الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الستار ناصر يصطاد لآلئ النصوص في سوق الوراقين قاص أبدع قصصاً جميلة

شكيب كاظم

2018 / 4 / 4
الادب والفن



هذا كتاب قرأت جلَ فصوله ان لم اقل كلها منشورة على صفحات (الف ياء) الثقافية لجريدة (الزمان) اذ واصل عبد الستار ناصر الكتابة في حقله الاسبوعي المعنون (بهدوء رجاءً)، واستمر على ذلك سنوات عدة، وفي الذاكرة مقالته التي خصصها للذكرى السابعة على تواصله مع (الزمان) المعنونة بـ(الدخول في السنة السابعة) – الزمان- السبت 24/12/2005.
لقد قرأت اكثر من كتاب، من كتب عبد الستار ناصر، تلك التي نشرها بعد مغادرته العراق خريف عام 1999، اذ قرأت مجموعته القصصية (الكواش) الصادرة طبعتها الاولى عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت عام 2000، كما قرأت موجزاً لتجربته في كتابة القصة والرواية، نشره في كتاب عنوانه (حياتي في قصصي) صدرت طبعته الاولى كذلك عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت عام 2001، وقد بحثت عن (الحكواتي) مجموعته القصصية التي كتبها في عمان ولم احصل عليها، لكني قرأت مقدمتها في (الزمان) السبت 4/12/2004 – ولقد حصلت على نسخة من كتابه الجديد (سوق الوراقين – كتابات في القصة القصيرة والرواية والشعر) والصادرة طبعته الاولى عن (دارورد) بالاردن عام 2007 ولم يقتصر ذلك على كتاباته الجديدة، اذا انني حريص على متابعة وقراءة ابداعات هذا الكاتب المهم، او الخطير كما وصف نفسه في احدى المقابلات المجراة معه في الثمانينات. فمنذ كتاباته الاولى في جريدة (الخليج العربي) البصرية منتصف الستينات (1966) ومنذ قصته (فوق الجسد البارد) وانا اواصل الابحار في اليم الابداعي والاوقيانوس المعرفي لعبد الستار ناصر.
الكتاب الذي انا بصدد الحديث عنه وتقديمه الى القراء، احتوى على محاور عدة، في المحور الاول رسائل الى عدد من المبدعين الكبار في عالم الكتابة مثل: خورخي لويس بورخس وماريو بارغاس يوسا، والشاعر السويدي توماس ترانسترومو الذي سيحصل على جائزة نوبل للآداب لسنة 2011 والشاعر الاسباني انطونيو غالا، والرسالة الاخيرة الى غابرييل غارسيا ماركيز الروائي الكولومبي الحائز على جائزة نوبل للادب عام 1982، الذي اصبح اكثر شهرة من بلاده، فالكثير من الناس لايعرفون اين تقع كولومبيا، ولعلهم يعرفون الكثير، الكثير عن حياة (غابيتو) وهذا هو مايطلقه عليه معارفه واصدقاؤه تسمية له، عن ابداعاته وكتاباته ونزواته وسقطاته.
في هذه الرسائل يفصح عبد الستار ناصر، عن الكثير من خلجات الذات وارهاصات النفس، انه يجد ان لم يبق مايمكن تسطيره وكتابته، بعد كل الذي كتبه هؤلاء العظام وقالوه، ارى عبد الستار ناصر، على خلاف عادة الكتاب والمبدعين، متواضعاً خجولاً، لا بل يحس بالضعف، ازاء ابداعات هؤلاء الكبار، واذا كان التواضع جِبِّلة محمودة، لاسيما ونحن نواجه كل آن بالانوية المتورمة المتنفجة لذوي القلم، صغيرهم وكبيرهم، فأرى ان عبد الستار ناصر، مبدع كبير من مبدعي العراق والامة العربية، وانه قد نال من المجد وشيوع الذكر، مما يشرئب نحوه الكثير من حملة الاقلام في بلادنا، دون ان ينالوا عشر معشار ما حصل عليه عبد الستار، وانا – هنا – لاأعني الشهرة الزائلة فكثير من الرياضيين والاذاعيين ومقدمي البرامج والشخصيات العامة، نالوا شهرة واسعة، انطفأت بمرور الايام وخبتْ، بل أعني الشهرة التي يردفها خلود الذكر وبقاؤه، مدة قد تطول في أذهان المتلقين.
كثيراً ما قلت لاصدقائي ان المبدع والباحث والكاتب، بحاجة الى ان يعيش حياته القصيرة، اصلاً وايامه القليلة اساساً، ازاء مليارات السنوات من عمر الكون الذي مازال يتمدد، على ضوء ما جاء بنظرية العالم الفيزياوي البريطاني (ستيفن هوكنغ) استاذ الرياضيات في جامعة كمبردج، وهو الكرسي الذي شغله عالم الرياضيات والفيزياء (ايزك نيوتن) في كتابه الذي طبع اكثر من عشر طبعات في بريطانية، وسجل اكثر المبيعات خلال عام 1988 والموسوم
بـ (A brief history of time-from big bang to black holes)
المبدع بحاجة الى ان يعيش حياته بكل امتداداتها وان يتفرغ كلياً لدنيا الحرف والكتابة والبحث، كي يقدم شيئاً مذكوراً، فأنت اذ اخترت الكتابة اخترت، ان تحيا على الجانب الاخر من حياة الناس الاخرين، الذين يقتلون الوقت بالفارغ من الاهتمامات، والحياة الاجتماعية تأخذ من وقت الكاتب الكثير الكثير، ولقد رأيت تناغماً مع ما سطره عبد الستار ناصر الى بورخس ((كيف تمكنت من اقتراف تلك الجريمة يابورخس؟ ان تتزوج كما يفعل بقية خلق الله؟ الا تستحي من ثيابك وايامك وطقوس حياتك حين فكرت بالزواج؟ ألاعب تنس انت او طبيب او مهندس معماري او شيال حتى تفكر بالزواج؟ اما كنت تدري ان الزواج محض حرب مرعبة او صراع بين عجوزين اصلعين من اجل مشط خشبي؟ لماذا تخليت عن ذكائك يابورخس؟
معذرة أقول: اما كان ينبغي البقاء حراً في بوينس ايرس وانت بورخس بلا منازع وبلا قيود وبلا وساوس؟ ماذا دهاك ايها العبقري المخبول حتى تتزوج؟ ))
في رسائل عبد الستار ناصر، الكثير من الاحباط الناتج عن تصرفات بعض (الاصدقاء!!) تجاهه الناتجة عن سخائم النفوس واحقادها وحسدها المدمر، فلقد قرأت، وسمعت الكثير من الطعن الذي يقترب من طعنة (بروتس) لابيه المتبني اياه (يوليوس قيصر) فقد توقع يوليوس قيصر، ان تأتيه طعنة الغدر من الاخرين، الذين يطمحون الى كرسي الحكم، لكن ان تأتيه من (بروتس) الذي تبناه وجعله ابناً له، حتى اطلق وهو يتلقى طعنة ابنه بروتس، صرخته التي مازالت ومنذ عام 44 قبل الميلاد، تدوي في ضمير الزمن، ولعلها لم تتلاش – على ضوء نظرية البرت انشتاين في البعد الرابع للكون- (حتى انت يابني بروتس) وعبد الستار ناصر تلقى الاساءات والطعنات، لانه كان يتصرف بتلقائية وشفافية، وطيبة، فضلاً على انه اسس لنفسه مكيناً في دنيا الابداع والكتابة، فجاءت طعنات الحاسدين الشانئين، يقول: "حين فتحت باب غرفتي، قلت لهم: اهلاً، لكن الطعنة جاءت من خلفي، ولم احزن، ولم ارد الطعنة بطعنة، بل كررت اهلاً وسهلاً وابقيت بابي مفتوحاً حتى شروق الشمس (...) اما اشنات الثقافة وطحالب الكتابة فهم (حالة) طارئة قد يستفيد منها المبدع في المقارنة بين الباطل والبطل، وبين ملامح المنهار وملامح النهار، ثم انهم- بصراحة- لابد منهم في حياتنا، اذ كيف يمكن ان تشير الى الرجل الصحيح، اذ لم يكن ثمة مرضى ومعوقون؟
في القسم الثاني من كتابه (سوق الوراقين) الذي وسمه بـ (في مشغل النقد) دراسة قيمة تناول فيها المبدع عبد الستار ناصر، رواية (باولا) لايزابيل اللندي، وفي هذه الدراسة الرصينة، يتألق عبد الستار ناصر، وهو متألق دائماً، هو اللاعب الجميل بالكلمات، وقلة هم الكتاب الذين يتميزون بأساليب في الكتابة جميلة، يتلاعب بالكلمات والجمل، كما يتلاعب الحواة، يرقصا ويلاعبها، ثم يعيدها الى مكمنها بعد ان يكون قد حصل على اكبر قدر من ما يمتع ويؤنس ويفيد، كثيرون هم الكاتبون، لكن قلة هم الذين يمتعون ويؤنسون ويفيدون.
لذا فأن دراسته القيمة لابداعات ايزابيل اللندي وخاصة روايتها التي اطلقت عليها اسم ابنتها (باولا) الذي الم بها مرض غامض، اودى بها سراعاً، كتبتها عند سرير مرضها، او الفندق الذي اقامت فيه اثناء تطبيبها، لكن ايزابيل اللندي ركوباً لموجة العري في الكتابة التي عصفت اوربة والغرب، شاءت ركوب الموجة العارية هذه، فاباحت بكل المستور والمسكوت عنه، وركبت الكاتبات العربيات والشرقيات هذه الموجة الاستعرائية الصاخبة: أحلام مستغانمي في ذاكرة الجسد، وعالية ممدوح في اكثر من عمل ومنها رواية (التشهي)، وتلك الروائية السعودية رجاء الصانع في روايتها المثيرة للجدل (بنات الرياض) فضلاً على رواية (برهان العسل) للكاتبة الصحفية والروائية سلوى النعيمي، وبحوث الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي عن حياة الحريم، فضلا على ما تطالعنا به مجلة (جسد) التي تصدرها في بيروت الشاعرة اللبنانية جمانة حداد واذ نطالع هذا البوح العاري، حتى من ورقة التوت، استذكر كم كانت ليلى بعلبكي حيية ومحافظة، وهي تواجه صخب الدنيا، يوم اصدرت مجموعتها القصصية(سفينة حنان الى القمر) عام 1962، التي جعلتها تقف امام المحاكم؟ وفيها بوح شفاف خافت عن رغبات امرأة تسافر وحدها الى باريس سياحة؟
واذ تقرأ هذا البوح الفضائحي، الذي بدأه الرجال، محمد شكري في (الخبز الحافي) بجزءيها مثلاً، نستذكركم كان جي. دي. موباسان محافظاً وهو يكتب روايته الجميلة (حياة صاخبة) او ذلك الذي كتب (عشيق الليدي تشاترلي) ديفيدهربرت لورنس، او وهو يكتب روايته (نساء عاشقات) بجزءيها فضلاً على الجزء الاول منها المسمى (قوس قزح) المنشورة عام 1915 والتي طالها المنع بعد شهرين من نشرها!!؟
عبد الستار ناصر، الذي امتعنا بقصصه القصيرة، التي لم يغادرها الى دنيا الرواية، شأنه شأن المبدع الكبير محمد خضير الذي يرىتعد تكفي لانتاج قطع فنية عظان سنواته الباقية لن يمة تستوعب مطامحه، امتعنا كذلك باحاديثه النقدية متناولاً (باولا) اللندي وبقية اعمالها، وكذلك اعمال الروائي الانكليزي جورج اورويل (1903-1950) وكذلك الرواية الفضائحية (الرأس المقطوع) لايرس مردوك ورواية (المقطورة) لمحمد شاكر السبع في (المشغل العراقي) وجميل ان يكتب القاص او الروائي نقداً في المشغل الذي يشتغل فيه الرواية والقصة، الامر الذي يذكرني بجهود القاص والروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي في دنيا الكتابة النقدية ممثلة بعديد كتبه: (الشاطئ الجديد) و (اصوات وخطوات) و (رؤى وظلال) و (من النافذة الى الافق) و (الغرس الاخر).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق