الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات و CISMOA والدولة حارسة التناقضات

حاتم الجوهري

2018 / 4 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


كُشف النقاب مؤخرا في خضم الانتخابات الرئاسية عن توقيع مصر لاتفاقية مع أمريكا تعرف بـ "CISMOA"، التي تنص على أن يتم توليف أنظمة الإتصالات العسكرية بين القوات الأمريكية والدولة الموقعة، والسماح للقوات الأمريكية بالحصول على أقصى مساعدة مُمكنة من الدولة المُوقِّعة، من قواعد عسكرية و مطارات و موانىء و أيضا الإطّلاع و التفتيش على المعدات العسكرية، لضمان عدم قيام الدولة بنقل التكنولوجيا الأمريكية لطرف ثالث، وفي المقابل يتم الإفراج عن التكنولوجيات الأمريكية المحرمة لتحصل عليها الدولة المُوقعة، كبعض الأنظمة الحسّاسة من إتصالات وملاحة وأسلحة مُتطورة. اختصارا هى خطوة جديدة في التبعية لأمريكا في مقابل بعض الميزات والمنح، ويكون السؤال إذا كانت أمريكا تدعم التوسع والهيمنة الصهيونية، وإذا كانت تري في الشرق والإسلام والعرب عدوا، وإذا كانت تعتمد سياسات تفكيك العالم العربي وضمان عدم استعادته لمشروعه الحضاري، فكيف نُوصفُ تلك الاتفاقية ونحدد موقعها من الإعراب في سياسة الإدارة المصرية ورؤيتها للمستقبل..

ما بعد الانتخابات
لقد فضلت نشر المقال بعد انتهاء استقطاب الانتخابات وما صحبها من شحن زائد كي يظل الأمر بعيدا عن دائرة المزايدات، وهنا يجب أن تعيد البلاد النظر في الكثير من سياساتها وتتجاوز هذه المرحلة الصفرية، إذا أرادت استعادة الحد الأدني من التعاطف والتلاحم الشعبي المفتقد وسط صراخ الانتهازية والأدعياء، ومن لن يجد له مكانا في المجال العام إلا في مثل هذه الأجواء الاستقطابية التي تفرز أسوأ ما في البلاد وتضعه في المقدمة، وتدفع بأهل الموضوعية وداعاة المؤسساتية والحل والربط والحفاظ على حد أدني من منظومة القيم في المجتمع المصري، إلى الوراء.

مفهوم الدولة حارسة التناقضات
حينما قدمت تصورا عن أزمة الشعب المصري وعلاقته بالحضارة وموضوع الثورة والسلطة عبر التاريخ في كتابي: "المصريون بين التكيف والثورة: بحثا عن نظرية للثورة"، وضعت عدة نماذج تفسيرية واستخدمت عدة مفاهيم أو مصطلحات خاصة بطرحي، ثم في مقالاتي التي تلت الكتاب (صدر عام 2012) أخذت أكمل تصوري وأضفت مجموعة من التصورات والمفاهيم، كان منها مصطلح :"أسطورة الدولة حارسة التناقضات"، وأردت به التمييز بين فكرة دولة مصرية حرة تسعي لبناء واستكمال مواردها ووجودها المستقل، وبين فكرة دولة مصرية قديمة يضمن بقائها ضامن دولي (أمريكا) لأنها تحرس أهدافه وتحافظ على وجود التناقضات داخل البلاد والمنطقة العربية، ولكي تظل محصلة التدافع الحضاري المصري والعربي صفرا محلك سر.

الحاجة للضامن الخارجي
فالمسألة هنا أن البلاد لا تسعى لتفعيل قواها الداخلية واصطفافها وفرز أفضل ما فيها، وإنما تعتمد على مفهوم خلق التناقضات والاستقطابات الداخلية لتشويه البناء والتراتب الاجتماعي الطبيعي ليذهب بعضه بعضه، وتظل الحاجة دائما لموارد خارجية تمكن من استمرار التراتب الاجتماعي المشوه وتغييب العدالة الاجتماعية، في مقابل تأمين مصالح الضامن الخارجي مع الالتزام منه بمصاريف إدارة البلاد المستمرة، ومطالبته بالمزيد من الهيمنة والخضوع دوما، لتظل البلاد دائما في حالة ضعف وهشاشة.

سلسلة لن تنتهي
في هذا الإطار يمكن أن نضع التنازل عن أمن البحر الأحمر في ملف تيران وصنافير، والتقهقر والخضوع في ملف سد النهضة وأزمة المياة المقبلة، وسفور الترتيبات الأمريكية والصهيونية للقدس والفلسطينيين وسيناء فيما يعرف بملف "صفقة القرن"، وأخيرا وليس آخرا اتفاقية "CISMOA" والخضوع للهيمنة والتوسع الاستعماري الأمريكي في شكله المنمق، الأزمة أن هذا هو "طريق الذي يذهب بلا عودة" كما كنا نقول في حواديتنا المصرية ونحن صغارا، حينما كان البطل يختار ما بين: "طريق السلامة- طريق الندامة- طريق الذي يذهب بلا عودة".

لكي تستمر "أسطورة الدولة حارسة التناقضات" والشكل الحالي للديار المصرية، فسوف تضطر البلاد لتقديم المزيد من التنازلات كل فترة، وربما حين لا تجد ما تتنازل عنه ستلجأ من تلقاء نفسها لتفعيل التناقضات والأزمات في أحد ملفات التوازانات التي تحرسها داخليا وخارجيا، قد تُسخنُ أي ملف استقطاب داخلي، ربما فتنة طائفية ما، ربما توظيف جماعة سياسية لتخرج على المجتمع وتمارس العنف بحمق ودون وعي، والاحتمالات والمبررات لا تَفرغ، لتضغط على الضامن الدولي للحفاظ على بقائها والمساهمة في مصاريف إدارة الدولة الحارسة، لأن القيمة المركزية للدولة حارسة التناقضات ليست التنمية أو النهضة كندٍ للآخرين في "التدافع الحضاري"، وإنما قيمتها المركزية التأكيد على الفتنة وإدارة التنتاقضات والحرص على تشوه بناء التراتب المجتمعي الطبيعي في البلاد.

طريق "الذي يذهب بلا عودة"
مصر بهذه الطريقة ستدخل سرداب "الذي يذهب بلا عودة"، كما كانت تخبرنا حدوتة جدتي الشهيرة عن قصة الشاطر حسن المعروفة في مصر، والطرق الثلاثة التي عليها أن يختار منها: (طريق السلامة- طريق الندامة- طريق الذي يذهب بلا عودة).. ويا ليت البلاد اختارت "طريق الندامة" حيث لابد سيتبصر الناس سريعا بواقعهم ويطالبون بالنجاة والسلامة والعودة، لكن البلاد تسير في طريق اللا عودة، طريق يقوم على الفتنة وإثارة التشوهات الاجتماعية وتوظيف الأدعياء وإخراج أسوأ العناصر الانتهازية في المجتمع.
وكلما اقترب أي حراك اجتماعي ما من التشكل لرفض تكتيك "الدولة حارسة التناقضات" وتفكيك مقدرات البلاد ومستقبلها، كلما سيعمد الانتهازية والمستفيدون لتفريغ هذا الحراك الاجتماعي، بحجج فزاعة الأمن والسلام والاستقرار وكل ما تقدم "الدولة حارسة التناقضات" نفسها كساتر بين البلاد وبين الحرمان منه!

بديل الدولة حارسة التناقضات
إن المجتمع الفعال هو بديل الدولة حارسة التناقضات، حيث يقوم المجتمع على الفرز الطبيعي الفطري ليخرج أفضل عناصره، ويتم توزيع الخدمات والمصالح السيادية بالعدل، وتُفعّل البلاد مستودع هويتها التاريخي وتستعيد ذاتها الحضارية، وتدافع عن مسلماتها داخل وخارج الحدود المصرية، وتسعي لتأمين نفوذها الإقليمي والدولي بما يخدم تقديم مصر لنموذج حضاري جديد تحترمه الإنسانية ككل ويليق بها.
عله يخرج من يعي بخطورة التناقضات والاستقطابات الحاصلة في بنية المجتمع المصري، ويكون لديه من الإرادة الصلبة التي تتسق مع ذاكرة البلاد الحضارية وطموح نهضتها ومناطق نفوذها الجغرافي.
الأزمة أن إدارة البلاد تحيط نفسها بمجموعة كانت على هامش إدارة مبارك القديمة، وتسعى هذه المجموعة للانتقال من الهامش إلى الصدارة، وكل ما تقوم به هذه المجموعة في البلاد حاليا، هو إعادة توزيع المنافع السيادية والخدمات والأراضي لتخلق من نفسها طبقة مستفيدين جدد على رأس التراتب المجتمعي المصري، وتحرص على تعميق التشوه والاستقطاب الحاصل لتزيد من تكلفة الإصلاح، وتزيد الأمر تعقيدا.

كل الأمنيات والأمل
كل الأمنيات؛ أن تتراجع البلاد عن اتفاقية الخضوع (CISMOA)، وعن التنازل عن تيران وصنافير، وعن أزمة التوقيع على سد النهضة، وخيبة المشاركة في "صفقة القرن".. لكن ذلك سيترتب عليه أن تواجه إدارة البلاد الحالية كل التناقضات القديمة التي ورط فيها مصر الرئيس الأسبق مبارك، المؤسس للدولة حارسة التناقضات في التاريخ المصري المعاصر وأسطورتها، إضافة لأن الإدارة الحالية للبلاد سَخنت مواضع تناقضات كانت باردة مع فرق الدين السياسي المتعددة ووظفتهم، كي تستطيع الهروب من مطالب استعادة المصريين لكرامتهم وحضارة بلادهم في أعظم ثورة قيمية شهدها التاريخ الحديث في 25يناير 2011م
كل الأمل أن يكون من بينهم ناصح أمين؛ يُخرجنا من دائرة التناقضات التي وقعت فيها البلاد بعد استقطاب المجلس العسكري الأول للإخوان ودخولنا في السرداب والدائرة المغلقة، كل الأمل أن تتجاوز إدارة البلاد السياق التاريخي الذي عبرت منه للسلطة، وتتبصرُ قيمة العدالة ومواجهة شبكات المصالح (الموروثة والناشئة)، وتتجاوز استقطابات ما بعد 25يناير، وتدرك درس انتخابات 2018 الرئاسية ونسب المشاركة الفعلية، وتتصالح مع شباب هذه البلاد وثوارها الحقيقيون المخلصون الحالمون من أجلها وعيونهم مفتوحة إلى أقصاها، كل الأمل، كل الأمل.

سنن التاريخ
وإن لم يكن فسنن التاريخ ودروسه القاسية هي خير معلم.. فصبر جميل؛ إنما لا تتغير الأمم تغيرا كالذي حلم به المصريون في يوم وليلة، مثل هذا التغيير سوف يأخذ وقته لتجاوز أثر ما تركته آلاف السنين من القهر والاحتلال الأجنبي وقمع مقدرات البلاد روحها الحرة، العالم كله في رهبة، ماذا إذا استعاد النموذج الحضاري الأول في العالم وعيه بذاته، وبأزمته القديمة وقدم مشروعا جديدا للإنسانية!
مصر تحاول تجاوز كل النماذج الإنسانية الحالية، وذلك في حاجة لإرادة من حديد، لأنه كالخلق الجديد، وكأنه نبي جديد في أمم بائدة، لن يصدقه سوى القلة ولكنه مع الزمن سوف ينتصر بإرادة هؤلاء، ولن يعادي أحدا ولن يقع في فخ استقطابات تفرضها طبائع الأمور وسنن الحياة.. فصبر جميل يا أولي الألباب.. فصبر جميل.


















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس وإيطاليا توقعان 3 اتفاقيات للدعم المالي والتعليم والبحث


.. #إندونيسيا تطلق أعلى مستوى من الإنذار بسبب ثوران بركان -روان




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار التي خلفها الاحتلال بعد انسحابه من


.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش صفقة التبادل والرد الإسرائيلي عل




.. شبكات تنشط في أوروبا كالأخطبوط تروّج للرواية الروسية