الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحال في قصيدة -محطات- محمد العصافرة

رائد الحواري

2018 / 4 / 1
الادب والفن


عندما نستخدم لقاءات متناقضة، أو افعال مستحيلة الحدوث فإننا نريد بها تأكيد ثباتنا، وعدم قبولنا، وتناقضنا معها، وقد جاءت استخدامات لهذه المتناقضات في الكتب السماوية، كما هو الحال في القرآن الكريم في سورة الأعراف:
"إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ"
وفي إنجيل مرقس:
" مُرُورُ جَمَل مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ"
وقد استخدم هذا الأمر ايضا العديد من الشعراء مثل "توفيق زياد" في قصيدة "المستحيل" والتي يقول فيها:
"أهون ألف مرة
أن تدخلوا الفيل بثقب ابرة
وأن تصيدوا السمك المشوي بالمجرة
أهون ألف مرة
أن تطفئوا الشمس
وأن تحبسوا الرياح
وأن تنطقول التمساح
أهون ألف مرة
من أن تميتوا باضطهادكم وميض فكرة
وتحرفونا
عن طريقنا الذي اخترناه
قيد شعرة"
من جماليات هذا النوع من الشعر أنه يعطينا مجموعة من الأفكار، منها واقعنا البائس، العدو القوي والمتمكن، إرادتنا الصلبة، كل هذا يتم تقديمه بشكل أقرب إلى السخرية، مما يخفف من وطأة الواقع على المتلقي للنص، ويجعله شبه متحرر من ثقل الحال والواقع عليه.
"محمد العصافرة" يقربنا من هذا النوع من الشعر، بطريقته وأسلوبه الخاص، يقدم لنا الشاعر ثلاثة مقاطع عن المستحيل، أولها:
" قَدْ يُوْلَدُ منْ أُفْقِ اللَّيْلِ نَهَارْ
أَوْ بَيْنَ المَوْجِ هُدوءٌ
قَدْ أَضْحَى
تَرْقُبُهُ الأَسْحَارْ
قَدْ يَعْشَقُ رَوْعَ سنينِ العُمْر
مَنْ تاهَ بِظُلمِ الأَقْدَارْ
قَدْ يَصْحُو الهاربُ منْ وَطَنٍ
أَوْ يَرْقَى الذِّئْبُ بِراعٍ
قَدْ قَطَعَتْ فيه الأَسْفارْ
لَكِنْ كَيْفَ لشخْصٍ قَدْ أَصْبَحَ عَبْدَاً
أَنْ يَدْخُلَ في دُنيَا الأَحْرَارْ
***"
الملفت للنظر وجود الفاظ بيضاء "يولد، أفق، نهار، هدوء، أصحى، الأشجار، يعشق، العمر، يصحو، وطن، يرقى" كل هذه الألفاظ جاءت بمعنى البياض، وهي تشير إلى حالة الأمل والتفاؤل الذي يحمله الشاعر، ولو كانت الألفاظ السوداء هي الطاغية في القصيدة لقلنا عكس ذلك، الشاعر يستخدم مشاهد من الطبيعة، "الليل ونهار،" والحياة الريف البكر "الراعي والغم والذئب"، وكأنه يقول أن طبيعة الحياة في الكون وعلى الأرض كلها تؤكد استحالة:
"لَكِنْ كَيْفَ لشخْصٍ قَدْ أَصْبَحَ عَبْدَاً
أَنْ يَدْخُلَ في دُنيَا الأَحْرَارْ "
وهذ الاستحضار للطبيعة يجعلنا نتحرر من حالة التوتر والاضطراب، وأن نكون أكثر موضوعية في حكمنا واتخاذنا للقرار الأخير، والذي جاء بصيغة اليقين والقناعة المطلقة التي لا تشوبها شائبة.
وفي المقطع الثاني يقول:
"قَدْ يَأْتِيْ اللَّيْلُ يُعَاتِبُ فِيَّ الأفكارْ
يَمْحُو ذَاكِرَةً قَدْ مُلِئَتْ
غِشَّاً أَوْ حِقْدَاً أَوْ كُتِبَتْ باسْمِ الأَشْرارْ
قَدْ يَرْسُمُ ليْ وَحْيَاً مِنْ وَهْمٍ
أَوْ يَكْتُبُ ليْ سَطْرَاً
قَدْ لَوَّنَ أَحْرُفَهُ بِوِسَامٍ مِنْ عَارْ
قَدْ عَاثَ فَسَاداً في دُنْيَا
مِنْ عِشْقٍ وَدَمَارْ
لَكنْ لَنْ يَمْحُوَ منْ ذَاكِرَتِيْ وَطَنَاً
قَدْ لَوَّثَ صُوْرَتَهُ
عَالَمُ مِنْ دُنْيَا الأَشْرَارْ
***"
الأداة التي يستخدمها الشاعر، الكتابة، وهذه الأداة هي الوسيلة التي تخفف من وقع الحال عليه، لهذا نجدها دائما تستخدم لتحقيق الهدوء والسكون في نفسه، وهذه الأداة الطاهرة والنقية ـ احيانا ـ يمكن أن تنحرف/تخرج عن مسارها النقي قليلا، لكن هناك أفعال لا يمكن أن نغفرها أو ننساها:
"لَكنْ لَنْ يَمْحُوَ منْ ذَاكِرَتِيْ وَطَنَاً
قَدْ لَوَّثَ صُوْرَتَهُ
عَالَمُ مِنْ دُنْيَا الأَشْرَارْ "
ونلاحظ أن استخدام الألفاظ السواد جاء أكثر من المقطع الأول، واعتقد أن السبب وراء ذاك فاتحة المقطع، ففي المقطع الأول نجده يبدأ:
" قَدْ يُوْلَدُ منْ أُفْقِ اللَّيْلِ نَهَارْ " فعل "يولد" اعطا الشاعر مساحة ليبتعد عن القسوة قليلا، من هنا نجده ـ في العقل الباطن ـ انساق وراء "يولد" وتجاهل القسوة والألم، فجاء المقطع ببياض غالب على السواد، لكنه في بداية المقطع الثاني والذي بدأه:
"قَدْ يَأْتِيْ اللَّيْلُ يُعَاتِبُ فِيَّ الأفكار "
والذي يشير إلى قدوم الليل مما جعل الظلام يأخذ مكانته في الألفاظ ويعمل سواده في تظليم الألفاظ والأفكار.
وتأكيد على أن فاتحة المقاطع تؤثر على القصيدة نأخذ المقطع الثالث والذي جاء فيه: "
"قَدْ يَغْفُو الوَجْدُ بِوَجْهٍ
قَدْ ضَاقَ به التِّرحَالْ
قَدْ أَعْلَنِ مُنْذُ وِلادَتِهِ
قَدْ خَطَّ بِدفْتَرِ أَسْفارِه
قَدْ دَوَّنَ أَنْ يعشقَ ذاكَ الإبحارْ
يَرْميْ هذا السِّحْرُ عَلى
وَهْجٍ مِنْ نَارْ
قَدْ يَعْشَقُ أَنْ يَبْقَى
رَهْنَ أَيادٍ آثِمَةٍ قَدْ حَالَتْ
ضُوءَ العُمْرِ دَمَارْ
قَدْ حَارَ وَحَارْ
لَكِنْ لَنْ تَنْزَعَ منْ شَيْخٍ
قَدْ أَمضَى طُوْلَ العُمْرِ
يَنْظُرُ عَوْدَةَ غُيَّابٍ
قَدْ تَرَكُوا آثارَاً مِنْ دارْ"
فعل "يغفو" لا يشير إلى قسوة، وإنهما إلى حالة طبيعية للإنسان، ونجد لفظ "الوجد" الذي أيضا يمثل حالة إنسانية، لهذا سنجد أن الحديث يدور حول الإنسان فقط، ولا يوجد للطبيعة ـ بشكلها المجرد المعروف ـ أي أثر، كما هو الحال في "ضوء العمر" وإنما تم استحضارها بشكل معنوي، وليس حقيقي، كما جاء في المقاطع السابق، فهنا يتحدث الشاعر عن حالات متعلقة بالإنسان فقط، لهذا جاءت الخاتمة متعلقة بالشيخ:
" لَكِنْ لَنْ تَنْزَعَ منْ شَيْخٍ
قَدْ أَمضَى طُوْلَ العُمْرِ
يَنْظُرُ عَوْدَةَ غُيَّابٍ
قَدْ تَرَكُوا آثارَاً مِنْ دارْ"
القصيدة منشورة على








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81