الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحقيقة والتلفيق بين فاضل الربيعي والحسن الهمداني

فكري آل هير
كاتب وباحث من اليمن

(Fekri Al Heer)

2018 / 3 / 21
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


حسناً، لا توجد أي مقدمة هنا، لأني سأبدأ على الفور، وأقول:
في كتابه "فلسطين المتخيلة- الجزء الأول"، يضع المفكر العربي عنواناً لمقدمة الكتاب (الهمداني يصف أرض التوراة في السراة اليمنية).
..
هكذا، ومن أول سطر.. يعطينا صاحبنا الربيعي انطباعاً بأنه تحصل على اكتشاف مهول في صفحات كتاب "صفة جزيرة العرب"[**] للسان اليمن الحسن بن أحمد الهمداني. ومن ثم يعود الربيعي ويتساءل ببراءة منقطعة النظير:
هل وصف الهمداني حقاً، في كتابه صفة جزيرة العرب، الأرض نفسها التي وصفتها التوراة؟!
..
عند هذه النقطة يشير الربيعي الى أن هذا السؤال الجهنمي لم يخطر على بال أحد من قبل حتى جاء هو، فصار هذا السؤال [في مواجهته- أي مواجهة الربيعي] مباشرة..
ومن بعد يشرع صاحبنا المفكر الربيعي في البحث عن الخطأ الكارثي الذي زيف معارفنا المقدسة بجغرافية الشخاطط التوراتية، وبذكاء خارق سرعان ما يكتشف الربيعي ذلك الخطأ ويصفه لنا قائلاً بأن:
[ذلك الخطأ قد وقع في القراءة الغربية للتوراة، باعتبارها قراءة استعمارية في الجوهر، ساهمت في تضليل العالم وفي تحريف التاريخ؟!]- أي والله.. هكذا قال الربيعي.
وبالطبع، فإن صاحبنا الربيعي سيقدم لنا وبكل جرأة قراءته المختلفة على الإطلاق لكتاب الهمداني المشار إليه آنفاً، وسيحرف – بكل ما تعنيه كلمة تحريف- كل أقوال الهمداني وتحديداته الجغرافية الدقيقة بمعايير عصره وعصرنا، ويضع محلها قراءته هو- أي قراءة الربيعي وتفسيره الأحادي الذي لا يشاركه أحداً سواه على حد زعمه. ومع ذلك التحريف الألمعي الذي قام به الربيعي، فإنه ما يزال مصمماً على أن الهمداني وصف أرض التوراة في السراة اليمنية..!!
...
لن أنسى هنا بأن أذكر قرائي الأعزاء بأن هذا الاكتشاف الذي توصل إليه المفكر العربي الربيعي في كتاب الهمداني، كان ناتجاً بالأساس عما وصف به الربيعي نفسه، بأنه [يحفظ كل أسماء الأماكن التي وردت في التوراة عن ظهر قلب]..؟!-
وعلينا أن نصدقه، فهو يحفظ كل حرف في الشخطاط التوراتي.
**
والآن، سأترك الربيعي، وأذهب الى الهمداني، وأقرأ ما يزيد عن (550) صفحة باحثاً عن أرض التوراة التي يتحدث عنها الربيعي، فلا أجدها اطلاقاً اطلاقاً.
في الحقيقة أن لا وجود لشيء اسمه أرض التوراة إلا في عقل الربيعي ومن هم على شاكلته ومنواله الذي خطه كمال الصليبي من قبل لهم.
..
لكني وجدت شيئاً مثيراً للدهشة، لا أسميه هنا اكتشافاً كما فعل الربيعي، بل أسميه ملاحظة رائعة ربما احتاط الهمداني من حيث علم أو كانت له رؤية ثاقبة، بأن أحدهم في زمن ما سيأتي ويحرف ما كتبه، فماذا وجدنا؟!
وجدت أن الهمداني يفرق ويضع فروقاً واضحة المعالم، فروقاً صريحة ودقيقة لا يمكن تأويلها أو تحريفها أو تدجينها ربيعياً أو صليبياً أو ما شابه، بين فلسطين، وأرض بني اسرائيل وبلاد اليهود، فهذه الأسماء الثلاثة عند الهمداني لا تدل على منطقة جغرافية واحدة كما هو شائع، بل كل منها أرض مختلفة تماماً عن الأخرى، وكل منها لها حدودها الجغرافية ولها سكانها ومدنها وتضاريسها.. الخ.
وفضلاً عن ذلك، فإن الهمداني يظهر انتباهاً قوياً لمسألة انتقال الأسماء من لغة الى لغة أخرى.
لكي نتبين الأمر، هناك نصان في كتاب الهمداني، تعالوا نرى ماذا قال لنا فيهما:
[1]
النص الأول، يشير الهمداني فيه الى مسألة تعريب الأسماء، فيقول: [الرَّملة من فلسطين وسلميَّة وبعلبك- معربة باعل بك - وقيساريَّة وصيداء..] [الهمداني، 1990، 39].
واضح أن الهمداني هنا يبين لنا أصل اسم (بعلبك).. بما يؤكد لنا بأنه لم يكن غافلاً عن هذه المسألة – مسألة تحول الأسماء وتغيرها وتحورها تاريخياً- كما يظن الربيعي. كما أن الهمداني يتعامل مع مدينة (الرملة) الفلسطينية كمركز جغرافي، يمكن من خلاله تعيين مواقع مناطق آخرى بالجوار منها، مثل: معان وجبال الشراة ومصر ونابلس والجولان وتبوك.. وغيرها من الأماكن، التي نعرف نحن قطعاً أين تقع، ولا نحتاج للربيعي ليدلنا عليها، أو ليكشف لنا عن المؤامرة الخبيثة التي نُقلت بموجبها هذه الأماكن من جغرافيتها الأصلية في الصين اليمنية وغرستها زيفاً وتحريفاً هناك حيثما نعلم أين تقع هذه المدن منذ عشرات القرون وحتى اليوم.
..
ولأن لا مجال للتفصيل في هذا الجانب، فإن بوسع القارئ العزيز أن يعود الى كتاب الهمداني ويتحقق من ذلك.
[2]
النص الثاني، وهو الأهم وما يقع عليه مناط التأكيد في دحض دعوى الربيعي، وكشف نظريته التلفيقية، وفيه يقول الهمداني:
[وأما سائر أجزاء هذا الربع الذي يلي وسط جميع الأرض المسكونة وما يقع في جزيرة العرب منها مثل (إيدوما) (وأرض سورية) (وأرض فلسطين) (وبلاد اليهود العتيقة من إيليا وتسمى بالعبرانيّة يرشلم، وتعربها العرب فتقول أوراشلم)....... فمن كان منهم في بلاد سورية وهي أرض بني إسرائيل وبلاد إيدوما وبلاد اليهود العتيقة فهم يشاكلون الحمل والمريخ خاصة... الخ] [الهمداني، 1990، 73].
...
واضح جداً - في نص الهمداني أعلاه- أنه يميز ويفرق بين أرض سورية وأرض فلسطين وبلاد اليهود- التي يصفها بــ العتيقة- وهي من (إيليا) وتسمى بالعبرانية يرشلم، وتعربها العرب فتقول أوراشلم.
ثم أن الهمداني يصف (سورية) بأنها أرض بني اسرائيل، وهي أرض أخرى غير أرض اليهود، فبني اسرائيل شيء واليهود شيء آخر، هذا ما يقوله لنا الهمداني بكل وضوح.
[3]
والآن، علينا أن نؤم أبصارنا صوب المفكر العربي فاضل الربيعي، وكل من حمل دعواه وادعى بدعوته، لنسأله: هل وصف الهمداني حقاً أرض التوراة في السراة اليمنية؟!- هل قال الهمداني أن أورشليم في صنعاء أو نجران أو في عسير..؟!
..
سؤال جديد، يضاف الى قائمة طويلة من الأسئلة الفاضحة التي سبق ووجهناها إليكم يا مفكرنا العظيم، وكالعادة فإننا لن نلقى منكم جواباً، لأن جوابكم دائماً هو الهروب والاختباء..؟!
ختاماً، أشكر كل من قرأ لي حتى هذه الكلمة.. وللجميع أطيب تحياتي
**
[**]. الحسن بن أحمد الهمداني: صفة جزيرة العرب، تحقيق: محمد بن علي الأكوع الحوالي، الطبعة الأولى، مكتبة الإرشاد، صنعاء، 1990.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة