الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيباتيا : فيلسوفة ناضلت ضد التعصب

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2018 / 3 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قد يتساءل متسائل من تكون هيباتيا ؟ وهل هناك فيلسوفات ومفكرات في التاريخ البشري ؟ وما هو التعصب ؟ وما علاقة التعصب بالفيلسوفات وبهيباتيا نفسها ؟
نجيب أولا عن هذا السؤال بالقول أن هيباتيا فيلسوفة مصرية يونانية عاشت في الفترة الممتدة بين سنتي (355م-415م ) كرست حياتها للعلم وللتسامح الإنساني بين المؤمنين والملحدين الذين كانوا يعيشون في مدينتها ويتعلق الأمر بمدينة الإسكندرية المصرية التي تتموقع على مشارف البحر المتوسط، قد يقول قائل: هل فعلا بزغت فيلسوفة تضاهي النساء اللواتي ذكرتهن الأديان الإبراهيمية ( مريم، خديجة... ) و سخرت حياتها للعلم وللفضيلة؟ والجواب هو نعم : لأن المرأة هي أول كائن تسيد العالم، لقد بدأت حياة الإنسان على وجه الأرض منذ حوالي 300000 سنة، كانت السلطة في البداية في يد المرأة لأنها تحبل وتعطي الحياة وترضع، فكانت موضع تقديس بالنسبة للإنسان البدائي، وهنا نجد الشاعر هزيود في ملحمته الشعرية يقول:《في منزل الأولمب، هن، ربات الفنون الأولمبيات، بنات زيوس ذي الدرع. ولدن في بياري، بعد أن اضطجعت منيموزين سيدة روابي ألوثير، مع الأب كرونيد وأنجبتهن. هن نسيان الشقاء وراحة البال طيلة تسع ليال》 (ص 34 ت صالح الأشمر، دار الجمل ) نفهم من خلال هذا المقطع الشعري أن المرأة في الديانات القديمة كانت إلهة وكانت محط عبادة وتبجيل وتقديس، إنها رمز للحياة والفن، إن القولة تتحدث عن منزل الأولمب أي مقر الآلهة ومركز حكم الإله زيوس في الديانة الإغريقية، وإلى جانبه كانت الكثير من الآلهات ومنهن آلهة الفن بنات زيوس الذي لم يمارس عليهن الحجر والوصاية ولم يعمل على تنقيبهن ولم يقل أنهن عورة، بل كن يشاركن في الحياة العامة ويمارسن الموسيقى باعتبارها رمزا للحياة، إن هاتيك الآلهات ولدتهن الإلهة منيموزين ومنها جاءت la musique، وتعد ابنة الأرض والسماء، وتعتبر إلهة الذاكرة، وينسب إليها اختراع الكلمات واللغة، وأنها أعطت الأشياء أسماءها، فأصبح التعبير ممكنا، وهنا يتضح مدى الدور الذي لعبته المرأة، فالموسيقى هي الأداة التي تعطي معنى للعالم، إنها رمز لإزالة الشقاء والشعور بالراحة، و في هذا السياق الفكري ولدت هيباتيا، صحيح أنه كنا نجد في المجتمع آلهة إلى جانب آلهات، ولكن قبل ذلك، كانت المرأة تهيمن بشكل مطلق على الشأن الديني والسياسي، فالشرق العربي مثلا لم يكن محافظا مثل الآن، لقد كان البابليون يقدسون الإلهة عشتار، وكانوا يحجون إليها في معبدها قبل أن تظهر الديانات الإبراهيمية التي قضت نهائيا على هذه الطقوس التي تمجد الحياة، يقول المؤرخ هيرودوت: 《وبين هؤلاء القوم (البابليين) عادة مخجلة خلاصتها أن من واجب كل ٱمراة في هذا البلد أن تذهب مرة في حياتها إلى معبد عشتاروت( عشتار) فتسلم نفسها هناك إلى رجل غريب يلقي بقطعة الفضة وعندما تضطجع معه تكون قد أدت واجبها نحو السيدة عشتروت.》وقد انتشرت عبادة الأنثى والطقوس الجنسية في منطقة الهلال الخصيب ووصلت إلى الحجاز. وتعتبر مراسم الحج في الجاهلية بقايا لتلك العبادة .يتضح لنا من خلال ما سبق أن في التاريخ الإنساني كانت السلطة بيد المرأة، كان هناك التسامح مع الجسد ولم يكن مراقبا، كان يمارس الجنس بكل حرية ويغني ويبدع، ولم يكن هناك التعصب، فماذا نقصد بهذا المفهوم ؟ إن التعصب ضد التسامح، فإذا كان التسامح هو القبول بالغير، فإن التعصب هو رفض للغير، ولكن هذا الرفض يبدأ من الذات، إن المتعصب يرى نفسه روحا أو فكرا دون جسد، فيلغي الغير كجسد، وبالتالي إن المتعصب يكره ذاته أولا، إنه يعذب ذاته بالحرمان من الجنس والتقليل من الأكل والشرب والنظافة، ثم ينتقل نحو فرض هذا النمط على الغير، إنه يرى نفسه روحا لا جسدا، وهذه الروح انبثقت من الله، ويجب التسليم به و القبول بأفكاره كأفكار مقدسة، وكل ما عداها خطأ، هكذا تعامل أتباع الأسقف كرلس مع الفيلسوفة هيباتيا، لقد اهتم بها والدها الفيلسوف تيون وهو واحد من أشهر علماء الرياضيات المنتمين لأكاديمية الإسكندرية مثلما اهتم زيوس بآلهات الفن، ولقنها تربية علمية وجعلها تترعرع بين المخطوطات، وسافرت إلى أثينا وروما لدراسة الفلسفة، وتأثرت بأفلاطون الذي قسم في فلسفته العالم بين عالم المثل وعالم الحس، وبعد ذلك رجعت إلى الإسكندرية لكي تدرس في أكاديميتها وكتبتها التي ضمت حوالي 500 ألف مخطوطة وكتاب، دافعت هيباتيا في الإسكندرية عن الفلسفة والتساؤل، كانت متواضعة مع العامة وتناقش القضاة، وكان العامة يقدرونها ويحترمونها كما كان يحترمها تلميذها الحاكم الروماني أرستوس . أما بالنسبة لطلبتها، فكانوا مسيحيين ويهود ووثنيين، ووصفها أحد طلبتها المسيحيين بأنها رمز للفضيلة، واللافت أنها بقيت عذراء، وطلب منها أحد خطابها الزواج، أعطته خرقة فيها بقع من الدم لكي تبين أنه لا يوجد شيء جميل في الرغبات الجسدية، الشيء الذي يوحي أن موقفها هذا محكوم بالسياق التاريخي الذي عاشت فيه، إنه سياق ارتبط بنشأة المسيحية التي كانت تنبذ الجنس والجسد وتنظر إلى المرأة كعورة، وأن جسدها غواية شيطانية، ولكن في شخصية هيباتيا جزء من التسامح الإغريقي بدعوتها إلى التعايش بين المؤمنين والملحدين، لكن المسيحيين الذين يعتبرون أنفسهم أبناء الله (المسيح ) طردوا اليهود من المدينة، ثم حاصروا بعد ذلك مكتبة الإسكندرية لأنها في نظرهم تدرس علوما شيطانية، فخربوها وحرقوها وقتلوا الكثير من تلاميذها وعلمائها . وازداد الوضع سوءا مع وصول الأسقف كرلس إلى السلطة الدينية، لقد تم تشكيل جماعة دينية مجنونة متشددة و إرهابية قذفت الوالي الروماني ارستوس بالحجارة وسحلت و أحرقت الفيلسوفة هيباتيا متهمة بالزندقة والكفر . إن هذا التعصب الأعمى والمجنون الذي حرق وسحل الغير وخرب التماثيل يدفعنا إلى التساؤل عن عالمنا العربي: هل تغير حال مصر والجزائر والعراق وسورية ومكة بعد مرور 17 قرنا ؟ و من يذكر تخريب تمثال طه حسين وتمثال الفوارة في الجزائر وتماثيل الحضارة البابلية في العراق ؟ ومن يذكر تخريب أوثان العرب في القرن 7م؟ ومن يذكر نبش القبور لسلالات الأمويين من طرف العباسيين ويذكر الجرائم التي ارتكبتها السلالات التي تعاقبت على حكم المغرب في حق بعضها البعض ؟ ذلك هو التعصب الأعمى الذي خيم على تاريخنا.

عبد الله عنتار/ 25- مارس 2018/ الدار البيضاء- المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكات | مكافآت لمن يذبح قربانه بالأقصى في عيد الفصح اليهودي


.. ماريشال: هل تريدون أوروبا إسلامية أم أوروبا أوروبية؟




.. بعد عزم أمريكا فرض عقوبات عليها.. غالانت يعلن دعمه لكتيبه ني


.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح




.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي