الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 3

دلور ميقري

2018 / 3 / 23
الادب والفن


" نفيسة "، لم يشهد لها أحدٌ بجمال مميّز، كان من الممكن أن تفتن به الآخرين. اللهم إلا أن يكون جمال الجسد، ما يُقصد به الحديث في وقت شبابها. على أنّ قسمات سحنتها وإن كانت كبيرة، فلم تكن متنافرة خالية من الانسجام. ومن العبث إعادة التذكير بمدى تأثير عينيها على الآخرين، كونهما المجال المغناطيسيّ لسحرها. إلى ذلك، امتلكت هذه المرأة ذكاءً لامعاً لم تتوانَ في تخديمه لتدمير كل من يفكّر بالوقوف في طريق مطامحها. وهيَ مطامحٌ، لمّحت عنها لعشيقها في فترة مبكرة من علاقتهما.
كانت توصله إلى مكان عمله، دأبها كل صباح، حينَ تعطلت بهما السيارة في منتصف المسافة إلى المدينة. ساعدها في دحرجة المركبة إلى طرف الغابة، الممتدة على طول الطريق. لطالما تشاءمَ من منظر هذه الغابة، المتراكم على أشجارها وأجماتها الغبارُ المثار من لدُن المركبات العابرة. حتى الفجر، المهيمن عليه سُحُبٌ محمّلة بالغيث، كان يبخل بالندى على تلك الأشجار والأجمات. لحُسن حظ عاشقينا، أنّ الوقتَ يومئذٍ كان على مشارف الربيع الدافئ، يتيح لعري الجسد التفتحَ كبراعم أزهاره. بعدما انتهيا من ممارسة الحبّ في المقعد الخلفيّ للسيارة، استعاد كلاهما هيئة الحشمة ثم شرعَ في إشعال سيجارة حشيش. في يومٍ أسبق، أدهشه أن يرى امرأة مسلمة تدخن الكيف. ولم يكن أقلّ دهشة، آنَ حظيَ بأول قبلة ممن ستصبح لاحقاً عشيقته. وإذاً، أستعادَ عند طرف الغابة المغبَّرة تفاصيلَ ذلك اليوم الفاصل في علاقته بها.
" الخمرُ حرامٌ، لأنها مُسكرة تضيّع عقلَ المرء. وليسَ كذلك الكيف، المُتيح للمتعاطي نشوة ربانية لا يحققها له وليّه! ".
قالتها " نفيسة " يومئذٍ ببساطة. ثم أخذت نفساً من سيجارتها، قبل أن تضيف: " مخدومنا، يقول أنّ غالبية رجال النصارى قد قدموا إلى المغرب بسبب توافر الكيف ورخصه وحريّة تعاطيه. أما عن نفسه، فأكّدَ لي أن تعاطيه الكيف صارَ يُساعده في التركيز خلال الرسم. وأنتَ؛ ماذا عنك..؟ ". لم يدرِ، كيفَ يمكن شرحَ الأمر لهذه المرأة شبه الأمية. قال لها باختصار: " أتيتُ إلى هنا، لأنني كنتُ على شفا الجنون. إنّ سيّدتك هيَ من نصحتني بالمجيء، حينَ التقيت معها مصادفة في باريس ". أجفل آنَ انطلقت قهقهتها على حين فجأة، قبل أن تقول بلهجة جدية: " ولكنها جنّت هنا.. جنّت تماماً! ألم تلحظ ذلك في إبّان تعرفك عليها؟ سفرها إلى باريس في فصل الشتاء، دليل آخر على جنونها فيما لو فكرنا أيضاً بأنها لا تملك أقارب هناك ". آنذاك، لم تكن " هيلين " قد عادت بعدُ من رحلتها الشتوية، الإشكالية والمثيرة للأقاويل. كان حذراً إزاء المكر القرويّ ( هوَ بنفسه من الريف الباريسيّ )، فلم يعلّق على الموضوع. شاءَ الإشارة إلى السيجارة في يد الخادمة، مُتسائلاً بدَوره في شيء من الارتباك: " طريقة تدخينك، تذكّرني بمسيو جاك..؟ ".
" أحقاً؟ "، قاطعته ضاحكة عن سنّ ذهبية. ثم رنت إليه بعينين يشعان مكراً، لتستطرد قائلة بزهو: " أنا مَن علّمه تدخين الكيف، وقد اشترطت عليه في مقابل ذلك أن يعلمني قيادة السيارة ". كانا إذاك يقفان في حديقة الزهور، قريباً من حجرة المرسم. في ذلك الوقت من الظهيرة، أعتاد المسيو على الإخلاد للقيلولة في حجرة نومه على الدور الثاني من المنزل. ألقت " نفيسة " نظرة على باب المحترف الموصد، لتبادر من ثمّ إلى سحب سيجارة زميلها الشاب من فمه. في مكان مبسم السيجارة، وضعت شفتيها الغليظتين، دافعة لسانها الحار رويداً في الفم الفاغر دهشةً، وربما ذعراً أيضاً. قالت له متراجعة قليلاً إلى الخلف: " والآن، عليك أن تتذكّر طريقةَ تقبيلي! ". لم تكد تنتبه إلى انعكاس شبح الذعر في عينيه الزرقاوين، إلا وبادرت هذه المرة لسحبه من يده إلى ناحية حجرة المحترف. أضجعته هنالك فوق أريكة مركونة تحت النافذة الكبيرة، مُسدلةً الستارة بحركة سريعة حاسمة. كل ذلك جرى خلال ثوانٍ معدودات، لم تتح له حتى التقاط أنفاسه والفكرة المتطايرة معها: " رباه، إنها ورطة من لحم ودم.. ". فكرته، مضت كالوميض إلى الكوخ البائس، المهمل على طرف المزرعة؛ ثمة أين يقبع رجل هذه المرأة المسلمة، منتظراً دراهمها القليلة المُحصّلة بشقّ النفس والملبس: " بلى، إنها ورطة يُمكن أن تفقدني لقمتي ومأواي على السواء ". ليسَ قبل انقضاء سويعة النزوة الممتعة، كان في وسعه نقل تلك الفكرة إلى المرأة الجسورة. نبرَ للردّ صوتُها الأجش، المنغّم بلحن ساخر: " إنه لا يعدو عن كونه شخصاً خسيساً، عالةً ومصاصَ دماء ". ثم أضافت باحتقار: " لا يصلحُ لشيء البتة، ولا حتى لمسح آثار شهوتنا الآثمة "، قالتها وهيَ ترمي إلى الأرض خرقةً ملوثة بزيت وألوان سيّد الدار.

*
" خَجيْ " الصغيرة، يحملُ صوتَ ثغائها النسيمُ المتسلل عبرَ باب الشرفة المفتوح. تيارٌ آخر مُغيظ، أكثر برودة من النسيم الربيعيّ، كان يروّحُ رأسَ المرافقة يمنةً ويساراً. ضبطتها مخدومتها في تلك الوضعية، حينما أطلّت على الشرفة. أجفلت " للّا عيّوش " من الحضور المباغت غير المتوقّع، الذي أنتشلها من دوامة الأفكار. ولكن، بمَ كانت تفكّر هذه الكتلة الهائلة من الشحم، إن لم يكن بالمعبودة خفيفة المحمل: لعل قلقها تفاقمَ على أثر عزم الخانم على فطم الطفلة، وما نمّ من تلميحات عن نيّتها أيضاً إرسال الأب إلى بلاد النصارى. فلو حصلَ ما تخشاهُ المرافقة، فلن تستغرب أن يُرمى بها إلى الشارع ككلبة أصابها الجرب: " وقريباً ستحلّ شقيقة مدير المكتب بمكاني، ليحتلا هذه القلعة الحصينة ويستأثرا بمغانمها "، كذلك كانت تفكّرُ المرأة الطريفة آنَ باغتها حضورُ سيّدتها.
قلّما تنزل " سوسن خانم " إلى الحديقة الداخلية، المطوّقة مبنى إقامتها الفندقية مثل سوار من زمرد في معصمها الناصع البياض. فما بالك والوقتُ نهارٌ، يعجّ بأعمال متراكمة في مكتبها. راقبتها المرافقة من علٍ، مؤمِّنةً على هذا الرأي المتوافق والموقف القلق، المَوْصوف: " قراءة المخطوطة اللعينة، قد حَمَقَتها وحقّ سيدي ربي! ". كأنما الجنيّ ( المتتبع خطى المغاربة ليلاً نهاراً )، أرادَ أن يُثبت رأي مواطنته المتطيّرة. فهيَ ذي الخانم تسيرُ مثل المسرنمةً إلى البقعة الظليلة، المحتمي تحتها الأب وطفلته، كي تخاطب هذه الأخيرة بنبرة مداعبة: " سأعثرُ عليك أينما كنتِ مختبئة، يا شيرين الشقية! ". أرادت الاستدراك، ولكنها عضّت على شفتها السفلى بحركة آسفة فيما كانت عيناها تلتقيان بعينيّ " فرهاد ". المرة الأولى، التي تورطت فيها بخلطٍ كهذا، كان من نتيجته أنّ العبرات غشت تينك العينين الضائعتين. أشاحَ بوجهه إلى ناحية حامل اللوحات، المنتصب كظله. كان قد شرَعَ برسم ابنته، غارساً إياها على القماش الأخضر وردةً من ورود الحديقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في