الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تِجَارَةُ الجَهْل لا تَبورْ ..

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2018 / 4 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منَ المَعْلوم أنّه كلّما تقدّم العلم بجلائه و ازْدادتْ حقائقه الأكيدة ، سعى بقوةٍ مُتزايدة إلى الإطاحة بالأفكار الإيمانية اللامنطقية وهزيمة بعض المُعتقدات الخرافية السائدة ، لكن الانسان – حسب زعمي - يكره أنْ يتخلى بسهولة عما آمن به لقرون عديدة ، أو أنسَ إليه طوال سنين عمره ، واعتاد القلب منه على تصديقه تماماً وتأكيد طاعته بين ذويه وأخلائه .
و الملاحظ لديّ ، أنّ المرء (صاحب الإيمان المطلق والتسليم العميق) ، عندما يسْبر أغوار العلم أو يتسلق أسواره ، أو يمضي بصدق العارف البصير في سنا أنواره ، يواجه صعوبة بالغة في مراجعة أيّ جزءٍ – ولو يَسيرٍ - ممّا آمن به تقليداً و وراثةً عن آباؤه وأجداده ..
و كثيراً ما نَجدهُ يلبس حالَ المُحال في تكذيب مَرْويات من يتبَعهم أو أحاديث من يُقدّسَهم ، مهما بلغت من الوضاعة و التهافت ، بل قد يخاف - أحياناً - مُجرّد الشك بحقائق من يَحْسَبهم أئمّةً عليه أو معصومين عن الخطأ أصلاً . حتى ولو بيّن له العقل والمنطق العلمي جلياً تُرّهاتها ووضحت له التجرُبة ملياً هشاشة مقولاتها ...
ولذلك نرى ذاك اليقيني يسعى بدأبٍ ومثابرة الى امرين ، ربما ثالثهما لم يعد نادر الحدوث كما في السابق :
الأول : المُجاهرة بالقديم البال أكثر فأكثر ، والدعوة بلا خجل إلى مُحاربة الفكرة الجديدة و حشد الدعم لرفضها كليّة ..كما نرى لدى بعض المسلمين من السلفيين والوهابيين و .. في قضية دائرية الأرض ..
الثاني : الهروب إلى الدّجل المُحكم و تصدير الخطاب الجذّاب ، في محاولة يائسة منه إلى إيجاد موائمة - ولو شكلية - بين مُعتقده القديم الميت وبين جديد الحقيقة العلمية .. كما نرى لدى بعض الدعاة الكذبة من أصحاب الإعجاز العلمي في الكتب المقدسة ..
الثالث : الرفض والمُكابرة والعداء السافر و الواضح لصحيح العلم ..و اتقان التجارة بالدّين والعقيدة واستخدامهما كمطيّة في سبيل تحقيق أهداف سياسية ومالية واجتماعية ..الخ .
و بالطبع ، لنْ يتمّ كل ذلك – للأسف - دون القيام بضجيج وعنف اجتماعي ، حيث يعمّ صمت المُواربين و يسود خطاب المنافقين من الأئمة و المُصلحين ، ثمّ يعلو صخب الغوغاء على الرشاد حتى يقدّم مقالاً سفيهاً يشبه الصواب في أكاذيبه ..
وهنا جدير بنا أن نتذكر معاً ..
بأن الأديان بعامة ، تعتمد في خطابها على أسلوب " الديماغوجيا " أي التعمية الفكرية..
ومعنى كلمة " الديماغوجيا "- كما باتَ معروفاً – يتأتى في أنّها كلمة يونانية في أصلها ، و مُشتقة من كلمتين ( ديموس ) ، التي تعني الشعب و(غوجيا ) و تعني العمل ، أما معناها السياسي فيعني مجموعة الأساليب التي يتبعها المُشتغلون بالسياسة لخِداع الشعب ، وإغراءه ظاهرياً إلى حين الوصول للسلطة بدعوى خدمة مصالحهم أو سعياً لحماية معتقداتهم أو خلاصاً لهم من شرور واقع ظالم لهم أو .. أو الخ . ..
كما و تُستخدم - الدّيماغوجيا - كإستراتيجية ماكرة ، تسعى لإقناع الآخرين وتضليلهم بالاستناد إلى مخاوفهم و أفكارهم الإعتقادية المُسبقة ..
ولا بأس أن نذكر هنا ، بأنّ الديماغوجيا الدينية بالذات ، تُعتبر من أسوأ أنواع التضليل الفكري وأخطره ، لكون أربابها يعتمدون دائماً على جهل السامعين و سذاجة المؤمنين و اللعب على عواطفهم .
ولهذا ، نجد تلك الفئة من " رجال الدين" تعمل بدأبٍ وجدٍ منقطع النظير ، على استغلال حماسة أفهام الناس ، على اختلاف مشاربهم ، وتدرج مستويات تعليمهم ..
حيث نراها تسعى للتركيز على شحن أمانيهم الصادقة ، والتحكّم التام بمخاوفهم من المجهول ، وإدعائها رسم أسلم الطرق لهم للوصول إلى الفردوس الأعلى ، من خلال طقوس لا عقلية جليلة مُكللة بأساطير الأولين تارة ، و مسكوكات لغوية غامضة ، أو بيان مرهوب وسجع لعبارات عاطفية جذّابة تارة أخرى ..
وهي ذات الديماغوجيا التي شهدناها مؤخراً في ثورات الصقيع العربي تُدَمّر الإنسان وتفتت الأوطان و تدبّج للناس البسطاء الشعارات الانفعالية البرّاقة .. مثل :
نحن نحبُكم في الله ، نعمل لأجلكم ، جئنا لنحرركم (من الظلم إلى الظلمات)... أو أن فتوحاتنا ليس مقصدها الغنائم والسبي أو القتل إنما لنشر الهداية وإعلاء كلمة الله ، أو أن ثوراتنا المجيدة إنما هي لله لا للسلطة ولا للجاه .. أو ..الخ .
بالطبع كلنا يعلم ، أنْ لا أسهل من أن تُغذي العقول بأي باطل وتتحكم بأصحابها إن أنتَ أحسنتَ تقديمه في لبوسٍ ديني ..
فالدين - بالنهاية - شعور توجهٍ نحو المُطلق ، ينهض على عواطف متعددة في الأساس ، والتجارة بعواطف الجهلاء جذابة ومُرْبحَة ، و لها عدَّتها البسيطة و عديدها الكثر .. وهي قلّما خسرت نزالاً عبر التاريخ ، خاصةً ، إن هي شاركت رماح السلطة الغاشمة في مغانمها ، أو تحالفت مع ذوي البأس والبطش ..
قصارى القول : تبقى التجارة الدينية – في اعتقادي - خطرة للغاية ، ليس على عقل المؤمنين فقط ، بل كذلك على جوهر الدّين نفسه ، لأنّها تفتت من عضد الذهن و المُجتمع ، حيث تحرّف بالضرورة روح النصوص المُقدّسة ، وتشوّه - عمداً - فهم مرامي الدّين العام ، وتُجرّده من أهمّ وأقوى مُقوّمات وجوده ، من حيث هو حالة ترابط روحية سامية ، و رسالة محبة وسلام ، يجب أن تجمع في مقاصدها النهائية الأفهام المُتباينة بين الناس المختلفين في الإعتقادات والعبادات وتخفف شقاء طرق تحصيل المنافع فيما بينهم .
وهي أولاً و أخيراً : صلة شعورية ذاتية شديدة الخصوصية ، تمتد من عميق وجدان الإنسان نحو الخير المُطلق أو العقل الكلّي ( الله ) ..
وللحديث بقية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah


.. #shorts -75- Al-baqarah




.. #shorts -81- Al-baqarah