الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد ونص ومقدمة...

سلام كاظم فرج

2018 / 3 / 24
الادب والفن


نقد ونص ومقدمة...
سلام كاظم فرج..
لعلها حالة مرضية /يقولون ان المرء مجبول على حب الإطراء.. بالنسبة لي يفرحني الاختلاف والرفض لافكاري اكثر مما تفرحني المباركة والإشادة.. نعم أشعر بسعادة غامرة حين اجد ان ثمة من يرى في بعض كتاباتي شيئا لكن الذي يسعدني اكثر من ينقب فيما اكتب ليخبرني وبموضوعية انه مختلف تماما معي ولا يرى فيما كتبت فائدة او متعة.. عندها تتحفز الخلايا الإيجابية لتشرع في الرد.. الجدل والمماحكة الفكرية هي سبيلي للذة.. لا المديح ولا الذم.. الجدل.. ثم الجدل.. ثم الجدل.. هذا النص المتواضع جدا نشرته قبل أعوام في اكثر من صحيفة .. ونال إستحسانا ما.. لكن الذي بقي في ذاكرتي اعتراض من سيدة مجهولة ثبتته في تعليق على النص تُشبه النص وكاتبه بالامبراطور الذي لم يكن يلبس ثيابا !!! لم أتألم حينها.. فالنص ملتبس ومن حقها ان ترى ما رأت ومن اجل ذلك شكرتها ولم اجادل.. لم اجادل لانها أبدت انطباعا عابرا وقد يكون معبرا.. هي لم تفهم ابعاد ما كتبت لا لقصور في ذائقتها او فهمها.. بل القصور يكمن دائما في النصوص الملتبسة التي تحتاج الى تدخل نقدي من كاتب النص او من ناقد حاذق نزيه.. وقد اكرمتني المصادفة بالاطلاع على مقالة نقدية جميلة لناقد وشاعر ومترجم من تونس الخضراء هو الأستاذ محمد صالح الغريسي فكتب هذه القراءة النقدية التي امتعتني وانصفت النص جهد الإمكان.. وفي اعتقادي انه نص لايستحق اكثر مما كتب عنه الأستاذ الغريسي .. وربما يستحق الأقل..
النص//
ــــــــــــــــــــــــ
.. سجع الكهان الجدد
سلام كاظم فرج


فقد طعمهُ الانتصار ..
ولاذَ المهاجرون بقبائلهم
وأسقط في يدِ الأنصار
فما بالُ (الشاعر) يصر على تدوين مخطوطاته..
دون تعبٍ ..
دون يأسٍ ..
ومهرجان اليأسِ القاتل .. إعصار
و ( الشاعر) مولع بأِكتناه الخرافة
يغربلها
فالقاً بعصاه بحرَ الكينونةِ
ليكتشف (أللاشيء) منبهراً
لاغياً كلَ تواريخهِ ..
كأنهُ لم يأخذَ درساً في الفطام
***
خذ حَذرك ( .....ُ ) هذا زمنُ الفصام
جثثٌ طافيةٌ في مستنقعِ اليمين
جثثٌ طافيةٌ في مستنقع اليسار
فأين تولي وجهك
وكل ما في الكون يُنذرُ بالدمار
***

تقمصك الحلاج – عليا- ذات صبوةٍ
قبل أن يولج الليل بالنهار
فهل على الحلاج بتقمصه وجه الله/ عار
لم البسوه – إذاً ــ ثوب الشنار ..
كل أيامك ( فلان )
انهيار ..
انهيار يتبعه انهيار. ..
لمَ صلبوهُ مسيحا آخر..
حين كان وجه الله يرف..
ترفٌ كلُ هذا الدم
ترفٌ كلُ هذا الشعر
المعجونِ بالدم ..

فما ينفع الحلاج بعد
الصلب قولٌ منصفٌ
كان لاهوتيا ..
كان ناسوتيا ...وهل تنفع المحكوم بالصلب أقراص الزكام..؟
أما علمت ؟! ..
إن للإيديولوجيات ارتطام
أي ارتطام !!
(أم حسبت إنا معجزون عن لم العظام ..)
قل من كساها أول الأمر لحما وشحما وسِخام ..؟
قادر........ٌ كرة
أخرى ..
أما علمت؟!
ما الذي يدعوه أن يضع السؤال ..
وتحت جبته كل أجوبة الكون
أما كان حريا به أن يمد يديه
إليك ..
إليه ..
لمسامير الصليب ..
الم يسمك ذات ليلة أزلية عليا..
الم يسم نفسه .. المسيح؟؟

وبعد؟؟؟
(خذ من الحلاج درساً
وامتشق غِمدَ الحسام ..
لا تسمي الليل ليلا
لا تسميهِ ظلام ..
ربما عاجَ شقيٌ
يستقي بعض الغمام ..)
عله يكرعُ خمراً
فيساقوهُ الحِمام ..
سلم على الغربان – إن شئت المرور –
هكذا !!
مرحبا وَكرَ الحَمام ..
ملاحظة / امتشق الغمد لا الحسام / يرجى ملاحظة ذلك !!!!!!
نقد الأستاذ محمد الغريسي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قراءة في نصّ: سجع الكهّان الجدد للأستاذ سلام كاظم فرج /
محمد الصالح الغريسي
إذا كان لا بدّ من وجود دافع وراء كلّ ما نكتب، فإنّ ما دفعني إلى كتابة هذه القراءة لنصّ الأستاذ سلام كاظم فرج، الذي كتبه تحت عنوان: سجع الكهان الجدد..، هو ما ورد في تعليق الأخت مياسة عاصم عن هذا النصّ بصفحات "المثقّف" الغرّاء:
(من انا لا استحي من التساؤل بصوت عال هل انا عمياء فلا ارى ما يرون ام ان الملك يمشي عاريا والجميع يصفقون ويتملقون؟؟) وها أنا أورده كما كتبته صاحبته بأخطائه. وقد وجدت لها العذر في ذلك، عدم إلمامها بتفاصيل الحروف العربيّة على لوحة المفاتيح المربوطة بحاسوبها. وهذه أخطاء يقع فيها الجميع حتّى الطّاعنون في الكتابة. وقد لفت انتباهي تغييرها للفظة امبراطور بلفظة ملك، ولست أدري ماذا كانت تقصد من وراء إجراء هذا التّعديل، هل هو تعديل وتهذيب في لغة الخطاب، أم أرادت بذلك الحط من رتبة كاتب النصّ، أي من رتبة امبراطور إلى رتبة ملك
في المحصّلة، أنّ الكاتب هنا، امبراطورا كان أو ملكا، فهو دائما صاحب الشّأن. لكن ّ المتملّقين - على رأي الأخت ميساء - هم أساس مشكلتها وحيرتها، ومبعث تساؤلها.
على العموم، أنا لست هنا في وارد الردّ على تعليقها هذا، فقد فعلت ذلك في الإطار المخصّص له. وإنّما أردت تعميما للفائدة أن أقدّم قراءتي الخاصّة لهذا النصّ، والّتي تبرّر تعليقي عليه بما علّقت.

إنّ عنوان النصّ: سجع الكهّان الجدد، يحيلنا على ظاهرة كانت موجودة في تاريخ العرب وثقافتهم وآدابهم قديما، ألا وهي سجع الكهّان.
كان مع انتشار الوثنيّة في الجزيرة العربيّة قبل الإسلام، انتشار للمعابد الوثنيّة الّتي يمارس فيها الوثنيّون طقوس عباداتهم. وكان على رأس هذه المعابد سدنة يسهرون على خدمتها، وعلى تطبيق طقوسها، هؤلاء هم الكهنة.
يدّعي الكهنة علمهم بالغيب، بواسطة الجنّ، وقد أحاطوا أنفسهم بهالة من الهيبة والغموض. واستعانوا على ذلك بما كانوا يملكونه من فصاحة وبلاغة وصفاء ذهن وسرعة بديهة، وبما كانوا يملكونه أيضا من معرفتهم بنفوس النّاس، وما يعتريها من خوف من المجهول الغامض، وما يثير طمعهم من كل ما يوحي بالكسب. وللسّيطرة على نفوس النّاس، كانوا يغرقون في استعمال السّجع، ويستحضرون قوى الطّبيعة في ما يرسلونه من مواعظ، ويكثرون من القسم بها وبغيرها، حرصا منهم على كسب ثقة النّاس. وممّا يميّز سجع الكهّان، تركيزهم على أهمّية ما يحدثه السّجع صوتيّا في نفس السّامع، مع ما يرافقه من مواعظ تقوم بالأساس على التّحذير والتّخويف، متّبعين في ذلك قوة الألفاظ وغموضها.
جاء في القرآن :
"وماهو بقول شاعر قليلا ماتؤمنون , ولابقول كاهن قليلا ماتذكرون تنزيل من رب العالمين ". الحاقة:الآية 42
وردت هذه الآية لنفي علاقة القرآن بالشّعر وبسجع الكهان، لأنّ هذين الأخيرين، من صنع البشر، ويرتكزان في أغلب الأحيان على ظاهر القول، وجمال الألفاظ بما يأخذ بالمسامع أكثر ممّا يأخذ بالقلوب؛على عكس القرآن الّذي هو كلام اللّه الّذي أوحى به إلى رسوله الكريم محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وميّزه ببلاغة سابقة لما تعوّد عليه العرب وأحبّوه، ففاقهم في البيان والبلاغة والفصاحة. ويرى كثير من مؤرّخي الأدب العربيّ أنّ أكثر ما تمّ تدوينه من سجع الكهّان، إنّما جاء بعد نزول القرآن انتحالا، واصطناعا. وقد انتحى فيه المنتحلون أسلوب القرآن، ممّا حدا ببعض المناوئين، أن يكذّبوا بالقرآن وينسبونه إلى كلام البشر، زاعمين مرّة أنّه شعر، ومرّة أخرى أنّه من سجع الكهّان. ولا يتّسع المجال هنا لعرض نماذج من هذا السّجع، لأنّه ليس من جوهر موضوعنا. وإنّ ما دفعني إلى الإشارة إليه، أنّه يشكل الإحالة الرّئيسيّة، الّتي يحيلنا عليها نص الأخ سلام كاظم فرج، وهي ليست مقصودة لذاتها، بقدر ما هي مقصودة للدّلالة على بعض الممارسات المعاصرة، الّتي لم تخرج في جوهرها عمّا اختزنه لنا التّاريخ من أخبار الكهّان وسجعهم.

فقد طعمهُ الانتصار..
ولاذَ المهاجرون بقبائلهم
وأسقط في يدِ الأنصار

قد يحيلنا هذا المقطع على ما حصل في سقيفة بني ساعدة من خلاف بين المهاجرين والأنصار حول مسألة من يستحقّ منهما الخلافة، المهاجرون أم الأنصار، ممّا يوحي بأنّ كلّ طرف كان يغلّب رابطة الدّم على رابطة العقيدة، وهذا ما يبعث على التّساؤل التّالي:ما هو الأهم، الولاء لله ولدينه، أم للعصبيّة القبليّة؟. وقد أجّلت الخلافة الرّاشديّة هذا المشكل إلى حين، إلى أن ظهرت بوادر الفتنة الأولى في عهد عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه، ثمّ تبلورت في عهد عليّ رضيّ اللّه عنه في الفتنة الكبرى، الّتي آلت فيها الخلافة في النّهاية إلى معاوية بن أبي سفيان. ومنذ ذلك الوقت أصبح التّاريخ العربيّ خصوصا، محكوما بتداعيات الفتنتين المشار إليهما، وما أفرزتاه بعد ذلك من ملل ونحل ومذاهب وفرق، ما يزال أهم بلد عربيّ يكتوي بنارها إلى اليوم، فضلا عن تعدّد الأعراق والأديان. نضيف إلى كلّ ذلك دخول الآيديولوجيات على الخطّ لتزيد من تعقيد الأمور. ذلك أنّ أصحابها، لم يكن متاحا لهم في ظلّ الحكم السّابق أن يتمتّعوا بمساحة من الحريّة الّتي تمكّنهم من التّعايش في ظلّ الاختلاف والتّنوّع. ولعلّهم في ظلّ الاحتلال، ليسوا بأوفر حظّا ممّا كانوا عليه في عهد الحكم السّابق. فالعلاقة بين هذه الأطراف في عهد الاحتلال، تأخد نهجا تصادميّا دمويّا، كثيرا ما تتورّط فيه القبيلة والعشيرة، وتتداخل فيه الأطراف. ولك بعد ذلك أن تسأل من المستفيد من هذه الصّراعات. أهو الاحتلال، أم هو النّظام الحاكم في ظلّ الاحتلال؟أهي مخاوف بعض الجيران، أم مطامع البعض الآخر؟أهي العولمة ورموزها، وزبانيتها، ومن يدور في فلكها؟
و السّؤال الأكثر وجاهة في هذا الوضع بالذّات هو: من المتضرّر من هذه الصّراعات الآيديولوجيّة، الّتي اتخذت منحى دمويّا لم ينج من ناره لا اليمين ولا اليسار. ؟أليس هذا زمن الفصام؟

خُذ حَذرك (..... ) هذا زمنُ الفصام
جثثٌ طافيةٌ في مستنقعِ اليمين
جثثٌ طافيةٌ في مستنقع اليسار
فأين تولي وجهك
وكل ما في الكون يُنذرُ بالدمار

و لعلّ بعض المثقّفين ولا سيما الشّعراء منهم، ربّما وجد في الأسطورة ملاذا، وفي الغموض والإبهام ما يجنّبه وضع النّقاط على الحروف، ومداواة الجروح بالتّرياق، جريا على ما جرى عليه الكهّان في العصر الجاهليّ، فترى خطابهم يحمل كلّ تأويل، ويقرأ على الوجه ونقيضه، فلا تخرج منه برأي، ولا تقف فيه على حقيقة. مع هذا النّوع من الخطاب، ينطمس الفكر، ويضعف الوجدان، ويتعطّل العقل، ويذهب الرّشاد، ويفسد الذّوق، وتنفصم عرى الصّلة بين الشّاعر أو المثقّف، وتاريخه وثقافته، فلا هو بالشّرقيّ ولا هو بالغربي، فتراه يصدق فيه قوله تعالى في سورة الشّعراء:
(وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ. ) الشّعراء. الآية: 224-225-226


ومهرجان اليأسِ القاتل.. إعصار
و ( الشاعر) مولع بأِكتناه الخرافة
يغربلها
فالقاً بعصاه بحرَ الكينونةِ
ليكتشف (أللاشيء) منبهراً
لاغياً كلَ تواريخهِ..
كأنهُ لم يأخذَ درساً في الفطام

و في حيّز كبير من نصّه، يدين الأستاذ سلام كاظم فرج أصحاب الخطاب الدّينيّ، الّذين هم - في جانب كبير منهم - يصادرون آراء الآخرين، مرّة بتهمة المروق والردّة، ومرّة بتهمة الكفر والإلحاد، ومرّة بتهمة الفسق والزّندقة، سواء أكان ذلك بمباركة من السّلطة السّياسيّة، أو بسكوت هو من علامات الرّضا، أو بتحريض صريح.
و محصّلة القول، أنّ الصّراعات بين المثقّفين وأصحاب الفكر والرّأي، سواء أكان منبعها آيديولوجيّا أو دينيأ أو مذهبيّا أوطائفيّا، أو عشائريّا أو سياسيّا؛ في كلّ هذه الأحوال لا تخدم استقرار وطنه العراق الّذي تعيش فيه كلّ الأطراف والأطياف.
و من البديهيّ أنّ بلدا مثل العراق، له مثل هذا التّنوّع والثّراء الثّقافي والحضاري، ينبغي أن يكون ذلك أحد مصادر قوّته، لا مصدرا لضعفه. ولعلّ أهمّ أسباب ضعفه في هذه الفترة من تاريخه، تكمن في انعدام المناخ الملائم للتّسامح الدّينيّ والمذهبي والسّياسيّ والفكريّ. وقد أحالنا في ذلك على مقتل الحلاّج الّذي كان يقول بالإتحاد والحلول، أي أن - الله عزّ وجلّ- حل فيه وصار هو والله واحدا، مما جعل المسيحيين يقبلونه لأنه وافقهم في مبدأ الحلول. فهل ينفع بعد ذلك ما كتبه الشّعراء والأدباء، عن أن الحلاّج مات شهيد الرّأي. هل كان لا بدّ من مسيح آخر يصلب، ليتعلّم النّاس التّسامح، وحرّية الرّأي. ولكنّ واقع حال العراق اليوم - كما هو حال بقيّة أقطار البلاد العربيّة تقريبا- يثبت أنّ المسيح فيها، يصلب في اليوم ألف مرّة. أما يكفينا دماء صبغت كلّ شيء فينا بلون الدمّ، الشّعر والأدب والفكر، والسّياسة.

كل أيامك ( فلان )
انهيار..
انهيار يتبعه انهيار. ..
لمَ صلبوهُ مسيحا آخر..
حين كان وجه الله يرف..
ترفٌ كلُ هذا الدم
ترفٌ كلُ هذا الشعر
المعجونِ بالدم..

و في ختام نصّه الذّي ينضح مرارة، يبدو الكاتب وقد اعتراه اليأس من صلاح الواقع الرّاهن، وكأنّه يسلّم بأنّ سجع الكهّان الجدد، ما هو إلاّ امتداد لنفس الخطّ الّذي شهدته مختلف فترات التّاريخ العربيّ. وكأنّ التّاريخ يأبى دائما إلاّ أن يعيد نفسه. ومن هنا فإنّ منطق هؤلاء الكهّان الجدد، قد انتصر على منطق العقل والحكمة، ولم يعد في الإمكان أبدع ممّا كان - كما يقال -. وكانّ المجتمع العربيّ لم يحقّق خطوة واحدة نحو انعتاق الفكر وحرّية الرّأي والمعتقد. وأمام هذا الواقع الميئوس من إصلاحه، لا يجد الكاتب مناصا من استعمال السّخرية المبطّنة، ما يعبّر عنها بالسخرية السّوداء.
هذه السّخرية الّتي يختزن صاحبها في داخله، شحنة كبيرة من الألم وعدم الرّضا.

سلم على الغربان – إن شئت المرور¬ –
هكذا !!
مرحبا وَكرَ الحَمام..


يجمع النصّ بين ثراء الأفكار وعمقها وقوتها. وكونه يطغى عليه الطّرح الفكري في ما يحيلنا عليه من إشكاليات، ومرجعيات، فهذا لا ينفي عنه صفة النصّ الإبداعيّ. فبناء النصّ ذو هندسة تدلّ على مجهود ذهنيّ، يقوده اندفاع وجداني، إذ يطغى الجانب الفكريّ على النصّ لما يحمله من رسالة واضحة المعالم، وإن كان ينحو فيها إلى التّرميز أحيانا، وإلى الإيحاء أحيانا أخرى، وإلى الاستنجاد بالزّاد المعرفيّ في كثير من الأحيان. وهذا ما جعل شعريّتة لا تتمتّع بنفس الدّرجة من القوّة في كامل النصّ. فكلّما اندفع وجدانيّا، صفت العبارة، وحضرت الصّورة، وحضر معها الإيقاع الموسيقيّ. فكادت كلّ جمل هذا المقطع، تكون جملا طلبيّة، تتراوح بين صيغة الأمر والنّهي والرّجاء.

(خذ من الحلاج درساً
وامتشق غِمدَ الحسام..
لا تسمي الليل ليلا
لا تسميهِ ظلام..
ربما عاجَ شقيٌ
يستقي بعض الغمام.. )
عله يكرعُ خمراً
فيساقوهُ الحِمام..

ففي هذا المقطع من القصيدة، نفس شعريّ واضح، والتزام بميزان الشّعر ورويّه، والحال أنّه يكتب في الأصل نصّا نثريّا، ولكنّه في طفرة اندفاعه الوجدانيّ وثورته النّفسيّة، تجده شاعرا ملتزما بأوزان الخليل. إذ يستعمل تفعيلة: فاعلاتن، وهي من البحر الرّمل، وو يتّخذ له رويّا هو حرف الميم المسبوق بمدّ.
و على خلاف ذلك نراه في مقطع آخر يقدّم فكرا ولا يقدّم إحساسا، فيضعف الحسّ الشّعريّ، وتبرز الومضة الفكريّة الّتي يطغى عليها العقل، وفي هذا الجزء وردت كلّ الجمل خبريّة، فضعف الجانب الوجدانيّ وانخفضت شعريّة النصّ.
و لكن عوّضتها قوّة الفكرة، وما تحيلنا عليه من قاموس فكري وفلسفيّ.
ومهرجان اليأسِ القاتل.. إعصار
و ( الشاعر) مولع باكتناه الخرافة
يغربلها
فالقاً بعصاه بحرَ الكينونةِ
ليكتشف (أللاشيء) منبهراً
لاغياً كلَ تواريخهِ..
كأنهُ لم يأخذَ درساً في الفطام

و خلاصة القول، أنّ نصّ : سجع الكهّان الجدد، غنيّ بالإشارات والإحالات. وهذا ينمّ عن اتّساع معرفي، وثقافة مستفيضة. وهذا ما يحتاج إليه كلّ كاتب، وشاعر، وأديب، ومفكّر، وإلاّ صدر في ما يكتب عن فراغ، وفقر فكريّ وثقافيّ.
و هو - أي النصّ - يحمل القارئ على التّعامل معه مرّتين. مرّة في سياقه الوجدانيّ، باعتبار أنّ كلّ كلمة تصدر عن صاحبها إنّما تعكس حسّا وجدانيّا، وبالتّالي فهي تنقل ذلك الإحساس إلى القارئ. وتقرأه مرّة ثانية بفكرك وعقلك، فتحصل لك متعة التّحليق، والتّفكير.
هذه قراءتي لهذا النصّ، انتهجت فيها الصّدق، وجانبت فيها التّملّق، واتّبعت فيها الموضوعيّة، وحدت فيها عن الإطراء المجّانيّ. وللنصّ زوايا أخرى، لو قرأه قرّاء آخرون، فسيخلصون إلى نتائج أخرى غير ما خلصت إليه. وما الغاية من قراءة نصوص كتّاب المثقّف والتّعليق عليها، إلاّ متعة القراءة وتلاقح الأفكار، وثراء الحوار، وتحقيق الإضافة من خلال هذا وذاك. كما أن قليلا من المجاملة، يبني جسور المحبّة، وقليلا من الاختلاف، لا يفسد للودّ قضيّة. ويبقى الصّدق والاعتدال، والانتصار للموضوعيّة، هي الخصال الّتي ترتقي بالأدب. فليس من الأدب في شيء أن تقوّض ما يبنيه غيرك، كي يرى النّاس ما بنيت.
و ما توفيقي إلاّ باللّه

محمد الصالح الغريسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي


.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و




.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من


.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا




.. كل يوم - -الجول بمليون دولار- .. تفاصيل وقف القيد بالزمالك .