الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا يعرف الشعب العراقي عن العلمانية؟

مصطفى محمد قاسم
(Mustafa Mohammed Kassim)

2018 / 3 / 31
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ماذا يعرف الشعب العراقي عن العلمانية؟
بعد عام 2003، وصلت القوى الإسلامية إلى الحكم في العراق، مدعومين بقوات الاحتلال الأمريكي، بعد حكم دام أكثر من 30 عاماً بيد البعثيين، ومنذ ذلك التاريخ، وتحديداً 9/4/2003 وحال البلاد وأهلها لا يسرعدو ولا حبيب مع كل الأسف.
ومع قرب الانتخابات البرلمانية العراقية المزمع اجرائها في الثاني عشر من شهر مايس/ 2018 ، نرى الشارع العراقي _وبوضح شديد_ أقرب للقوى المدنية_العلمانية في العراق من غيرها من التيارات الفكرية والسياسية الحالية، والتي احتفظت بنفس الوجوه منذ سنين دون اجراء أي تغيير على شخصياتها وقادتها.
ولا يعنينا في هذا المقام الحديث الذي يدورعن مقاطعة كبيرة من قبل العراقيين للعملية السياسية والانتخابات جملة، فهذا موضوعٌ آخر.
ولكن يُطرح علينا سؤال مهم، ما الذي دفع العراقيين إلى اختيار القوى المدنية والعلمانية لتكون في واجهة الساحة السياسية العراقية؟ أو كما يتوقع لها.
بل ماذا يعرف المواطن العراقي البسيط عن العلمانية؟
في البداية، وكتعريف مختصروبسيط لكلمة (العلمانية) أو (Secularism) باللغة الأنكليزية، نظراً لسعة الكلمة في المعاجم السياسية والاجتماعية.
هي مصطلح سياسي_اجتماعي يهدف لفصل الدين والمؤسسات الدينية عن الدولة والمجتمع، وقد تعني أيضاً عدم أجبار شخص أو جماعة معينة على أعتناق دين أو مذهب معين لمجرد قناعة جماعة أخرى بذلك الدين أو المذهب لأي سبب.
هل هذا كافً؟ طبعاً لا، فشعب يتسم بكونهِ (مُحافضاً) _وأن كانت هذه الكلمة محل رفض وجدل من قبل الكثيرين_ يرفض التغيير في كثير من الأحوال، خصوصاً في أفكار تحررية وتقدمية قادمة من الغرب الذي ما يزال يطلق عليه في العرف الديني بأنه (كافر)، سيكون في محل شك وريبة من أي جديد يغير ما ألفوه وتعلموه من آبائهم وأجدادهم على مر السنين التي مضت.
أن الحديث عن العلمانية وارهاصاتها وتبعاتها في المجتمعات الغربية الحديثة، أو على مجتمعنا في هذه الحالة، يثير الكثير من اللغط والنقاش والجدل ، وليس أقله طبعاً التصادم أو الاقتتال حتى بين المختلفين أو المتخالفين، مرد ذلك كله برأيي المتواضع، هو ذاك الكم الهائل من الموروثات الجاثمة على صدور العراقيين منذ زمن ليس بقليل.
فمن موروث ديني، إلى موروث اجتماعي، إلى سلطة دكتاتورية تلو أخرى منذ أكثر من 100 سنة على الأقل.
كل ذلك مجتمعاً، جعل العراقيين في محل شك وريبة،غضب وحنق،جدل وانتقاد عقيمين وكبيرين يتوغلان في نفوسهم على كل ما هو جديد عليهم، أو كل تغيير يثير في نفوسهم القلق وعدم الارتياح،ذلك ما أوضحه وكتبه الدكتور العراقي المعروف مؤسس علم الاجتماع العراقي (علي الوردي) في كتابه الشهير (شخصية الفرد العراقي)، خصوصاً إذا ما علمنا بالطبيعة العاطفية الشديدة للفرد العراقي التي تجعله يتأثرأثراً كبيراً وسريعاً بآراء رجال الدين وفتاويهم المثيرة والغريبة في كثير من الأحيان، سواءاً كان ذلك في الحوزات العراقية أوغيرها من المجاميع الفقهية الإسلامية لمختلف الطوائف.
لعل أحد تلك الفتاوى وأكثرها شهرة، فتوى السيد محسن الحكيم (رحمه الله) في ستينيات القرن الماضي في تحريم الانظمام إلى الحزب الشيوعي باعتباره حزباً كافراً يدعو إلى الكفر والالحاد، مع أن هذا الحزب _وهذا ليس مدحاً فيه وعلى الأطلاق_ من أعرق الأحزاب العراقية الحالية، وأكثرها وقوفاً ودعماً للطبقات الفقيرة والمهمشة في العراق من فلاحين وعمال وغيرهم، ويدعو إلى دولة علمانية تستوعب الجميع، ناهيك عن تعرضهِ إلى مختلف أنواع الضغوط والتنكيل من قبل سلطات البعث الحاكم في تلك الفترة حتى احتلال العراق، وقس على ذلك.

فبعد الحديث عن هذا كله، يتبادر إلى أذهاننا ما يلي ، هل فعلاً بات الشارع العراقي ميّال أكثر إلى القوى العلمانية ورجالاتها، أم هو مجرد تفريغ أنفعالي لا غير؟
أحد أبرز مضاهر تحول الحياة السياسية العراقية إلى الوجه العلماني هو ظهور العديد من الوجوه التي أدعت المدنية بعد أن كانت وجوه إسلامية بوجه أو بآخر، أو شخوص مقربة إلى الأحزاب الأسلامية كحزب الفضيلة والدعوة والإسلامي، فما الذي تغير فجأة في آرائها وأفكارها لتتحول إلى هذا التحول الكبير؟

أن الكثير من أبناء هذا البلد المغلوب على أمره ونقولها بصراحة _كبيرة_، يقفون أمام جملة كبيرة من الحريات الشخصية للآخرين، ضاربين بعرض الحائط حقوقهم وأفكارهم بحجة كون هذا البلد (محافضاً) كما أشرنا آنفاً، مؤيدين بذلك رجال الدين الذين في معظمهم سياسيين عراقيين في البرلمان العراقي وغيره.
وقد يختلف معي البعض في الجملة السابقة بكونها (ليبرالية) وليست (علمانية).
ومعهم حقٌ في ذلك، ولكن ظربنا هذا المثال لتقريب الصورة لا أكثر.
في أحدى المرات، قال لي أحدهم، بأن الشعب العراقي لم يترك الإسلاميين ومشروعهم (الفاشل) كما وصفه، إلا لتردي أحوال العراق في عهدهم، ونزوله من منحدر إلى منحدر، من القاعدة تارة، إلى داعش تارةً أخرى، أضف إلى ذلك الفشل الذريع على مستوى الخدمات والتعليم والعلاقات الخارجية التي لا نرى لها أية ملامح حتى الآن وغير ذلك.
وربما ايضاً ومن باب التحدي والعناد لبعض الوجوه الإسلامية المعروفة في العراق
كالنائب في البرلمان العراقي الحالي (عباس البياتي) الذي شبه التحالف الانتخابي الذي هو فيه ب(أهل الكساء) عليهم السلام، في تجاوز صارخ وواضح للرموز الإسلامية المعروفة والمقدسة عند العراقيين.
أوكالشيخ (عامر الكفيشي) أحد قياديي حزب الدعوة الحاكم، الذي صرح وبوقاحة شديدة، وبتحدً واضح للقانون بضرورة توجيه السلاح لمحاربة العلمانيين والشيوعيين _كما حاربنا تنظيم داعش الإرهابي_ بحجة أنهم يساهمون في نشرمبادئ الكفر والالحاد و الأفكار الهدامة والمتفسخة في المجتمع العراقي!.
فأين القضاء العراقي من هذا الرجل أو من الذي سبقه؟!
وبذلك،يتضح لنا مما سبق، بأن تقرب الشعب العراقي (للعلمانية) ورجالاتها، ليس عن قناعة بالكلمة نفسها وما تحتويه من معاني وقيم (وهذا هو الأهم برأيي).
ولكن لطفح كيلهم وحنقهم الشديد على السياسيين الذين يشكل المتدينيين منهم نسبة قد لا تقل عن 70% من مجملهم في العملية السياسية الحالية.
ومع ذلك، يبقى هذا هو الخيار خياراً جيداً، أوفسحة من الأمل المنشود في عراقً خالً من الطائفية والمحاصصة، في بلدً ينعم أهل بخيراته وثرواته، في بلد يحوي أبناءه من كافة الطوائف والأديان والمذاهب دون اقتتال، وذلك في ظل نظام ودستور علماني_ليبرالي يضمن لنا ذلك.
والسلام ختام.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات في بريطانيا لبناء دفاع جوي يصُدُّ الصواريخ والمسيَّرات


.. جندي إسرائيلي يحطم كاميرا مراقبة خلال اقتحامه قلقيلية




.. ما تداعيات توسيع الاحتلال الإسرائيلي عملياته وسط قطاع غزة؟


.. ستعود غزة أفضل مما كانت-.. رسالة فلسطيني من وسط الدمار-




.. نجاة رجلين بأعجوبة من حادثة سقوط شجرة في فرجينيا