الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتاب والقراءة في ظل الحرب.. وجهة نظر(*)..

محمد عبعوب

2018 / 3 / 28
الارهاب, الحرب والسلام


الكتاب والقراءة في ظل الحرب.. وجهة نظر(*)..

اولا لابد من الاعتراف بأن القراءة في مجتمعنا الليبي الذي أنتجته عقودا أربع من الفوضى السياسية والمعرفية لتستلمه في نهايتها سنوات ست من ظلام الإرهاب الأيدلوجي والمليشياوي السائد اليوم؛ تعد شذوذا عن القاعدة السائدة في هذا المجتمع الذي يعيش حتى اليوم قطيعة شبه كاملة مع القراءة والكتاب.. الأجيال التي أنتجتها مراحل التمدرس في ليبيا؛ ما إن ينجز الدارس منها مشروعه الدراسي على أي مستوى، حتى يبادر الى التخلص من مراجعه برميها او بيعها، وفي أحسن الحالات إيداعها ظلمات خزائنه لتكون وكرا لكل الحشرات التي تعتاش على الورق.. و أمام هذا الواقع المتردي ينظر المجتمع الى مدمن القراءة كحالة شاذة متمردة على واقع تجمع عليه الغالبية وتخشى مغادرته..
كنت قد التقطت عدوى حب المعرفة منذ صبايا المبكر حيث التقيت ولأول مرة بالكتاب غير المدرسي في ذلك المركز الثقافي البسيط في السوق القديم بقريتنا الجبلية بالرحيبات أواخر ستينات وأوائل سبعينات القرن الماضي، ثم طورتها فترة الشباب من خلال احتكاكي بزملاء الدراسة ثم الوظيفة كانوا يحملون نفس العدوى، فأصبح الكتاب رفيقا لي في غالب تحركاتي، و وجبة رئيسية في يومي.. وكثيرا ما كنت أُقابل باستهجان وسخرية عديد الزملاء والأصدقاء الذين يعيشون قطيعة دائمة مع الكتاب والقراءة، عندما يشاهدون رفيقي الدائم بيميني او غارقا بين صفحاته. وكم كنت أتألم لحالهم واستهانتهم بالقراءة خاصة أن منهم من تقوم مهنته على القراءة ..
اليوم و في ظل الحرب الأهلية العبثية التي تجتاح بلادي وأمام عجزي عن المساهمة في محاصرة حرائقها، رغم مشاركتي في العديد من الفعاليات الثقافية والتجمعات الشعبية الرافضة للعنف والإرهاب كوسيلة لتسوية الخلافات، و رغم ما انشره على شبكة المعلومات من وجهات نظر تدعو للحوار والجدل كوسيلة لحل الخلافات بدل السلاح، أمام هذا الواقع المؤلم ركنت الى الكتاب كملجأ أهرب له للخروج من هذا الأتون الملتهب، بعد أن قاطعت بشكل شبه كامل الشاشة الفضية وصفحات التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية، فأصبح الكتاب الالكتروني هو رفيقي صباح مساء التهمه بشهية لا تعرف الشبع.. تستهويني كتب الفكر بمختلف توجهاتها والكتب العلمية المبسطة المتعلقة بالمستقبليات وعلوم الفضاء وثورة الجيناتك.. أتخذ من الروايات، خاصة إبداعات كتاب أمريكا اللاتينية وطبعا العرب محطات للاستراحة والسياحة في مفازات هذا العالم البشري والجغرافي ..
أشعر و أنا منكب على جهاز المحمول خاصتي الذي أحتفظ فيه بكنزي من الكتب من مختلف التخصصات، اشعر بالرضا و أنني على قيد الحياة رغم مشاهد الموت والخراب التي تحصرنا وتقض مضاجعنا، أحس أنني املك ثروة لا تقدر بثمن، أنني أخوض معركة وإن متأخرة بعض الشيء لهتك حجب الظلام التي تحاصرني .. يزيد عطشي للمعرفة كلما أنهيت قراءة كتاب فأسارع لفتح كتاب جديد.. أتحسر وأتألم لعدم اهتدائي مبكرا لفكرة القطيعة التامة مع ضوضاء القنوات الفضائية التي بددت وقتا ثمينا في متابعتها، بدل الركون للكتاب واستثمار وقتي في النهل من معارفه .. كما أنني اشعر بالخجل لأنني لم استطع أن أنقل هذه العدوى القيمة إلى أبنائي الغارقين في ملاحقة تلك الأوهام التي تذروها مواقع التواصل وتشوه بها تفكيرهم وتبعدهم عن المعرفة الحقة..
القراءة في ظل الحرب بالنسبة لي كمواطن ليبي أقاسى هموم مواجعها، أصبحت هي الملجأ الذي أنقذني من التردي و الإحباط .. قراءة بعض الإصدارات التي تناولت ظاهرة الرجيع العربي منحتني الشعور بالأمل في إمكانية الخروج من هذا النفق المظلم و إن بعد عقود، أي بعد أن أكون أنا قدر رحلت عن هذه الدنيا.. إن أبسط وأثمن ما تحققه القراءة في زمن الحرب للقارئ أنها تبعده عن خوض مهالك القتل والعنف العبثي، وتنور عقله بفضيلة الاعتراف بوجود الآخر المختلف، والركون للحوار والحجة كسلاح ناجع وحضاري لكسب الصراع ..
ما أثار تساؤلاتي في خضم هذا الحريق ، وأنا أجوب بحار شبكة المعلومات الدولية متصفحا الصحف والمجلات ومنقبا في مواقع وكالات الأنباء، هو صمت نخبة المفكرين العرب الذين وفي تقديري المتواضع هم من زرعوا بذرة التطلع للحرية ورفض الواقع الجامد في عقولنا التي أنتجت لنا هذا الربيع المشوه.. صمت هؤلاء المفكرين والكُتُّاب وعدم تناديهم في مؤتمر او تجمع لدراسة ما أنتجته كتاباتهم وأفكارهم من حالة ثورة وغضب مدمر، وتقاعسهم عن وضع رؤية للوصول بهذه الهبة الغاضبة الى بر الأمان وتحقيق منجز جدير بتضحيات من قاموا بها بدل الانزواء في مكاتبهم، هذا الصمت سيدينهم أمام محكمة التاريخ لتخليهم عن حصاد وتحصيل ما زرعوه في العقول ليتحول في ظل تخاذلهم الى وباء قاتل يتهدد مستقبل الأجيال القادمة..
----------------------
(*) المقال قدمته كمشاركة في استطلاع حول الكتاب والقراءة في ظل الحرب ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد إسرائيل في شمال قطاع غزة هو الأعنف منذ إعلان خفض القوا


.. طفل فلسطيني برفح يعبر عن سعادته بعد تناوله -ساندويتش شاورما-




.. السيناتور ساندرز: نحن متواطئون فيما يحدث في غزة والحرب ليست


.. البنتاغون: لدينا بعض المخاوف بشأن مختلف مسارات الخطط الإسرائ




.. تظاهرة مؤيدة لفلسطين في بروكلين للمطالبة بوقف تسليح إسرائيل