الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة الروائية في ديوان -لا أريد أن يعرفني أحد- خليل إبراهيم حسونة

رائد الحواري

2018 / 3 / 25
الادب والفن


اللغة الروائية في ديوان
"لا أريد أن يعرفني أحد"
خليل إبراهيم حسونة
هناك شبه اجماع عند النقاد أن الرواية تعطي مساحة للكاتب أوسع من ديوان الشعر، حتى أن هذه المقولة نجدها عند "فدوى طوقان" في كتاب "رحلة جبلية رحلة صعبة" لكن بعد أن نقرأ هذا الديوان سنجد هناك عدم صحة هذه المقولة، فنجد المكان، والحدث، وهناك الراوي، والمرأة والأم والطفل، والتراث، والتاريخ، والنصوص المقدسة، القرآن الكريم، العهد القديم والعهد الجديد، وهناك نصوص تراثية "زرقاء اليمامة، وهناك ذكر لشعراء ولنصوصهم، وأيضا نجد تاريخ الأندلس والمدن والحضارة العربية الإسلامية حاضرة في الديوان، وكما نجد واقعنا المؤلم، واقع الهروب من كوارث الإرهاب والمخربين، كل هذا نجده في ديوان "لا أيريد أن يعرفني أحد"، والأهم نجد الصور الأدبية، وللغة التي يمتاز بها "خليل حسونة".
البحر
إذن نحن أمام رواية شعرية إن جاز لنا استخدام هذا المصطلح، والبداية ستكون من البحر، من الفضاء المتحرك، من العالم الرحب الذي يمدنا بالحيوية والحرية، لكن للأسف واقع المنطقة العربية حول هذا الفضاء العالم الرحب إلى مكان للضياع والموت:
"عذبتني جراح الأبجدية..
والقصائد في عيون العرب
غارقة في الوسن
يجيء الموج، لاهثا إليها.. خطوة.. خطوة
بغياب ليس له مثيل
تهزه الأحجيات
وبعض قداح
لا تعرف ما يسكب الليل فيها
وهي تجوب مراكبها. عبر البحار البعيدة" ص3و4.
يستحضرني ديوان "أدونيس" "كتاب الحصار" الذي كتبه بعد حصار بيروت عام 1982وسقوطها أمام جيش الاحتلال والذي يقول فيه:
"حاضنا سنبلة الوقت، ورأسي برج نار
ما الدم في الرمل، ما هذا القول؟
قللنا، يا لهب الحاضر، ماذا سنقول؟
مزق التاريخ في حنجرتي
وعلى وجهي أمارات الضحية
ما أمر اللغة الآن وما أضيق باب الابجدية"
المأساة واحدة، والضحية هي نفسها، والمكان هو ذاته، والأداة المنفذة ذاتها، والمتحدث هو شاعر ينتمي لشعبه ولأمته ولوطنه، من هنا نجد الألم والوجع حاضر ومستديم، وجاء بعين الفكرة لكن بألفاظ وأدوات مختلفة.
قلنا أن الكتابة/القراءة احدى العناصر التي تخفف من حدة الضغط على الإنسان، لكنها هنا أصبحت أداة جلد وألم، "عذبتني جراح الأبجدية" فالشاعر يحدثنا عن ألمه هو قبل أن يحدثنا عن ألم شعبه ووطنه، فهو يعاني من فقدان إحدى الوسائل التي تمنحه الهدوء والسكينة، وما يضاف على هذا الألم:
"والقصائد في عيون العرب
غارقة في الوسن" إذن الهم القومي مؤثر في الشاعر ويعمل على إحداث اضطراب وتوتر عنده.
الشاعر يستخدم التورية في:
"يجيء الموج، لاهثا إليها.. خطوة.. خطوة
بغياب ليس له مثيل
تهزه الأحجيات
وبعض قداح"
فنجد حالة غياب/ضياع، وخلل/اضطراب، وسكر كل هذا بسبب "موج" البحر، لهذا نجد الإنسان العربي يذهب إلى:
"لا تعرف ما يسكب الليل فيها
وهي تجوب مراكبها. عبر البحار البعيدة"
إذن الشاعر لا يفقد الكتابة فقط، بل يفقد أيضا الطبيعة، والتي من المفترض أن تكون العنصر المهدئ الثاني له، لكنها تتحول أيضا إلى أداة للموت والألم.
لكن البحر بالنسبة للضحية هو طريق عليه أن يسلكه ليتخلص من الموت، فقد وضع بين أمرين أحدهما أمر من الآخر، وعليه أن يخوض هذا الغمر مكرها:
"وحين يحاصرني الجنود مرة أخرى
أخط على شاطئ البحر وطنا.." ص11
الجميل في هذا المقطع أن الشاعر هو الراوي، فقد أصبح هو الهارب، هو الضحية التي تبحث عن ملجأ، عن مخلص، لكن المؤلم في هذا الخلاص، أنه جاء بصورة موت الوطن/الأم والبحث عن أم/وطن آخر، من هنا تكمن قسوة المشهد الذي يقدمه الشاعر.
وإذا ما توقفنا عند المقطع الأول، إن كان على صعيد الألفاظ أو المعنى سنجده قاتم وموجع،"يحاصرني،الجنود" بينما المقطع الثاني جاءت الألفاظ والمعنى أبيض، "احط، شاطئ، البحر، وطنا" وكأن الشاعر يبرر لنفسه وللضحية هذا السلوك، إن كان من خلال الألفاظ المجردة التي يستخدمها أو من خلال الفكرة تحملها.
ونجد صورة الموت محملة بالبعد الأسطوري من خلال:
"كل موج .. يجدد .. موجا جديدا..
يغرق البحر "عوليس" ويبيت على قدر
هو الولد المقدسي" ص47،
الشكل الذي قدمه الشاعر للأبيات نجد فيها نقاط، فتبدو لنا وكأنها أمواج، ونجد تكرار كلمة "موج" و"يجدد" وتكرار النقاط، بينما جاءت كلمة كل في البداية لتعطي الشمولية والاستمرارية لفكرة الموج الذي يثقل بوقعه على المسافرين الهاربين.
ولا يكتفي الشاعر بهذا الصورة بل يستحضر لنا الداهية "عوليس" الذي خرب وحرق طروادة ليغرق البحر على مسافريه.
اعتقد أن مثل هذه الصورة المركبة لحالة الموت والخراب الذي يطال حتى البحر نفسه لا يمكن أن تأتي من فراغ، بل من حالة التوحد بين الشاعر وشعبه، فنجده تخلى تماما عن "خليل حسونة" وأصبح واحد من الآلاف التي هربت من الموت إلى طريق الموت، لهذا استطاع أن يقدم لنا فكرة الموت والخراب بألفاظ سوداء وبشكل يخدم الفكرة، وهذه العناصر الثلاث لا يمكن أن تأتي مجتمعة إلا من قبل شاعر يتقن استخدام أدواته، ومن شاعر توحد مع نصه، فلم يستطع أن يحجب القصيدة/الكلمة في نفسه أكثر، فخرجت متمردة حتى صاحبها الشاعر.
هناك صورة في غالية القتامة تحاكي صورة الطفل الغريق "ايلان الكردي" الذي فر والداه من مدينة "كوباني" هربا من الموت بطريق الموت:
"طفل يبحث في عيون البحر
عن وطن.. هائم بين الردى والضباب
تحرقه الأساطير اللقيطة
والدم الذي صار ماء
يعاوده كل جوع بافتقاد الثياب" ص52،
عندما يتوحد الشاعر مع الفكرة التي يحملها، بالتأكيد سيخرجها طريقة مذهلة، منسجمة بين اللفظ والمضمون والشكل، هذا الأمر لا يكون إلا عند من هم محترفي الكتابة، عند من لا يكتبون قصائد أو قصص أو روايات، بل القصائد والقصص والروايات هي من تكتبهم، لهذا نجد المقطع الأول ناصع ابياض، "طفل، يبحث، عيون، البحر" بينما جاء المقطع الثاني يحمل شيء من القسوة: "هائم، الردى، الضباب"
وبقية المقاطع جاءت سوداء قاتمة "تحرقه، اللقيطة، الدم، جوع، بافتقاد" من هنا تم تقديم الصورة الموت بالتدريج، وبذات الطريقة التي حدثت، فالشاعر يريدنا أن نعرف قسوة المرت وبشاعته، من خلال فكرة الأمل التي بدأت بها الأحداث، ثم قدوم الضباب، وبعدها يأتي الجحيم والدم.
التراث والتاريخ
قلنا احدى ميزات ديوان "لا أريد لأحد أن يعرفني" تناوله للعديد من الأحداث التاريخية، منها :
"على ظهور سبأ
وأشواق "سيف بن يزن"
قصع الرماح
غياب لاهب، ليس له مثيل
وبلاد كل خطوة فيها قتيل.. قتيل
والرماد الآدمي
كل صباح"ص4، التوجه نحو التاريخ والتراث يخصب النص ويثيره، خاصة إذا تم تقديمه بطريقة غبر مألوفة، الشاعر بقدم لنا الموت بروية وتمهل، فنجده في كل خطوة أمامنا، وهو لا يكتفي بهذا بل يعمق الجرح من خلال قوله "الرماد الآدمي" كلنا يعلم أن حرب سبأ وحرب سيف بن ذي يزن" كانت بين ابناء الوطن الواحد، فهي تتكرر الآن في هذا القرن، والقاتل والمقتول هم أخوة، فهل أراد الشاعر أن يعري تلك الحرب؟، أم أراد أن يعرينا نحن من يقوم بالقتل في هذا القرن؟، اعتقد بأننا نحن المقصودون بالتعرية، فتلك الحرب لها ظروفها وتخضع لمفاهيم العصر الغابر، فنحن المعاصرون والمتدينون المتعلمون الواعون والعارفون بالتاريخ ومراحلة المظلمة نقدم على قتل بعضنا وهدم أوطاننا، فهذه جريمة اقترفاها بعد المعرفة والتفكير والتخطيط، بمعنى أنها جريمة متعدد الأوجه، وعلينا أن نحاكم علينا ونحاسب.
ويقربنا الشاعر من الخوارج وما أحدثوه من خراب وقتل في الأمه فيقول:
"في بحرها الحليبي... احتمالات جنوح الخوارج
والفجر يسطع في الظهيرة..
"قرمط" يسير إلى موجة تحتويني..
تصير بين الكف والمخرز ..وردة"ص17
نجد البحر الذي امسى قاتل محترف، ويضاف إليه الخوارج الذي أحلوا ما حرمه الله وسفكوا الدماء الصالح والطالح، ويتداخل وقت الصبح الناعم بوقت الظهيرة القاسي، فلم نعد نشعر أو نحس أو نشاهد الصباح الجميل، بل هناك وقت الظهيرة القاسي والقائظ، وقد استخدم الشاعر هذا الوقت لأنه متعلق بمفاهيم البدوي العربي، حيث تكون الصحراء لاهبة وقت الظهيرة، ونجد الأمل في "القرامطة" الذين كفروا من قبل رجال الدين وسحقوا بسيف السلطان، وهذا ما يحدث الآن حيث تحالف السلطان ورجال الدين على الخراب والتدمير وقتل الناس وتهجيرهم، وهناك حالة حصار بين "الكف والمخرز، فهل ـ رغم كل هذا الخراب ـ يمكن أن تكون هناك وردة ننتظرها في الأفق؟.
ويحدثنا عن زرقاء اليمامة وعن الأندلس بطريق مذهلة، بطريق لم يسبقه أحد إليها، فهو جمع بين زمنين وحدثين مختلفين في مشهد واحد:
"الأرض تلعق
ما بها من عظام..
والموت الزؤام يحاصر التاريخ..
فيدبج قصائد الموت له.. عروة الصعاليك
وزرقاء اليمامة .. مرة أخرى
وهي ترى كيف أناخ عمليق ناقته
غلاب غرناطة.." ص74
مشهد مؤلم وموجع بالتأكيد، لكن الطريقة التي جاء بها مذهلة، فالشاعر مزج ما لا يمكن أن يمزج، ووحد ما لا يمكن أن يوحد، وليته كان هذا المزج جاء لتقديم شيء/حدث جميل كما فعل عندما أقرن الكنعاني بخير المرأة الكنعانية، بل لجعل الصدمة أكثر هولا علينا، فما نحن فيه بحاجة إلى زلزال لنستفيق من غفوتنا، لهذا أرادنا الشاعر أن نصدم بهذا الشكل، وبهذه الطريقة المؤلمة والموجعة.
ويقدمنا من المآسي التي اقترفت بحق المفكرين والفلاسفة من خلال هذا المقطع:
"وبين ظفر وناب..
"ابن المقفع" واقف..
يطلق الحانه كل حالم:
وحالة كساح
تدقق في القابعين على ظهور المراكب
وحلم الرحيل
إلى مرافئ الامنيات" ص52، الشاعر بهذا المقطع أراد يؤكد بأن المفكرين والأدباء مطلوبين للسلطان، ومع هذا هم مستمرون في الحلم، في حمل الفكرة وتعرية الحاكم وفضح الجهل الممارس من قبل رجال الدين، ويستوقفنا تناوله لصورة الهروب من الواقع، فهناك حلم بالحياة الجميلة التي سيجدها الحالم/الهارب على ظهر المركب، فهل أراد الشاعر ان يبرر سلوك هؤلاء؟ أم أراد أن يدينهم، لأنهم تركوا "ابن المقفع" وحيد بين "ظفر وناب"؟
المرأة في التاريخ
الشاعر يتناول الكنعانيين بطريقة ناعمة وهادئة، فهم من أسسوا بداية الحضارية الإنسانية وعلموا العالم الأحرف الأبجدية، يقدمهم لنا من خلال هذه المشهد:
"وبعض ورود
نسوة عمياوات، تحدق في القمر أرتالهن..
والكنعانية الفارعة ...بين نار، ونار..
تلم التين والزيتون..
وتعبئ جرار العسل..
على حافة القارعة..
هكذا الحب امتثل.. فصرت أعود
أشم عطرها البري" ص21.
الجميل في هذا المقطع أن الشاعر استحضر الماضي الكنعاني الجميل والبهي من خلال المرأة، وللمرأة حضور ناعم وطيب في النفس، وهذا ما جعل الصورة مزدوجة الجمال، وقد أقرنها بالخير المقدس عندما قال "التين والزيتون" وكأنه يؤكد على أن خير هذه البلاد وأهلها موثق في السماء وصادر منها، فلا مجال للشك فيه.
وإذا عدنا إلى الألفاظ المستخدمة وهي "ورود، القمر، الكنعانية، الفارعة، تلم، التين، الزيتون، تعبئ، الجرار، العسل، الحب، امتثل، أشم، عطرها، البري" كلها ألفاظ بيضاء وناعمة، وتخدم فكرة الجمال والعطاء عند الكنعاني، والملفت للنظر أن كل هذا الخير من تين وزيتون والجرار الملآى بالعسل موجودة في حالة صعبة "بين نار،.. ونار" فهل أراد الشاعر أن يقول أن الخير حاضر في هذه البلاد حتى في وقت الشدة؟، أم أن الخير يأتي بصعوبة وجهد؟.
يقربنا الشاعر من مجد الأندلس فيقول:
"على شاطئ الوادي الكبير..
واقف أنتظر..
رفيف النسوة الفاتنات..
وقيان الخليفة..
بالجميل المتاح..
"زميكية" تطلق صناجاتها
وزرياب يرفل في البلبل
"ولادة" تحوم حول جوالق تموء بها" ص53. حضور المرأة يمنح الشاعر والمتلقي شيء من الهدوء والسكينة، لهذا نجد الشاعر عندما يريد أن يتناول حدث أو موضوع جميل يستحضرها، وهذا الاستحضار لا يكون بشكل جامد، بل يقدمها لنا بصورة جميلة، فكانت في المشهد السابق تلم التين والزيتون، وهنا تأتينا مشاركة في البهجة وافرح.
المرأة في العهد القديم
المرأة الجميلة والناعمة عندما تقدم لنا بصورة بشعة بالتأكيد سيكون أثر البشاعة علينا مضاعف وأشد وقعا، لأننا متوقعين ـ في العقل الواعي وغبير الواعي أن تأتي بصورة بهية وزاهية، وعندما يؤتى بنص ديني (مقدس) من المفترض أن يدعو للخير والسلام، لا أن يدعو للقتل والخراب، وبالتأكيد سيكون هذا النص (المقدس) غير مقبول لنا ومدان.
الشاعر يقدم لنا حجم الخراب المادي والتشويه الفكري الذي نحن فيه من خلال هذه المقطع:
"هم الغرابيب البغاة..
مع وشوشات "راحاب" تنادوا..
لدق أبواب "أريحا" بأسواط يوشع
ولهفة الإصحاح.." ص58، من أدق الصور التي تتحدث عن الخراب المادي والإنساني، فالشاعر جعل من يقوم بهذا الخراب امرأة وكتاب مقدس، وكلاهما من المفترض أن يكون ناعم ومسالم، لهذا كان وقع الحدث علينا كبير ومؤلم، فهل يعقل ان تقدم المرأة على جريمة بهذا الشكل وهذا الحجم؟، وهل يمكن أن يكون هناك كتاب مقدس بهذه القسوة والوحشية؟.

الصور الشعرية

الشاعر الجيد هو الذي يمتعنا بالصور، بالتراكيب التي يشكلها، بالمزج بين الكلمة والشكل والفكرة، اعتقد أن هذا الديوان يكاد أن يكون بمجمله صور شعرية، لكننا سنأخذ جزء مما جاء فيه، لنوضح جمالية ديوان "لا أريد لأحد أن يعرفني":
"الحالمين
العابدين..
"والتين والزيتون . وطور سنين
وهذا البلد الأمين.."
القدس كعبتنا .. وهوانا المريد..
يا أخوتي الذين نثرتهم الريح في العالمين
"سأرسل إليكم هيامي..
والقي عليكم قميصي الوحيد" ص23.
نجد اقتباس من سورة "التين" ونجد تناص مع القرآن الكريم من خلال "العالمين، وقميصي" لكن التركيبة المجملة للأبيات الشعرية تشمل المكان/القدس وفلسطين، والإنسان العربي، والتهجير الذي فرض عليهم، والمأساة التي مروا فيها، ونجد الهم الذي يحمله الشاعر تجاه هؤلاء الناس، هذا بخصوص الأفكار، لكن الطريقة التي صاغ بها الأبيات هو المهمة، وهذا التي تدهشنا، ففي البداية قدم لنا الشاعر مشهد بشكل محايد، فهو مجرد راوي يقدم ما يراه فقط، "الحالمين، العابدين".
ثم اقتبس بداية سورة "التين" وكأننا أمام شخص آخر يريدنا أن نستمع إلى هذه السورة ولما فيها من معاني وجمالية ومضامين، ثم يخاطبنا بلغة جديدة "يا أخوتي" فقد تخلى عن حياديته وأصبحنا أخوة، ثم يقدم لنا أفكاره حيال ما يجري في المنطقة العربية، موضحا أن البوصلة يجب أن تكون "القدس كعبتنا" ثم يجعل من نفسه "يوسف" الجديد الذي يحرر اهله من حالة الضيق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ليدمجهم في حالة جديدة بعيدا عن قسوة البادية والصحراء، لكن الأهم في المقطع الأخير "والقي عليكم قميصي الوحيد" أنه جاء ليعطينا فكرة البصر/المعرفة/الحكمة التي افتقدناها بعد أن انسقنا وراء رجال دين معينين ومدفوعين من السلاطين، فالشاعر هنا يأخذ دور النبي الجديد، الذي سيخلصنا من حالة العمى الفكري الذي أصابنا بعد ان ابتعدنا عن كعبتنا "القدس" وأخذنا نبحث عن كعبة أخرى غير موجودة.
صورة ترك الوطن كرهاً وغصباً من اقسى الصورة التي يمكن أن يشاهدها الإنسان:
"العين تزفر اهاتها..
في حواري البلد..
ترف المناديل للذاهبين، إلى المنافي..
ملولبة بصدى فيضه يغلي..
في بطون الصحاري." ص38.
جعل العين تخرج أهات مسألة غير عادية، وتجاوز المألوف، واعطاء المنادين الملوحة الفعل الإنساني الغاضب يوحي لنا بحالة الألم والغضب التي تلازم هؤلاء المهاجرين الراحلين، وإذا ما أخذنا هذ1ه الهجرة سنجد أن هناك العيد من الصورة التي تتحدث عنها، فالشاعر قد ترك وطنه غصبا وكرها لهذا نجده ينحاز ويتوحد مع هؤلاء المهاجرين، فهو يعي حالة الألم لقهر والصعوبة التي تلازم عملية الهجرة، لهذا نجده وكأنه يحدثنا عن ذاته هو وليس عن اشخاص آخرين.
الاقتباس الشعري
دائما عندما يستخدم الكاب/الشاعر مقاطع مقتبسه لكتاب أو شعراء فإنه يدعو القراء ليتقدموا من تلك الأعمال الأدبية ليتعرفوا عليها، فالاقتباس يمثل دعوة غير مباشرة للتعرف على أعمال وكتاب أثروا في كاتب النص الأدبي، لكن تضنين نصوص شعرية في القصائد يكون له وقع خاص، وكأن الشاعر يقول للقراء هؤلاء اللذين اقتبس عنهم، وهذه النصوص التي اقتبسها أكثر أهمية مني مما أقدمه من شعر، واعتقد بأن هذا الأمر في تواضع من الشاعر الذي يقوم بعملية الاقتباس، فيبدو لنا وكأنه تلميذ لذك الذي اقتبس منه أوعنه.
من هذه الاقتباسات:
"أيها الوجع اللذيذ
ما اجملك.." ص38.
"الليل والخيل والبيداء" ص 56.
"وتعرف كل الدنيا أني اخترتك يا وطني" ص57.
"على هذه الأرض ما يستحق الحياة" ص 64.
بهذا يمكننا القول أن ديوان "لا أريد لأحد أن يعرفني" هو رواية في ديوان شعر، فأن يأخذنا الشاعر إلى كل هذه العوالم، ويحدثنا عن كل هذه الأحداث القديمة والمعاصرة، وأن يقدمها بهذه الصياغة المذهلة، ومن خلال تعدد الرواة، لهو عمل يستحق أن نقف عنده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل


.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج




.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما