الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب التكنوقراطي كعائق لبروز وعي طبقي / اجتماعي -- العلاقات الزبونية والوعي الطبقي ( 13 )

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2018 / 3 / 24
مواضيع وابحاث سياسية



بالإضافة الى الخطابات السابقة التي تعادي أي تحول فكري او مفاهيمي يرتبط بالجماهير و بالشعب ، ويتحنط كالحلزون ( القوقع الصحراوي ) ضمن الخطاب الأبوي الفارض لوصاية بتريركية ، تجعل سكان الأرض ، الرعايا ، و مَن مِنَ المفروض ( ممثليهم ) من كائنات حزبية ونقابية وجمعوية ، ملكا للمشرفين على الباتريمونيالية والبتريريكة ، وتُحوّل الجميع خدما للأعتاب الشريفة التي تلف كل المجتمع ضمن التقاليد المرعية ، والطقوس القروسطوية ، وتميز نوع النظام السائد عن غيره من الأنظمة الفاعلة في العالم ، بطقوس البيعة ، والامارة ، والامامة ، والرعية ، والانتساب الى النبي ، رغم ان هذا لم يخلف من بعده ولدا ذكرا . ان هذا التغليف الأسطورة ، يكبّل الحركة ، ويحول دون الجديد ، ويمنع التجديد بدعوى ان كل المراسيم محبوبة من الله ، ومستمدة من القرآن ومن الإسلام .
وحين يجابه البتريركي بالقرآن والإسلام رعية تسيطر على مخيلتها الاقدار السماوية ، ولصيقة بالتقليدانية والمحافظة الشعبوية ، ويسكنها الخوف من القادم من غضب ( الله ) ، ويسيطر عليها الهول من هجوم الطبيعة ( الكوارث ) المختلفة ..... لخ ، فان أي انتقاد للبتريركي البتريمونيالي ، سيجلب غضب الله وسخطه ، وينتهي بأصحابه الى جهنم .
وبخلاف هذه الخطابات الأركاييكية ، سنجد خطابا آخرا رغم انه يحاول التمايز ، فانه يظل في كل اطوار تدحرجه ، خاضعا للخطاب الأبوي الخطاب الوحيد بالدولة البتريركية .
ان الخطاب التكنوقراطي الذي كانت تبلوره نواة برجوازية الدولة الناشئة ، كان يختزل مجموع المشاكل التي تعيشها البلاد في مشاكل تقنية ( عبدالله العروي ) او اقتصادية في احسن الأحوال ، وبذلك يطمس – هذا الخطاب – مجمل المشاكل الاجتماعية والسياسية ، وبالأساس مسألة الحكم السياسي وطبيعته .
وتتحول الطبقات والفئات الاجتماعية في منظور الخطاب التكنوقراطي الى طبقات إحصائية ، والى مجموعة ارقام ومؤشرات اقتصادية ، وتصبح الطبقات الاجتماعية بهذه العملية عبارة عن هيكل عظمي .
وفي ضوء هذا المنظور الأيديولوجي التقنوي ، تنتفي الطبقات والصراع الطبقي / الاجتماعي ، وليحل محلها تراتب الطبقات الإحصائية ، ومشاكل التوازنات الاجتماعية القطاعية منها او العامة .
ويتميز الخطاب التكنوقراطي بكونه يلغي من حقله النظري ، وعلى الصعيد العملي / السياسي كذلك ، مسألة التبعية والسيطرة الامبريالية ، بل هو خطاب يعول على المساعدة والتعاون التقني لتجاوز التخلف وكل المشاكل التي تتخبط فيها البلاد .
ويتناقض هذا الخطاب التكنوقراطي مع بروز الوعي الطبقي / الاجتماعي لدى الطبقات / الفئات المستغَلّة والمسُودة ، لكونه يخفي الطبيعة الاجتماعية / الطبقية للمشاكل التي تعيشها البلاد ، ويركز على جانبها التقني فقط أولا .
ولأنه يلغي دور المواطنين في حل هذه المشاكل ، ويلقي بكل الأعباء على الدولة التي وحدها تستطيع التصدي لهذه المشاكل سيما ان الجماهير الشعبية " لا تفقه شيئا " في قضايا التقنية المعقدة ثانيا .
ولأنه يرفع الدولة عن الانحياز ويصورها كجهاز فوق الصراعات ، أي جهاز لا طبقي ، الامر الذي يخفي طبيعتها الطبقية ودورها المنحاز ثالثا .
والى جانب كل هذا ، يفرز هذا الخطاب وهم " وحدة " مصالح كل مكونات الشعب وعدم تناقضها ، ويعامل الافراد والفئات والطبقات كمجرد ارقام وحصيلة مؤشرات اقتصادية وتقنية في خدمة الدولة البتريركية .
لقد شكلت العلاقات الزبونية التي استشرت بالمجتمع اكبرعائق لتبلور وبروز وعي طبقي / اجتماعي ببلادنا . وهذه الحقيقة ليست وليدة اليوم ، بل ترجع بالأساس الى الظروف السياسية والاجتماعية التي تبلورت منذ سنة 1956 .
فقبل الإعلان عن استقلال المغرب ، كانت شبكات العلاقات الزبونية تضطلع بدور اجتماعي / سياسي بارز في مجتمعنا . ، ولقد اشرنا الى استعمال هذه الشبكات الأخطبوطية من قبل الاستعمار وعملاءه ، للتصدي للمقاومة ولجيش التحرير والحركة الوطنية . لكن ، السؤال . هل أدى رحيل الاستعمار المباشر الى هدم شبكات العلاقات الزبونية ؟ وكيف كان موقف الدولة ، أي النظام ومن خلاله الطبقات السائدة من جهة ، والحركة الوطنية من جهة أخرى ، من هذه العلاقات الاجتماعية المتخلفة ؟
بعد الإعلان عن الاستقلال الشكلي لبلادنا ، كانت الحركة الوطنية ممثلة بحزب الاستقلال أساسا ، تحظى بتأييد شعبي واسع ، وبنفوذ سياسي كبير ، وكانت الطبقات السائدة ترى في هذا الواقع تهديدا دائما لسلطتها ، سيما ان مرتكزاتها الاجتماعية / الطبقية لا زالت هشة ، وقد لا تصمد امام زحف الحركة الوطنية وجناحها اليساري بشكل خاص . ولذلك سعى النظام ومنه الطبقات السائدة ، الى تقوية شبكات الزبائن التي كانت ترتبط بها قديما ، والى خلق شبكات جديدة من الزبائن من جهة ، وعملت على الحد من التطهير، ومن تقويض دعائم شبكات الزبائن التي استعملت من طرف الاستعمار ضد الحركة الوطنية والقصر ، وكانت حمايتها لهذه الشبكات ترمي الى الحفاظ على قوتها لتوظيفها من اجل توطيد مرتكزات سلطتها ( سلطة الطبقة السائدة ) لاحقا من جهة أخرى .
وكانت الطبقات السائدة مستفيدة في ذلك من نفوذها داخل الأجهزة المختلفة للدولة ، وتعمل على تمتيع الممسكين بخيوط هذه الشبكات ( كبار الملاكين ، الاقطاعيين ، القيّاد ، الباشوات .... لخ ) بشتى الامتيازات ( تسهيل تفويت أراضي المعمرين الفرنسيين للمعمرين الجدد ، تسهيلات الحصول على القروض ، الوظائف .... لخ ) مقابل تجنيد هذه الشبكات لدعم مخططات النظام الرامية الى بسط / تقوية هيمنته وتقويض سلطة ونفوذ حزب الاستقلال .
وكانت هذه العلاقات الزبونية بكل ما يصاحبها من تبعية شخصية وولاء ...لخ تخدم مصلحة تركيز قوة النظام من جهة ، وتساهم في تعميم وعي الطبقات / الفئات الشعبية المستغَلة والمسودة بمصالحها ، وتقوي تبعيتها لمضطهديها .
ولئن كانت الحركة الوطنية تعادي ظاهريا كل اشكال العلاقات الزبونية لكون الاستعمار يوظفها لمحاربتها ، فإن واقع ممارسات الحركة الوطنية ، قد كانت مخالفة لمظهرموقفها الحقيقي . ذلك انها لن تتردد في استعمال العلاقات الزبونية لخدمة القضية الوطنية ، وكان التجنيد والاستقطاب يوظف علاقات القرابة والاقليم والقبيلة لتوسيع نفوذ الحركة ونشر الفكر الوطني .
وفي بعض الحالات كانت القبائل تنضم الى الحركة الوطنية ، او تساند جيش التحرير ، لأن احد افرادها المؤثرين قد التحق بالحركة الوطنية. ولم تتوقف هذه الممارسات بعد خروج الاستعمار ، بل على العكس من ذلك ، حيث أدت سيطرة الحركة الوطنية على بعض أجهزة الدولة الى استغلالها لنفوذها بهدف توسيع شبكة الزبائن المؤيدة لحزب الاستقلال .
وبعد انشقاق 1959 ، ورث الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعض شبكات الزبائن التي كانت موالية لجيش التحرير ، وأصبحت بعض القبائل اتحادية أباً عن جد ، وبعضها الآخر استقلاليا ، في حين اصبح بعضها الآخر يدين بالولاء للحركة الشعبية .
وكانت ممارسات الحركة الوطنية هذه ، تخفي جوهر التناقضات الاجتماعية وتذكي موضوعيا ، النزعات الإقليمية ، وبكل هذا تتناقض مع بروز وبلورة وعي الطبقات / الفئات المستغَلة والمسودة بمصالحها .
( يتبع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار