الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عديقي اليهودي 28 * أبطال تراجيديون ، من جليّات إلى ياسر عرفات إلى عارف نذير الحق.

محمود شاهين
روائي

(Mahmoud Shahin)

2018 / 4 / 1
الادب والفن


وهي تلتقط أنفاسها من جراء جريها يمينا وشمالا على هضبة المغرة لممارسة الرياضة ، هتفت سارة وهي تقف إلى جوار عارف الذي كان جالسا يفكر في أمر ما :
- أين وصلت يا حبيبي؟
- لا أعرف ! كلما فكرت في أمر خطر لي آخر . ماذا سأقول في حضرة الرئيس حين يقلدني الوسام غدا ؟ وما الذي ستنتهي إليه القضية بعد أن أقفلت الطرق كلها أمام الفلسطينيين ، هل سيقبلون بما سيفرض عليهم ؟ وماذا عن الرئيس نفسه ، هل سيسعى اليمين الإسرائيلي إلى اغتياله ، بعد أن اختار مواجهة المشاريع التصفوية ؟ وماذا عنّي أنا وحتى عنك أنت ، أليس هناك من يسعى إلى اغتيالنا ؟
احتضنت سارة رأس عارف وقبلته وهي تجلس إلى جانبه :
- ألم نتفق على الراحة هذا اليوم يا حبيبي؟
- ها نحن مرتاحين ، وهذا لا يمنعنا من أن نفكر في حاضرنا ومستقبلنا ؟
- هل أثرفيك ما أشار إليه رئيس وفد السلام الآن من أن حياتك في خطر ؟
- حياتي في خطر منذ عقود يا حبيبتي ، وقبل أن أنتهج فكرا مختلفا لفهم الخلق والخالق والغاية من الوجود..وهذا ما يجر علي عداء المتعصبين للديانات بكافة فئاتهم .. وإذا ما أضفنا إلى ذلك مواقفي السياسية ، والزلزال الذي أحدثته في المجتمع الإسرائيلي بإنقاذ الأطفال الإسرائيليين، والزلزال الآخر الذي أحدثته أنتِ بحبك لي، وقبولي لهذا الحب، سأجد نفسي أمام أعداء كثر، وإن كانت عداوة بدرجات متفاوتة حسب نوع الأعداء ومن أي فئة هم ؟
ضمت سارة عارف إليها وقد أدركت أبعاد الخطر المحدق به:
- حبيبي! إن قتلوك سأقتل نفسي بعدك . لا أستطيع تصوّر حياتي دونك .
- بل ينبغي عليك أن تعيشي حياتك ، رغم أنها مهددة هي الأخرى، وإن بخطورة أقل .
- لا أظن أنني سأكون قادرة على التعايش مع جرح اغتيالك الذي سيرافقني ما دمت حيّة !
- عوّدي نفسك على النسيان وستعتادين .
- أشك في الأمر.
- لنخرج من هذا الأمر إلى غيره .
- لا أستطيع أن أتجاهل الأمر منذ الآن يا حبيبي ، بدأت أشعر بما تشعر به أنت .
- تجاهلي يا حبيبتي ! ما رأيك بدولة فلسطينية في غزة وجزء من سيناء !؟
- هل هذا ما يتداوله الناس عن صفقة القرن الترامبيّة !
- أجل !
- إنها جنون !
- بل جنون الجنون ! إنها النهاية ! وآمل أن لا يستيقظ سكان الضفة يوما على أمر يدعوهم للهجرة إلى سيناء !
- لن يهاجر أحد !
- وسيبدأ العنف الإسرائيلي ليواجه بأي عنف يمكن أن يقدر عليه الفلسطيني.
- وماذا بعد ؟
- آمل أن لا تحدث مجازر كما حدث عام ثمانية وأربعين !
- لماذا لم تتضمن اتفاقية اوسلو ضمانات دولية لتطبيقها خلال فترة معينة ؟
- حتى لو كان هناك ضمانات تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة لما نفذتها اسرائيل ! اسرائيل الوحيدة في العالم فوق القانون والقرارات والمواثيق الدولية ، وتدعمها أمريكا بشكل مطلق في ذلك .
- هل يعقل هذا ؟
- طبعا يعقل ! لأن الغاية من وجود اسرائيل حسب ما عرف من الوثائق الدولية منذ عام 1907 لم تتغير حتى اليوم ! وإن كان البادئ بالأمر هو بريطانيا كونها كانت صاحبة المصلحة الاولى في ذلك الزمن.
هذه المنطقة المسماة عربية لها أهمية خاصة في استقرار العالم ، خاصة وأن هناك من ما زال يحلم بإقامة امبراطورية عربية كتلك التي أقيمت في الماضي .
- ما هو الحل إذن ؟
- أن يضمن العالم مصالحه بما فيها الأمن، هذا إذا كان جادا في التخلص من فكرة الهيمنة والسعي بجديّة نحو سلم عالمي.
- وهل هو جاد ؟
- أشك ، خاصة وأن الظروف ما تزال بعيدة جدا عن هذا الحلم إذا كان يراود بعض الأمم القوية والمستقرة .
- إذا كان هذا الحلم ما يزال بعيد المنال، فكيف بأحلامك الساعية إلى وحدة أمم كوكب الأرض، على قاعدة الخير والمحبة والعدل والجمال وبناء الحضارة الإنسانية ، وفهم منطقي للخالق ، والغاية من الوجود؟
- اعتقد أن هذه المسألة تحتاج إلى ما يقل عن خمسة قرون إذا وجدت من سيسعى إلى تحقيقها ..
- أنت تعتقد أن الخير لا بد وأن ينتصرفي النهاية !
- أجل حبيبتي ، وما أجمل أن تعيش البشرية على هذا الأمل . التاريخ يسير إلى المستقبل ولا يتقهقر إلى الماضي ، وإن كان لترسبات الماضي في ثراث الشعوب وثقافاتها ما يشكل عائقا لأحقاب زمنية في صيرورة التاريخ وتحولاتها .
- هل تقصد العقيدة اليهووية مثلا ؟
- أجل حبيبتي . العقيدة اليهووية وما نجم عنها ، من تأثير في العقائد اللاحقة ! والأمر نفسه ينطبق بنسب متفاوتة على العقائد الأخرى وما أفرزته من ثقافات ..
- هل ترى أن ثمة امكانية لأن تسود عقيدة واحدة العالم ذات يوم ؟
- أجل حبيبتي . وهذه العقيدة ستكون من نتاج العلم والمنطق ، بحيث لا يستطيع أحد أن يعارضها ، لأنه سيجد نفسه يحيا في خضمها ، لأنها تفسر له وجوده والغاية منه !
- أنت تفكر انطلاقا من فلسفتك حبيبي ، القائلة بوحدة الوجود ، بحيث لا يكون فيها وجودان ، خالق ومخلوق ، بل خالق ، وخالق فقط ، خلق نفسه بنفسه لنفسه ، وما يزال يخلق نفسه بنفسه لنفسه !
- صحيح حبيبتي . أشكرك لأنك تفهمين فلسفتي جيدا! أعطني قبلة !
- الحقيقة حبيبي أنني لم أفهم إلا المبدأ الذي تقوم عليه و بعض ما يتفرع عنه ، لكن التعمق في التفاصيل ، والإلمام بالرؤية الشاملة لكافة مناحي الحياة قد يحتاج إلى زمن طويل .
- يمكنك أن تسألي حبيبتي ؟
- أين نضع الحروب وما ينجم عنها من قتل ودمارضمن هذه الرؤية ؟ فهل المنتصر والمهزوم ، والقاتل والقتيل ، هما الخالق نفسه !
- ما يصعب الإجابة على المرء حين يطرح أسئلة من هذا النوع على نفسه ، هو تصوره الخطأ لوجود خالق مستقل عن الخلق ، فهل يعقل أن يكون الخالق قاتلا ، ويكون القتيل في الوقت نفسه ؟
- وما الذي يجب أن يتصوره ؟
- يتصور الوجود نفسه بكليته ، وما يجري فيه هو صراع جزئي ومحدود فيه ، فيكون القاتل والقتيل في هذه الحال لا يشكلان أكثر من نقطة صغيرة في محيطه .. أو لنتصور جسم الإنسان مثلا ونعتبر أنه يمثل الوجود ، ففي هذا الجسم توجد خلايا مناعية للحفاظ عليه ، وفي الوقت نفسه توجد أو تنشأ خلايا عدوانية ، والصراع بين الخلايا هو صراع لبقاء الإنسان ، فالخلايا المنتصرة هي جزء من ذات الإنسان ، والخلايا المهزومة هي جزء من ذاته أيضا . لكن الإنسان يبقى ولو إلى حين .
- ماذا لو نظرنا إلى الوجود من زاوية البقاء المؤقت الذي تطرحه . هل يعني هذا أن الوجود سيبقى إلى حين فقط ؟
- نعم . هذا ممكن ! فقد يكون للوجود عمر ، كما للإنسان مثلا . لكنه ليس نهاية الوجود بالمطلق ، فقد يكون مرحلة في دورة كونية، ينشأ عنها حياة جديدة ، وكون جديد ، وكائنات مختلفة ، وإنسان مختلف بالمطلق عن الإنسان الحالي ، تماما كما موت الإنسان الحالي ، الذي لا يعتبر نهاية مطلقة له ، فما هو إلا مرحلة ضرورية لإثراء المادة وإنتاج الطاقة ، ولولا ذلك الفناء المنظور( التمرحل ) للكائنات والأشياء لانتهى كل شيء ودمر الكون . مثلا لا يمكن تصور ما الذي سينشأ عن استغلال ثروات الأرض من قبل الإنسان، لصنع كم هائل من الأسلحة المختلفة وغيرها، مما يؤدي إلى افقار الأرض بالمواد الضرورية للحياة، وإنتاج المادة والطاقة ، فقد يأتي على الإنسان يوم يأكل فيه أسوأ أنواع الخضار والفواكه وحتى اللحوم ، لفقر التربة في انتاج ما هو جيد !!
- ترى هل يشعر الإنسان بعد الموت ، بوجوده المادي الطاقوي ؟
- يفترض أنه سيصبح جزءا من الذات الكونية ومتحدا بها ، فيشعر بما تشعربه ، ويرى ما تراه ، ويحدث له ما يحدث فيها !
- كيف ترى ؟
- بعيونها في مليارات العيون الموجودة في الكائنات . من عين أصغر كائن مرورا بعين الإنسان وانتهاء بعين الحوت ! فكل العيون عيونها!
- حبيبي فلسفتك تجنن !
- ههههههه . الجنون ضرورة للنظر إلى الوجود بعقل مختلف !
- هل رؤيتي لك ورؤيتك لي ورؤيتانا لما حولنا وما نراه ، هي جزء من رؤية الذات الكونية ؟
- أجل حبيبتي ، كما هو وجودنا ، وما نفكر فيه ، وما نفعله ! ليس هنك وجود خارج وجود الذات الكونية ، وليس هناك فعل إلا من فعل الذات الكونية !
- والذات الكونية في مفهومك لا تحتاج إلى عبادة !
- أية عبادة ؟ هي ستعبد نفسها إن تعبدت ! هي القوة الفاعلة والمنفعلة في الوجود في الوقت نفسه ! القوة التي لا تفنى ولا تزول ! القوة المتجددة دائما إلى ما لانهاية !
- ألن يكون لها نهاية ما ؟
- يكون لها حالة من الرقي في التطور أقرب إلى الكمال ، قد يطول عمرها ، لكنها لن تكون النهاية !
- كيف يمكنك أن تتصور هذه الحالة ؟
- المسألة ليست سهلة ، لكن يمكن القول ، إنها الحالة التي يشعر فيها المرء أن جسده جزء من جسد الخالق ، كما هو كل جسد لإنسان آخر ، وكائن آخر !
- هل يمكنني أن أطلب إليك طلبا !
- أكيد ! أحب أن استمع إليك تقرأ قصيدتك في مذهب وحدة الوجود . قلت لي أنك تحفظها !
- ليكن يا حبيبتي ..شعرت أنني سألاقي خالقي حين ظهر ورم في لثتي ذات يوم ، فواجهت الخالق بهذه القصيدة ، حتى لا أرحل عن الدنيا دون أن أقول كلمتي في الخالق والخلق والوجود :
إما أنت أو لا أحد !!

أحسست بدنو الأمد
وأنا الوحيد دون أحد
هتفت باسمه من عمق الجراح
مثل لي بجلال مقتصد
همست: هل لي ببوح يعتمد؟!
قال : قل ما لم يسمعه أحد !
وأكمل رسالتك
فلن تعيش إلى الأبد .
قلت : أشهد أن لا إله إلا أنت
إنك " الواحد الأحد "
وإنك " الله الصمد "
وإنك " لم تولد ولم تلد "
" ولم يكن لك كفوا أحد "
***************
قال: لقد قيل هذا من قبل !
أضفت : وأشهد أنك الطاقة
السارية في الخلق
فإما أنت أو لا أحد !
وأن الإنسانية حبيبتك
وإنها إليك تستند
وأنت عليها تعتمد !
عشق الأحبة متبادل
بنبض القلوب
وآهات الروح
ورعشة الجسد
لا يكتمل الحبيب إلا بالحبيب
فلا اكتمال بحب منفرد
سعي الخلائق إلى الكمال
بسعي الخالق يتحد
فإما كمال يعم الخليقة
وإما انتهاء إلى الأبد !!
*******
قال: أحسنت إذ اجتهدت
فالإجتهاد حق معتمد
فانا في الهي والنحن والهم كنت
والهي والنحن والهم والكل
في أناي تتحد
فلا معزل لفرد عن كل
ولا معزل لكل عن فرد
تنزهت باسمي " الله "
ولا تنزيه غير ذلك يعتمد
********
انا في الهيولى البدئية كنت
دون أن يكونني أحد
أوجدت نفسي بنفسي لنفسي
دون أن أدري ما الغاية
وما القصد ؟!
وبقيت دهورا كامنا
لا أدري إن كنت أدري
ما اريد ، وما لم أرد
كجنين في رحم أم
غافل عما يستجد
*******
إلى أن ضاق بي الكمون
وضقت به فانفجرت
محطما جدران الهيولى
التي عنها انبثقت
لأنتشر في كون شاسع
حدوده لا تحد
ولينبثق معي الخلق
كائنا من رحم المهد
فكل كائن كان في
وفي كل كائن كنت
فانا الكينونة دون حد
وآفاقي لا تحد
فليس للحد مني حد
ولا حد حيث كنت
انا " الله " أل بلا حد
لا غنى للخليقة عني
ولا غنى لي عن الخليقة
فنحن الواحد في الكل
والكل في الواحد يتحد !
*********
صفقت سارة وهي تردد: رائع !
عقب عارف قائلا:
- ولا رائع ولا شي! القصيدة قديمة ، وقبل أن تتبلور أفكاري في مذهب وحدة الوجود . ولو خطر لي أن أعيد كتابتها لأغنيتها كثيرا ، بما ليس فيها ، وربما سأشطب فقرة ما أوأعيد كتابتها.
- ألم تحاول ؟
- لا ! لأنني وضحت ذلك في أكثر من سبعين وثلاثمئة وألف مقالة ومقولة حتى اليوم .
- أنت توظف مفردة " الله " هنا بدلا من الخالق .
- ربما لأن المفردة أقرب وأحب إلى وعي الإنسان . المؤسف أن وجود آلهة كثر وبمفاهيم مختلفة ، أساء إلى المفردة !
صمتا للحظات . تساءل عارف .
- حسب رأيك ماذا سأقول في حضرة الرئيس غدا بعد تقليد الوسام ؟
- أعتقد أن وقت الرئيس ضيق . ويستحسن أن تكتفي بالشكر .
- سأحاول .
- وماذا عن الرئيس نفسه ، ألا ترين أن حياته في خطر بعد أن اختار الرفض في مواجهة المشاريع التصفوية ، التي ستدق المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية ؟
- ممكن ، فالأمر ليس جديدا على اسرائيل .
- ألا يمكن لكبر سنه أن يجعل اسرائيل تتلافى الأمر ، ولا تضيف إلى تاريخها في اغتيالات الزعماء الفلسطينيين اغتيالا جديدا ؟
- ممكن وغير ممكن أيضا ، لأن اسرائيل يهمها أن تظهر للجميع بأن ما تريده هو الذي سينفذ ، فقد تقدم على اغتيال محمود عباس كما اغتالت ياسر عرفات حين اختار الرفض ، لتقول للرئيس الفلسطيني القادم ، ينبغي عليك أن تعمل وفق ما نريد !
- أمر فظيع ! البطل الفلسطيني بطل تراجيدي يحقق انجازات لكنه لا ينتصر، وهو يدرك ذلك ولا يهرب من قدره . ويبدو لي أن هذا القدر محقق في الواقعين التاريخي والمتخيل ، بدءا من قتل جليات بحجر من مقلاع داود ، مرورا حتى بيسوع المسيح ،في التاريخ القديم ، وانتهاء بعبد القادر الحسيني وياسر عرفات في الزمن الحاضر .
- ما العمل إذن ؟
- المواجهة الشعبية السلمية هي الممكن الوحيد في الحاضر، إلى أن تتبلورالأمور ! رغم أن اسرائيل ستحاول الحد من هذه المواجهة ولو بقتل وجرح آلاف المتظاهرين الفلسطينيين . فكل شيء يزعج اسرائيل ، حتى النضال السلمي ، لأنه يضعها في مواجهة أناس عزل ، حتى دون سكاكين ، وفي هذه الحال ستفقد عذر الإرهاب الذي تتذرع به أمام العالم . لأن من تواجههم هم أناس عزّل من كل شيء إلا من أعلام فلسطين وحناجرهم الصارخة بحقوقهم والرافضة للمحتل !
*****








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع