الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللعبة الكبيرة ما زالت مستمرة

أوري أفنيري

2006 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


"إذا كنت تريد فهم سياسة دولة ما، فالق نظرة على خارطة هذه الدولة!" هذه نصيحة نبوليون. أريد القول: الأنظمة تتبدل، الحكام يولدون ويموتون، الأيديولوجيات تتكوّن وتتلاشى، ولكن الجغرافيا تبقى للأبد. وهي التي تحدد المصالح الأساسية لكل دولة.

فلاديمير بوطين، وريث القياصرة والقوميسارات، ألقى نظرة على الخارطة. نظر واتصل هاتفيا ليدعو حركة حماس.



في القرن التاسع عشر استخدم الفضاء المفتوح ما بين الهند وتركيا، ميدانا قتاليا بين روسيا والقوة الغربية الرئيسية في ذلك الحين - الإمبراطورية البريطانية. كان مراوغون، جواسيس، دبلوماسيون، وكائدو المكائد على أشكالهم يتجولون هناك. هذا ما يدعى "اللعبة الكبيرة".

تبدل اللاعبون في اللعبة. الشيوعيون بدلوا القياصرة، الإمبراطورية الأمريكية بدلت الإمبراطورية البريطانية. "اللعبة الكبيرة" مستمرة.

عند انهيار الاتحاد السوفييتي، كان يبدو لنا أن اللعبة قد انتهت. اختفت روسيا عن الحلبة. الإمبراطورية السوفييتية تفككت، ما تبقى منها كان ضعيفا وفقيرا من أن يشترك في اللعبة. لم يكن لديها فيشات.

والآن، ودفعة واحدة، غيّر بوطين كل شيء. دعوة حماس إلى موسكو كانت خطوة فذة: لم تكن الدعوة مكلفة، وقد وضعت روسيا من جديد على خارطة الشرق الأوسط. في حين ما زال العالم بأسره مرتبك ومبلبل في أعقاب فوز حماس في الانتخابات، استخدم بوطين المبضع الحاد للمنطق عديم الإحساس، وخطى الخطوة الأولى في اللعبة الجديدة.

هكذا استغل القيصر الروسي الجديد ضعف منافسيه. بما أن الرئيس بوش وضع نفسه في موقف حرج. بعد أن تلاشت كل الذرائع المغامرة الدموية التي خاضها في العراق، وضع نصب أعينه هدفا رئيسيا جديدا: بسط الديمقراطية في الشرق الأوسط، وقد جبر الفلسطينيين على إجراء انتخابات، وفي هذه الانتخابات، التي كانت فيها الديمقراطية مشرقة تماما، نجحت، "يا ويلي"، حركة حماس.

إذن، ما العمل؟ الإعلان بأن الانتخابات الديمقراطية تكون مجدية فقط عندما تكون نتيجتها مرضية في عين إسرائيل وأمريكا؟ مقاطعة السلطة الفلسطينية، "الديمقراطية الثانية في الشرق الأوسط"؟ تجويع الفلسطينيين حتى "ينتخبوا" القيادة "الصحيحة"؟

يمكن، بطبيعة الحال، الاعتراف بحكومة حماس التي تم انتخابها. ولكن كيف يمكن ذلك؟ بعد أن قامت الولايات المتحدة بإدراج حركة حماس في قائمة المنظمات الإرهابية - ليس فقط الجناح العسكري فيها، بل الحركة بأكملها، وبضمن ذلك رياض الأطفال ومساجدها. الآن هذا جزء من "صراع الحضارات"، النزاع العالمي بين الغرب والإسلام.

لذا ليس هناك ما يمكن فعله. تتواجد أمريكا بوضع من "الجمود" في الشطرنج - لا يمكنها أن تخطو أية خطوة.

أوروبا متواجدة في وضع مشابه. مثل الشخص المقيّد بقميص تربيط، لا يمكنها تحريك يديها. لقد ارتدت هذا القميص بذاتها. بضغط أمريكي وإسرائيلي، أدرجت حركة حماس في قائمة الإرهاب، وهكذا فرضت على نفسها شللا تاما في الوضع الجديد.

لا يكثر بوطين من الابتسام. ولكنه، على ما يبدو، يسمح لنفسه الآن بأن يبتسم ابتسامة خفيفة.



الفلسطينيون أيضا مرتبكون إلى حد كبير. لقد فاجئوا أنفسهم أيضا في هذه الانتخابات، وليس بأقل من مفاجأة حماس.

تدور بين أفراد فتح آراء متضاربة. تتطلب مصلحة الشعب الفلسطيني ائتلافا واسع النطاق يشمل كافة الفصائل، بهدف التغلب على الأزمة ومنع مقاطعة السلطة الفلسطينية في العالم. ولكن المصلحة الحزبية الضيقة في فتح تقضي بغير ذلك: فلندع حماس تسيطر لوحدها. تواجه المشاكل لوحدها، والعالم سيقوم بمقاطعتها. سيعيد الشعب الفلسطيني، بعد سنة أو سنتين، حركة فتح إلى السلطة.

هذا منطقي، ولكنه خطر. بإمكان حكومة إسرائيل، خلال سنة أو سنتين، توسيع المستوطنات، بناء جدران أكثر فأكثر، تحديد "حدود جديدة" لنفسها، وصل معاليه أدوميم بالقدس، ضم غور الأردن - السماء هي الحدود. يمكن أن تكون ردة فعل الشعب الفلسطيني مختلفة تماما عما يأمله أفراد فتح.

حماس مرتبكة أيضا. إنها تعلم جيدا بأن الانتخابات لم تكن حسما أيديولوجيا بل تصويتا احتجاجيا - ضد فتح أكثر مما هو في صف حماس. عليها امتلاك قلب الشعب الفلسطيني الآن، وهذا الشعب يتوق إلى نهاية الاحتلال وإلى السلام.

لا تريد حماس بأن يقاطع العالم السلطة الفلسطينية ويجوّع سكانها وهي تحت حكمها. ولكنه ليس بإمكانها تبديل جلدها غداة يوم فوزها بالانتخابات. ماذا ستكون ردة فعل الفلسطينيين إذا تم الإعلان فجأة عن حق إسرائيل في الوجود، ستتجرد من سلاحها وستلغي ميثاقها دون مقابل، كما يطلبون منها؟ التي باعت روحها مقابل ملذات السلطة؟ وهي فاسدة أيضا مثل فتح؟

إذا كان بنية إسرائيل وأمريكا توصيل حماس إلى طريق السلام، لكانتا ستسهلا عليها التغيير المطلوب منها. يمكن إيجاد طرق لتحويل الأموال. يمكن الاكتفاء بالقول أن الحكومة الجديدة ترتكز على اتفاقية أوسلو (التي تتضمن الاعتراف بإسرائيل)، دون مطالبة حماس بإذلال نفسها علنيا. يمكن الموافقة على هدنة في الفترة الانتقالية، ووقف أعمال العنف من كلا الطرفين. يمكن تجريد حماس من سلاحها عن طريق استيعاب أفرادها في الأجهزة الأمنية. ويمكن، بالطبع، وأهم ما في الأمر - إطلاق سراح الأسرى.

ولكن ليس بنية حكومة إسرائيل التسهيل على حماس. وإذا لم تكن حكومة إسرائيل معنية، أي سياسي أمريكي، يتوق إلى الحياة، سيتجرأ على مخالفتها؟



لم يؤد فوز حماس إلى أسف وحزن بين أوساط أعلى درجات السلطة في إسرائيل. بل على العكس. لقد تمالكت نفسها بصعوبة ولم ترقص فرحا.

لقد أثبت نهائيا بأنه "ليس هناك مع من نتحدث". إذا لم يكن ياسر عرفات شريكا، وإذا أبو مازن أيضا لم يكن شريكا فإذن حماس هي بالتأكيد ملكة ملوك اللا-شراكة. وإذا لم يكن هناك شريكا. لن يستطيع أحد بأن يوجه لنا الادعاءات عندما نواصل تنفيذ "التصفيات الموجهة"، تدمير الاقتصاد الفلسطيني، بناء الجدران، تحطيم الضفة الغربية، عزل غور الأردن وفعل كل ما يحلو لنا. وإذا تجدد "الإرهاب الفلسطيني"، إن شاء الله، فسيكون بإمكاننا الرد على الجميع "قلنا لكم!".

ولكن هناك بلبلة ليست بقليلة في إسرائيل أيضا. اضطر إيهود أولمرط، بضغط أمريكي، إلى تحويل الجمارك والضرائب التي قمنا بجبايتها من أجلهم، لمرة واحدة، للفلسطينيين، حيث تم التصدي له فورا جراء "إذعانه" لحماس. عشية يوم الانتخابات، حتى عمل صغير كهذا لإرجاع المسروقات يثير ضجة سياسية. الانتخابات التي ستجرى بعد 24 يوما، تخيم على كل شيء.



والآن، تأتي خطوة بوطين الجريئة. إنه يسهل أمر اعتدال زعامة حماس - إذا كانت زعامة حماس مستعدة للانضمام إلى اللعبة السياسية. إنه يسهل أيضا على حكومة إسرائيل - إذا كانت حكومة إسرائيل معنية بالتفاوض وبالسلام. وبادئة ذي بدء، يعلن أن روسيا تجدد مشاركتها في "اللعبة الكبيرة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE