اسلاميا - اخوة بين المسلم وغير المسلم!
وبعدين حيصلوا لاله الاسلام عشان يرحم واحد، مات علي كفره، لا وايه الاله ده بنفسه حكم عليه انه يبقي من الكفار!
طيب الواقعة ديه كانت قبل ولا بعد طلب الرسول الرحمة لامه!
اسيب الاجابة واستخلاص النتيجة لذكاء الاخوة القراء!
طيب اذا كان الرسول نفسه مش ضامن حيحصل معاه ايه!
ايه خلاص وصل بكم الاستخفاف بعقولنا الي الدرجة ديه!


4 - سامح عبد الله
الجندي ( 2018 / 3 / 20 - 15:18 )
يبدو يا سيد سامح عبد الله تتخفى باسم اسلامي وانت عابد للحديد اقصد الصليب والمشكلة تتتهم المسلمين بالتعصب والشر واي انسان يقرا تعليقاتك يعلم من هو المتعصب
طيب اذا كان الرسول نفسه مش ضامن حيحصل معاه ايه!
ليست الفكرة انه بش شامن بش عارف ايش راح يصير معه
الفكرة ان الرحمة وكل شيء بيد الله تعالى والنبي علهي السلام انسان مثلنا مثله بس وصل الرسالة
طيب الواقعة ديه كانت قبل ولا بعد طلب الرسول الرحمة لامه!
طلب الرسول الرحمة لامه بينما الكثير من الناس يصححون القصة الا انها ليست منطقية نوعا ما لانها من اهل التفرات
وبعدين حيصلوا لاله الاسلام عشان يرحم واحد، مات علي كفره، لا وايه الاله ده بنفسه حكم عليه انه يبقي من الكفار!
يا سيدي الانسان حر باختياره
ولكن اللهتعالى يعلم قرارك قبل ان تختاره فقط
ويجعلك تقوم بشو ما بدك
2 وايضا يعني هل المسيح يرحم احد عند موته
اسلاميا اسمها هلك رجل صالح!
بل مات
طيب هو فيه - اسلاميا - اخوة بين المسلم وغير المسلم!
حسب الطائفة الاسلانية
طبعا المسيحية قعدت 1600 سنة تنهي اي اخوة اذا اختلف دينك معاه بل حتى طائفتك المسيحية
والان للاسف نعيش فترة الاصلاح عندكم


5 - للسيد سامح عبد الله
الجندي ( 2018 / 3 / 21 - 10:20 )
سيدي سامح عبد الله سؤال
انت دائما اسمك بتحول بين صالح وبين سامح ؟؟؟؟؟؟؟


6 - لم يعد هناك اي مجال لتزيف الحقيقة!
سامح عبدالله ( 2018 / 3 / 21 - 11:55 )
سيد الجندي العابد للحجر!

اعتقد ان تزيفك للحقيقة نابع من احساسك بالخجل من تعاليم دينك! آخر تعاليم وضعها الاله الاسلامي لخير البشرية!


7 - سيد سامح
الجندي ( 2018 / 3 / 21 - 16:32 )
سيدي اظن تغير اسمك ناتج عن نسيانك للاسم المستعار الذي تستعمله
اما عن تغيير الحقائق فرجاء من يغير الحقائق
طوال تاريخ المسيحية لم تدع المسيحية ولو مرة واحدة للعلمانية الا بعد انتصار الثورة العلمانية وتاكيد نجاحها عندها ادعت المسيحية انها تدعوا للعلمانية
ولم تدعوا المسيحية ابدا للاخوة الانسانية بل حتى اخوة الدم نفسها عندهم كان فيها جدال ان كانوا على اديان مختلفة او طوائف مختلفة حتى حدثت الثورة العلمانية وبعدها خرجت الشعارات الانسانية وبعد تاكيد نجاحها بدات المسيحية تدعي الانسانية
اذن من الذي يزيف الحقائق
وصريح كتابك المقدس شاهد على ذلك وانا اقول صريح لان كلانا نعلم ان تفسيراته ليست الا نوعا من التدليس الواضح واللف والدوران
وتاريخ دينك شاهد ايضا على ذلك
وفي نهاية المطاف الكاتبة في الاعلى لم تخطئ وانما احترمت رجلا في الحقيق كان يدعواللفتنة واعاد المسيحين الى مئة سنة للوراء اضافة الى انه كان ضد العلمانية
دون ان ننسى اعماله التكفيرية
https://www.youtube.com/watch?v=4DZh0YHcxTk
اذن يا سيد سامح اقصد صالح
من الذي يزيف الحقائق رجاء


8 - السيد سامح
الجندي ( 2018 / 3 / 21 - 16:33 )
معذرة
هل نسجد للحجر
هل نناديه عند الحاجة
هل نقسم باسمه
هل ندخله بعباداتنا
هل نطلب منه الغفران
ام نقف عليه ونقول لا الاه الا الله فاي الاه يوقف عليه وينادى من عليه على الاه اخر ؟؟؟؟
فعلا الاه اخر زمن
اما الصليب قوة الرب فحدث ولا حرج

اخر الافلام

.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو