الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميتافيزيقا الإرهاب: أنا الحقيقة (3)

سامي عبد العال

2018 / 3 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في ذروة هذيانه الميتافيزيقي، يقول الارهابي- سراً أو جهراً - أنا الدين، أنا الاسلام، أنا الشريعة، أنا النص، أنا الفتاوى، أنا اليقين. الأنا هنا هو السقف المتعالي لنمط الاعتقاد والايمان إزاء الواقع. ومهما اختلف الأخير، فلن يجدي مبارحة الأنا إلاَّ كهوية للحقيقة. ليس هذا وحسب لكن يتبادل الأنا مع ( الحقيقة ) وجوداً وعدماً كتبادل العلة والمعلول. أي توجد الصيغة الآتية: " أنا الحقيقة" و" الحقيقة هي الأنا ". صيغة تهيمن على فهم النص المقدس وتحتم فرضه بالقوة الخشنة.

والهذيان يجري بأريحيةٍ دون وعي عبر الفضائيات أو المواقع الافتراضية أو الخطابات واللقطات التصويرية. حيث لا تمر الأفكار لديه دون مسرحتها داخل العالم كمُطلق يمسك بأطراف الكون حصراً. هل رأيتَ أحدَّهم يتحدث إلى أتباعه وهو قابل للأخذ والرد ؟! ألم يتوعد أحدهم يوماً ما بأنه قد أبلغ الرسالة وعلى الله أن يشهد إيذاناً بالكارثة القادمة؟!

إنه على شاكلة عبارة الحلاج ما في الجُبة ( الصورة ) إلاَّ الله، يأخذ الارهابي تلك المرتبة. هو ينخرط ضمن مونولوج فردي individual monologue يقطف به الحقائق جميعاً. مما يولد لديه وهما محيطاً بكيانه كأنَّه يتحرك بضمير الجمع، أي يلخص كل الأصوات حين تتقابل الأصداء داخله ليس إلاَّ. وقد يردد أنه لا يقصد ذلك، لكن صرامته وتجهمه وآليات الخطاب الدجمائي وإطلاق عبارات الويل والثبور أشياء توفر انغلاقاً حتمياً لمنطق التفكير.

الفارق الجوهري أننا كأناس عاديين حين نتكلم نخاطب اشخاصاً، أما الارهابي فيخاطب الحقيقة المطلقة. وبمعناها الكامل لا يتأملها، ولا يقاربها، ولا يعتبرها موضوعاً للمناقشة، لأن التأمل والمقاربة والمناقشة من وظائف المفكر، بينما الارهابي يستحوذ عليها. ويبدو ذلك في عملية تجنب الحوار المتكافئ مع آخرين مفضلاً الخطب القائمة على الوصاية. إن عمله ضرب من " التملك البدئي" لحركة اللغة دافعاً بمسارها من التداول اليومي إلى نظام المعنى والسلطة الأكبر. الانتقال غير المبرر من المنطقي إلى المتعالي، من النسبي إلى الكلي وهو في الوسط منه بالدرجة الأولى.

لذلك تجده يكرر" الحق أقول كذا... وكذا...". والحق هنا حقيقة زائد سلطة زائد تسليم فأضحى مقروناً باليقين الفوري. ولم يكن ترديد المقولة غير توقيف لأيِّ اعتراض في موضعه، وقمع أي شخص يعتقد في نفسه القدرة على المخالفة. وبالتالي ما يعترض به سيكون باطلاً طالما أن صاحب الحق يقول الحقيقة. إذن هناك فرز لأخلاقيات القول في كلا الجهتين. وتنطوي أيضاً على طلب المؤازرة من المؤيدين والاتباع. لأن الحق به نبرة مسؤولية فارقة( يتبناها الإرهابي رغم كونها ليست له) على أساس كونه واضحاً لا لبس فيه. وهو لا يحتاج إلى برهان إنما يفترض حشداً يدافع عنه إن لم ينتزعه انتزعاً.

وتجده يعزز مقولته بنصوص دينية من قبيل:" إن شر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار".. هكذا كما جاء في أحد الأحاديث المنسوبة إلى نبي الاسلام. والأسئلة المطروحة: هل يريد أحدكم أن يكون شريراً؟ هل يستطيع أحدكم أن يأتي بدعة؟ وإذا استطاع فالبدعة ممقوتة، ضلالة. هل تدري يا أنت يا من تأتي البدعة ما معنى ذلك؟ هل يريد أحدكم دخول النار؟!

والاسئلة تثار وجهاً لوجه لأن الحديث ينهي عن ذلك بصيغ الاقرار القاطع لنفي إمكانية أي إجابة. بمعنى أن الشر يوجد فيما هو حادث وبالتالي سيكون ذلك باباً لبقية الحلقات في سلسلة واحدة. عليك ألاً تفعل أي ذلك، لأن الحدوث المتنازع عليه هنا سيكون إنسانياً بالطبع. ونلاحظ هذا الخلط العجيب بين الحدوث كفعل إنساني ورواسبه الاخلاقية المضادة له. وهو ما يعتمد عليها الارهابي كتهمة تنتظر كل صاحب فعل جديد.

إنَّ ذكر الآيات والأحاديث الدينية لا يعني بالضرورة قبول الآراء المختلفة، بل ليزداد تطرفاً وسطوة. فالنصوص تستعمل على لسانه لإيقاع التخويف في روع المتلقي. ومن جهة أخرى تبرئة ساحته مع طقوس الكلام العنيف. لأن الاستعمال لن يظهر بسهولة. فهناك خاصية في الخطاب الديني المتطرف كونه يبدأ بالترهيب، عندئذ يُحدث تشتيتاً للوعي بين ما يقوله وما يقصده وما هو حادث بالفعل. ومع تمثيل المعاني كأنها أدوار مسرحية - كما قلت - ينغمر المتلقي فيما قد يقع آجلاً أم عاجلاً، وفجأة يلتقط المتكلم طرف هذ الخيط الواهن لزيادة النبرات وتجسيمها في محاولة لإسماعه الاصداء من كل مكان. فالخطاب يتحول إلى نوع من التعزيم نشداناً للكائنات والصور الخفية أن تأتي.

لأن ما يراه ويمثله يعتقد أنه هو الدين عينه من الأدنى إلى الأعلى، أي بالتسلق من الكيان البشري صعوداً إلى التاريخ والحياة والإله. ليست الآراء الدينية مختلَّفاً عليها هاهنا، لكنها – فيما يدَّعِي- الآراء الموضوعية التي تحمل المعاني وتتلبس الموضوعات بالوقت عينه. وعلى الآخر مهما يكن أن يخضع لها كما هي.

والإرهابي مثله مثل الديكتاتور حين يزعم الأخير في حالات الانتشاء السلطوي: أنا الدولة والدولة أنا. إنه التخدير الميتافيزيقي الداعي لتقمص الصورة والمثال، الفكرة والشيء، الحقيقية والسلطة كما هي( الحقيقية والشريعة ). ونظرا لحياة القهر الفكري التي يعيشها، تعطيه لحظات توحده بأناه امتلاكاً سحرياً للسماء والأرض. نشوة تتجاوز الحدود البشرية وتدفعه للتحليق بعيداً نحو العصف بالمعايير والسمات الإنسانية.

ومن الصعوبة بمكان أنْ يباعد المتطرف بين الكائنات والأفكار وبين أناه. إنَّه يعتبرها جزءاً تراتبياً يكمل وجوده. ولعل المسؤولية عن حياة الآخرين تقع بين ساعديه مباشرة حينما يأخذ بتلابيب رؤوسهم نحو ما يدعو إليه. فلئن استجابوا كان بها، وإن لم يستجيبوا كانوا هدفاً لقناصته القاتلة من التكفير والتقريع والتبديع والالقاء في نار جهنم.
ليست العلاقة هنا طبيعية ولا قائمة على المباعدة والتسامح، لكنها علاقة استعمال مرَّضي للدين باسم الإله. تجد أحدهم يقول – دون مقدمات- ردد معي هذا الدعاء أو تلك العبارات حتى تنال الثواب في الدنيا والنجاة في الآخرة. وعلى حين غِرةٍ يأخذك إلى خيارين: أما الرفض وبالتالي يضعك إزاء تكفيرك: وإما الامتثال له وهنا لن تفلت من إكراهه أيضاً. إنه ليس قاصداً لك بحكم كونك أمامه، لكن لأن الله قد وضعه في طريقك لإنقاذك مما أنت فيه. ويظل يلمز بهذا المعنى حتى يقتحم ساحتك. بالرغم من كونه لا يعلم عن هذا الشخص (الذي هو أنت) أي شيء. ولا يعطي نفسه فرصه لمعرفة الآخر: كيف يفكر، وما هي توجهاته في الحياة، وما قناعاته الفكرية؟ وهل سيتقبل كلامه أم لا؟!

لا يوجد تفسير لهذا الموقف إلا أن الارهابي ينكر إمكانية الآخر أصلاً. إن حقيقته ليس شيئا سوى أناه ( الحقيقة الثابتة والكلية). وهو ما اسميه بالهيمنة على الآخر. أكثر هواجس تمثل خطراً عليه هو وجود المغاير أو المختلف. حتى أنه لا يتورع عن اقتحام خصوصية أي شخص كأنه لا يوجد غيره في الكون.

والفعل مبطن بمعنى الامتياز الميتافيزيقي المعطى للإيمان كما يحس. فالمؤمنون يحمدون الله على ايمانهم ليلاً ونهاراً كما يرددون، وأنها نعمة لا تدانيها نعمة. والأمر ليس خاصاً فيكون شكرها مزيداً من التواضع، بل يعتبرها الارهابي درجات فوق البشر من حوله.

كل شيء في الثقافة العربية الاسلامية يدعو إلى افراز تلك النماذج. بدءاً من كلام شيوخ الزوايا والكتاتيب وخطباء المساجد مروراً بتقعر الفقهاء وليس انتهاءً بنرجسية قيادات الاتجاهات الدينية وأصحاب المذاهب والتنظيمات. وهم بالكلية يعرفون أكثر مما يعرف أي شخص، ويتوحدون بالنصوص في وضع مفارق خارج الاستفهام والإدراك المحدود.

هذا الوضع ليس زجاً لفرد بعينه في حمأة تاريخ الحقيقة. الحقيقة هنا لا تاريخ لها رغم أنها كذلك نسبية ومفتتة ومهترئة طوال عصور التراث الاسلامي الذي اختلط فيها الديني بالدنيوي والسياسي بالاجتماعي والوظيفي بالميتافيزيقي. بل الخطأ الذي وقع فيه الساسة أصحاب هذا التوجه هو ترويض الميتافيزيقي في شكل سلطة يحاربون بها خصومهم. لأن النتيجة المباشر أنهم استأثروا بالله عنوة. وحولوا أفعاله واسماءه إلى معارك كلامية جميعها تسقط سلفاً على الحكام والملوك.

لقد كانت أسماء الإله وصفاته في الثقافة الاسلامية ضرباً من تعريف الحكام للشعوب المقهورة. فإذا كان الإله هو القهار الجبار، فلن يكون ذلك إلاّ بإسقاط المعاني على الحاكم الذي يسمي نفسه على هذا الغرار. وحتى الرحمة، حين يقال إن الله غفور رحيم فإن السلطان لا يقبل بها إلا بإخضاع شعبه كالعبيد حتى ينالوا بعضاً من رحمته. وصفة المقصود حين تلصق بالإله( مثلاً اسم: عبد المقصود) فإن الحاكم هو الجانب الموازي داخل المجتمع، ذلك بوصفه القوة المقصودة لذاتها لأجل انجاز الأغراض و قضاء الحوائج.

من زاوية أخرى فإن الثقافة الاسلامية ثقافة شفاهية حتى مع كونها مكتوبة في قطاع كبير منها. والارهاب نشأ في حضن تلك الخاصية إذ تجعل اللغة سوراً عالياً من العقائد التي تظلم آفاق النصوص وتضم إلى مساحتها آذان المستمعين قبل أفهامهم. وأخطر الأشياء أن يتحول العقل إلى أذن، فالعقل يغامر، يستنبط، يفتت، يحلل، يوظف، بينما الأذن فتستقبل، تتلقى، تُستلب بحضورها في حضور المصدر الذي ينشدها.

ما يأتي عن طريق الأذن هو " فعل أمر" عادةً. وحين يقول أحدهم "كلي آذان صاغية"، فقد جعل من وجوده سلباً، استجابة ضرورية لوجود سواه. والحياة والفكر والثقافة في الشرق العربي بقضها وقضيضها تسير على هذا النهج. يأخذ الصراع في أتونها شكل مسرحة الآخر كأذن تتقبل أوامره دون مناقشة. ولذلك فإن الجماعات الارهابية لن تستطيع فهم الدولة إلى بأساليب الحشد والتعبئة.

نتيجة ذلك يحدث انحرف خطير، عندما يقول الارهابي أنا الحقيقة، فقد غدت المسألة في اتجاهها الأفقي "إرهاب الحقيقة". أي تضخمت أناه في موكب بلاغي واستعاري تسير فوق سطح اللغة والطقوس. وتصبح الأنا لوناً من " النفير" المتواصل حتى يبلغ الصوت مستواه. وتلك يقال عنها في عرف الجماعات الدينية أن الصوت (النفير- الصفير) أحد جنود الله الذي يبث به الرعب في قلوب أعدائه.

وارهاب الحقيقية كشي متعين له عدة سمات:

أولاً: تقديس الشكل: فالإرهابي يبدأ بالتشدد الشكلي ولا يعنيه الجوهر. لأن الإنسان كائن له خصوصياته ويستحيل معرفتها معرفة تامة. من هنا فكل تدين ينحرف إلى مثالية الشكل المرئي. إن الارهاب ينطوي على عمق شكلاني يجعل معتنقي أفكاره فارغين. وأي فراغ يستعيض عما يفتقده بمضامين عنف. لقد اهتم الارهابيون بتقصير الجلباب وارتداء النقاب وإطالة اللحية وانبات علامة الصلاة والانحناء في المشي. لكن كل ذلك يحوي بداخلة على أعماق لجوجة ومظلمة نادراً ما تبيِّن نفسها لأي إنسان.

إن الشعارات الدينية كانت ولا زالت جزءاً من هذا التقديس. فليس هناك خطاباً متسامحاً يقبل بالشعارات، لأن الأخيرة تختزل الحياة في عبارة قاهرة تستدعي كافة الدلالات بقوة انزالها واقعياً دون اسباب معقولة ولا عوامل فاعلة. مع أنها ليست إلا شكلاً مشوَّهاً وقابلاً للانفجار خلال أي لحظة. لأن الفهم الشكلي للواقع معناه عدم القدرة على التغيير ولا تقديم شيء يفيد مسيرة الإنسانية.

لذلك يمكن اعتبار مجتمعات الارهاب الديني كدولة داعش ما بعد سقوط العراق مجتمعات شكلانية. أمام بعضهم البعض يمارسون طقوس الأشكال والصور في العلاقات والأزياء والوجوه والشعائر بينما من الداخل هم غارقون في خواء بحجم العالم. لأن الارهاب يتمسك بحرفيات النصوص والطقوس والأفكار... وتلك أشياء تقف في طريق التطور.

ثانياً: الوصاية.. نتيجة أن الحقيقة مفروضة فرضاً بوهيمياً في الخطاب الديني العنيف، فإنها تمارس وصاية على معتنقيها. وتلك الوصاية ليست ذاتية، لكنها بالإنابة عن مصادرها الدينية أو بالأخرى التنظيمية داخل الجماعة. بمعنى أن لاهوت التنظيمات الارهابية تراتبها وأفكارها التكفيرية تحرص ماهية الحقائق بصرف النظر عن صحتها.

والوصاية لا تنفصل عن عمل الاعتقاد والطقوس، لأن الديانات إجمالاً هي الوصاية المتبادلة بموجب الايمان بما يؤمن به الآخرون المنتمون للدين نفسه. لكن الوصاية لدى الارهاب تتدخل في جميع تفاصيل الحياة ولا سيما أمام من يعتنق ديناً آخر. وتبدو الوصاية كهانة تعرب عن خطرها لمجرد الاختلاف. وتأخذ في تدمير المخالفين لكونهم يخرقون سلطتها.

ولأن الوصاية تنتهك حدودها باستمرار، فهي تفتك بموضوعها وتتحين الفرصة للإجهاز عليه. ولذلك فإن تجنيد الانتحاريين من قبل قادة الجماعات الدينية يتم أيضاً بمبررات الوصاية. لأن القائد يرى انه يدرك الحقيقة كاملة وعندما يدفع هذا أو ذلك للاستشهاد فأنه يخدم الشريعة ويدرك كيف يدير أمور التنظيم وكيف يحقق مصالح الدين. وأنه أخوف ما يخاف على المؤمن المستشهد من نفسه وأهله. وأنه سيطر لهم في يوميات الجهاد سطوراً من نور تكون نبراساً للناشئة والمجاهدين إلى يوم القيامة.

وإزاء المغايرين دينياً يضع الارهابيُّ نفسه وصياً على ايمانهم، فهو قد يقول: إنه يريد أن ينقذهم من عذاب الله. وعندما لا يستجيبون يظل يتحرش بطقوسهم معتبر إياها كفراً بواحاً وأنه من الأفضل الكف عنها حتى لا تكون سبباً لدخول جهنم. ويفعل ذلك إزاء المجتمع كله كأنَّ الله وضعه وصياً( وكيلاً ) على عباده.

ثالثاً: صنمية الفكر.. التعامل مع الحقيقة بهذا الشكل يستعيد دلالة الصنم. فالأصنام كانت ممقوتة في الاسلام. وحين يلفظها المتطرفون دينياً ثم يتعاملون مع الواقع بثبات الحقائق التي يؤكدونها بالنسبة لشعاراتهم ورموزهم فإنما يمارسون صنمية من نوع ما. لا يستطيع الإرهابي التفكير الحر الخلاق وإلاَّ لترك التطرف والعنف كطريق لتغيير المجتمعات.

ولعل المشايخ أصنام متحركة تقتات على رغبات وغرائز الأفراد داخل القطعان الجماعية. ويبادلها الأفراد عبودية قميئة بفتاوى التحريم والتكفير بلا طائل. إن مجرد الافتاء هو حكم قاطع رغم الآراء المختلفة في قضاياه يتطلب التنفيذ بالنسبة للإرهابي. ومن حينه يحرص على السير وفق الفتوى ولو بعد حين.

وحتى عندما يعتبر الله كائنا يبيح الإقصاء والقتل والتنكيل بأصحاب الديانات فقد جمد صورته على مثال صنمي ليس أقل. بدليل أن خياله المريض لا يرى أشياء أخرى غير هذه المشاهد الداعية إلى التشفي والغل. وما يسري على مفهوم الإله يسري على النصوص، إنها أصنام حرفية من كلمات ثابتة لا حلَّ من فهمها كما هي.

إنَّ الصنم محدود وهو ضرب ليس من الشرك الاعتقادي بل يؤدي إلى صراع الاصنام بلا غاية. وهذا ما حدث في تاريخ الاسلام السياسي كل جماعة لها أصنامها من المشايخ والنصوص والصور النمطية. والصنم هو الوجه العيني لميتافيزيقا الأنا الجمعي. لم تكن هناك صورة لصنم بشكل مغاير طوال تاريخ الديانات لأشكال الناس الذين يعتقدون فيه.

رابعاً: اليقين والحقيقة.. يخلط الارهابي بين اليقين والحقيقة التي قد لا تكون موجودة سواء أكانت أناه أو أخيلته حولها. لأن الرغبة في حالة كهذه أقوى من الواقع. وإذا كان الخيال الديني صراعاً مع أغيار يقتحمون ساحته، فإنَّ تجسيد الخيال جعل هناك يقياً بوجود الحقيقة واسعة المدى. بينما ليس هناك اقترن بضرورة وجود الاثنين على صعيد منطقي واحد. وتبدو الحقيقة واليقين حالات نفسية نتيجة الاعتقاد العنيف.

اليقين اثر ذاتي مرتبط بالإيمان أكثر من أي شيء سواه. وخطورة الارهاب أنه يعمم حالات اليقين في فعل جمعي يلزم المحاربة لأجله. من هناك كان الانتحاري مقدما على موته مؤزراً بهذا اليقين المعمم في عيون شيوخه. وهو يتناسى أن ربط اليقين بالحقيقة وليس التفكير المنفتح سيكون زناد الحزام الناسف الذي ينسف به كل من يقابله. كل تفجير يستند إلى فتيل اليقين المختلط بالحقيقة أولاً ثم الواقع ثانياً. على حين أن الحقيقة نسبية وقابلة للنقد ولا تؤسس أي حقيقة لذاتها من تلقاء نفسها. من هنا فإنَّ نظام المعرفة يقوم على التفريغ المنطقي للأسس الوهمية لما نعتقد. وهذا يعني نسف خطابات العنف الديني من الأساس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هو الإرهاب
ماجدة منصور ( 2018 / 3 / 24 - 10:37 )
أشكرك على تحليلك الدقيق لظاهرة الإرهاب و سيكولوجية الإرهابي0
أكثر ما يستفزني بهؤلاء الناس هو ظنهم لا بل يقينهم أنهم هم من يمتلك مفاتيح الحقائق كلها!!0
ومحاولاتهم الدبقة (لهداية) الضالين!!!0
أدمغتهم صناديق سوداء محكمة الإقفال...ولديهم عنف متراكم حتى بأحاديثهم مع بعضهم بعضا0
شكرا لمجهودك


2 - تقديري ومودتي
سامي عبد العال ( 2018 / 3 / 24 - 15:02 )
تقديري لك استاذة ماجدة منصور...لقد أصبتي الهدف لأن الارهابيين فعلاً يتصرفون كأنهم يمتلكون مفاتيح الجنة والنار بل يمتلكون الله نفسه. وعندما تحدثين أحدهم كأنك تكلمين حجراً، ليس لديه سوى الوجه الصخري والعيون الوقحة والتجرؤ على كل ما هو انساني. نمط قاحل من الكائنات
المدمرة تمشي على رأسها لا تلتفت إلى الحياة ومباهجها إلا شذراً !!

كما احيييييك صديقي العزير -جيفارا ماركس- على توقيعك المميز والفريد ....حضورك دائما يبعث على الأمل.

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س