الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميتافيزيقا الإرهاب: القطيعة والاعتقاد (2)

سامي عبد العال

2018 / 3 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تعاني المجتمعات إنسانياً من عنف الإرهاب الديني وفظاظته. وكأنَّ هؤلاء التكفيريين قد سقطوا غرباءً بالكلية من كوكب آخر. لا يدركون آلام الضحايا ولا تأخذهم بهم شفقةٌ ولا رحمة. إذن السؤال المنطقي: ما السبب الذي يجعل المنتحر صخرة قاتلةً تهرس المارَّة ؟ أليس إنساناً: هذا القاتل أو المقتول؟ هل ينعدم الإحساس البشري لدى التكفيري؟ ما الذي يحدث ( ميتافيزيقياً ) حتى أنَّه لا يأبه بعواطف الضحايا؟

لكي يصل إلى تلك المرحلة، دوماً يرسِّخ الارهاب " اختلافاً جذرياً " بين جماعاته الدينية وبين سائر الناس. هكذا بضربة انطولوجية واحدة: أنَّ الوجه النقيض حسياً وفكرياً لأية جماعة هم الناس، كلُّ الناس. فيغدو الوضع المفارق كالتالي: المتطرفون / الأخرون، الجماعة / المجتمع. وعلى نحو عمومي مع امتداد الخط: التنظيم/ الدولة، الجماعة / العالم، سيرة الجماعة / التاريخ، الجهاد / أهل الكفر. ثم يتحول الوضع إلى بلورة أكبر طرفين في أفق الديانات: الله / الشيطان، لينتهي إلى ممارسة الحياة / الموت.

أي يستبيح الارهابيون حياة الناس في مقابل كونهم موضوعاً للتحارب باسم الإله حتى الموت. والفاصلة هنا فضاء لا هوتي يتنزل فيه الإله بكل محمولات الكلمة من معانٍ. والموت ليس بديلاً لكن الارهابي يعتبر كونه حلاً للمعادلة التي تجمعه مع سواه. وإلاً لكان يبحث ابتداء عن المشترك الإنساني.

ولذلك يقال في الثقافة العربية الشائعة ( وهي داعشية بالأساس) عن الخلافات بين الأفراد واتخاذ المواقف بناء عليها: " وحدّ الله بيني وبينك"، أو " بيني وبينك الله" أو "بيني وبينهم ربنا". لأنَّ الكلام مبني على التكفير الآتي في أسمال بالية للتفرقة الدينية بين أهل الكفر وأهل الإيمان. وهو اعتقاد واسع الانتشار في التصورات والمعتقدات الشعبية. وبالطبع تندس الكلمات داخل الخطابات المتداولة من باب تذكير المتلقي بفخ الاعتقاد القديم، وأنه سيبقى مهدِّداً تحت انفلات الكلام نحوك أنت. فالهدف معروف والحد الفاصل يستحضر أطيافه يمينا ويساراً مهما جدَّت الأحداث وتغيرت الأحوال.
وكان على عبارات القسم الماضي إظهار خلفيات الحلف بالاعتقادات إذ تعبر القطيعة عن الصراع الأزلي بين الخير والشر. والقطع هنا بكون الله ( كفاصل ميتافيزيقي) هو المسافة المستحيلة بين الحالف والمختلف معه( = عنه).

وبما أنَّ الله مقولة يتم تأويلها بأوضاع الإيمان والكفر، فالإرهابي ( الحالف) يتخذها عهداً لا قبل لأي سياق بإنزالها إنسانياً. أي يتحتم وضع الله هنالك بين المؤمن والكافر( بين الارهابي وكل الناس)، ولنا أن نتصور هذا الوجود الكلي، الجامع لمجمل دلالات الانفصال. وعليه تنمو لدى الإرهابيين مشاعر الكراهية والجمود الإنساني والقتل بدم بارد دون إحساس.

لا يَفْرقُ الموقف في هذا المضمار إزاء شمالٌّ عن جنوبٍ، ولا شرقٌ عن غربٍ، ولا وسطٌ عن أطرافٍ، ولا مركزٌ عن هامشٍ. إن المجتمع، كافة المجتمع، تحت مقصلة التكفير. فالإرهابي لا يميز الناس، ومهما تكن درجة ايمانهم ينالون المصير نفسه. والعماء يقام على الاختلاف اللاهوتي المشار إليه. الفكرة التي تشكل قطيعة اعتقاد- كالسيف الباتر- لتطرح حاجزاً متعالياً يَجُب ما كان قبله. وعبر مداها تصبح " معياراً أنطولوجياً " يزن به الإرهابيون الأفكار والأشخاص والمؤسسات والوظائف ضمن الأنظمة الاجتماعية.

وبالتدريج تنشأ الفجوة الكونية( هم هكذا يعتقدون!! ) بين الناس وبين الجماعات المتطرفة. فجوة ليست مادية فقط لكنها داخل تكوين الاعتقاد ذاته وتداعياته. كلُّ فجوة من ذلك القبيل نوع من الاستغراق التام في ماهية الحذف والتصنيف. حيث ينتقل الاختلاف إلى فعل ميتافيزيقي صرف، له شكل الشمول والصرامة التجريديين للهوس بالتكفير. وهو بدوره يتأسس لا عن طريق الفراغ الحاصل، بل على مقلوب الحب والتسامح والعفو والقبول والرحمة والعطف. والمقلوب( أي الكراهية) عمل يذهب تجاه الآخرين بشكل مقصود، لأن حتى طريقة كلام الإرهابي بها كم من الزجر والعنف غير المتوقفين.

لو أنَّ ثمة من يتعامل مع أحد المتطرفين سيدرك كم هو غليظ، وقد لا يحتمل العدم الذي ينتشر من بقايا حديثة. ومنهم من تراه لزجاً ومتمحكاً، لكنه تمحك قاتل يلف حول وجودك، حول رقبتك، كل عنف محتمل. كأنك فريسة اعتقادية يراها فرصة لن تعوض لإخضاعك إلى ما يعتقد ويرى. ويظل يلهث بأفكاره صغيرة أو كبيرة لدفعك تجاه حظيرته التكفيرية المنتظرة.

وربما يتجادل الإرهابي حول قضايا عقدية كبرى وإن كان الداعي إليها أمور معيشية بسيطة. فمثلاً عندما يتأخر الباص عن موعده الشائع، فقد يعتبره عملاً من أعمال الشيطان: والشيطان هنا - بناء على القطيعة الاعتقادية - يبدأ من الآلة والآخر والدولة والمجتمع والعالم والحياة بأكملها. لأنَّ الإغواء في التفاصيل يتربص به لدرجة أن تأخير الباص يعتبره مصيدة لإيقاعه عمداً في الاحتكاك بالناس وإثارة غضبه. وبتلك الصورة يبرر على نحو عكسي لماذا يطيع الناس الشيطان بينما يهربون من الله.

وتلك نظرة أسطورية ترى الأشياء والوسائل المادية جسداً لحركة كائنات خفية تنطق بالكفر والإيمان أو تجتذب ضحاياها في الطريق العام.

وليس غريباً أن يصبح أعضاء الجماعات الارهابية حاملي أدوات نحت تكفيرية خاصة بحفر مناطق الاشتراك بينهم وبين المجتمعات، ولا يكفون عن سلخ العلاقة حد التقطيع والإدماء. عليك أنْ تراهم مبتوري الأطراف ومقطوعي الأذنين ومغمضي العينين.. هذا هو الوصف البراني لحدة الاعتقاد الباطني. وفي مراحل مختلفة من حياتهم يندمجون في حالات التقية حتى يظفروا بالتعاطف تمهيداً للظفر برقاب الناس!!

أما الوصف الداخلي فهو تكتل المشاعر على غرار العمل الموسوي كما جاء بالقرآن: "فأوحينا إلى موسى أنْ اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثمَّ الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين، ثم أغرقنا الآخرين، إنَّ في ذلك لأية ما كان أكثرهم مؤمنين وإنَّ ربك لهو العزيز الرحيم"( الشعراء/ 63: 68).

بكلمات واضحة، يبقى المتطرف موسوياً في علاقة جماعته بالحياة. لكونه يشبه الأخيرة (أي الحياة) بالبحر المتلاطم الأمواج. وهذا يأتي في سياق التحذير والتحقير الدائمين من شأن الدنيا، وأنَّها فاتنة قاتلة للمؤمنين، وأنّها قد تبسط لهم أيديها وأحوالها كما بسطت شهواتها لمن سبقهم فتغرقهم كما أغرقت الأمم الغابرة.

هنا لا يخلو خطاب متطرف من الوقوف طويلاً على حدود الاغواء الدنيوي الذي يتجسد في النساء والأموال والبيع والشراء ومعاقرة الرغبات. هذا بالرغم من كون الارهابيين العتاة متعددي الزيجات، وربما لو أرادوا اختيار هذا الجانب من الدنيا، فإنهم يعملون كماكينات بيولوجية غرائزية لتفريخ الأولاد والبنات نتيجة زيحاتهم المتعددة!!

وكما كان موسى مأموراً بضرب البحر، فالإرهابي يأتمر بضرب الدنيا في صورة الأشخاص المخالفين له. ولن تكون هناك ليونة من أي نوع كان. والانفلاق يأتي بلغة الحس وكذلك يشعر الارهابي بالتمايز( كتمايز الحق والباطل) حتى تصبح الفوارق كالأطواد، الجبال بالغة الارتفاع. حيث يسير متأكداً من حمل اليقين بين راحتيه. لأنَّ ثمة اعتقاداً ضرورياً لديه بامتلاك الله كما كان الله عونا ًلموسى تجاه فرعون!!

والهروب الموسوي أمام جنود الفرعون يشابه الفرار الإرهابي من جحافل الدنيا على حد تكرار آرائهم. والحادثة الموسوية تطبع ذاكرة المتطرفين حين ينقيها الخطاب الضمني بكونها مظهراً لجوهر العلاقة مع الكافرين. وإذا أراد أحد أن يمارس نفس الدور فما عليه إلا انجاح محاربة المجتمع كما نجح موسى في محاربة الفرعون.

إنَّ الذاكرة الدينية تقلب جميع الأعمال والقصص لصالح تأويل براجماتي تستعمله في النيل من الأغيار. حيث سيقال في نطاق المجتمع إن أعمالاً كفرية أو أخرى مرتبطة بالناس، وبالتالي يجب الابتعاد عنها وعنهم، وأن هذا السلوك أو ذاك من بقايا الضلال الذي يتحرز منه المؤمنون في رؤيتهم للحياة والأفراد. وأنَّ على الاعضاء الأنقياء الابتعاد عن ممارسات هي تودي بهم إلى غضب الله وعذاب السعير. حتى أن الخاطرة- مجرد الخاطرة - تمر بذهنية الارهابي فتجعله منتفضاً خوفاً من الوقوع في المحظور. وقد ينخرط في بكاء لا واعٍ كنوع من الردع النفسي لإثبات انتباهه تجاه الخطاياً.

وليس مصادفة التعبير عن الفكرة السابقة بكلمة: الجاهلية كما لدى سيد قطب وأبي الأعلى المودودي. هذا المصطلح القائم على دلالة الفرز والاستبعاد والعنف. لكنه بالأساس يقطع بإطلاق نسيج المجتمعات مثلما أظهرنا. والميتافيزيقا التي تسكنه تفصل رأسياً بين الطرفين بلا أمل في أدني التقاء. فالجاهلية ليست صفة لكنها عملية تناقض ميتافيزيقي، حدي يستحيل عبوره بين الجماعة والناس.

بدليل أنَّ التكفير بمثابة الجزء الأساسي منها، كما أن التربية الفكرية العنيفة داخل الجماعات الدينية تقوم عليها، وكذلك سلطة العزل الشعوري والمادي للأجساد والذهنيات والعواطف، ثم إن انطلاق الجماعات الارهابية للجهاد أشياء متولدة مباشرة عن تخمر مفهوم جاهلية المجتمع حتى ملاحقة كل معارضيها.

ونتيجة ميتافيزيقا الاختلاف الجذري لن يوجد إلا تجلياته في أدق التفاصيل. فمنذ اليوم الأول لانتماء أي عضو إلى الجماعات السابقة يشعرونه شيوخُها ( بكافة الوسائل والممارسات حتى طرائق عبور الشوارع والتقبيل والملابس والنظرات والحركات والمصافحات والهمس والغمز واللمز والابتسامات والكلام ) أنَّه مغاير لجميع المحيطين به من البشر... هو منذ تلك اللحظة فرد كوني إلهي خارج الجغرافياً والمناخ الاجتماعي السائد.

كان من قبل شخصاً مهملاً لا قيمة له، ساقط من غربال السماء ومن مصفاة الشريعة. وفجأة حين التحق بالجماعة غدا إنساناً آخر. لقد تم صناعته من جديد، خلق مرة واحدة بعيون الله مباشرة( ولتصنع على عيني). ويردد له الاعضاء جيئة ورواحة أنه انتقل ( هكذا بملء المعنى المادي الكامل ) للعيش في جنة الأرض( التنظيم). وأنه لولا عناية الله لكان في عداد الهالكين لا محالة. وعليه أن يكون عند مستوى الاصطفاء الإلهي القادم.

وطبعاً يخفي الارهابيون - فيما يعرف بتجنيد الأعضاء- أيَّ فضل لهم مباشرة في العملية. لأنَّ الله – كما يؤكدون لهم- يشرف عليها، وهو من صاغ الرحلة، ودفع هذا أو ذلك كي يكون سبباً لهداية الشخص.

ذلك حتى يشعر العضو بالذنب عما ارتكبه في حياته السابقة، ولكي يظل طوال مستقبله يكفر عن خطاياه ظاهرةً وباطنةً. وهذه خطوة مرحلية مهمة لإخضاع الأعضاء تماماً لإرادة التنظيم. وهي أداة هيمنة على التفكير وتضمن انتقال التعاليم من جيل إلى جيل. فالسمع والطاعة يتمان في مناخ الخطيئة بأثر رجعي. إن الضبط الإرادي الذي تمارسه الجماعة لن يجري سوى من خلال " لاوعي آثم "، والإثم بمثابة الفرشاة التي تلطخ خلفيات الصور التشكيلية التي يرسمها الأعضاء لبعضهم البعض. كما لو كانت الآثام عاهات مستديمة لن يبرأ منها الأفراد.

وتدريجيا ينقطع العضو مع جماعته عن جسد المجتمع. ويدفعه الإثم القديم إلى التوبة المتواصلة عما ارتكب. ويشكل لدية سلكاً شائكاً بينه وبين سواه. والإثم يحيي في نفسه عملية الندم العملي عما فات. وليس هذا وحسب، بل ينفصل أثمه على هيئة عقدة الذنب يحملها أينما ذهب. وهي الإحساس القهري المتواتر في أفعاله وتصوراته بكونه كان في طريق المعاصي ثم عليه طلب الغفران. ويصبح الذنب والحرام والإيمان أشبه بصخرة سيزيف، كلما تجاوز الإنسان مرحلتها سرعان ما ترتد بأشكال أخرى من الممارسات داخل التنظيم.

كل إثم لا يموت في مراحله المتأخرة رغم مرور زمنه، لكننا نعيشه حتى في مراحل التطهر منه. وهذا بالتحديد ما يجتره أفراد الجماعات الإسلامية بشكل معكوس. لأن آثامهم تظل ماثلة كنعيق البوم في غسق الليل الحالك. مما يوقعهم في آثام أكبر متعلقة بأعمال الاقصاء والكراهية. وليس بعيداً أن يتحول الإثم إلى تبرير لكل عمليات التكفير والقتل وتدمير المجتمعات.

أولا: يتم تفريغ إرادة أعضاء الجماعات الدينية مما كان يشغلهم من اهتمامات خارج الجماعة. وطالما غدوا بلا إرادة، فقد اصبحوا لقمة سائغة لشيوخهم توطئة للقيام بعمليات انتحارية.

ثانياً: تزيد القطيعة الاعتقادية اعتبار التكفيري من عجينة أخرى في مجتمعه. ترسخ لديه البارانويا، أي يشعر بأنه مضطهد دوما من الآخرين. ولذلك إما أن يقتص منهم أو يسوغ لنفسه استباحة اعراضهم وأحوالهم وأموالهم.

ثالثاً: القطيعة الاعتقادية جزء من جسد التنظيمات الارهابية. لأن أي تنظيم حركي يحتاج إلى فجوة كي يمارس دوره. ومن هنا كانت القطيعة مهمة لفترة حضانة لفيروسات التكفير حتى تنضج وتفرخ في مظاهر مادية وسلوكية. وهذا يعني تعطيل المجتمع والعلاقات الطبيعية بين أفراده.

رابعاً: القطيعة اشبه بالاختيار الإلهي لدى المجتمعات اليهودية. فلئن كانت الأخيرة تتصور أن الرب قد اختار شعب بني اسرائيل بخلاف البشر، فالقطيعة الدينية تطبيق حرفي لمقولة الاصطفاء الإلهي لعناصر التكفير. لكن المدهش أن يندمج هؤلاء في لعب أدوارهم وقد تيقنوا من سيناريوهات القصة السردية داخل جماعات الارهاب. ودون حتى الشعور بكونهم إرهابيين. ومن هذا الباب تتماثل اعتقادات الارهاب مع النزعات الفاشية التي تدمر وتستبيح الإنسان.

خامساً: القطيعة الاعتقادية أشبه بكرسي اعتراف ميتافيزيقي. يجلس عليه الارهابي طوال حياته ويستخدم قادة الجماعة خطاياه لإعادة صياغته جسديا ونفسيا. لكن الأنكى أن هذا الكرسي الميتافيزيقي ينقلب إلى كرسي الاعدام، نتيجة انتحاره زاعماً القيام بعملية استشهادية!!

سادساً: لا توجد ما تسمى بالجاهلية، لأن الثقافة الإنسانية متصلة ويستحيل بتر أوصالها لصالح مساحة مستقلة وطافية فوق سطح التاريخ. وأن القطيعة لا تلخص كافة تجارب البشرية. لأنها تفترض سلفاً حذفها واستبعاد الغير. فالقطيعة تفتك بأصحابها قبل أي أناس آخرين.

سابعاً: أخطر ما في ميتافيزيقا القطيعة الاعتقادية أنها قنبلة موقوتة، نظراً لكونها تستخف بالتنوع البشري. وتلخص الأحوال في طرف هزلي مقابل أطراف حقيقيين. كما أن الواقع لا يتغير بهذه البهلوانية ولا بالتكفير. لأن أية ظاهرة طالما نشأت واقعياً لابد أن تتحلل وفقاً لقوانين الواقع نفسه كماً وكيفاً. ومن ثم فالتكفير نوع من الاستخفاف الذي ترعاه عقول خرافية الفهم والتحليل.

ثامناً: القطيعة الاعتقادية عملية تلاحقها عقدة الاضطهاد وتشتغل على محاولة النيل من الآخر بتدمير نفسها. كأن القطيعة ذاتها انتحار معرفي وفكري قبل أن يصبح فعلاً.

تاسعاً: هل تحمل القطيعة الاعتقادية بعضاً من دلالات الحادثة الأولى في تاريخ السرد الديني بخصوص الخطيئة التي انزلت أدم وحواء من الجنة؟ وبناء عليها يحاول التكفيريون تبرئة أنفسهم بتدمير الجسد كبصمة تاريخية في حفريات الدين.

وكأنهم يكفرون الناس لتخليص أنفسهم( وبالتبعية الناس) مما يؤمنون به ولا طاقة لهم بتحمله كما لم يكونوا هم مرتكبيه المباشرين!! ما هذه الاعادة التكرارية لقصص السرد الديني في شكل حادثة اعتقاد؟ وهل القطيعة ثم التكفير ثم التفجير تنويعات على قصة الخلق أم نوع من الانتظار بعد الموت المقصود لحياة أخرى بلا خطايا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما معني القطيعة؟
محمد البدري ( 2018 / 3 / 20 - 08:51 )
ما المقصود بالقطيعة؟ حسب الفلسفة المادية فان القطيعة تعني تحولا في بنية وطبيعة التفكير الانساني يصبح علي اثرها كل ما هو ماضي من مخلفات ثقافية لا محل له ولا يستدعي عند البحث في اي أمر من امور الحياه الجديدة. القطيعة إذن هي تحولات نوعية يصبح بسببها العقل مختلفا في ادائه وتصوراته وفي معالجته للامور. اما اي منهج آخر لتفسير القطيعة فهو يبقيها وكأنها معروضة في متحف الانسانية لا يراها الناس في واقعهم الجديد الا عند زيارتهم للمتحف. أما عند الشعوب ذات العقول المتكلسة وخاصة التي يوجهها الدين فلا قطيعة لديهم لانه لا جديد عندهم. تحياتي


2 - القطيعة = العزل والإنفصال
سامي عبد العال ( 2018 / 3 / 20 - 09:21 )
تقديري استاذ البدري... القطيعة آلية لجماعات التكفير الديني. ليس المقصود بها الانتقال لمرحلة جديدة ولا متطورة ولا ترك الماضي، إنها كهف لاهوتي هو التنظيم ذاته على صعيد الوجود والفكر والحياة. أي ممارسة الانعزال الواعي إزاء المجتمع حيث يشعر الارهابي بكونه منفصلاً عن العالم . وتلك المساحة هي الذي تقوده إلى الماضي الذهبي أو التكفير أو كراهية الأخرين أو التفجير بمسميات الشهادة. ويرتبط بها اعتبار الحياة بمجملها غير مقبولة وجاهلية يجب التمايز فوقها. من هنا كانت القطيعة في صلب المعتقدات العنيفة. ولا يهم الارهابي ما إذا كان مع العصر أم لا إنما الاهم أن يقطع مع محيطه بالكلية. وهي تتأسس على فتاوى التحريم وتفسيق الناس وكراهية الديانات الأخرى و الخوف من تطورات العصر و انتشار ثقافة التغييب.


3 - ومِن تجربتي في مُعتقل المالكي
حميد الواسطي ( 2018 / 3 / 20 - 10:03 )
ومِن تجربتي في مُعتقل المالكي.. حسب رؤيتي وتجربتي وإستقرائي أقول، أنَّ الإرهاب لا ولن ينتهي بوجود الظلم وغياب العدالة والمرؤة والإنسانية وإنعدام الضمير لدى أشباه رجال السُلطة والمسؤولين فبدهي يكون في الجانب المُقابل إرهاب..! مثال و-غيض من فيض-: ضبّاط أبرياء مظلومين كانوا معي في(معتقل نوري المالكي ومدير إستخباراته – حاتم المكصوصي)أحدهما برتبة ملازم أول وينتسب لنفس الجهة المعتقل فيها متهم بسرقة مسدسات وهو بريء منها وأثناء التعذيب والتحقيق معه هددوه بأن يجلبوا زوجته ليفعلوا بها الفاحشة أمامه(علماً هو زميلاً لهم في نفس الوحدة العسكرية..!)وآخر برتبة نقيب كان المحققون في السجن المركزي (بمطار المثنى) يعصرون الزاهي (يستعمل لغسل الصحون) في مخرجه ليدخلوا بعدها خشبة الماسحة..! وغيرها مِنَ الأعمال التي يندى لها جبين الإنسانية فماذا يُتوقع نتيجة هذه التصرفات؟ ألا تخلق إرهاب أو إرهابيين..؟ ولكن وللحقيقة عندما أزاح الله المالكي مِنَ رئاسة الحكومة وقيام خلفه حيدر العبادي بطرد المكصوصي مِنَ الأستخبارات إختفت تلك الممارسات وتنفس بعدها المعتقلون الصُعداء..!وشُكراً– حميد الواسطي.


4 - هذا الجانب مهم
سامي عبد العال ( 2018 / 3 / 20 - 16:43 )
خالص تحياتي استاذ حميد... شكراً لك على هذا الرأي المهم... فالإرهاب أيضاً له بيئة حاضنة تشعل فتيله وتوفر مبرراته لدى الإرهابيين.. ولعل تنظيم داعش رغم ما قيل عنه من انحرافات وجذور دينية إلا أنه نشأ في - بيئة ما بعد التدمير الأمريكي- للعراق.. وكان الانحراف الأكبر في مساره هو اعمال القتل والعنف بمبررات الاحتلال وظهور الدولة الطائفية المستبدة وازداد شراسة مع الفقر والجهل والتخلف عندما أخذ ينتشر خارج العراق إلى مناطق مهمشة وأقل حظاً من العدالة والتطور ... .


5 - ردّاً:إلى الأستاذ سامي عبد العال
حميد الواسطي ( 2018 / 3 / 21 - 05:29 )
ردّاً:إلى الأستاذ الفاضل سامي عبد العال..أقول، شُكراًلكَ على ردّكَ وإهتمامكَ..في عام 2012 إلتقيت بالسَيِّد مدير جهاز مكافحة الإرهاب(الفريق أول الركن طالب شغاتي)في مكتبهِ..كُنت وقتها برتبة عميد على أبواب لواء وَكان مديرالجهاز متحمساًجداًوراغباًبشدة أن أعمل معه وقال لي بالنص:-أريدك أن تعمل معنا في الجهاز كباحث إستراتيجي-وقد أرسلَ على مدير مكتبه العميد محمدالموسوي لإكمال الإجراءات بَيدَ أن اللوبي الفاسد في الجهاز مِن بعض ضبّاط الدمج أخبروا قائد قوات الدمج وَ المُقرَّب من نوري المالكي–أبو مجاهد كاطع نجيمان الركابي الذي شفع لي شفاعة سَيِّئة لدى طالب شغاتي ممّا توقفت مسألة إنضمامي للجهاز..اَمَا لو كنت عملت في الجهاز لعالجت كباحث في معالجة الإرهاب ولوجدت الحلول مِن طرفنا نحن مِن خلال تعديل سلوكنا وأفعالنا (سُلوك وأفعال السُلطة: في العدل والإنسانية وإحترام حقوق الإنسان)قبل مُحارَبة الطرف الآخر مِن الذين أضطروا أن يكونوا إرهابيين؟ كرَدّ فِعل نتيجة الظلم ليسَ إلاّ..الأستاذ الكريم تقبَّل رجاءاًخالص التحيَّة وفائق الإحترام ودُمتم –حميد الواسطي.

اخر الافلام

.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف


.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية




.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك