الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عوالم الشاعر في ديوان -كما أنت ..أنا- خليل حسونة

رائد الحواري

2018 / 3 / 30
الادب والفن


عوالم الشاعر في ديوان
"كما أنت ..أنا"
خليل حسونة
لكل شاعر لغته وادواته وألفاظه وأسلوبه، كما له همومه وأفكاره، ولفهم الشاعر/الكاتب علينا أخذ الظرف الذي يكتب فيه، كما أن المكان له وقعه وأثره، كل هذا يؤثر بطريقة أو بأخرى على القصيدة، الشاعر "خليل إبراهيم حسونة" صاحب لغة خاصة، ويمتلك القدرة على التصوير الشعري، حتى في الظروف الحالكة، في هذا الديوان يقدم لنا الشاعر مجموعة من الفضاءات، وهي تتراوح بين الالم والفرح، بين الواقع والمرأة، بين اليأس والحلم، بين القهر والحرية، لكن الواقع بوقعه الثقيل دائما هو من يثقل كاهلنا نحن الاشخاص العادين، ويجعلنا في حالة من الاضطراب، فكيف سيكون وقعه على الشاعر؟:
"كينونات"
".. لدغة الصمت
..رائحة البرق في النسيج البشري
... زقزقة العصافير
.. حذاقة الكلاب
.بهرج نسوة نزقات..
حماقة ليلة طافحة بما يشتهى الموج
..بعض جنون لافت يعرج كل ومض
نجمة متيم على خوان الأمير
أمواج وحمة لصبية مغناجة
..تلهث على الشرفات" ص4، حالة الاضطراب حاضرة فيما سبق من مقاطع، فنجد السرعة في رسم المشاهد، والاختزال في رسم الأفكار، فيبدو لنا الشاعر في حالة صراع من الوقت، فنجد الفرح والحزن، البياض والسواد، العصفور والكلب، الإنسان والطبيعة، كل هذا يأتي تباعا، ودون ترتيب معين، وهذا ما يجعلنا نقول أن حالة الاضطراب حاضرة في هذه المقاطع، ليس على مستوى الافكار فحسب بل على مستوى الألفاظ أيضا.
المرأة
سيكون أثر هذه الفاتحة حاضرا في بقية الديوان، بحيث نجد فيه كل ما يصيب الإنسان من مشاعر، كما هو الحال في " كينونات" وسنبدأ من الفواتح البيضاء، بالمرأة التي ستمنحنا شيء من الهدوء بعد هذا الصخب الذي جاء في فاتحة الديوان، يقول الشاعر في "اشارت بؤبؤ النص":
"..جسمك لمع خطير النوايا
..فيه الحشا خز يناجز جنون الغيم
..تصفق أصابع النجمات .. رائب ذلك النهد المقاتل
والجيد يرشف لمع ناظري برهيف السجايا ويشحذني
..بشعلة نار" ص52، من المفترض ان تمنحه المرأة حالة من السكينة، ليس على مستوى الفكرة فحسب بل على مستوى الألفاظ أيضا، لكن حالة الاضطراب التي افتتح بها الديوان انعكست عليه، بحيث جعلت ما هو ناعم وهادئ يحمل بين ثناياه القسوة والعنف، من هنا نجد الألفاظ القاسية والحارة مثل: "خطير، يناجز، جنون، المقاتل، يشحذني" وكلها تشير على أن أثر الواقع حاضرا ومستمر في الشاعر.
الشاعر يتجاوز هذه المرحلة الصعب، ويقدمنا من المرأة المخلصة، التي ستمنحه كل الهدوء والسكينة التي يحتاجها، ألم تهده الآلام والعذابات؟، يقول في قصيدة "صبوة":
"هكذا شارات غدي
وفي عينيك قنديل الصباح.. وفضاء أغنية
تعرف كيف يصير الضوء بهرجة ونهارات ينقشها
..حنين سطورنا
..وأنا أختلي بنهدك الغجري
..يقضمني النوى
..فأشعر أنني أحبو دهشة
..ليصير التاريخ ناطورا تنتشي به كف السماء
..فيموء وهجك الغجري
..بما جرى" ص96، نقلة نوعية تحدثها المرأة في الشاعر، فرغم أن حضورها السابق لم يكن بالمستوى المطلوب، إلا أنها هنا جاءت مطلقة الحضور، بحيث تخلص الشاعر من أوجاعه وآلامه، فأخذ يستخدم الأفكار البياض والألفاظ السلسة والناعمة، من هنا قدم لنا قصيدة مطلقة البياض، انسجم فيها الأفكار والمضمون مع الألفاظ، فكانت تشع بهاءا واشراقا، تمتع القارئ كما امتعت الشاعر.
وإذا ما توقفنا عن فضاءات التي أحدثتها المرأة سنجدها في: "غدي، عينيك، قنديل، الصباح، فضاء، أغنية، الضوء، بهرجة، ونهارات، الغجري، دهشة، التاريخ، السماء، وهجك" الملفت للنظر أن الشاعر يقدم فقرة كاملة عن الفضاء الذي تحدثه المرأة "وفي عينيك قنديل الصباح.. وفضاء أغنية" ونجد الفضاء لم يقتصر على السماء والنور والضوء فحسب، بل طال أيضا الأفكار من خلال "أغنية، والغجري، ودهشة" لهذا نقول أن المرأة هي العنصر الأهم في إحداث النقلة الإيجابية لنا، وهي من تخلصنا من وقع الحال الذي يلازمنا.
ويقدما من المرأة أكثر في قصيدة "رؤى":
"هي المرأة .. الوردة
..لها ما تيسر من مباهج أعلنت ما يجلجل روحها
وعاد فيض ولادة بلبل غرناطة تعانقه
..الفراديس، كما هوجة الهرجان
.. فتصير السماوات اختزال المرايا
..والرؤى الهائمات تنتظرني
إذا عز اللقاء .. وصار بين
..كنا وكان" ص99، تبدو هذه القصيدة وكأنها تراتيل دينية تمجد المرأة، حتى أن فاتحة القصيدة "هي المرأة .. الوردة" جاءت لتخدم فكرة تمجيدها، وإذا ما تقدمنا من الأسطورة الكنعانية التي مجدت الربة "عشتار" وتحدث عن دورها في الحياة، سنجد هناك توافق والتقاء بين قصيدة "رؤى" والنص الأسطوري، وهذا ما يؤكد دور المرأة وما تمنحه وتحدثه من فرح فينا وفي فضاءنا.
لكن الشاعر/الإنسان يريد امرأة من لحم ودم، وليس ربة في السماء، لهذا يقدمنا الشاعر من المرأة الإنسانة، يقول في قصيدة "فيض":
".. أحنو لسيدتي الجميلة
فيضها اللآلاء يحضنني .. وأنا أنظم الشعر
..وأنقشه على أوراق الأحلام
..وتنثرها على سطح الهواء
.. فأغمض انبهار جنوني
.. على شفتين من كرز
..تلونها السماء" ص 106، الجميل في هذه القصيدة أنها جعلت المرأة ـ وهي عنصر مخفف ومهدئ ـ من يخلق/يوجد عنصر مخفف آخر، ألا وهو كتابة الشعر، ولم يقتصر حضورها عند هذه الحد، بل تمنح الشاعر وتعطيه قدرات على التأمل والتلذذ من خلال الشفتين.
إذن المرأة التي نريدها ونحتاجها لها صفات إنسانية، فكيف سيكون حضورها جسديا أمام الشاعر؟ يقول في قصيدة "شعاع":
"..ماذا يغيظ الليل
..لو أوقدت عندي شمعتين
ورأيت وجهك يغسله الشعاع
..ورأيت نهر العاج، يحرسه رفيف الروضتين
..فأعود طفلا للرضاع
.. وأعود أسبح في لجين" ص 75، الثنائيات حاضر في القصيدة في أكثر من موضع، من خلال "شمعتين، الروضتين" وغالبا ما تأتي صيغة المثنى لتشهد وتشير على حضور المرأة، ونجد ثنائية في الصراع بين الليل ووجها المشع، وحالة الشاعر الآن وهو طفل، كل هذا الوجود كان بسببها المرأة.
ونجد صيغة المثنى في مواضع أخرى كما هو الحال في:
".. ماذا يضر العشق
..إن ماجت بطيفي رجفة للوردتين
..وقطفت شوقا لليراع
..لأمد مبسم خافقي للأخضرين
..فأصير حلما لا يباع
..وأصير منطف اليدين
ماذا تقول الريح للأشواق
..حين ترسلني لأطلق قبلتين
..دون قناع
..وتمدني صواع الملك بما أهوى
.. وتظل تحرسني بضوء الفرقدين
فأحط أوردتي على ذاك الشراع
..ليلمها ماء لعين
..ماذا يضر الشمس"
..إن هطلت بقربي غيمتان
..وتعطلت لغة الكلام عن الكلام
أو جلجلت تلك القيان
بمكارم عشاقها والخليفة يتغنى ضمها
في وقدتين" ص75-77، صيغة المثنى جاءت بأسماء أو افعال بيضاء، وهذه الثنائية تؤكد الأثر الذي يحدثه حضور المرأة، فهي تجعل الوردة وردتين، والغيمة غيمتين، والقبلة قبلين، والرقدة رقدتين، ولم تقتصر الثنائية على معنى الصيغة فحسب، بل نجدها في شكل الكلمة كما هو الحال في "جلجلت" فحرفا "ج، ل" مكرر، ونجد أثر المرأة في كثرة الحروف التي تعطي معنى الوصل "و، ف، ب، ل" والتي تكررت عشر مرات، كل هذا يعطي أن حضور المرأة لا يقتصر على المعاني والألفاظ فحسب، بل يطال الحروف المستخدمة أيضا، والتي أريد بها أن تجعل الأفعال متصلة ومترابطة، وهذا الربط والوصل ـ في العقل الباطن ـ يخدم الفكرة التي أرادها ويردها الشاعر من المرأة.
العذاب
من ناحية ثانية هناك في الديوان مواضع عذاب وقسوة وألم، منها ما جاء في قصيدة "صمت":
"..أنا يا جنون الصمت
..عذبني الوفاء إلى الوطن
..فلماذا تحضنني المنايا؟
..كيف هجست نداءات الخليفة بالألم
..تدثرني الرموش السود .. وسهام العين ترمقني
.. فيغيب عن أفقي الورم
.. ويظل يشربني اللهاث ..وما تراءى من حمم
.. فأهيم في سحب الغياب
..إن زلت قدم" ص 46، سبب ألم الشاعر الهم العام، هم الوطن، وليس خلافه مع فرد أو مجموعة، وما يتعرض له الوطن من خراب واحتلال وتدمير وتشريد للشعب هو الوجع المؤلم والموجع، فإن يحدثنا الشاعر عن مشاعره بقوله: "عذبني" وبأي شيء جاء العذاب؟، انه شيء جميل ونبيل "الوفاء"، وهل يمكن أن يكون "الوفاء" عذاب ويشكل ثقل على الإنسان؟، نقول نعم، عندما ينتشر الخراب والدمار وتكثر المصائب، ويتفشى القتل والتهجير، سيصاب كل إنسان نبيل بالعذاب لما يراه، فالإحساس بالمسؤولية الوطنية والإنسانية تجعله يتوجع، فما بالنا إن كانت هذا الإنسان شاعر!، والشاعر يحمل مشاعر مرهفة، تجعل أي فعل أو حدث يؤثر عليه ويخدش مشاعره.
وهذا ما وضحه لنا عندما قال: "فلماذا تحضنني المنايا؟ صيغة السؤال جاءت انكارية، وتعطينا صورة التوحد بين الشاعر والوطن، وإذا ما توقفنا عند بعض الألفاظ المستخدمة سنجد ما يشير إلى هذه التوحد بين هموم الوطن والشاعر، "تدثرني، يشربني" لهذا هو يبرر لنا سبب عذابه وألمه، فيجعله "يهيم" كما هام "جلجامش" عندما غاب صديق "انكيدو" حزنا عليه، وسبب هيام الشاعر "إن زلت قدم".
ونجد ألم الشاعر في قصيدة "أماني" التي يتحدث فيها عن العراق وما ألم به:
"..أشواق بليل الليل
..تعرف ليلى.. وليلى في العراق وحيدة
..تبتاع وحم الأماني
..دوامة الأشواق تمتد حاملة ضفائرها
..تكبلني بذاك التمني
فأعرف كيف أظل
.. أعاني!" ص47، استحضار الشاعر ل"ليلى" وما تحمله من رمز للمرأة الحبيبة، والأنثى الضعيفة، في بلد يعاني ويلات الاحتلال وتفشي الطائفية، تجعل المعاناة مضاعفة، وهو يصر على إثارتنا من خلال حديثه عن "ضفائرها" الجميلة، وبعده عنها، والجميل في هذه القصيدة أن الشاعر يعود بنا إلى العراقي القديم، إلى أيام سومر وبابل، إلى بداية فكرة العذاب والألم التي لازمت السومري والبابلي حزن على "أنانا وتموزي" من خلال قوله:
" فأعرف كيف أظل
.. أعاني!" استمرار وجود فكرة العذاب ما زالت حاضرة في العراق رغم تطوير فكرتها، فقد تحول العذاب من فراق "تموزي" إلى "الحسين بن علي" لكن الطقوس ظلت تعطي مفهوما واحدا، وهذا الديمومة أرادنا الشاعر أن نقف أمامها، ليبرر لنفسه ولنا حالة العذاب الذي هو فيه.
الصراع
الطبيعة اعطت الإنسان الهلالي افكارا عن سرمدية الصراع في الكون، فهناك الليل والنهار، الخريف والربيع، الشتاء والصيف، الخير "تموزي/أنانا" والشر "يم/أريشكيجال" وكأن العلاقة الطبيعية في الحياة لا تكون إلا بوجود هذا الصراع، الشاعر يتناول الصراع في قصيدة "ملامح" والتي يقول فيها:
"وأنا واقف
..على بوابة الانتظار
يتشيأ الوقت حلما صباحي الملامح
يستنطق الحب، متلفعا بثياب مثقوبة
إلا من صراخ يسرق أغنياتها الاهبة
..لتظل الوصايا
..صاخبة" ص38، "الانتظار"، والذي يعني حالة من الترقب لما هو آت، ونجد ثياب مثقوبة نقيض السلمية، والصراخ والأغاني، والوصايا والمبادئ والواقع البائس.
الشاعر يستخدم فعل المضارع بشكل مطلق، فكل الافعال جاءت بصيغة المضارع "يتشيأ، يستنطق، متلفعا، يسرق، لتظل" وهذا يعطي دلالة على استمرارية الصراع، داخل الشاعر، فكأن واقع الحال البائس والمبادئ "الوصايا" التي يحملها الشاعر في عدم توافق وتجانس، لهذا لا يلتقيان، ويريد "الوصايا" أن تكون دائمة الصخب.

الاسطورة
نجد الأسطورة والفكر الملحمي (الهلالي) في لشاعر بشكل مباشر في قصيدة "حلب.. حلب" والتي يقول فيها:
"...
النجم يعرف ما عتراها واعتراك
..اقطفي هذي الشراك
"تناديك "عشتار"
..ويقيم "تموز" الصلاة على رباك
.."وسيزيف" المحني بالبعاد.. قرابينه ساكنه
..في كل واد، يفج لظاه
..وتصبحين يا بغداد
..مطر مالح يهطل لما أرعدت مزنة
..تدق في العين لظى الاوتاد
وتنتظرين ليافا، والنقب
..شمسك غير آفلة
..تلم العذاب" ص 148و149، الجميل في الأمر أن الشاعر لم يستحضر "عشتار وتموز" فقط، والذي يشيران إلى الفكرة الهلالية عن حالة الصراع في الكون والطبيعة والحياة، بل أكدها من "سيزيف" وعملة الدائم في نقل الصخرة من أسفل إلى أعلى.
لكن ما علاقة بغداد بعنوان القصيدة "حلب .. حلب" وما دخل يافا والنقب بهما؟ اعتقد أن الشاعر يعمل على من خلال حديثة عن ألمه على هذه الحواضر (الهلالية) والإنسانية أن يربطنا بها، فكلها اماكن آمنت ب"أنانا/عشتار وتموز/بعل"، حتى وإن اختلفت التسميات، منذ فجر الحضارة الإنسانية وحتى الآن.
سنتوقف قليلا عند الألفاظ التي استخدمها الشاعر وعلاقتها بالأسطورة "عشتار وتموز" وهي:
"النجم" وتشير إلى عشتار، نجمة الصباح.
"تموز" رمز الخصب والنماء.
"الصلاة" كانت هناك طقوس خاصة تقام حزنا على غياب "تموز" وأخرى احتفالا بعودته من الغياب/الموت.
"سيزيف" رغم أنه اسطورة اغريقية، إلا أن الشاعر استخدمها لتعطي فكرة ديمومة الصراع.
"البعيد" وصف اطلق على "تموز" وقت غيابة وتأخير نزول المطر.
"قرابين/ه" كانت تقام بعودة تموز أو للإسراع في عودته.
"مطر/يهطل/ارعدت" احدى الدلائل على عودة تموز.
"شمسك غير آفلة/ تلم العذابات/" ذروة الفرح الذي ـ تمناه الهلالي ـ آملا أن يدوم.
بهذا يكون الشاعر قد ربط بين واقعنا الآن بماضينا، وربط الجغرافيا السورية/الهلالية من خلال الاسطورة ومن خلال الواقع، فالألم الذي تعانيه كلا من حلب وبغداد ويافا هو ذاته الذي عاناه "الهلالي" قديما عندما كان غياب الخصب/الخير يطول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج المغربي جواد غالب يحارب التطرف في فيلمه- أمل - • فران


.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال




.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة


.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية




.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر