الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مركز البحوث العلمية -2-

علي دريوسي

2018 / 3 / 19
الادب والفن


لم تكن زيارة ممثلي المركز هي الأولى إلى جامعتنا، فقد سبقتها زيارة المحامي خالد رئيس قسم العلاقات الطلابية هناك قبل ثلاثة أشهر من مجيء الدكتورة هيفاء. كان لمركز البحوث العلمية في ذلك الوقت سمعة طيبة في الأوساط الاجتماعية وبين شرائح المتعلمين قاطبةً، كان للدراسة فيه وقع خاص يعود إلى تفكير الأغلبية بأنَّ طلاب وخريجي المركز هم من يحمل صليب التطوُّر العلمي وأسرار الصناعة العسكرية وترميم المُعَدّات والتجهيزات الحربيّة السوفييتية العتيقة في بلدٍ يعتبر فلسطين قضيته المركزية وبوصلته التي لا يرغب بالحياد عنها على الأقل نظرياً، ولأن معظم المتفوقين علمياً ينتمون إلى بيئات فقيرة بالمعنى المادي والعائلي، لذا كان الاِلتحاق بالمركز بالنسبة لهم هو مصدر فخرٍ وفرصة لا تُعوّض، سيحصلون من خلالها على شقةٍ جميلة مؤقّتة للسكن وسيكون بمقدورهم لاحقاً التسجيل على شقةٍ خاصة يدعمها المركز التابع لوزارة الدفاع.
ثم إنَّ أغلب من تعرَّف على المركز عن قربٍ اِعترَّفوا بأهمية الدراسة فيه وباِقتراب منهجها ومناهجها من منهج ومنهاج التعليم في أرقى الجامعات العالمية، وقالوا أنَّ طقوس تناول الطعام في فترة الظهيرة ونوعية الوجبات ومحتواها لها قواعدها التي تشبه قواعد تناول الطعام في المقاصف الطلابية التابعة للجامعات الغربية، وقالوا أنَّ لكل عامل وموظّف وطالب في المركز هويته الخاصة التي يحق له بموجبها تجاوز بعض الأشياء المألوفة عند الناس البسطاء، قالوا إذا أردت أن تذهب مثلاً إلى الفرن لشراء خبزك عليك فقط بإظهار بطاقتك كي يفهم الفرَّان بأنَّك من المهمين في هذا البلد وأنَّ وقتك من ذهب ولا يسمح لك بالانتظار للحصول على خبزك فتحصل عليه فوراً دون اِنتظارٍ طويل، وقالوا بأنَّ الأمر نفسه يسري على محلات بيع إسطوانات الغاز، وقالوا بأنَّ لك الحق أن تشتري ما شئت من أثاث منزلي وبالتقسيط المريح، وقالوا أنَّ طبيعة العمل بعد التخرُّج ستكون في المختبرات السرية تحت الأرض وأنَّ المتفوقين في المركز سيكون لهم اِتصالاً مباشراً مع الأشخاص الأقوياء في الدولة، وقالوا بأنَّ الأوامر من الشخص الأقوى تقضي بتعيين رجال حماية للمتخرِّجين الذين سيحصلون حتماً على سيارةٍ وسائق، وقالوا بأنَّ لكل متفوق في المركز حصانته على كافة الصُعُد شريطة ألا يتزوج من أجنبية أو يتعامل مع الأعداء من خارج الوطن أو من داخله ممن يعملون على إضعاف الروابط الوطنية والمشاعر القومية ووهن نفسية المواطنين ونشر أخبار كاذبة، وقالوا يستطيع الطالب بعد تخرُّجه أن يطرق باب أغنى العائلات الحلبية وأكثرها حرصاً على سمعتها وأن يلج من الباب لا من النافذة لطلب يد البنت التي يرغب بالزواج بها.
قال الناس يومئذٍ ببساطةٍ واِختصارٍ: "من دخل في مؤسسة مركز البحوث غسل الفقر عنه وعن أهله إلى أبد الدَّهْرِ ورَأى كلَّ شئٍ في الحياة جميلاً، من أحبّ المركز وأخلص له فقد أحبّ الوطن وحزبه، ومن أبغض المركز فقد أبغض الوطن وحراسه".
*****
كل هذه الأسباب والأقاويل والأفكار الإيجابية التي حُفِرَت في عقولنا كما يَحفر الخُلْد في تربة الأرض ساعدتني على اِتخاذ قراري بالالتحاق بمركز صناعة طلبة الماجستير في مدينة حلب المُحافِظة، الكلمة التي كانت دارجة الاستخدام آنذاك. تمثَّلت المُعضلة الكبرى بالنسبة لي في الحصول على الموافقات الأمنية التي تؤهلني للتسجيل كطالب دراسات عليا في المركز. بعد تسليم أضابير الترشيح للدكتورة هناء باليد تم قبولي وقبول زميلي الحمصي اِلياس زيتون كطلبة في المركز العتيد، وكان قبولنا مشروطاً بالموافقة الأمنية التي ستصل لاحقاً بالرفض أو القبول.
*****
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا