الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوطنية هي الملاذ الأخير للأوغاد (4)

فؤاد النمري

2018 / 4 / 2
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الوطنية هي الملاذ الأخير للأوغاد (4)
قراءتنا الماركسية للتاريخ تؤكد لنا أن المآثر التي حققها البلاشفة في الحرب والإنتصار على النازية وهو ما أثار دهشة العالم، ثم إعادة الإعمارالكامل خلال فترة قياسية والتي شدهت غورباتشوف كما في كتابه "الجلاسنوست" وأخيرا تخطيط خطة عملاقة بكل المقاييس لنقل المجتمع السوفياتي إلى الوقوف على عتبة الشيوعية حيث الرفاه الذي لم تعرفة البشرية من قبل، تلك الخطة التي ألغيت تعسفاً قبل اكتمال سنتين من عمرها، كل هذه المآثر العملاقة هي ليست استثنائية لدى البلاشفة، بل هي ذات أصول عريقة فيهم منذ أن اجترح لينين انعطافاً نوعياً في تاريخ البشرية في ابريل نيسان 1917، وأعاد تأكيد هذا الإنعطاف حين خطب في تأسيس الأممية الشيوعية في 6 مارس آذار 1919 في موسكو يقول .. " إنتصار الثورة الإشتراكية في العالم بات مضمونا " وأن .. " البروليتاريا الروسية هي من يقرر مصائر العالم " . كل وقائع التاريخ منذ ذلك الحين وحتى اليوم تؤكد نبوءة نبي الشيوعية فلاديمير لينين بالرغم من كل الدعاوى التي ترقض ذلك وتزعم أن الشيوعية فشلت وباتت من الماضي بينما هي في الحقيقة على الأبواب وأقرب من أي وقت مضى .
ليس بعد كل هذا يمكن إزاحة الشيوعيين عن مسارهم التاريخي الذي خطته مآثرهم المتواصلة حتى وإن بدا ذلك اليوم على غير حقيقته وضل الكثيرون من الشيوعيين طريقهم اللينينية . تحالفت البورجوازية الروسية مع فلول القيصرية وفشلت في ثنيي باكورة البلاشفة 1919 ؛ الدول الإمبريالية الكبرى والصغرى مجتمعة في العالم سيّرت كل جيوشها إلى روسيا لخنق البولشفية في مهدها وارتدت خائبة 1921 ؛ البورجوازية الوضيعة بقيادة تروتسكي فشلت في حرف مسيرة البلاشفة ولاحقت تروتسكي لعنات الشعوب السوفياتية 1927 ؛ الفلاحون الأغنياء (الكولاك) تآمروا على تجويع الطبقة العاملة السوفياتية فأنزل بهم البلاشفة ضربة ماحقة 1932 ؛ النازية الجرمانية جمعت كل مقدرات القارة الأوروبية المادية والبشرية في كتلة عسكرية صماء صلبة واحدة لأجل إقامة الرايخ الثالث الهتلري لحكم العالم لألف عام ولم يبق من عقبات أمام هذا المشروع النازي الجهنمي سوى دولة العمال الكبرى الاتحاد السوفياتي، لذلك هاجم هتلر الإتحاد السوفياتي خلسة وبكل القوى المتوفرة حتى وصل إلى أطراف موسكو إلا أن موسكو ردت تكسر أنياب العسكرية النازية وطاردتها حتى مخدع هتلر وأجهزت علية ورفعت راية المنجل والشاكوش على الرايخ الهتلري 1945 .
من يصدق بعد كل هذا أن البورجوازية الوضيعة السوفياتية تعود مرة أخرى بقيادة الجواسيس في الاستخبارات السوفياتية (KGB) في العام 1953 ورجلها في المكتب السياسي نيكيتا خروشتشوف لأن تطوي صفحة الإشتراكية البولشفية كما يدعي الجواسيس الروس وأذنابهم !؟ لن يصدق الجواسيس إلا الذين على شاكلتهم . لعل أول من يكذب هؤلاء الجواسيس هم الرأسماليون، فلول الرأسماليين في الغرب ؛ ويذكر في هذا السياق تقريع ونستون تشيرتشل لخروشتشوف على مائدة الغداء في 10 داوننغ ستريت منزل رئيس وزراء بريطانيا أنطوني إيدن(A. Eden) في 19 ابريل نيسان 1956 إذ قال لة .. "كيف لكم أن تهاجموا ستالين !؟ لولا ستالين لما كنتم شيئاً ما !!" .
البورجوازية الوضيعة التي استولت على السلطة في روسيا حال رحيل ستالين 1953 لا تنتج غير السلاح كما أعلنت بصلافة لافتة اللجنة المركزية للحزب عندما ألغت الخطة الخمسية الخامسة في ايلول سبتمبر 1953 متجاوزة صلاحياتها ؛ والسلاح لا يدور في دورة الإنتاج الرأسمالي ولذلك هو يعطل فعل الإنتاج المادي وهو الأساس لكل تطور إجتماعي . وعليه فإن القول بأن البورجوازية الوضيعة في روسيا تنحو منحى الإنتاج الرأسمالي إنما هو ذر للرماد في العيون حيث البورجوازية الوضيعة هي أصلاً وبموجب تقسيم العمل ضد النظام الرأسمالي كما أكذ ذلك كارل ماركس وفردريك إنجلز في بيانهما الشيوعي في الفصل الأول تحت عنوان "البورجوازية والبروليتاربا" ؛ بالإضافة إلى أن العودة إلى إنتاج البضاعة لا يعني في روسيا سوى إعادة صولجان السلطة إلى العمال، والبورجوازية الوضيعة حذرة جداً من العودة إلى إلصناعات الخفيفة التي كانت السبب الرئيس لإلغاء الخطة الخمسية .
إذاً قراءتنا الماركسية للتاريخ تقول لنا قولاً قاطعاً فيما يخص التطور الإجتماعي وهو أن المجتمع العالمي، ولا أقول المجتمعات، هو اليوم في عصر الإرتحال إلى الشيوعية . هذا ما قاله لينين لنا في العام 1919 وكل الأحداث ووقائع التاريخ في القرن العشرين وحتى اليوم تقطع في هذا الأمر . لكن لماذا إذاً يكابد المجتمع كل هذه المعاناة الطويلة المريرة في الإرتحال إلى الشيوعية !؟ الإجابة على هذا السؤال الهام جدا تنقلنا إلى سؤال أخر أكثر استدلالاً وهو .. لماذا يحجم الناس عن قراءة التاريخ !؟ ، بل لماذا يتمنّع الشيوعيون وحتى أولئك الذين كرسوا كل حياتهم في خدمة قضية الشيوعية منهم يتمنعون عن قراءة التاريخ قراءة ماركسية !؟ الإجابة الشافية الوافية على هذا السؤال الحدي تتمثل في تمنع الشيوعيين عن البحث في أسباب انهيار الإتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي . كيف يعقل ألا يقوم حزب شيوعي واحد على الأقل من بين جميع الأحزاب التي تشكلت في كل أقطار العالم منذ العام 1920 في البحث في أسباب انهيار الثورة الشيوعية التي هي مشروعها الوحيد وسبب وجودها !!؟ هاتوا حزباً شيوعياً واحداً في هذا العالم الفسيح أعلن نقدا في انهيار الثورة الشيوعية !!؟؟ يدعون أنهم ماركسيون ومع ذلك ينكرون أن انهيار الاتحاد السوفياتي كان بفعل الصراع الطبقي، ينكرون ماركس وهو من يزعمون الإنتساب إليه !!
السبب الواحد الوحيد لتمنع جميع الأحزاب الشيوعية الغريب والمستهجن عن البحث في انهيار مشروعها الحيوي سبب وجودها هو أن أي نقد يتسم بمقدار من المعقولية سيفضي إلى الكشف عن المستور وهو خيانة هذه الأحزاب للنهج اللينيني ومشروع لينين في الثورة الشيوعية العالمية عندما اصطفت وراء خروشتشوف يخون النهج اللينيني .
وهنا يقوم تحدٍ أمام جميع قبادات الأحزاب الشيوعية العربية وغير العربية في أن تقر بأن انهيار الاتحاد السوفياتي كان بفعل الصراع الطيقي حيث بعدئذ فقط يمكن أن تدرك الوضع الدولي الراهن وترسم لنفسها استراتيجية ثورية حقيقية وليست إصلاحية تقبل باستغلال العمال كما استراتيجياتها السائدة اليوم !!
الأفكار المريضة في رؤوس الشيوعيين من أيتام خروشتشوف والمخابرات السوفيتية لا تستطيع أن تغير مسار التاريخ الذي يفرض حقائقه على الأرض دون أن يحفل بقراءات طلائعيي البورجوازية الوضيعة للتاريخ سواء ادعوا الشيوعية أم غير الشيوعية . عندما بشر لينين بأن الرأسمالية الإمبريالية ستنهار حتماً في العام 1919 لا يمكن الإفتراض أنه كان يبشر بانهيارها فيما بعد النصف الأول من القرن العشرين . قبل انتهاء النصف الأول كانت الرأسمالية الإمبريالية الأوروبية قد مسحت من الوجود وهو ما كان موضوع نبوءة لينين . أما في أمريكا فقد بدأت مداميك قلعة الرأسمالية الأميركية تنهار مدماكاً وراء مدماك بفعل حماقة الإدارات الأميؤكية المتعاقبة بعد روزفلت في مقاومة الشيوعية ؛ قلعة الرأسمالية الأميركية اليوم هباء منثور . وكان ستالين قد أكد إنهيار النظام الإمبريالي في وقت قريب الأمر الذي أقره مؤتمر الحزب التاسع عشر قي أكتوبر 1952 وأعلنته الأمم المتحدة رسمياً في العام 1972 . رغم كل ذلك هناك رعاة كذابون لا يرعوون من الزعيق بين يوم وآخر بأن ذئاب الإمبريالية المتوحشة تهاجم قطعانهم .
تقول البيانات الرسمية الأميركية أن مجمل إنتاج الولايات المتحدة يصل إلى 17 ترليون دولار وأن 80% منه هو من الخدمات وهو ما يعني أن الولايات المتحدة تنفق على إنتاج الخدمات 13.6 ترليون دولار دون أن يعود عليها من هذا المبلغ الضخم دولار واحد حيث الخدمات تُستهلك تماماً لحظة إنتاجها . هذه الحقيقة وحدها تؤكد أن نظام الإنتاج في أميركا ليس هو فقط غير رأسمالي بل هو ضد النظام الرأسمالي بميل 180 درجة فالرأسمالي يحول نقوده إلى بضائع ليس من أجل أن يلبي حاجات المجتمع بل من أجل أن تعود إليه نقود أكثر مما وظف ؛ الخدمات لا تعود بأية نقود . بعض الأدعياء يرجعون إلى ما قاله ماركس بأن مالك المدرسة لا يختلف عن مالك مصنع النقانق فكلاهما يحققان الأرباح . لم يجد ماركس نفسه مضطراً لأن يؤكد أن مالك المدرسة استوفى بدل الخدمات سلفاً قبل إنتاجها لأن المعلوم أن الخدمات لا قيمة تبادلية لها بينما شغل عامل النقانق له قيمة تبادلية أكبر بعد الإنتاج منها قبله .
النظام الرأسمالي يتحقق فقط عن طريق تحويل قوى العمل (Labour Power) المتاحة في الأمة إلى بضاعة كي تستبدل البضاعة في السوق بنقود أكثر من القيمة التبادلية لقوى العمل . ذلك يعني أن هناك بضائع جديدة ونقود جديدة كل يوم عمل لم تكن موجودة في اليوم السابق، أي اغتناء المجتمع كل يوم . لكن زعيمة الديموقراطيين في البرلمان الأميركي ولولت تصرخ قبل اسبوعين من أن الولايات المتحدة تستدين كل دقيقة مليون دولار، والولايات المتحدة مدينة اليوم بأكثر من 20 ترليون دولار فائدتها السنوية حوالي 600 مليار دولار أي أن كل فرد أميركي حتى أولئك الذبن لم يولدوا بعد مدين بحوالي 62 ألف دولار .
لكن لماذا كل هذا النظام في الإنتاج، نظام الفقر والإفقار في أميركا المعاكس للنظام الرأسمالي !؟
إذا كانت البورجوازية الوضيعة السوفياتية قد قوضت أعمدة هيكل الإشتراكية من أجل التحول لإنتاج الأسلحة فالرأسماليون باتوا مضطرين بعد فقدان الأسواق في البلدان المستقلة إلى التحول إلى إنتاج الخدمات، وكلا المنتجين، الأسلحة والخدمات، لا قيمة تيادلية لهما .
البورجوازية الوضيعة السوفياتية والرأسماليون الأمريكان رضوا جميعاً بأنظمة الفقر والإفقار كيلا يصلوا إلى الإستحقاق الإشتراكي . غير أن إنتاج الأسلحة في روسيا وإنتاج الخدمات في أميركا لن يعمرا طويلا، فهما يتقدمان سريعاً نحو الموات . قوى الحياة في المجتمعين الروسي والأمريكي ترفض الموت من أجل أن تحافظ البورجوازية الوضيعة على تقسيم العمل وخاصة أن عمل البورجوازية الوضيعة هو عمل طفيلي ميت يتغذى على حساب الطبقتين الأعلى والأدنى منها .
سريعاً ستنهار طبقة ىالبورجوازية الوضيعة لتختفي الجتعات الطبقية مرة واحدة وإلى الأبد .
ولذلك نحن ننادي إلى أن يستعد الشيوعيون منذ اليوم لمقاربة تلك المرحلة الوشيكة مسلحين بكل العلوم الماركسية التي طالما تدارسوها .

(إنتهى)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خريطة سهلة باتت اكثر سهولة واشد تعقيدا مع العولمة
محمد البدري ( 2018 / 4 / 3 - 19:49 )
هذا تعليق متضمن في مقالكم السابق
--------------------
شطر ماركس العالم الاجتماعي الي شطرين ملاك ومأجورين. الاول يملك والثاني يبيع ما يملكه. يتداولان الثروة عبر عملية جدلية قوامها العمل بيعا وشراءا علي اساس حاجة طرف للطرف الاخر لكنها تتراكم في اتجاه واحد. هذه المعادلة ممتدة طوال التاريخ في بقع منفصلة وجزر متباعدة اسمها الاوطان بحدودها الجغرافية والسياسية والثقافية واللغوية. بعض هذه الجزر اصبحت اقرب الي صناديق القمامة وبعضها لازالت الجدلية تعمل بكل قواها فارتقت الي مستويات تفوق شروط زمن ماركس.

وحسب الطرح في جميع ما كتب في صفحتكم فقد خان البعض ثورته في جزيرة لم تكن هي ما توقع ماركس ان تنشا فيها الثورة، بافتراض ان الثورة التي ستحل مشكلة التاريخ الانساني الطويل قابلة للحل في بضع سنين لاتزيد عن العشرة. ففيروس الفشل إذن كان كامنا فيها، وبالتالي اين حل معضلة ماركس بخريطته السهلة والبسيطة التي لم تعد لا سهلة ولا بسيطة؟

العزيز النمري اليك اجمل تحياتي واحترامي


2 - الصديق العزيز محمد البدري
فؤاد النمري ( 2018 / 4 / 3 - 23:02 )
النقاط التي تطرحها حصرتك تحتاج معلجتها كتابة مجلد ضخم لعلي اكتفي هنا برؤوس أقلام
القول بأن بذرة الإنهيار كانت متواجدة بثورة أكتوبر منذ انطلاقها هو مبدأ أساسي في الفلسفة الماركسي حتى لو قامت الثورة في أكثر البلدان تقدماً
لكن هذا اتلنيدأ ليس ذا معنى في ثورة البلاشفة
كان امتحان الحرب العالمية أقوى اختبار لقوة الثورى وهو كا جعل تشيرتشل يكتب إلى ستالين يقول أنه يؤمن بأن السوفييت هم مردة
يعد أن فقد السوفييت 9 ملايين جندي احتلوا برلين ب 6.5 مليون جندي
وخسروا في الحرب 106400 طائرة و 86500 ديابة
ليس بعد كل هذا يكن الإدعاء بأن الثورة قامت بغير كانها وبغير زمانها

بكن بعد كل هذا حذر ستالين من انهيار الثورة في العام 1952 وفي العام 1963 عندما تيسر لي في السجن قراءة تقرير خروشتشوف لمؤتمر الحزب سألني الرفاق عن رأيي بالتقرير فأجبت أن الاتحاد السوفياتي سينهار في العام 1990 فايتسم الرفاق ساخرين
من كان في ستينيات القرن الماضي يتخيل أن الاتحاد السوفياتي سينهار ؟
لا أحد، قطعاً لا أحد

تحياتي للصديق البدري

اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024