الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلاسيكيات الماركسية والمسألة القومية

ارام كيوان

2018 / 3 / 23
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



"أعيدوا لنا وطننا, وطن القوميات الكثيرة, بلد الناس الأخيار, بلد الناس السوفيت. وخذوا الرأسمالية والديمقراطية وما ولدتا من وحوش على أنقاض الأتحاد السوفيتي"
(الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف في تغريدة له على تويتر)




أسمي هذه المقالة التي جاءت بطلب من رفيق ب(كلاسيكيات الماركسية والمسألة القومية) لأنني أقوم بعرض تحليلات المنظرين التاريخيين للحركة العمالية وبالأساس ستالين كونه صاحب الاسهام في هذه المسألة والتي تحسب له كاضافته للماركسية, وفي نفس الوقت أسميها (كلاسيكيات) لأنني أقول ان هذه الكلاسيكيات ورغم كلية صحتها فاننا نحتاج في دراستنا للمسألة القومية اليوم أن نضيف الى هذه الكلاسيكيات وأن نبدأ من حيث انتهت بعد أن ندرسها ونفهمها, الكتاب الرئيسي الذي ارتكز عليه هو كتاب ستالين "الماركسية والمسألة القومية" هذا الكتاب كتبه الرفيق ستالين عام 1913 وهو كلي الصحة ولا أعتقد أن أي من التحليلات الواردة فيه قد شاخت بل أنني اقول انها غطت جميع جوانب المسألة القومية في حينها ولكن الان في عام 2018 ظهر جوانب عديدة للمسألة القومية يجب دراستها.


أعجب لينين بكتاب ستالين حول المسألة القومية فكتب لمكسيم جوركي يقول له : "بما يخص المسألة القومية فأنا بشكل كامل موافق معكم بأنه يجب أن ندرس بجدية هذا الموضوع, لدينا قوقازي مدهش (ستالين) جلس وكتب في مجلة التنوير مقالة كبيرة حيث جمع مواد بغالبيتها من التجربة النمساوية" - (المقصود من التجربة النمساوية هي الفترة التي أقام ستالين فيها في فيينا)


يعرف ستالين الأمة بالقول : "الأمة جماعة ثابتة من الناس، مؤلفة تاريخياً، لها لغة مشتركة، وأرض مشتركة، وحياة اقتصادية مشتركة، وتكوين نفسي مشترك يجد له تعبيراً في الثقافة المشتركة."


ما يجب أن نشير اليه حول تعريف ستالين للقومية أنه قبل أن يخرج ستالين بهذا التعريف ناقش كل مركب من مركبات القومية على انفراد, أهم ما أود أن اشير اليه في ما قبل الاقتباس هو أن ستالين فرق بين الدولة ما قبل الحداثة وبين الدولة ما بعد الحداثة ولم يعتبر الدول قبل الرأسمالية دولا قومية أو أمما.
"وهكذا فالأمة ليست جماعة عرقية ولا قبلية، بل هي جماعة من الناس تألفت بعوامل التاريخ.ومن جهة أخرى، لا شك في أن دولتي كسرى والاسكندر الضخمتين لا يصح تسميتهما أمتين، رغم أنهما تشكلتا تاريخياً، ورغم أنهما تشكلتا من قبائل وعروق مختلفة. فهما لم تكونا أمتين بل كانت خليطاً عارضاً من جماعات ضعيفة الروابط فيما بينها، تتفرق، وتتحد تبعاً لنجاح أو فشل هذا أو ذاك من الفاتحين.ولذا فالأمة ليست خليطاً عارضاً واهياً، بل هي جماعة ثابتة من الناس" (ستالين)


الملاحظة الثانية حول الحياة الاقتصادية, ما قصده ستالين حول الحياة الاقتصادية المشتركة المقصود منه هو تقسيم جماعي كبير للعمل داخل حدود دولة معينة وليس ما قبل الرأسمالية يعطي ستالين مثالا بجورجيا : (ولم تطلع جيورجيا في شكل أمة، إلا في النصف الثاني للقرن التاسع عشر عندما جاء إلغاء الرق وتقدم الحياة الاقتصادية في البلاد وتطور طرق المواصلات ونشوء الرأسمالية. فأوجدت هذه العوامل تقسيم العمل بين مناطق جيورجيا، وقضت نهائياً على العزلة الاقتصادية في مختلف الإمارات وجمعتها في «كل» موحد. ويجب أن يقال مثل ذلك عن الأمم الأخرى التي اجتازت مرحلة الإقطاعية)


نريد أن نتفادى الانحراف عن سياق الموضوع ولكنني أريد أن اجيب على سؤال قد يسأل سائل حول القومية : "اذا كانت القومية لم تنتج قبل الرأسمالية فهذا يعني أن معظم العالم ليس فيه قوميات لأنه لم يعش الرأسمالية". هذا سؤال افتراضي مشروع ولكي نجيب عليه نقول أن ستالين انطلق في تحليله للقومية من الماركسية وماركس في نقده للاقتصاد السياسي قال أنه مع صعود النظام الرأسمالي كنظام عالمي أصبح العالم كله عبارة عن نواة واحدة.


يكمل ستالين في كتابه وينتقد باور حول اعتباره اليهود أمة ليقول :(ما هي مثلا تلك الأمة اليهودية التي تتألف من يهود جورجيين ودغستانيين وروس وأمريكان وغيرهم والتي لا يفهم بعضهم بعضا ويقطنون مختلف بقاع الكرة الأرضية ولن يرى بعضهم بعضا في حال من الأحوال أسلما كان أم حربا...ليست هذه بأمة والاشتراكية الديمقراطية لا يمكن لها أن تضع برنامجا لمثل هذه الأمم الكرتونية...يتضح مما ورد أن باور يخلط بين الأمة ومفهوم تاريخي وبين القبيلة وهي مفهوم اثنوغرافي)
Bauer is obviously confusing nation, which is a historical category, with tribe, which is an ethnographical category.




يمضي ستالين في حديثه عن الحركات القومية في اوروبا ويؤكد أن الدور الأول في النضال القومي تأخذ البرجوازية فيه دور الريادة ليقسم المسألة القومية الى مرحلتين :


المرحلة التقدمية: "وهي التي توجهت فيها الحركة القومية توجهاً اقتصادياً باتجاه تحطيم العلاقات الاقتصادية الإقطاعية القديمة، المعرقلة لتطور القوى المنتجة، وإحلال علاقات أكثر تقدماً أي الرأسمالية، وسياسياً باتجاه تحطيم الحدود بين الإمارات الإقطاعية وإنشاء الدول اللامركزية على أساس من الاقتصاد الموحد أي بإنشاء الدول القومية."


المرحلة الرجعية: "التي نضج فيها تطور الرأسمالية وتبلورت تناقضاتها الطبقية الاجتماعية وبرزت الطبقة العاملة كقوة اجتماعية بديلة للطبقة البرجوازية. عندئذ أصبحت البرجوازية في وضع تستغل فيه الأمة القومية لطمس النضال الطبقي، ولإظهارها النضال الطبقي مقسماً للأمة مهدداً لكيانها"




يكمل ستالين ويشرح أن مبدأ الاستقلال الثقافي القومي عوض حق تقرير المصير الجماعي هو مبدأ برجوازي الطابع ومن ثم يمضي في كلامه ويسخر من دعاة توحيد الأمة على قلب واحد ويبين أن الصراع الطبقي ينفي هذه النظرية :


(ان وحدة الأمة لا تتقلص بسبب الهجرة فقط انها ايضا تتقلص من الداخل أيضا وذلك بسبب زيادة حراجة النضال الطبقي وعندما تكون الرأسمالية في مراحلها الاولى يمكن الحديث "جامعة ثقافية" بين البروليتاريا والبرجوازية ولكن ال"الجامعة" تبدأ بالذوبان مه تطور الصناعات الثقيلة وتزايد حدة الصراع الطبقي فلا يجوز الحديث بصورة جدية عن جامعة ثقافية لأمة ما عندما يكف أصحاب المشروعات والعمال في أمة واحدة عن فهم بعضهم بعضا)


*نقاط لا بد من توضيحها : قد يسأل سائل وماذا عن الدول المتعددة القوميات ؟


ذكرنا أعلاه تعريف الأمة ولكن ما الفرق بين الأمة والقومية؟, بالامكان القول أن القوميات والأمم لديها نفس التعريف بشكل نسبي ولكن الفرق بين الاثنين أن الأمم قد تشترط تاريخا مشتركا واحد كالأمة الامريكية المتكونة من عدة أعراق, وهذه الأعراق ينطبق عليها نفس التعريف ولكنها تجد نفسها في حالة من الوحدة مع قوميات اخرى من نفس الأمة في روسيا مثلا يقال "روسكي" وتعني ذوي القومية الروسية ويقال "روسييانين" وتعني بقية القوميات التي تعيش في روسيا . وما يجمع الاثنين هو انتمائهم للأمة الروسية. المنطلق الذي ينطلق منه ستالين هو الماركسية, ستالين فرق بين الأعراق والأمم والقبائل في دول كالولايات المتحدة يعود أصول مواطنيها بالأساس الى بريطانيا ولكن مجموعات كبيرة منهم جاءت من مناطق متفرقة فهناك من يعرف ب "نيجيري امريكي" وهناك من يعرف ب "روسي أمريكي" وما يجمع الاثنين أنهما أمريكيين كل واحد منهما جاء من أمة معينة وشكلا مع صعود الرأسمالية أمة جديدة هي الأمة الأمريكية واحتفظ كل من الاثنين بطابعه التاريخي الذي يعود الى ما قبل الأمة الأمريكية. وبامكاننا أن نقول أن امريكا حالة استثنائية كونها دولة نشأة عن طريق الاستيطان في عهد الرأسمالية أما باقي الأمم (أو معظم الأمم) الحالية فقد تبلورت عن طريق مواطنين وشعوب لديها تاريخ سحيق وطابع قومي في تلك الأرض ما جعل الدولة ترمز الى القومية التي لعبة الدور الرئيسي في انشائها مثلا (روسيا, المانيا ,فرنسا) بالامكان أن نشير الى أي دولة من هذه الدولة بكلمة "امة أو قومية" عكس الولايات المتحدة التي جائت عدة قوميات وانشئتها في اطار امة جديدة هي أمريكا بالرغم من أمريكا في بداياتها عرفت ب "انكلترا الثانية" أي أن الأمة غالبا تكون نفسها القومية ولكن في حالات معينة كالحالة الأمريكية لا تكون الأمة هي نفسها، ولكي نفهم الفرق نقول أن الأمة التي لا تعتبر قومية هي الأمة المتكونة من عدة قوميات لديها نفس تعريف الأمة (واكتمل تبلورها مع صعود الرأسمالية) وتشكل دولة واحدة وللإسهاب اكثر نقول أن الأمة لا تكون نفسها القومية عندما لا تمتلك جميع مركباتها نفس الخصائص الخمسة ولكن العامل الثابت الوحيد هو الحياة الاقتصادية واغلب هذه الحالات هي دول وأمم نشأة بسبب الاستيطان والاستعمار كامريكا واسرائيل أما الأمم التي يرمز اليها بنفس اسم القومية كروسيا مثلا وفي نفس الوقت فيها قوميات اخرى فتلك الأمم تكون فيها قومية معينة صاحبة الحجم الأكبر والدور الأبرز في تشكل القومية.


اذا ما هو الحل الأمم التي تتشكل من مجموعات ذات أصول قومية مختلفة عند ستالين؟. الاجابة هي "الديمقراطية" : (اذا لم تكن في البلاد ديمقراطية فلن يكون هناك ضمان "لحرية كاملة للتطور الثقافي للقوميات" ويمكننا أيضا أن نقول بثقة وبقناعة بأنه كلما انتشرت الديمقراطية في البلاد كلما هبط عدد محاولات الاعتداء على حرية القوميات)




هناك مصطلح استعمله لينين هو "التمثل القومي", معنى التمثل القومي هو أن تتماثل قوميات مختلفة في أمة جديدة ولا يعود الاختلاف باللغة يشكل أي فرق أو عائق في سبيل تشكيل أمة جديدة تذوب فيها كثير من الفوارق فيما بينهما وهو شعار اعترض عليه ليبمن والبونديين والاشتراكيون الديمقراطيون الأكوران


يطرح لينين السؤال: (شجب السيد ليبمن "التمثلية" دون أن يقصد بهذه الكلمة لا العنف ولا التفاوت ولا الامتيازات فهل يبقى أي شيء فعلي واقعي في فكرة التمثلية اذا جردت من كل عنف وكل تفاوت؟ )


ومن ثم يجيب :
(نعم يبقى شيء بكل تأكيد يبقى اتجاه الرأسمالية التاريخي العالمي نحو تحطيم الجواجز القومية نحو محو الفروق القومية نحو تمثل القوميات وهو اتجاه يزداد بروزا ورسوخا في كل عقد من العقود ويشكل عاملا من أهم العوامل التي تحول الرأسمالية الى اشتراكية فليس بماركسي حتى ولا بديمقراطي من لا يقر بالمساواة في الحقوق بين القوميات واللغات ولا يدافع عنها ومن لا يناضل ضد كل اضطهاد قومي وضد كل عدم مساواة قومية ذلك أمر لا ريب فيه ولكن مما لا ريب فيه أيضا أن الماركسي المزيف الذي الذي ينهال بشتائم على ماركسي من قومية اخرى بسبب "تمثليته" ليس في الواقع سوى قومي تافه ضيق الأفق والى هذه الفئة من الناس غير الجديرين بالاحترام ينتسب جميع البونديين وكذلك القوميون الاشتراكيون الاوكرانيون أمثال السادة يوركيفيتش ودونتسوف.) - (لينين المجلد الخامس ص67-68)


لا أريد أن أبقى طويلا في شروحات متفرقة حول المسألة القومية وحقوق الأقلية بل أريد أن ادخل مباشرة في حق تقرير المصير ولكن قبل الشروع في شرحه, أرى من واجبي الماركسي أن أشرح اراء لينين وستالين بشكل ولو مختصر عن "الحكم الذاتي الثقافي" يرى كل من يقرأ كتابات لينين وستالين معارضة للحكم الذاتي الثقافي ولكن ما معنى هذه المعارضة؟


هذه المعارضة تعني بشكل عام انعزال قومية عن القوميات الاخرى ما يعزل بروليتاريا هذه القومية عن بروليتاريا القوميات الاخرى ويرسخ للحكم الذاتي البرجوازي وهو ما يعارضه الماركسيون أما في اطار دولة عصرية تحوي حكم مركزي تتمركز فيها وسائل الانتاج فلا يملك الماركسيون أي مشكلة في الحكم الذاتي.


أما حق تقرير المصير الذي يأخذه البعض بطريقة مجردة بدون أن يقرأوا ما كتبه لينين فانه ينقسم الى مرحلتين (قبل السلطة وبعد السلطة) وكذلك يجب الاشارة أن حق تقرير المصير جاء به لينين في عهد الاستعمار والهدف الرئيسي من حق تقرير المصير هو فصل الأمم المظلومة عن المركز الرأسمالي, يقول لينين :


"لا بد للاشتراكية الظافرة من أن تحقق بالتالي لا المساواة التامة في الحقوق بين الأمم وحسب، بل أن تطبق أيضًا حق الأمم المضطهَدة المظلومة في تقرير مصيرها، أي حقها في حرية الانفصال السياسي".


في مرحلة ما قبل السلطة السياسية لا يكون بوسع الماركسيين أن يمنحوا حق تقرير المصير لأي قومية ففي هذه المرحلة يقتصر دورهم على تثقيف جماهير الكادحين من مختلف القوميات في سبيل انضمامهم الى البروليتاريا الثورية في حربها ضد الرأسمالي ولكن الامر يختلف حين تستلم الطبقة العاملة السلطة سواء في مرحلة الثورة البرجوازية ام في مرحلة الثورة الاشتراكية تحت قيادة ماركسية. انذاك يترتب على الماركسيين ان يطبقوا شعار حق تقرير المصير بكامل محتواه اي بما فيه حق الانفصال وتكوين دول مستقلة. ما كان سابقا مجرد شعار يقود الماركسيون الكادحين من اجل تحقيقه اصبح في هذه الحالة محكا لجدية الماركسيين في شعاراتهم ومنها حق كل قومية في الانفصال وتكوين دولة مستقلة.


ختاما فانني أريد أعود الى نقطة طرحتها في البداية وهي "الجوانب الجديدة" في عالمنا المعاصر للقضية القومية وهذه الجوانب الجديدة تتلخص بكوننا نعيش في عالم غير اشتراكي وغير رأسمالي فما هو المقياس في المسألة القومي اذا أخذنا القضية الكردية كمثال فان استقلالهم لا يخدم قضية الطبقة العاملة في شيء وكذلك لا يخدم أي دولة في شيء فما هو الصواب في هذه المسألة؟ من جانبي أيدت حق الأكراد في تقرير مصيرهم من منطلق انساني بحت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ


.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا




.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟