الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية و النضال النسوي - الفصل الثالث من كتاب - الماركسيّة و النسويّة -

شادي الشماوي

2018 / 3 / 26
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


( العنوان الأصلي " الديمقراطية " وهو عنوان الفصل 5 من كتاب :
" الماركسيّة و النسويّة " ، تجميع و نشر شهرزاد موجاب ، كتب زاد ، لندن 2015 )

تعريف مقتضب بالمؤلّفة بالصفحة 374 من الكتاب :
سارا كرنتار تدرّس في معهد دراسات النساء و الجندر ، و برنامج دراسات المساواة في المعهد الجديد ، و برنامج تعليم الكبار و تطوّر المجموعة ، بجامعة تورنتو [ الكندا ] . و تركّز أبجاثها على افقتصاد السياسي لتطوّر المجموعة ، و إيديولوجيات المواطنة و الديمقراطية ، و توسيع التحليل المادي ـ النسوي في تقديم خدمات للمجموعة . و راهنا ، تساهم في بحث عالمي لإستكشاف تأثير سياسات التوريق / التأمين على الظروف الماديّة و الإجتماعيّة للشباب المهمّش .
نشرت مع شهرزاد موجاب " التعليم من ماركس : العرق و الجبدر و التعليم " (2012 )
-----------------------------------------------------------------
مفهوم الديمقراطيّة موضوع عديد ما أطلق عليه ماركس " أخطاء الفكر البرجوازي " الناجمة عن " التجريد العنيف " لعالمنا الاجتماعي ( ساير 1987) . و غالبا ما يعالج هذا المفهوم على أنّه عابر للتاريخ كما لو أنّه ثمّة خطّ واضح بين الديمقراطيّة المباشرة لليونان القديم و كاوكوزس إيوا [ بالولايات المتحدة ] و غالبا ما يتعاطى معه بصنميّة بالمعنى الأحدّ للكلمة ؛ الديمقراطية كمفهوم تعطى تمثيليّة الشعب و سلطته للتحرّك و العمل في العالم كما لو أنّها إنسان حيّ ، إنسان يردّ الأنفاس .و إعتبارا لنمط هذا الوعي السياسي المعمّم ، لا غرابة في أنّه وفق مصادر قلقة متنوّعة ، كانت الديمقراطيّة في " أزمة " خلال النصف الأخير من القرن العشرين ، تقريبا. و هذا المفهوم ل" الأزمة " عادة ما يستخدم ليشمل كافة المجالات الماديّة و السياسيّة و الإجتماعيّة و الثقافيّة المتميّزة بمعنى الاستقرار المستمرّ . فعقب حرب الفتنام و الحركات الإجتماعيّة العالميّة لستّينات القرن الماضي ، أعلنت اللجنة الثلاثيّة الأعضاء أنّ الديمقراطيّة " في أزمة " لأنّه هناك كثرة منها ( كروزيى و آخرون 1975). هناك الكثير و الكثير من المطالب من الأسفل، و الكثير و الكثير من الإحتجاجات في المدن ، و الكثير و الكثير من عدم افستقرار في الحكم . و إثر محو الإصلاحات الإجتماعيّة المكتسبة في ستّينات القرن الماضي ، عبر قوّة عنف الليبراليّة الجديدة خلال حكم ريغان و تاتشر ، وجدت الديمقراطيّة نفسها مرّة أخرى في " أزمة " لأنّ الليبراليّة الجديدة حقّقت أهدافها : كان الفقراء يعرفون الجوع و يعيشون في الشوارع بينما تجنّب ذوو الإمتيازات أيّة و كلّ قيود الحياة الجماعيّة ( بيلاه و آخرون 1985 ؛ بوتنام 1995) . كانت ديمقراطيّات الرأسماليّة المتقدّمة تنافسيّة و مؤمنة بالفردانيّة و متقطّعة . و علاوة على ذلك ، كانت بصفة متصاعدة غير ناشطة في المجال العام ، مبيّنة أنّ شرعيّة النظام الإنتخابي كانت مهدّدة بالمشاركة المنخفضة في الانتخابات و بالفساد عبر الإرتباط بدولارات الشركات ( ناس 2005 ) . و مجدّدا ، كانت الديمقراطيّة في نوع مختلف من " الأزمات " ، أزمة تظلّ مرتبطة وثيق الإرتباط بأزمات الديمقراطيّة المشخّصة بالخارج ( موجاب و كربنتار 2011) .
و وفّرت أحداث 11 سبتمبر تأويلا آخر لأزمة الديمقراطيّة . و حسب إدارة بوش و حلفائه ، سمح نقص الديمقراطيّة في الشرق الأوسط لإيديولوجيا أصوليّة بالتفشّى دون مراقبة، وبها الآن تصطدم " الحرّيات " التي كسبت بمشقّة بفضل الديمقراطية الرأسماليّة. و دفع هذا النظم اللاديمقراطية جوهريّا ضد الدول الحرّة و الديمقراطيّة ( هنتغتون 1996) . و برز هذا في المدّة الخيرة في حروب و عمليّات إحتلال شُنّت بنيّة " إرساء الديمقراطيّة " خارج القوى الرأسماليّة المركزيّة لأوروبا و أمريكا الشماليّة ، و عبر هذا المشروع الديمقراطي الإمبريالي ، و هذه الحروب تحقّق تخفيف الضغط على ربح رأس المال و الأسواق و العمل . ( بريكمزنت 2007؛ وود 2006) . و مثلما تمّت الإشارة إليه على نطاق واسع ، من الكاشف و الباعث على السخرية أنّ حقوق النساء و حرّياتهنّ ، خاصة ، صارت إشكاليّة نسبة إلى حاجيات هذه الإمبرياليّة ( موهنتى 2006 ؛ موجاب 2009 ؛ ريلاي و آخرون 2008 ؛ ستابيل و كومور 2005؛ زنغاتا 2007 ). و تحوّل " أزمة الديمقراطية " هذه المدفوعة من طرف الإمبرياليّة ، بعيدا عو واقع البطرياركيّة و الأزمة الرأسماليين و تحديدا " لم تكن الأزمة قط إستثناءا للقاعدة بالنسبة للموضوعات و الجمعيّات البديلة ؛ بالأحرى ، كانت حكم أغلبيّة الإنسانيّة حول العالم طوال على الأقلّ 500 سنة ، حتّى وإن حجبت نخب متنوّعة بنجاح إضطهاد و هيمنة بإستخدام مفاهيم متغيّرة كمفهوم " التحرّر" . ( برونر و آخرون 2013: 268) .
و مرّة أخرى ، على ظهور النساء تبدأ إيديولوجيا الديمقراطية الرأسماليّة الإمبرياليّة في التصدّع تصدّعا مفتوحا . فالإشكال الأكثر راديكاليّة يظهر للنوسيّات مع مشاكل الديمقراطيّة البرجوازيّة في الردّ النسوي على الإمبرياليّة . فمثلا ، لقد ميّز الجدال الدائم حول المنظّمات غير الحكوميّة ظهور هذا النقد ( فُنك 2006 ؛ جاد 2004 ، موجاب 2007 ). و يتداخل النقد النسوي للإمبرياليّة و الإستعمار مع ، لكنّه مختلف عن ، نقد النسويّة كإمبريالية ( آموس و برمار 1984 ؛ موهانتى 1988). بالأحرى في العقد الخير و نصف العقد ، أعادت الأكاديميّات النسويّات إحياء إشتباكهنّ مع العلاقات بين الاحتلال وإنتزاع الملكيّة و العنف و الإمبريالية و إيديولوجيا الديمقراطيّة ( بتلار 2006؛ كوكبورث 2007 ؛ سميث 2005، 2006).
بحدّة أظهر فرض الإمبريالية للحرب الدائمة إلى السطح أزمات الديمقراطيّة المترجمة في أشياء تشغل بصورة عميقة النسويّات : الفقر المدقع ، البطرياركيّات الأصوليّة ، الأعمال الفاحشة ضد النساء و الأطفال و تدمير الكوكب و العنف و الشبقيّة عديمة الحسّ و الاحتلال و إنتزاع الملكيّة ـ و القائمة طويلة . و الطبيعة الحقيقيّة للأزمة كما عاشها مليارات البشر على الكوكب ، عادة ما تحجب في الجدال حول الديمقراطيّة و لا تحمّل هذه الأخيرة مسؤوليّة ظهور هذه الشكال من العنف. و الديمقراطيّة ، كمثل أعلى سياسي ، يقصد بها تقديم شيء أكثر إنسانيّة من بربريّة الحكم المطلق أو حكم الطغاة . و مع ذلك ، الديمقراطيّة أمر قار غير مزعج يحمل معه دائما ، رغم الصعاب ، أفضل النوايا . فغالبا ما يبدو تصوّرنا للديمقراطيّة مبتورا في علاقة بهذا الواقع وهو ما أشار إليه تزيزاك على أنّه " منع التفكير " (2002: 167 ) . تصوّروا أنّكم تواصلون وخز أصابعكم بشوكة و تشرحون هذا بالمحاججة بأنّه ليس من طبيعة الشوكة أن تكون حادة وهي لا تريد ذلك حقّا .
و في ما يلى ، آمل أن أساهم في تفكيك هذا " المنع " ، لا سيما صلب النظريّة النسويّة ، بتقديم النقد الماركسي الكلاسيكي و الحيوي للديمقراطيّة البرجوازيّة . مشروحة من خلال خوضه في مفاهيم مثل الحرّسة و المساواة و الحقوق و الديمقراطيّة البرجوازيّة ، المعروفة أيضا بالديمقراطيّة الرأسماليّة ، يتبيّن أنّ لها صلة داخليّة معقّدة مع الرأسماليّة . و يعزى هذا إلى الخصوصيّة التاريخيّة لنمط الديمقراطيّة الذى ظهر ليس من قبيل الصدفة مع الرأسماليّة إنطلاقا من القرن السابع عشر . و في حين أنّ البعض يحاجج بأنّ الديمقراطيّة مفهوم قديم (démokratia في اليونان القديمة démocratia في اللاتينيّة و démocratie في الفرنسيّة منذ القرون الوسطى ) و أنّ أنماط التفكير هذه مميّزة للحظاتها التاريخيّة و أشكال الإمبراطوريّة ( وود 2003 ) . أكثر ما نهتمّ به هنا هو ما صار معروفا بالديمقراطيّة الليبراليّة ، الديمقراطيّة التي ظهرت عقب إنهيار الإقطاعيّة في أوروربا و تركيز ، عبر قرون من الثورة ، الدولة البرجوازيّة . و إثر عرض موجز لنقد ماركس ، سأراجع بعض النضالات الأولى ضمن الدولة البرجوازيّة و ضدّها و التي خاضتها النسويّات لأجل فهم أفضل لحدود هذا الشكل الديمقراطي نسبة للمشروع النسوي الثوري . و أنهى ببعض الأفكار بخصوص الممارسة النسويّة .
نقد ماركس للديمقراطيّة البرجوازيّة
من أجل تفصيل القول في نقد ماركس للديمقراطيّة البرجوازيّة ، يجب أن نركّز إنتباهنا على مفاهيم جوهريّة هي : الحرّية و المساواة و الحقوق المتداخلة و توضيحها . و مع ذلك ، من المهمّ أن نتذكّر أنّ نقد ماركس للديمقراطيّة البرجوازيّة ليس جهدا منفصلا . لقد ظهر العمل خلال سعيه لهدفه الأوسع ألا وهو إدراك مجمل العلاقات الإجتماعيّة في ظلّ الرأسماليّة . و النطاق السياسي الذى نصفه ب " الديمقراطيّة " و " الدولة " مهمّتان لهذه المجموعة كفهم أيّة علاقة أخرى ، مثل سير القيمة و العمل أو العلاقات بين الإنتاج و إعادة الإنتاج . و هكذا ، لا يمكن فهم نقد ماركس للديمقراطيّة بعيدا عن نقده للرأسماليّة و جملة العلاقات الإجتماعيّة البرجوازيّة . و ينطلق النقاش التالى هنا من توضيح أكثر نوعا ما لمنهج ماركس في الخوض في أنماط الفكر الديمقراطي قبل المواصلة مع منهجه في تفحّص هذه الأنماط من الوعي في علاقة بالواقع المادي الفعلي للعلاقات الإجتماعيّة و تشديده على تسليط الضوء على تناقضات غير ممكنة الحلّ بين الديمقراطية والرأسماليّة.
و ننظر في إنكباب ماركس على دراسة مشكل الديمقراطيّة من خلال بحث أوسع لطبيعة و فرضيّات و إستعمالات ما يُشار إليه على أنّه " أنماط فكر برجوازي " . و العديد من هذه الأنماط هي تلك التي رآها تظهر في إطار الإنتقال من الإقطاعيّة إلى الرأسماليّة و إرتبطت بأشكال جديدة من الديمقراطيّة و تشكّل الدولة العلمانيّة ؛ و هذا يشمل مفاهيما كالحرّية و المساواة كأنماط مؤسّسة للتنظير للديمقراطيّة و المواطنة التي هي أيضا مفاهيم مؤسسة للنظريّة السياسيّة النسويّة ( بارات 1987 ). لقد رأى ماركس هذه الأنماط على أنّها مرتبطة جدليّا الواحد بالآخر ، و بحث عن فهمها من خلال سيرورة نقديّة ؛ و عادة ما يأتي تحليله في شكل نقد لمقترحات سياسات أو تأويل تاريخي و في إطار إنخراطه في النقاشات الدائرة في صفوف الإشتراكيّة الأوروبيّة . و من أهمّ أعماله بصدد الديمقراطيّة ، عملين هما : " حول المسألة اليهوديّة " (1978) في 1843 و " نقد برنامج غوتا " (1970) في 1875 ، مميّزة لهذه المقاربة .و يكتسى دلالة هامة أنّ إنتباه ماركس بمسألة الديمقراطيّة جاء نتيجة إنخراطه النشيط في النضال من أجل تحقيق ديمقراطيّة ثوريّة . و شمل منهجه تبنّى الفهم الشائع لهذه الأنماط كمفهوم المساواة أمام القانون ، في تضارب مع العلاقات الماديّة التي رأى أنّها تفعل فعلها في المجتمع المدني. لقد شرح ماركس وإنجلز هذا المنهج المادي التاريخي على النحو التالى في " الإيديولوجيا الألمانيّة " :
" الإنطلاق لا يتمّ ممّا يقوله البشر ، و يتوهّمونه ، و يتصوّرونه ، و لا ممّا هم عليه في أقوال الغير و فكرهم و تخيّلهم وتصوّرهم ، كي يتمّ الوصول فيما بعد إلى البشر الذين من لحم و دم ؛ لا ، بل يتمّ الإنطلاق من البشر في فعاليّتهم الواقعيّة؛ وإنّ تصوّر تطوّر الإنعكاسات والأصداء الإيديولوجيّة لهذا التطوّرالحياتي يتمّ إنطلاقا من تطوّرهم الحياتي الواقعي أيضا ." ( 1968 : 37-38 ؛ بالعربيّة " الإيديولوجيا الألمانيّة " ، مصادر الإشتراكية العلميّة دار دمشق ، صفحة 32 ).
و على هذا النحو إستطاع أن يكتشف كيف أنّ هذه الأصناف أو الأنماط لا تفسّر ما كان يحدث في الحياة اليوميّة بل بالأحرى كيف كانت تحجب فهمنا لواقع الظروف و العلاقات الإجتماعيّة . و هكذا ، في هذا العمل ، صنف من مثل " اللامساواة " يبرز عبر علاقته بنقيضه ، " المساواة " و عبر علاقته بالأصناف الأخرى ك " الحرّية " و" الضرورة " . و هذه الشبكة من التناقضات بين السياسي و المادي هي الإطار المفاهيمي لنقد ماركس .
يجب ان ننطلق من الحياة كما يحياها عمليّا الناس في ظلّالرأسماليّة . و يستخدم ماركس مفهوم " المجتمع المدني " ليحيل على هذا الواقع ( المصدر السابق ) (1) . و في المجتمع المدني ، يواجه الناس بعضهم البعض كمنتجين و مستهلكين و مالكين للسلع منظّمينمن أجل الإنتاج بواسطة تقسيم إجتماعي للعمل و إستغلال فائض القيمة . و ينخرطون في علاقات إنتاج و إعادة إنتاج منسّقة ليست لها قيمة إجتماعيّة ، سياسيّة أو ماديّة متساوية . و هذه العلاقات المنسّقة منظّمة عبر أشكال إجتماعيّة كالجندر و العرق و القدرة و الدين و هلمّجرّا . و التشكيلة الإجتماعيّة الناجمة عن ذلك منقسمة بعمق و عنيفة بعمق و مرتبطة إرتباطا وثيقا بالقدرة الفرديّة لكلّ شخص على الإزدهار و البقاء على قيد الحياة . يصبحون " أحرارا " للعيش من خلال ضمانات الدولة الديمقراطية البرجوازيّة .
و هذا المفهوم للمجتمع المدني ليس مجرّد كيان سياسي كما هو في خطاب اليوم ، و إنّما هو كيان ماديّ قائم على علاقات إنتاج و إعادة إنتاج . و المهمّ بشأن مفهوم ماركس للمجتمع المدني هو أنّه يذكّرنا ، حتّى قبل أن نشرع في عرض أصناف/ أنماط الديمقراطية، بأنّ مجموعة من العلاقات الإنسانيّة القائمة ليست فقط لامتساوية بل هي مؤسسة على اللامساواة . صلب الرأسماليّة ، طريقة توجّهنا إلى تلبية حاجياتنا الماديّة و البقاء على قيد الحياة لا يمكن أن تكون سيرورة متساوية لأنّها منظّمة لإيجاد لامساواة و لخصخصة تلك اللامساواة . و بالفعل ، نشأت الرأسماليّة بفعل اللامساواة ، في شكل ملكيّة خاصة ، في المقام الأوّل ، و لدينا الكثير من الدلائل التاريخيّة لإقتراح أنّ الرأسماليّة كتشكيلة تاريخيّة كانت قادرة على الظهور فقط من خلال توظيف الأشكال الموجودة و الجديدة للبطرياركيّة و العنصريّة و افخضاع العنيف ( فريدريتشى 2004 ؛ ميس 1986 ؛ لينبوغ و رودكار 2000). و تتمادى في ذلك منمّية أكثر تكثيف لامساواتها . تاريخيّا و في واقعنا الموضوعي ، لا ننطلق من موقع مساواة. و هكذا ، يجب على أيّ نقاش للديمقراطيّة و أيّة نظرة سياسيّة أو خرج ـ الاقتصاد بشأن المساواة، أن تقف في تناقض مع المجتمع المدني الرأسمالي ، نمط عيش كريه الرائحة متميّز باللامساواة في كلّ وجه من أوجه التنوّع الإنساني .
أنشِأ المفهوم البرجوازي للمساواة على مفاهيم " الحرّية " ، " الفرديّة " و " الحقوق " ؛ في ظلّ المقوّمات الكلاسيكيّة للفكر البرجوازي، " حرّيت" نا تجعلنا متساوين بما أنّ هذه الحرّيات حقوق طبيعيّة للذين نصفهم بأنّهم " بشر ". و للحرّية هنا مفاهيم متعدّدة . من جهة ، تحيل على نوع من الحرّيات التي عادة ما نلصقها بالديمقراطيّة البرجوازيّة و التي يمكن نعتها ب " نظام الحقوق " . و هذه حرّيات شكليّة ، توفّرها و تضمنها الدولة وز تتحقّق عبر الجهاز التشريعي . فالفصل الأوّل من دستور الولايات المتّحدة وثيقة ثوريّة زمن صياغته ، وهو قائم على أهمّ هذه الحرّيات : التعبير و الفكر و التنظّم و الدين و التواصل ( الصحافة ) و رفع العرائض . و مبدأ إستصدار مذكّرة جلب أو حقّ في نفسك يجعلك حرّا من التدخّل الإعتباطي و الطغياني للدولة . الفرد في آن معا موضوع هذه الحقوق و هدفها و " الاجتماعي " ، حينما يرتأى ، يعتبر مجموعة أفراد ، على غرار الحقّ في تكوين الجمعيّات و قدر كبير من نضال المضطهَدين في إطار الديمقراطية البرجوازية و ضدّها كان من أجل التمتّع بهذه الحقوق أو توسيعها ، إنطلاقا من تلك التي تحفظ في قدسيّة فقط الإستقلال الذاتي تجاه تلك التي تضمن بعض أشكال الرفاه الاجتماعي ( مرشال 1950) . و عدد معتبر من هذه المسمّاة حقوقا إجتماعيّة لم تظهر تاريخيّا إلى القرن العشرين و قد لعبت دورا حيويّا في قدرة الرأسماليّة على وضع قناع على آليّاتها الداخليّة الخاصة للإستغلال و الإضطهاد .
و قد حاجج ماركس (1967 ) أنّ أشكالا أخرى من الحرّية موجودة في المجتمع المدني و منها حرّية العمل ؛ العمل المتحرّر من الروابط و الإلتزامات بأرض أو شخص . في هذا النوع من الحرّية ، العمل سلعة و يمكن أن يتحرّك ، نظريّا ، عبر السوق كما يحلو له . و هذا الصنف من الحرّية شرط مسبّق للعمل في ظلّ الرأسماليّة و ينشأ عن التداعى التاريخي للإقطاعيّة و سيرورات المراكمة البدائيّة . و في ظلّ ظروف نظام إقطاعي ، يفتقد الفلاّحون الحرّية الفرديّة فهم غير أحرار في البحث عن مصالحهم الخاصة ، و لا يملكون حرّية التنقّل ـ لا يمكن لهم مغادرة أراضى سيدهم الإقطاعي ( وود 2012).
و بموجب الولاء و المراسيم ، يملى عليهم أن يفلحوا أراضي سيّدهم لإنتاج الغذاء و بعض السلع من أجل التبادل و، بالمقابل، يمكن أن يتوقّعوا تفاهة تموين حاجياتهم للغذاء و السكن و الرفاه . و سيرورة العمل المتحوّلة من هذا النوع من " اللاحرّية" إلى حرّية ـ أي حرّية التنقّل و العمل كما يحلو لهم ـ جاء نتيجة مصادرة عنيفة لوسائل العيش التي أشار إليها ماركس على أنّها " المراكمة البدائيّة "( ماركس 1967 ). و يتمّ تمييز هذه السيرورة بإعتبارها ولادة لحرّية اللاتقيّد، المراكمة البدائيّة، وهي سيرورة تاريخيّة جارية ، لتمزيق علاقة الناس بالأرض و بالمجموعة و بالقدرة على إعادة إنتاج حياة المرء خارج علاقة الأجر . ( هرفاي 2010) . و هذا تركيز عنيف لشكل آخر من الحرّية : حقّ الملكيّة الخاصة . و بكلمات أخرى ، لكي يكون العمل " حرّا " ، يجب كذلك أن تتمّ عمليّة حرمان من وسائل الإنتاج و القدرة على الإكتفاء الذاتي ؛ و هذا الضرب الثاني من الحرّية المتصّلة صلة وثيقة ب " الرجل الحرّ " ، هو أيضا شكل من اللاحرّية . فيمكن أن تكون حرّا في العمل لكن ليس في الحياة . وهذا الشرط من اللاحرّية هو ما يحيل عليه ماركس على أنّه " الضرورة ".
و يبرز تناقض هام : عبر نوع الحرّية الضروريّة للإنتاج الرأسمالي ، نمسى " لامتساوين " في الحياة اليوميّة و مع ذلك تضمن لنا الديمقراطيّة أن نصبح جميعا متساوين من خلال مكانتنا السياسيّة تجاه الدولة ، ك " مواطنين " . لكن ماذا يعنيه هذا التناقض ؟ هل يعنى أنّنا شخصان في واحد ؟ أنّنا غير أحرار في عالم العمل المأجور ، أحرار فقط للتنقّل بين أشكال متنوّعة من العنف و الإستغلال ؟ أنّ هذا المجال من " الخاص " ، من الملكيّة و السلع و المال ، حقل من اللاحرّية بينما في المجال " العام " من الديمقراطية ، كلّنا شكليّا متساوون الواحد مع الآخر ؟ و ببساطة هذا لا معنى لكوننا يجب أن نكون شخصين في واحد، لا سيما عندما نأخذ بعين الإعتبار أنّ هذه " اللاحرّية " في الرأسماليّة متميّزة على أنّها" حرّة ": حرّية الإختيار ، حرّية التنقّل ، حرّية التحرّك كما نرغب في ذلك بواسطة المال .
و هذا النوع من تجزئة الإنسان و العالم الاجتماعي لا يمكن أن يتحقّق عبر الإيديولوجيا ( بزجى 1995 و أنظروا فصلنا السابع من هذا الكتاب ) . و قد حاجج ماركس المرّة تلو المرّة أنّ " مساواة " الحرّية السياسيّة لا يمكن أن تنفي لامساواة الحياة الماديّة ما يعنى أنّ لا قدر من الحرّية يمكن أن يعالج التعارض المحوري بين الحرّية السياسيّة و اللاحرّية الماديّة . و هذه " الحرّية " هي حرّية التطلّع إلى أن تغدو رأسماليّا . إعادة صياغة ماركس الجذريّة لهذا التناقض هي المحاججة بأنّ مساواة الحرّية السياسيّة تفترض للامساواة الماديّة و تضمن تواصلها . و قد حاجج ماركس في " حول المسألة اليهوديّة " أنّ " تلغي الدولة فرق الأصل و المكانة الاجتماعية و المهنة بطريقتها حين تقرر أن الأصل و المكانة الاجتماعية و المهنة هي فوارق غير سياسية، و حين تعلن دون مراعاة لهذه الفوارق عن كون كل فرد من أفراد الشعب مشاركا متساويا في السيادة الشعبية إذا ما تعامل مع جميع عناصر حياة الشعب الحقيقية من وجهة نظر الدولة. و مع ذلك تترك الدولة الملكية الخاصة و التأهيل و العمل تؤثر على طريقتها الخاصة، هذا يعني كملكية خاصة و تأهيل و عمل، مؤكدة طبيعتها الخاصة. إنها بعيدة كل البعد عن إلغاء هذه الفوارق، بل أنها توجد فقط في ظل هذه الشروط . " ( 1978: 33 ، التشديد في النصّ الأصلي ؛ بالعربيّة : " حول المسألة اليهوديّة " بموقع الحوار المتمدّن ، مركز دراسات و أبحاث الماركسيّة و اليسار ، الصفحة 5) .
و حجّته مزدوجة : لا تخلق الديمقراطيّة البرجوازيّة المساواة و لا يمكنها أن تخلق مثل هذه الظروف . في سيرورات خلق المساواة الشكليّة المعروفة ب " المساواة أمام القانون " ، علاقات اللامساواة في المجتمع المدني يعاد التأكيد عليها و ترسى على أنّها مكوّنات " طبيعيّة " للحياة الإجتماعيّة و مكوّنات لا يمكن رؤيتها من ما يسمّى بالقوانين القسريّة للتنافس . و لا يشمل هذا علاقات الإنتاج الماديّة فحسب بل أيضا العلاقات الإجتماعيّة بما فيها السيرورات العرقيّة و الجندريّة ( لويى 1996 ) . و لهذا السبب تبقى عديد مطالب النسويّات بالمساواة دون إجابة ؛ ليس بوسع الديمقراطيّة البرجوازيّة أن تعدّل السير الأكثر حيويّة و الأساسي لرأس المال ، ألا وهو قدرته على الخوصصة و المراكمة و إعطاء قيمة للعمل بوساطة العلاقات الإجتماعيّة العرقيّة و الجندريّة . بصيغة أخرى ، النوع الوحيد من المساواة الذى يمكن أن توفّره الديمقراطيّة البرجوازيّة ، في إطار العلاقات الإجتماعيّة الرأسماليّة ، هو المساواة في مجال العلاقات المجرّدة الشكليّة .
و الأداة الرئيسيّة لفرض هذه المساو المجرّدة الشكليّة هي مفاهيم " الحقوق ". فنظام الحقوق المرافق للديمقراطية البرجوازيّة، كلّ من تلك التي نفهمها على أنّها إيجابيّة ( حرّية القيام بشيء ) و السلبيّة ( حرّية من شيء ) ، وصفه ماركس كلاسيكيّا في " نقد برنامج غوتا " (1970) ك " حقوق في اللامساواة " . و في " حول المسألة اليهوديّة " (1978) ، يتمعّن ماركس في التساؤل عن ما هي بالضبط هذه " الحقوق " التي تحدّد المواطنة البرجوازيّة . و إجابته هي أنّ ما يسمّى ب " حقوق الإنسان " التي لا تقبل التغيّر و الطبيعيّة هي في الواقع حقّ الوجود كفرد أناني في مجتمع مدني .
و هذه الحقوق التي نلحقها كلاسيكسيّا بالليبراليّة كحقوق " سلبيّة " ، هي حقوق " حرّية من شيء " : حقوق المساواة و الحرّية و الأمن و الملكيّة . إنّها تحمى المواطن من تدخّلات مواطنين آخرين و من الدولة . و بالنسبة لماركس ، هذه التعبيرات القانونيّة للعلاقات الإجتماعيّة لنمط الإنتاج الرأسمالي ، مثل حقّ الإنفصال عن الآخرين في مجتمعكم ( تقسيم العمل ) . حق إقتناء و تملّك ( ملكيّة خاصة ) ، و حقّ التركيز على المصلحة الخاصة . و مثلما يحاجج بصورة إستفزازيّة تزيزاك في موضوع التعبير العالمي عن العلاقات السياسيّة القانونيّة أي حقوق الإنسان :
" كما تبيّن بشكل واسع تجربة مجتمعنا الليبرالي المتسامح ما بعد السياسي ، حقوق الإنسان هي في النهاية ، و لبّها ، ببساطة حقوق تجاوز الوصايا العشر . " حقّ الخصوصيّة " ـ حقّ الزنا ، في السرّ ، حيث لا يرانى أحد له حقّ تحقيق في حياتي ـ و" حقّ البحث عن السعادة و حيازة ملكيّة خاصة " ـ حقّ السرقة ( لإستغلال الآخرين ) ـ و" حرّية الصحافة و التعبير عن الرأي " ـ حقّ الكذب ـ و " حق المواطنين الأحرار في إمتلاك أسلحة " ـ حقّ القتل . و في النهاية ، " حقّ الإعتقاد الديني " ـ حقّ تقديس آلهة زائفة . ( 2001: 110 ).
و في نفس وقت ظهور هذه الحقوق لتحسين اللامساواة في المجتمع المدني ، حجّة ماركس هي أنّها عمليّا تؤكّد اللامساواة و التناقضات الطبقيّة للمجتمع المدني . وعلاوة على ذلك ، هي في علاقة تناقض مع تعبيرها كحقوق مشتركة للمجتمع السياسي ؛ إنّها موجّهة تماما إلى فصل الأفراد عن بعضهم البعض داخل المجتمع . و حاجج ماركس بأنّه في إطار الحقّ البرجوازي ، " ما أبعد أن يكون الإنسان قد اعتبر فيها كائنا نوعيا بل تبدو حياة النوع نفسها، المجتمع، كإطار خارجي للأفراد و تقييد لاستقلالهم الأصلي. والرابطة الوحيدة التي تمسك بها هي الضرورة الطبيعية، الحاجة والمصلحة الخاصة" (1978 : 48 ؛ بالعربيّة : " حول المسألة اليهوديّة " بموقع الحوار المتمدّن ، مركز دراسات وأبحاث الماركسيّة واليسار، الصفحة 12). و بهذه الطريقة ، المفاهيم البرجوازيّة للمواطنة و الحقوق تقلّص المجتمع الإنساني إلى مفهوم مجتمع سياسي هدفه فقط حماية هذا الحقّ الخاص في مراكمة و إعادة إنتاج العلاقات الإجتماعيّة للرأسماليّة . لكن مرّة أخرى ، مفاهيم المواطنة و الحقوق هذه تستند إلى الوجود الفعلي لعلاقات المجتمع المدني. و هذه " الحقوق الطبيعيّة " للمواطن هي عمليّا " الاعتراف بالحركة غير المقيدة للعناصر العقلية والمادية التي تشكل محتواها." ( المصدر السابق : 45 ؛ بالعربيّة : " حول المسألة اليهوديّة " بموقع الحوار المتمدّن ، مركز دراسات وأبحاث الماركسيّة واليسار، الصفحة 14) .
و قد أشار ماركس إلى هذا الشكل من المساواة ك تحرّر سياسي و بينما تعدّ هذه الحرّية واقعا هاما في حياة الناس ، لا ينبغي خلطها مع تحرير الإنسانيّة أو التحرّر من الضرورة . و هذا التمييز في منتهى الأهمّية ؛ عندما يمزج مع تحليل ماركس لنمط الإنتاج الرأسمالي ، يمكّننا من رؤية المزيد من كيف أنّ التحرير السياسي هو حدّ الحرّية في ظلّ الرأسماليّة. و في المجتمع المدني ، يتشارك الأفراد في الإنتاج في إطار علاقات اللامساواة الناجمة عن الملكيّة الخاصّة و تقسيم العمل و مراكمة رأس المال . و الدولة غير قادرة على إلغاء هذه اللامساواة من خلال آليّة المواطنة تحديدا لأنّ الدولة توجد في المصاف الأوّل لضمان هذه العلاقات و تنهض الدولة جرّاء هذه التناقضات في المجتمع المدني ، و ليس العكس كما يحاجج هيغل . ( كالينكوس 1999) . كيف يمكن للديمقراطيّة البرجوازيّة أن تضمن حقّ الملكيّة الخاصة و حقّ المراكمة و في نفس الوقت تضمن حقوق الحياة و الحرّية و البحث عن السعادة ؟ هذا غير ممكن لأنّ حقّ الحياة في هذا أفطار يصبح في حدّ ذاته مخصّصا ؛ فالبعض فقط لهم إمكانيّة إمتلاك الظروف الماديّة للعمل في حين أنّ آخرون لا يملكون سوى العمل . و هكذا ، لا يمكن للديمقراطيّة إلاّ أن تلغي اللامساواة نظريّا أو تجريديّا ، شكليّا . ليس ممكنا أن تفكّك كيفيّة بناء اللامساواة في الطرق التي ينظّم بها الإنتاج و تنظّم بها الحياة الإجتماعيّة دون ديمقراطيّة ثوريّة تهدف إلى تحقيق تحرير الإنسان أو نوع من الحرّية التي تنفى الضرورة . لهذا السبب ، من تناقضات الديمقراطيّة البرجوازيّة نرى أنّ التحرير السياسي يتطوّر كحدّ للحرّية داخل المجتمع الرأسمالي . و بالأحرى لهذا السبب أشار أجيال من الماركسيين إلى الديمقراطية البرجوازية على أنّها " دكتاتوريّة البرجوازيّة " .
النضالات النسويّة من أجل الحرّية ضمن الديمقراطية البرجوازية و ضدّها
دون هذا النقد للديمقراطيّة البرجوازيّة ، عملت النسويّات بلا كلل كيما تنحت مساحة للتحرّر السياسي للنساء في إطار العلاقات الديمقراطية البرجوازيّة . و هذه النضالات ضمن الدولة الديمقراطية البرجوازية و ضدّها كانت متنوّعة و معقّدة و عنيفة و طويلة . و رغم المكاسب المحرزة في عديد الأماكن لكن ليس عالميّا ، في ما يتصل بالإنتخابات ، تستمرّ النساء في النضال ضمن الديمقراطية و خوض نضالات عديدة يبدو أنّها " غير قابلة للكسب ": الأجور ، التحكّم في الإنجاب ، مناهضة العنف . و عندما تتمّ المصادقة على تشريع يظلّ بإستمرار تحت التهديد ـ مثل إتفاقيّة مناهضة العنف ضد النساء في الولايات المتحد ـ و التمتّع بالإجهاض و حقوق التحكّم في افنجاب لا تزال عائقا مربكا للنساء عبر العالم . و تظلّ أجساد النساء موضوعا لنقاش إيديولوجي عميق في أروقة الديمقراطية و مجالا للعنف في المجتمع المدني . و بالرغم من هذا الواقع ، فإنّ التنظير النسويّ السائد للديمقراطية ترك إلى درجة كبيرة هذا المجال دون مساس ، مخيّرا الإستثمار في الديمقراطيّةو البرجوازيّة كسيرورة من خلالها مثل هذا العنف يمكن أن توضع له نهاية . و عرض مقتضب لبعض هذه المجالات من الإشتباك بين النسويّة و النظريّة الديمقراطيّة تكشف واقع هذه الحدود .
لقد كان هدف النضال السياسي الأساسي للنسويّة المعاصرة الحصول على إعتراف دولة الديمقراطيّة البرجوازيّة بالنساء كمساويات أمام القانون ، تتمتّع بنفس حقوق الرجال و واجباتهم . و مع ذلك ، يدلّ البحث التاريخي النسوي أنّ النساء قد صارعن بعنف لمقاومة تعزيز العلاقات الإجتماعيّة البرجوازيّة و ترجمتها حصريّا إلى أشكال ديمقراطيّة ( فردريتشى 2004 ). و قد وُزّعت مكانة " المواطنة " مع مرور الزمن على أساس إنتقائي و غير تام بما يخدم توطيد العلاقات العنصريّة و الطبقيّة ضمن النساء و بينهنّ . و قد جدّ هذا النضال الأساسي في أوروبا و مستعمرات الكومنوالث في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر في سياق فكر عصر التنوير بشأن النساء ، و قد إمتدّ هذا النضال من الموقف الجذري حقّا إلى الموقف الإصلاحي و الموقف القمعي . و بينما شملت المرحلة التاريخية للتنوير تفكير البعض في قضيّة مكانة المرأة و المساواة الممكنة و عقد نقاشات بارزة حول مواضيع من مثل تعليم النساء و الانتخابات و تشريكهن في المجال العام ( إسرائيل 2001 ) ، فيجب فهم أنّ هذه النقاشات حول التحرير الممكن قد طُبعت بالضرورة بطابع طبقي و عرقي في علاقة بالسيرورات الاجتماعية للمراكمة و إنتزاع الملكية المتناسبة معها في المناطق الريفيّة لأوروبا و كذلك العبوديّة المنقولة و الإبادات الجماعيّة للسكّان الأصليين لأمريكا و أفريقيا و آسيا و الإبادة الواسعة النطاق لنساء أوروبا المعروفات بأنّهنّ " مطاردات كساحرات " ( فردريتشى 2004 ). و في الوقت نفسه ، ناقش ذلك المجتمع المؤدّب " تمكين " نخبة النساء ، فيما أرهب و سرق و إغتصب و أباد و إستعبد نساء حول العالم ( لينبوغ و ريديكار 2000).
و قد مثّل هذا الصراع السياسي الذى قد يُفهم على انّه صراع لكسب التمتّع بهذا " النظام من الحقوق " المضمون من طرف الدولة ، مثّل مكوّنا كبيرا من النضال النسوي داخل الديمقراطيّة . و في حين شمل حقّ الإقتراع أجزاء هامة من هذا النضال، لا يمكن إختزال النضال برمّته فيه . فقد كانت و لا تزال حقوق الملكيّة مجال لوبيّات له دلالته ، و أحيانا سابق في تاريخه لتحرير النساء ( لبسوك 1977) . و كذلك ناضلت النساء لكسب التمتّع بالمساواة في الحماية في ظلّ القانون ـ مثلا ، بالنظر إلى التمييز و الهرسلة في أماكن الشغل ، و الخصوصيّة ، و الأجور و العنف ؛ و بالمساواة في المعاملة كمستهلكات ( على سبيل المثال من قبل مقدّ!مي الخدمات الصحّية ) . و في إطار منطق الحقوق ، يتّخذ هذا النضال من أجل الحرّية طابعا سياسيّا تماما . فهو يبحث عن إرساء المظاهر الماديّة و الثقافيّة للأنوثة على أنّها إختلافات غير سياسيّة بما يعنى بناء الأنثوي كنوع من الخطأ في الوعي الذى يشعر فقط باّنه مهدّد . هذا هو المشروع الكلاسيكي للنسوية الليبرالية ( ماك كينون 1983).
و إلى جانب هذه النضالات من أجل الإعتراف السياسي ، ناضلت النساء أيضا في سبيل كسب التمتّع بمجالات السياسة البرجوازيّة و السلطة افقتصاديّة . و بينما هذه الجهود مترابطة ،بما أنّ النساء قد كسبن حمايات من الدولة من أجل ضمان قدرتهنّ على المشاركة في مراكمة رأس المال ، الكثير من العناية النسويّة بالتنظير للديمقراطيّة قد ركّزت على مشكل بلوغ مجالات التأثير . و قد ساهمت النظريّة النسويّة بقدر كبير في تفكيك السيرورات و الإجراءات التي عبرها تنظّم الديمقراطية و تدار و قد كشفت بدقّة السير الخبيث للبطرياركيّة في كلّ شيء من بلوغ النساء الوظيفة السياسيّة و تصوّرها الشعبي كقادة للتقارير و للتفاعلات الخطابيّة في المداولات و النقاشات التي تخدم تهميش تجارب النساء و الآفاق و الكلمات ( فليبس 1998) ، و صياغة مضتدات العام ( فوازر 1990) و تطوير إطارات الإدماج و المشاركة ( يونغ 1989، 2000) ، و الإقتراح النسوي لدولة الرفاه ( سرقاسي 1992) ، و توسيع حدود مفاهيم " المشاركة " ( سباركس 1997 ) ـ كلّ خطوط التفكير النسويّة هذه إرتأت طرقا لكسب النساء السلطة و بلوغها ضمن الهياكل الديمقراطية للدولة القائمة في حين حاولت ، في نفس الوقت ، التنظير لنفي الدولة البطرياركيّة ، لكن ليس الدولة كدولة . و هنا تقف النساء العاملات من أجل رؤية للحريّة إندماجيّة و تشاركيّة و عادلة و متكاملة تماما تحقّق المثل العليا للمجتمع الديمقراطي و بالفعل إمّا تفكّك التمييز على أساس الجنس كقوّة سياسيّة و ثقافيّة أو تؤكّد الإختلاف و تنشأ إستراتيجيّات للتغيير . هذه رؤية للحرّية مؤسّسة على إمكانيّة المساواة التامة و على الإعتقاد في أنّ المؤسّسات الديمقراطيّة لها القدرة على التقدّم بمثل هذا الوضع الاجتماعي . و يتمثّل الخطر الناجم عن الإنخراط في الديمقراطية البرجوازية في تقليص النساء إلى مكانة " جماعة مصالح " ( ماك كينون 1983: 642).
و كذلك خاضت النساء بصورة واسعة نضالات بصدد العلاقة بين الدولة و التحكّم في الإنجاب و قد مثّلت هذه النضالات المجالات الأكثر جذريّة في الإنخراط في الديمقراطية البرجوازيّة . و فيما هذه النضالات بعيدة النظر و مترابطة ، فهي تتفق حول نقاط كبرى . أوّلا ، النضال الجاري من أجل التحكّم في الحياة الجنسيّة الذى يشمل النضالات بشأن الإغتصاب و العنف و الخصوصيّة و العمل الجنسي و الغرابة ( كبر 1995؛ ماك كينون 1982). ثانيا ، هناك ، حروب " ثقافيّة " واسعة النطاق بشأن إعادة إنتاج قوّة العمل ، و التي أثارتها النسويّات كالنقاشات حول منع الحمل و الإجهاض و العناية الصحّية و التعقيم و ما إلى ذلك . ( مارتن 2000؛ أو براين 1981) . ثالثا ، المفهوم المعقّد جدّا لقيمة إعادة إنتاج العمل بالأخصّ طرح نقاش العمل الزائد الأجر و العمل غير مدفوع الأجر ، و الأجور مقابل العمل المنزلي ، و العمل الجنسي ، والإستحقاقات الإجتماعيّة من أجل إعادة إنتاج العمل وإعادة التوزيع و العدالة الاقتصادية ( دالا كوستا و جامس 1975 ؛ فرتوناتى 1995 ؛ ميس و آخرون 1988) . و بالرغم من فائدة تشخيص هذه المواضيع ، لهذه النضالات صلة داخليّة ببعضها البعض مثل كون جنسانيّة النساء و دورهنّ في إعادة إنتاج قوّة العمل و مساهمة إعادة إنتاج العمل في مراكمة رأس المال ، علاقات إجتماعيّة لا تنفصم ، و هكذا تشير إلى التدمير العنيف و سيطرة الدولة على أجساد النساء و وعيهنّ. إنّه في النقاش حول السيطرة على إعادة الإنتاج أين نلاحظ بأكبر وضوح حدود حرّية النساء لدى الديمقراطيّة البرجوازيّة؛ و هنا تظهر النضالات النسويّة " غير ممكنة الكسب " بأكبر قوّة .
الإنعكاسات على الممارسة الديمقراطية للنسويّة الثوريّة
يجب إنشاء نمط حياة جديد . ما يسمّى ب " المشكل العرقي " ليس مشكلا قابلا للحلّ : ليس مشكلا أصلا . إنّه طريقة وحشيّة في الحياة و إن أردنا الإفلات من قبضته كأمّة حرّة يجب تعويضه بنمط حياة جديد . و مثل هذه الحياة الجديدة تتطلّب رؤية جديدة ، فهم جديد لمعنى التجربة الإنسانيّة . ( ليليان سميث 1949 [ 1994: 173 ] ) .
لم تكن ليليان سميث نسويّة ثوريّة بل كانت إبنة عائلة من الطبقة الوسطى من البيض ، من جورجيا . و قد سعت لإيجاد مجال في قمّة جبل حيث يمكن للنساء الشابات أن تحاول تصوّر عالم مغاير ، عالم مختلف عن البطرياركيّة و العنصريّة و النظام العسكراتي للرأسماليّة الذى نحيا في ظلّه . لقد أدركت أفضل من الغالبيّة في زمنها الطرق التي بها تغدو أجساد النساء و أذهانهن ، بيضا كانت أم سودا ، جرزءا من العلاقات الداخليّة للنظام العنيف ، النظام المعروف بجيم كرو . لقد أدركت أنّ الديمقراطيّة ، أو كما كانت تسمّى، لم تكن لتتواجد مع العنف العنصري والبطرياركي الذى كانت تناضل ضدّه ـ و بالتالى أنّها لا تحيا في ظلّ ديمقراطيّة . و بالنسبة للمهتمّين بتصوّر الديمقراطيّة النسويّة الثوريّة ، ليست المهمّة ببساطة مسألة المضيّ قدما بالنقد الذى أنجزه ماركس . فالأمر يتطلّب ، مثلما تلمح إلى ذلك سميث ، إستيعابا جديدا لمعنى التجربة الإنسانيّة .
و أودّ أن أختم بإقتراح أنّ هناك عدّة مشاكل نظريّة مفاتيح ضمن النظريّة النسويّة يجب التطرّق إليها من أجل أن نتمكّن من التقدّم و ليس مجرّد إعادة تنظيم نضالات " غير ممكنة الكسب " من أجل اللاحرّية . و أوّل هذه المشاكل مشكل تحوّل أنطولوجي بإتّجاه الماديّة التاريخيّة النسويّة . و السبب الأوّل لندرة النظريّة السياسيّة النسويّة الهادفة إلى تفكيك الديمقراطيّة البرجوازيّة هو تبنّى الديمقراطيّة القائمة من خلال الصراع المستمرّ مع مفاهيمها و أصنافها . و هذا المشكل ليس خاصا بالنسويات بل هو يبعث على القلق لدى اليسار السياسي بصورة أعمّ . و بالرغم من تعبيراته الموجودة فعلا ، يظلّ بعمق خاضعا للسلطة الإيديولوجيّة لمفاهيم كالحرّية و المساواة و إدّعاءات الشرعيّة التي تطلقها الحكومة القائمة . لهذا السبب ، أشار تزتزاك إلى هذا المشكل على أنّه " الوفاء للنسويّة الديمقراطيّة " (2002 :167 ) . و المشكل الثاني هو الحاجة إلى التنظير لل" ضرورة " من موقع نسوي و لتوضيح نفي الضرورة ( أي الحرّية ) الذى سيكون في ظلّ الرأسماليّة البطرياركيّة هذا مشكل نظري شائك بيد أنّ هناك الآن عقود تاريخيّة مديدة من نضال النسويّات الماركسيّات و الإشتراكيّات . لقد نأت النظريّة النسويّة بعيدا عن هذا النقاش و محاولاتها الأحدث ل " إعادة الماديّة " للنسويّة ليست سوى بداية جديدة . ثالثا ، و أخيرا ، يجب على النسويّات المعنيّات بمشكل الديمقراطيّة أن يتفحّصن عن كثب العلاقة بين الإصلاح و الثورة . بقدر كبير ، تركّز الصراع النسوي مع الديمقراطيّة البرجوازيّة على إصلاح السياسة و السيرورات و بينما قد عبّأ هذا الكثير من النساء ، و ليس كلّهنّ ، بإتجاه رؤية مدركة للتحرير السياسي ، فإنّ المشروع غير تام دون رؤية مرافقة ، رؤية لتحرير الإنسانيّة . و يتطلّب هذا الإلتزام بالعمل عبر حدود الديمقراطيّة و أبعد منها .
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
هامش 1: فهم ماركس للمجتمع المدني مفصّل أكثر في " حول المسألة اليهوديّة " (1978)
المراجع بالأنجليزيّة :









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا