الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات الأمريكية والتدخلات الروسية

فارس تركي محمود

2018 / 3 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


يعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ( Donald Trump ) من أكثر الرؤساء الأمريكان إثارة للجدل عبر التاريخ الأمريكي سواء من حيث سيرته الشخصية ، وتصرفاته ، وتصريحاته ومواقفه العنصرية تجاه العرب والمسلمين والأفارقة ، وأخيراً فوزه في الانتخابات الرئاسية ، هذا الفوز الذي فاجئ الجميع وخالف كل التوقعات . فعندما أعلن ترامب ترشحه للسباق الرئاسي لم يأخذه الكثيرون على محمل الجد واعتبروا هذا الإعلان نوع من المزاح الثقيل أو المراهقة السياسية والتصرفات الصبيانية على اعتبار أن فرصه في الفوز ضعيفة جداً أو شبه معدومة ، لكنه حقق المفاجأة وفاز أولاً بثقة الحزب الجمهوري ليكون مرشحه في الانتخابات ، ثم حقق المفاجأة الأكبر والأشد وقعاً عندما تمكن من الفوز على المرشحة الديمقراطية والسياسية العتيدة والدبلوماسية المخضرمة هيلاري كلينتون ، ليتم تنصيبه الرئيس الخامس والأربعون للجمهورية الأمريكية وسط ذهول ودهشة الكثير من السياسيين والمراقبين والمهتمين بالشأن السياسي وحتى الناس العاديين في داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها .
ومنذ اليوم الأول لتسنمه منصب الرئاسة كثرت حوله الشائعات والأقاويل والتأويلات والتسريبات والشكوك طالت كل مفاصل حياته ، إلا أن أهم وأخطر هذه الأقاويل والشكوك كانت تلك المتعلقة بفوزه في الانتخابات ، أو ، وبشكلٍ أدق ، التشكيك في نزاهة تلك الإنتخابات والحديث عن وجود تدخل قوى أجنبية فيها والمقصود هنا روسيا . لم تبق الأحاديث والتشكيكات حبيسة الغرف المغلقة بل خرجت إلى العلن وتناولتها الصحافة الأمريكية ، وتم التركيز عليها في وسائل الإعلام المتنوعة ، وأصبح كل يوم يمر يزيد حجم وتعقيد هذه القضية التي صارت مثل كرة الثلج كلما تدحرجت أكثر كلما زاد حجمها ، الأمر الذي أثار قلق العديد من الأطراف في الكونغرس وفي الحكومة الأمريكية ودفعهم إلى فتح تحقيق أو تحقيقات في هذه القضية ، وما زالت هذه التحقيقات مستمرة ولم تصل إلى نتيجة حاسمة لحد الآن .
لقد ابتدأت التحقيقات في تموز / يوليو عام 2016 وكان الهدف الأساس الذي تسعى إلى الوصول إليه هو نفي أو إثبات وجود تواطؤ أو تنسيق ما بين حملة ترامب الإنتخابية وما بين الكرملين بغرض التأثير في انتخابات الرئاسة الأمريكية بالشكل الذي يصب في مصلحة ترامب . مستندة في ذلك إلى سلسلة من التسريبات والمؤشرات والمعلومات المثيرة للقلق أهمها :
1 – تقارير ومعلومات مصدرها الاستخبارات الأمريكية تشير إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد أصدر توجيهات بتنفيذ حملة للتأثير في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 ، تستهدف تشويه صورة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون وتقديم الدعم والمساعدة لترامب ، وتسعى إلى تحقيق هدف أكبر يتمثل في " تقويض النظام الديمقراطي الليبرالي الذي تتزعمه الولايات المتحدة " .
2 – تصريحات غير علنية لوزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون ( Rex Tilerson ) يعترف فيها بتدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية .
2 - رسائل الكترونية كشفت أن دونالد ترامب الابن ، وصهر ترامب جاريد كوشنر ، وبول مانفورت المدير السابق لحملة ترامب الإنتخابية التقوا بمحامٍ على صلة بالكرملين في برج ترامب في نيويورك خلال الحملة، على أساس الحصول على وثائق تضر بهيلاري كلينتون " كجزء من دعم روسيا لترامب " . وقال خبراء قانونيون أن هذا قد يمثل على الأرجح تجاوزا للخط القانوني بشأن التواطؤ .
3 – تصريحات منسوبة للسفير الروسي في واشنطن تؤكد أن صهر ترامب كوشنر اقترح عليه إقامة صلات للتعاون ما بين مسؤولي الحملة الانتخابية لترامب والكرملين ، وإن السفير قد قام بنقل هذا الإقتراح إلى المسؤولين الروس .
4 - رسائل خاصة تبادلها ترامب الابن مع موقع ( ويكيليكس ) خلال الحملة، في الوقت نفسه نشر الموقع رسائل البريد الإلكتروني التي تم قرصنتها من كمبيوتر اللجنة الوطنية الديمقراطية ورئيس حملة كلينتون جون بوديستا . مع وجود شكوك أن الروس هم من قاموا بعملية القرصنة .
5 - استخدم الروس على نطاق واسع الفيس بوك وتويتر للتدخل في الانتخابات .
إن هذه هي أبرز الشبهات التي أدت إلى إطلاق واستمرار حملة التحقيقات ، إلا أن هذه التحقيقات ما أن إنطلقت حتى تشعبت وكشفت عن الكثير من القضايا والأمور المتعلقة بوجود فساد مالي وغسيل للأموال ، فضلاً عن قيام عدد من الجمهوريين بتوجيه إتهامات مضادة لهيلاري كلينتون بالحصول على هبات مالية من الروس ، وغير ذلك من القضايا التي أثيرت وما زال الباب مفتوحاً لمزيد منها .
لقد أكدت كل التحقيقات وجود تدخل روسي فعلي في الانتخابات الأمريكية ، إلا أنها لم تستطع لحد الآن نفي أو إثبات التواطؤ ما بين المسؤولين في موسكو من جهة ، ومسؤولي حملة ترامب الإنتخابية أو ترامب نفسه من جهة أخرى . بمعنى هل أن التدخل الروسي في الانتخابات كان بترتيب وتنسيق مسبق بين الطرفين أم هو اجتهاد روسي بحت ؟ ، كما إنها لم تستطع أن تقرر فيما إذا كان هذا التدخل قد أثَّر فعلاً على نتائج الإنتخابات الرئاسية أم لا ؟ . وعلى أية حال يبدو أن التحقيقات ستستغرق وقتاً طويلاً وستتعدد فصولها ولا يمكن التنبؤ بنتائجها أو بما ستكشف عنه منذ الآن ، إلا أنه ووفقاً للمعطيات الموجودة حالياً واعتماداً على معرفتنا المتواضعة يمكننا أن نقول التالي :
ابتداءً يجب القول أن اتخاذ الكرملين قراراً بالتدخل في الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب على حساب هيلاري هو أمر مستغرب ولا ينسجم مع المصالح الروسية ، إذ أن سياسة أوباما القائمة على الدبلوماسية الهادئة والتروي والهدوء المبالغ فيه تعد من أهم أسباب تنامي نفوذ روسيا وتصاعد دورها العالمي ، وكان من المتوقع أن يستمر هذا النهج السياسي في حال فوز هيلاري كلينتون أكثر منه في حال فوز ترامب لذلك كان من المتوقع أن يفضِّل الروس فوز هيلاري بدل ترامب . وبخاصة أنه كان من الواضح جداً أن شخصية ترامب شخصية عدائية ومتهورة وميالة إلى العنف والصدام وتحمل الكثير من صفات شخصية بوش الإبن الذي تم تحجيم الدور الروسي في عهده وبخاصة خلال فترته الرئاسية الأولى 2001 – 2005 . ولا يوجد تفسير لهذا السلوك الروسي إلا إذا نظرنا إليه في ضوء ميل بوتين للمغامرة والصدامية ، أو محاولة منه لتأكيد صورته في العقل الجمعي الأمريكي باعتباره الرجل القوي ، أو رغبته في مشاكسة وإزعاج الأمريكيين بشكلٍ عام شعباً وحكومةً على الرغم من الخطورة التي قد تترتب على مثل هذا السلوك . هذا فضلاً عن أن محاولة تشويه صورة كلينتون ومهاجمتها من قبل الروس – الأعداء التقليديون للأمريكيين - قد تأتي بنتائج عكسية وتدفع الناخب الأمريكي للتعاطف معها .
ويبدو أن الامريكيين قد انزعجوا فعلاً من السلوك الروسي ، ويبدو أن هذا الإنزعاج كان من أهم الأسباب التي دفعتهم إلى الإصرار على فتح تحقيقات معمقة وجدية بهذا الشأن ، وبخاصة أن التدخل الروسي يأتي في خضم تصاعد فعلي وملحوظ للدور الروسي على مستوى العالم مما جعل بوتين لا يتورع عن الإعتداء على المشهد السياسي الأمريكي بصفاقة ووقاحة لا تخفى على أحد . فلا اعتقد أن صناع السياسة الأمريكية يعتقدون فعلاً بإمكانية تأثير بعض المعلومات والشائعات التي تطلقها روسيا على خيار الناخب الأمريكي ، ففي الحملات الإنتخابية كل شيء مسموح حتى الكذب والإفتراء والتشويه والأمريكان هم المختصون والسادة في هذا المجال ولن يحتاجوا إلى مساعدات خارجية . ويمكننا أن نقول أيضاً أن شخصية ترامب وصفاته كانت من الأسباب التي تجعل الكثير من الامريكيين متحمسين للتحقيقات ، وكأنهم بهذا التحقيق يقدمون نوع من الاعتذار لأنفسهم وللتاريخ عن وصول شخص بمواصفات ترامب إلى سدة الحكم في واشنطن ، أو هي محاولة لإيجاد تفسير تآمري لهذا الوصول يبرئهم من شبهة المشاركة فيه .
وعلى الرغم من اعترافنا بغرائبية شخصية ترامب ، وعلى الرغم من استغراب البعض من وصوله إلى البيت الأبيض ، إلا أننا نرى أن هذا الوصول ليس بالمستغرب ففوز ترامب كان ممكناً ووارد جداً للأسباب التالية :
1 – إن المزاج الشعبي الأمريكي مزاج متغير ومتجدد بشكل دائم ، ولديه ميل غريزي إلى إكتشاف وتجريب كل ما هو جديد ومختلف وغريب بدءً بالملبس والمأكل وطريقة العيش والأدب والفن والرقص والسينما . . . الخ ، وانتهاءً بنوعية وشكل القادة والمسؤولين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ، لذلك كلما كان المرشح غريب الأطوار ومثير للجدل والإهتمام ، وكلما كان وجهاً غير مستهلَك ، كلما ازدادت فرصه في الفوز . وهذه النقطة تصب في صالح ترامب على حساب كلينتون التي تعد وجهاً مستهلك في الميدان السياسي ، فهي كانت حاضرة وبقوة في المشهد السياسي الأمريكي منذ عام 1993 وحتى عام 2016 سواء بوصفها السيدة الأولى أو سيناتور أو وزيرة للخارجية ، فلم يعد لديها من جديد تقدمه ولم تعد شخصية مثيرة للإهتمام . على العكس من ترامب فهو شخصية غير مستهلَكة وغريبة الأطوار ومثيرة .
2 – الشعب الأمريكي مولع بشخصية البطل والتي يمثلها في الغالب الشخص المغامر والجريء والمشاكس والناجح وبخاصة النجاح المالي ، والذي يتمتع بمواصفات جسمانية كالطول وقوة البنية ، هذا فضلاً عن أن البطل في الغالب يكون ذكراً وليس أنثى . وكل ذلك يضع ترامب في موقف أقوى من موقف كلينتون .
3 – تاريخياً لم يكن لحملة الشهادات العليا أو المصنفين ضمن النخبة الفكرية فرصة كبيرة للفوز في الترشيحات والانتخابات الأمريكية ، لذلك كانت فرصة كلينتون أضعف فهي تحمل دكتوراه في القانون ومحسوبة على النخبة المثقفة ، بعكس ترامب الحاصل على تعليم متوسط حاله حال أغلب الرؤساء الأمريكان فهو يحمل بكالوريوس في الإقتصاد .
4 – هذا فضلاً عن أن ترامب يمكن اعتباره نموذجاً لما يمكن تسميته بـ ( القيادة الشعبوية ) والتي بدأت تظهر وتنتشر وتجد لها رواجاً على المستوى العالمي في العقدين الأخيرين .
6 – يعد ترامب من رجال الأعمال الناجحين وثروته تقدر بمليارات الدولارات ولديه علاقات اقتصادية قوية مع الكثير من أقطاب المال والأعمال في الولايات المتحدة مما يزيد من فرص نجاحه ومن قدرته على حملة إنتخابية ودعائية قوية ، هذا فضلاً عن أن دور رجال المال والإقتصاد في الانتخابات الأمريكية وفي التأثير بعملية اختيار الرئيس دور مهم جداً .
إن النتيجة التي يمكن استخلاصها من كل ما تم ذكره هي أن القول بوجود تواطؤ بين ترامب وبوتين يبدو غير منطقي ولا تسنده أدلة واضحة ، كما لا تسنده معلوماتنا التاريخية عن كيفية سير العملية الإنتخابية ، وعن العوامل المؤثرة في قرار الناخب الأمريكي . هذا فضلاً عن استبعاد امكانية تواطؤ ترامب مع الروس ، لأن مثل هذا التواطؤ لن يكون ذي فائدة كبيرة من جهة ، وفي حال انكشافه سيكون ضرره كبير جداً عليه وعلى حملته الإنتخابية . ونعتقد أن الذي حصل هو أن الروس وبقرار منفرد حاولوا تشويه صورة كلينتون ، وترامب وأقطاب حملته لم يمانعوا بالحصول على خدمة مجانية . لذلك نشك بأن التحقيقات ستصل إلى قرار واضح أو شيء ذي بال في هذه القضية .
وقد يتساءل البعض عن إمكانية تكرار مثل هذا التدخل الروسي في الإنتخابات الأمريكية القادمة سواء انتخابات الكونغرس أو الإنتخابات الرئاسية ، وفي الواقع إن مثل هذا الأمر غير مستبعد ، إذ يبدو أنه لدى بوتين توجه للإستثمار في الداخل الأمريكي ومحاولة التأثير به بشكل أو بآخر ، إلا أن مثل هذا التدخل لن يستطيع أن يحقق نجاحاً وتأثيراً يذكر أو يسجل اختراقاً كبيراً ، ولن يتعدى كونه عامل إزعاج ومشاكسة . حيث أن تجذر وقوة الممارسة الديمقراطية الأمريكية والعملية الإنتخابية ، وسقف الحرية والشفافية السائد في داخل المجتمع الأمريكي وبخاصة في الميدان السياسي يجعل من إمكانية تأثره بتدخلات خارجية أمر غير محتمل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا