الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-فهد- والتشاركية العراقية التاريخية (1/3)

عبدالامير الركابي

2018 / 3 / 29
مواضيع وابحاث سياسية



تعلم "فهد" يوسف سلمان يوسف، اسس الشيوعية واولياتها، على يد فاسيلي، الداعية الشيوعي الذي كان يعمل خياطا في مدينة الناصرية، ومع انه عمل بداية ضمن تيار جعفر ابو التمن " الحزب الوطني العراقي" فرع الناصرية، الا انه واخيه داود، انجذبا لفاسيلي، ربما لبواعث دينية، ولانهم اقلية ضئيلة جدا، داخل مدينة تعددية، ولم يصبح "فهد" مؤهلا كي يتصدى لمهمة بناء "الحزب الشيوعي"، الابعد ان درس مايعتبره النظرية الماركسية، في روسيا، اي انه لم يكن قد حمل من مقومات الوعي الاشتراكي، سوى ماكان تلقاه من خارج العراق، فلم يكن ليخطر له، اي مصدر اخريعزز به انتماءه، او منطلقات وعيه الاشتراكي الشيوعي، ليعطيه بالاخص بعدا وطنيا.
ولم يكن هو من نوعية، او طينه الشيوعيين غير الاوربيين الغربيين، ممن يعود لهم الفضل في الانتقال بنظرية الاشتراكية الحديثة، ومااتى به ماركس ناحية "التطبيق"، بعد ان ثبت فشل تقديرات ماركس، حول امكانية تطبيق الاشتراكية في اوربا الغربية، على اعتبارها الارفع بنية، ومن ثم الانضج والاكثر اهلية للانتقال التاريخي، وهذا ماقد فعله لنين على المستويين النظري والعملي التطبيقي، بغض النظر عما اذا كان ماقد فعله، ينتمي لعالم الاشتراكية بالفعل، ام انه طريق لاختصار عملية الانتقال الى الراسمالية، في بلد متاخر، من ناحية النمو راسماليا، ونصف شرقي، من الممكن استعمال الطابع الاستبدادي التاريخي الذي يشوب بنيته، في تعزيز دينامية الجانب الانتقالي القسري، ومع كل هذه الملابسات، الا ان الحصيلة كانت انتهت للاقرار ب "الماركسية اللينينة"، باعتبارها ماركسية العصر.
ولايجوز نسيان حالات وتجارب اخرى، اتسمت هي الاخرى بالابداعية المحلية، مكرسة ذات النهج الذي اختطه لنين، باعتماد الذهاب المتاخر للراسمالية، بوسائل طابعها "اشتراكي"، اي بالاستفادة من المنتج الاوربي بوجهيه، العملي التاريخي الراسمالي، والنظري النقيض للراسمالي، المستحيل التحقق في ارضه بعد تحويره، كما هو الحال في الصين على وجه التعيين، وهي بعد تجربة روسيا، التجربة الضخمة الصافية الدالة، على الانتقال للراسمالية الموجهة، بوسائل غير راسمالية كلاسيكية.
وفي الحالتين كما في غيرهما، وجد قادة يتبنون الاشتراكية والماركسية، ضمن سياقات وطنية وتاريخية، واجهت مستجدات، بعد الانقلاب البرجوازي الراسمالي الحديث في اوربا الغربية، وبالاخص بعدما افرزته اوربا من ضمن عقلانيتها التفكرية من افكار، بدت لابل كانت عمليا، ولعبت، دور استكمال عملية التحول الراسمالي، خارج نطاق اوربا الغربية، موئل التحول الكلاسيكي، مع انها اتخذت طابع ومعنى الانقلاب التاريخي، اللاحق على المرحلة الراسمالية، بما يمكن ان يعد واحدة من اضخم واكثر اشكال تحايلات التاريخ، والتمظهرات غير المحسوبه لمتغيراته واحداثه، حتى الكبرى والفاصلة منها.
في العراق، لم يحدث شيء من ذلك الذي عرفته روسيا، او الصين، او بعض بلدان اوربا الشرقية، ولم يكن لشخص مثل "فهد" ـ اذا ماتجاوزنا على تجربة "حسين الرحال" الاسبق ـ اي اثر، او ملمح من الديناميات التي ميزت التجارب الآنفة، ومع انه كان اكثر من سواه، سواء اكان لنين، أوماوتسي تونغ، توفرا على الاسباب الداعية الى الاحتكام للخصوصية والميزات البنيوية التاريخية، ومع هذا، فقد مال كليا، لتبني اشكال مبسطه واولية من الماركسية، تركزت بصورة اساسية، على " الحزب" ..الاداة التي هي مبتكر لينيني، لم يسبق لماركس ان عرفه، بما يشير بوضوح الى تباين المصدرين التاريخيين والبنيويين، فلنين "مالعمل"، هو ماركس القسرية الشرقية الاستبدادية، وهو مالايمكن ان يكون من مبتدعات الغرب الراسمالي، بمبتكره الرئسي اللبرالي، في وقت يصبح فيه الحزب، اداة تختصر فيه النظرية، وتحورلدرجة تبدل اغراضها،بصيرورتها الاجرائية العملية، والمركزية التراتبية البيروقراطية، الهرمية، ومن ثم الفردية، مايخضع الجانب النظري، لاشتراطات اجرائية موجهه واحادية انتمائية مسبقة.
لم يكن " فهد" مؤهلا لان يكون اشتراكيا عراقيا، اي ان يتصدى لابتداع صيغة ثالثة غير الماركسية الاوربية الغربية، او الماركسية اللينينية وتفرعاتها، وتوابعها الشرقية، الامر الذي كان يفوق قدراته بما لايقاس، بالاخص اذا مااخذنا بالاعتبار، ناحية الحقائق الوطنية والتاريخية البنيوية، وهو ممايتعدى وعيه ومستوى ادراكه بسنوات ضوئية، خصوصا لناحية التفكير ب"مجتمع اللادولة" او المجتمع التحولي المزدوج الرافيديني، مع مايترتب على مثل هذا الانشغال من خروج على الدائرة "الاشتراكية " الاحادية، الطبقوية الاوربية الغربية، كما هي مشخصة في النظرية الماركسية.
وفي حين كان هو يقف على ارض، هي محور الاصطراعية التغييرية الكبرى التاريخية، نحو "مابعد الراسمالية"، و"مابعد غرب"، فلقد كتب عليه ابان ممارسته نشاطه، ان يقع في الدولوية الصراعية، داخل معسكر الغرب، وممكناته المتاحة عند نهايات القرن التاسع عشر، والعشرين، مع تحولة الى معسكرين، وضع هو نفسه ضمن المعسكر الذي يحمل راية الاشتراكية منهما، متبنيا كل مايخص الرؤية الغربية، والهيمنة المفهومية الغربية عن العراق وتاريخه، باعتباره جزءا من العملية التاريخية، كما تتمثل بحسب الوصفة الغربية الاستعمارية، في الاندراج، لابل الانصياع، لاليات ومقتضيات السوق الراسمالية العالمية، فلم يخطر له على بال مثلا، ان يكون للعراق من حضور، او نوع آليات تشكل وطني، سابقة على الاندراج ضمن تلك السوق، مع ان العراق من بين بلدان العالم الثالث، كان من اكثر المناطق تاخرا من حيث التاثر بالراسمالية والاستعمار، وحضورهما، بحيث لم يتعرف على بدايات مثل هذا التغلغل، الا في اواخر القرن التاسع عشر، ليبقى برانيا وهامشيا، وخارج البنية المجتمعية.
ذلك بينما كان للعراق، تاريخ من التشكل الوطني التاريخي الحديث، يوازي زمنيا قمة التاريخ الاوربي الحديث، ويعود الى القرن السابع عشر، حيث تبدأ الدورة الحضارية العراقية الثالثة، بعد الدورة الاولى السومرية البابلية، والثانية العباسية القرمطية، ومن سومر الحديثة، وبعد تراجع مفاعيل حقبة الانقطاع التاريخي الثانية 1258 / حتى القرن السابع عشر/، بدات "الاتحادات القبلية"، تؤشر لعودة انبعاث المجتمعية العراقية من الاسفل، كما هو قانون تشكل ونمو مجتمع الازدواج الرافديني، مع "اتحادقبائل المنتفك"، وفي حين كان نمط التشكل العراقي، بصيغته الحديثة الثالثة، قد القى على العقل العراقي، وعلى المستوى الكوني، استعادة تجديدية لمقتضيات الكونية المودعة في البنية العراقية، فقد مال الحداثيون مجتمعين، وفي مقدمهم الماركسيين، وكدليل على نكوصهم، وعجزهم عن ادراك مقتضيات اكتشاف ذاتهم التاريخية، لتبني رؤية بديلة، مستعاره وجاهزه، راحوا يجدون بها تعريف هويتهم الوطنية والتاريخية.
يكرر زكي خيري، احد اهم المتابعبن والمفسرين القلائل، المواكبين من الداخل، لظاهرة الشيوعية وتاريخها في العراق، القول بان "فهد" كان له الفضل في " توطين الماركسية وتظبيقها وفقا للخصائص العراقية"، ومايقوله او يظنه، مع اخرين على شاكلته على كثرتهم، مجرد ارسال لقول ايديلوجي، عاجز هو الاخر، عن وضع الظاهرة المذكورة، في المكان الذي تستحقه، وتحتله بالفعل كحالة استعارة، غير مبدعة، اتخذت شكل النقل بلا اي اعتبار للخاصيات الوطنية التاريخية، في مجتمع، هو بطبيعته "تشاركي" على المستوى التاريخي، سوى انه كيان مختلف عن كل الكيانات المعروفة على مستوى المعمورة، بماهو كيان ازدواج، بنمطين مجتمعيين متصارعين، هما "مجتمع لادولة"، يتشكل اولا وجنوبا، في ارض السواد، و "مجتمع دولة تمايزية قاهرة"، يقوم شماله عادة، ويتركز داخل مدن محصنة، يمارس حلب الريع بالقوة والغزو الداخلي، قبل ان يعود الى داخل مدنه المحصنه اشد تحصين وقلاعه.

والمجتمعان مستقلان عن بعضهما كليا، يتعذر على اي منهما اختراق الآخر، بينما هما معا يخضعان لالية الدورات، والانقطاعات الحضارية التاريخية، ما دام صراعهما لاحل له، وهو مصيري لاتنازل، ولاتسويات يمكن ان تطرأ عليه، كظاهرة كيانية استثنائية، مايؤدي الى انهيار البنية الحضارية التي تضمهما كليهما، بالاخص مع فعل الدائرة الثالثة، الحاضرة، والاصيلة هي الاخرى، ضمن آليات وجودهما، حيث الحدود مصدر الغزوات، والسلالات المسلحة المنحدرة باتجاه المصب الخصيب، الجذاب، وسط مساحة قاحله من الجبال والسهول والصحاري، من الشرق والشمال والجنوب.
ـ يتبع ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت