الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رمزية الجنس في أساطير ديانات الخصب

محمد بن زكري

2018 / 4 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


استهلال :
الأديان البراهيمية - العبرية (و أديان الأرباب الذكور عموما) ؛ تُشيْطنُ الجنس ، و تبخّسه ، و تحاصره بالتحريم و التجريم و العقوبات . فليس أخطر من الجنس على استقرار مملكة الرب الذكر في السماء ، و ليس أخطر منه على استتباب أمن سلطة الاستبداد الذكوري في الأرض ؛ ذلك أن الجنس هو غواية الطبيعة كلية القدرة .. متجسدة في الأنثى . و في البدء كانت الأنثى ، و كانت الديانات الأمومية ، تقدس الجنس ، كطاقة مخصِبة ، في مسار نشوء و تطور الظاهرة الدينية تاريخانيا .

1 : عبادة الأنثى في طقوس الجنس المقدس
في بلاد ما بين النهرين ، و على مدى نحو ثلاثة آلاف سنة (من منتصف الألف الرابعة إلى منتصف الألف الأولى قبل الميلاد) ، قامت حضارات سومر و بابل و آشور ، التي تعتبر المصدر الأساس للديانات الموصوفة بالإبراهيمية (الصابئية ، اليهودية ، المسيحية ، الإسلام) . و كانت الديانة السائدة في الحضارات الرافدية الثلاث ديانة أمومية (متريركية) أو مطبوعة بالأمومية ، تقام فيها الطقوس لعبادة ربة الطبيعة و الخصب و الدورة الزراعية (إنانا / عشتار) . و أهم تلك الطقوس الدينية هي طقوس الجنس المقدس ، التي تقام في رأس السنة ، حيث يتم في اليوم الأول بكاء الإله القتيل (دوموزي / تموز) . و في اليوم الثالث - أول أيام السنة الجديدة - يعلن الكهنة عن قيامة السيد من بين الأموات ، بقوة طاقة الإخصاب الكونية ، الكامنة في الإلهة عشتار ، الأم الكبرى ، العذراء ، العاشقة ، الشهوانية ، واهبة الحياة .
و بعودة الإله دوموزي / تموز للحياة ، رمزا لعودة الخصب و الخضرة و الإزهار ، تنطلق الاحتفالية الصاخبة ابتهاجا بعودة السيد من العالم السفلي ، حيث تتخلل ذلك العرس الجماعي ممارسات الجنس كطقوس دينية ، ترمز للتطهر من كل الآثام ، فالجنس هنا يكتسب قداسة مطلقة ، لارتباطه بالخصب في البيئة الزراعية لبلاد الرافدين و في الحياة عموما . و تبدأ الاحتفالية بطقوس الزواج المقدس بين الإله دوموزي / تموز (الذي يمثله الملك) و الإلهة (إنانا / عشتار) التي تمثلها كاهنة المعبد . و كان لابد للملك من أن يتنازل عن عرشه في أول أيام السنة - يوم قيامة دوموزي / تموز - و لا يستعيده إلا بممارسة طقس الزواج المقدس ، في فراش الربة إنانا / عشتار ، مع كاهنة معبدها ؛ ذلك أن الإخصاب لا يتم في الحياة ، دون أداء طقوس الزواج المقدس ، تعبدا لربة العشق و الحب و الشهوة ، الأم الكبرى الخالقة ، و ربة البعث و القيامة ، و روح الخصب في النبات و الحيوان و الإنسان .
و من تلك الطقوس التعبدية ، التي تقام تقديسا لربة الأنوثة و الشهوة ، الأم الكبرى الوالدة واهبة الحياة ، أن يأتوا بفتاة منتقاة عذراء ، فيجلسونها على كرسي مرتفع - رمزا لعرش الربة عشتار - و تفتح ساقيها حتى يظهر عضو الأنوثة ، ليركع أمامها الرجال على رُكبهم واحدا بعد الآخر ، و بكل الخشوع ينحنون ليقبلوا عضو الأنوثة ، باعتباره قدس أقداس الأنثى المعبودة ، إنانا / عشتار ، و إلا لَفقدَ الرجل اعتباره الاجتماعي و الديني ؛ فطقوس الشبقية المقدسة في ديانات الخصب ، هي ممارسة دينية روحية عميقة ، تعبيرا عن قدسية الأنوثة و إحياءً للفعاليات الإلهية الخلاقة بما للأنثى من دور في عملية الخلق بقوة فعل الولادة ، و تحفيزا لقوى الخصب و الانبعاث في الطبيعة .
و ما احتفالات عيد النوروز في بلاد الرافدين (عند الآشوريين و الكلدان و الكورد) و في عديد البلاد المجاورة ، و كذلك احتفالات عيد الأكيتو ، البابلو آشورية ، السريانية ؛ إلا استمرار لبعض تلك المظاهر الاحتفالية ، و قد تحولت إلى مهرجانات شعبية بهيجة لاستقبال الربيع (بما يرمز إليه الربيع من عودة الحياة و الخصب للطبيعة) ، حيث يكون للفتيات دور مميز في إحياء احتفالات عيدي النوروز و الأكيتو ، بما يمثله حضورهن الأنثوي من إحالة رمزية لسيدة الخصب روح الطبيعة الأم الربة إنانا / عشتار ؛ التي هي نيروز (ني روزا) أي ربة الزهر أو إلهة الإزهار ، حيث : ني = سيدة ، و روز = زهرة أو وردة ، اشتقاقا من الفعل السرياني رْوزْ ، الذي يعني أزهرَ ، بما يفيد عودة الحياة للنبات و عودة الخصب للطبيعة ، في الدورة الزراعية السنوية .

2 : عبادة الأعضاء الجنسية
في زمننا هذا ، نخجل أن نتحدث في جمع مختلط عن الأعضاء التناسلية ، لكن الأمر كان مختلفا تماما في العصور القديمة ، حيث كانت الأعضاء الجنسية محل تقديس و إجلال و مبعث اعتزاز و تقدير ، و كانت الصلوات و التراتيل الدينية طقسا من طقوس عبادة المهبل و القضيب . ففي تلك العصور القديمة ، و بمختلف البلدان ، و لدى كثير من الشعوب و التجمعات البشرية ؛ نشأت و سادت عديد الديانات ، التي تقدس مختلف الآلهة . و من بين تلك الآلهة عبد الإنسان الربات الإناث ، حيث سادت ديانة الخصب ، التي كانت طقوسها أنثوية محضة ، ومن ثم كان الناس يتعبدون للعضو التناسلي الأنثوي (الفرج / المهبل) ، باعتباره مصدر الحياة ، فقد وُجدت لُقى أثرية - في العراق و الشام - تعود إلى ما يزيد عن ستة آلاف عام قبل الميلاد ، تمثل الأنثى في منحوتات و تماثيل طينية ، تميزت بضخامة منطقة الحوض و ضخامة الثديين ، قياسا إلى باقي أجزاء الجسم ، بما يعنيه كل من الحوض و الثديين من إعطاء الحياة بالولادة و الإرضاع . و في الهند و جنوب شرق آسيا ، عُبد كل من المهبل و القضيب ، كإلهين مقدسين ، باعتبار أنهما هما الربان الخالقان واهبا الحياة ، فقد عبد الهندوس المهبل الإلهي (يوني) ، و شيدوا لعبادته المعابد ، و صنعوا له تماثيل ضخمة ، تجسد جميع تفاصيله التكوينية ، رمزا للربة الأنثى (شاكتي) ، و عبدوا القضيب الإلهي (لينغام) رمزا للرب الذكر (شيفا) . و كما كانت طقوس العشق المقدس ، تقام في بلاد ما بين النهرين (العراق) تقديسا للربة عشتار ، فقد كانت طقوس دينية مماثلة ، تقام في مناطق حوض نهر الإندوز و الهند عموما ، تقديسا لكل من الرب الذكر شيفا و رمزه القضيب (لينغام) ، و زوجته الربة شاكتي و رمزها المهبل (يوني) . و لا زالت تقام في اليابان احتفاليات فولكلورية الطابع (كانت بالأصل طقوسا دينية مقدسة) ، يحمل فيها الفتيان و الفتيات على الأكتاف عضوا ذكريا هائل الحجم ، يُطاف به في الشوارع ، عودةً بالذاكرة الجمعية إلى عصور عبادة رمزيْ الذكورة و الأنوثة في طقوس ديانات الخصب .

3 : لينغام و يوني (الحجر الأسود)
يعتقد المسلمون أن الكعبة هي مركز العالم ، بل هي مركز الكون ! و يعتقدون بأن ثمة كعبة أخرى في الجنة ، تقع مباشرة فوق الكعبة المكية ، يسمونها (البيت المعمور) !
و لا يدري المبرمَجون أيديولوجيا أنه على الأرجح - تاريخيا و أنثروبولوجيّا - من بين الآراء و الروايات الدائرة حول الكعبة ، أن الكعبة المكية قد بناها كبير الكهنة البراهمانيين الهندوس ، المسمى (أبراهام) ، الذي أتى جزيرة العرب على رأس هجرة جماعية هندية ، إثر فيضان مدمر لنهر السند شمال غرب القارة الهندية (باكستان الحالية) .
فما الكعبة المكية أصلا - عندما أقامها كبير الكهنة البراهمانيين : أبراهام - غير معبد هندوسي / شيفي ، مكرس لعبادة الإله شيفا ، تجسيدا للإله القمر (فلا توجد صورة أو تمثال لشيفا إلا و يكون مصحوبا فيها بالهلال) ، و ما الحجر الأسود غير رمز لـ (لينغام - Lingam) ، أي العضو الذكري للإله شيفا ، و يقابله المهبل الهندوسي (يوني - Yoni) ، الذي تأخذ تماثيله و صوره شكل (إطار) الحجر الأسود . فاللينغام (العضو الذكري) ، يرمز للإله شيفا (Shiva) ، و يوني (المهبل) ، يرمز لزوجته الربة شاكتي (Shakti) . و كلاهما - يوني و لينغام - معبودان مقدسان ، باعتبارهما إلهيْ الخَلق و إعطاء الحياة .
و كما هو التطابق بين شكل المهبل الهندوسي المقدس (يوني) و شكل غلاف الحجر الأسود ، فكذلك ثمة تطابق شبه كامل بين كل من طقوس الحج للكعبة المكية و طقوس الحج الهندوسية الشيفية ، كلباس الإحرام و حلق الشعر و الطواف ، و ما الحجر (النيزكي) الأسود و غلافه ، إلا تجسيد رمزي ، يحيل إلى فكرة اللينغام و يوني في الديانة الشيفية ، و كما تقبيل واستلام الحجر الأسود في الكعبة المكية ، فكذلك تقبيل المهبل الهندوسي يوني و الانحناء أمامه مع وضع وردة في الفتحة ، و إلا فإن الرجل يفقد قيمته في ألف هيئة من التقمصات الحياتية اللاحقة .
و ليس مستبعدا أن يكون العمود الحجري ، الذي يتوسط الشكل الدائري في مجسم رمي الجمرات ، تجسيدا لعضو الذكورة الشيفي (لينغام) و هو يخترق التجويف المهبلي (يوني) . تعبيرا رمزيا عن الاتصال الجنسي ، كطقس تعبدي في الديانة الشيفية ، الذي ربطته الديانة اليهودية - لاحقا - بالخطيئة و غواية الشيطان ، و تبعتها في ذلك بقية الأديان الإبراهيمية (البدوية) الذكورية ، التي قامت على أنقاض ديانات الخصب الأمومية ، و من ثم فقد تحول مقام لينغام و يوني ، إلى مَعلَم يمثل الشيطان (الرجيم) في طقس رمي الجمرات .

4 : جدلية الموت و الحياة بين الذكورة والأنوثة
في كل الديانات القديمة (الأمومية) ، الذكر يمثل السلب و الأنثى تمثل الإيجاب ، أو بتعبير آخر : الذكر يمثل قوة الموت ، و الأنثى تمثل قوة الحياة ؛ كترميز لجدلية تجدد الطبيعة ، في الانبعاث الربيعي . ففي الديانة السومرية تقبض عفاريت العالم السفلي على الإله دموزي ، وتبذل زوجته الإلهة إنانا التضحيات حتى يعود إلى الحياة من جديد . و في الديانة البابلية يقع تموز بيد شياطين الجالا ، فيذيقونه الموت ، لكن زوجته عشتار تستنقذه من العالم السفلي (عالم الأموات) ، فيعود إلى عالم الأحياء . و ما عودة دموزي / تموز إلى الحياة في الربيع ، إلا رمزا لتجدد الحياة في الطبيعة الأم . و في الديانة المصرية (الفرعونية) ، يقتل ست الإله أوزيريس ، فتتدخل زوجته إيزيس لتجمع أشلاءه المبعثرة وتبعث فيه الحياة .. مؤقتا لفصلي الربيع والصيف ، و في الأسطورة الدينية الفينيقية / الكنعانية (أدون و عشتروت) ، التي اقتبسها الإغريق في أسطورة (أدونيس و أفروديت) ، يقتل خنزير بري أدون (و يُطلق عليه أيضا اسم النعمان) ، لكنه يعود للحياة إكراما لحب عشتروت ، حيث ترمز زهور شقائق النعمان الحمراء في فصل الربيع إلى دماء أدون . و في اليوم الثالث لأعياد الإلهة (سيبيل) الربيعية ، التي تقام احتفالا بقيامة الإله (آتيس) من الموت (كعودة دموزي و تموز و أوزيريس و أدون) ، يقوم صغار الكهنة المبتدئين بإخصاء أنفسهم (فيما نعتبره اليوم غباءً مقدسا ، مقابل ما كان وقتئذ من البغاء المقدس) ، و من ثم إلقاء أعضائهم الذكرية المقطوعة عند جذع شجرة الاحتفال ، التي ترمز إلى إلهة الطبيعة الأم المقدسة سيبيل ، فيما يمكن تفسيره عبورا رمزيا إلى الأنوثة ، و ذوبانا في الذات الإلهية المؤنثة . و كذلك كهنة الإلهة (عشتار) ، هم خصيان منذورون للربة ، طهارة جنسية كاملة . و ما الخصاء الرمزي في الكاثوليكية (عدم زواج الكهنة) ، سوى طقوسية ترمز إلى التوحد بروح الطبيعة الكونية المؤنثة .
و إن كل تلك الأساطير و الطقوس الدرامية الدامية ، تلخص قوتي الحياة والموت ، المتجسدتين في الإلهة الأم (و عشتار هي أم زوجها تموز) ؛ ففي إطلاق جنسانية الأنثى توكيد لمبدأ الحياة ، وفي كف جنسانية الذكر تمثيل لمبدأ الموت . على أنه في أسطورة عشتار و تموز ، ومثيلاتها الأخريات ، تمثيل رمزيّ لانتصار قوة الطبيعة المؤنثة على قوى الموت و الشر و الظلام .

خاتمة :
الأنثى (المرأة) هي رمز الكمال الإنساني ، و هي التجلي كليّ الحضور الجميل للطاقة الكونية المِعطاء . و الجمال الأنثوي ، هو أعلى درجات الإبداع الفني لعبقرية الطبيعة الأم . و لو كان لابد من ديانة و لابد من ألوهية (و الأمر ليس كذلك) ، فليس غير الأنثى ربة معبودة ، و ليس غير عبادة الأنثى دينا قُدُسيا .
المجد للربة اللوبية ، الأم الأمازيغية الكبرى (تانيت / يَت) . و تعالت الأم الكبرى ، (إنانا / عشتار) المبجلة .
-----
مراجع :
- فراس السواح : لغز عشتار
- فراس السواح : الأسطورة و المعني
- فراس السواح : مغامرة العقل الأولى
- طريف سردست : عبادة الأعضاء الجنسية عبر التاريخ
- (https://www.youtube.com/watch?v=FwCCN6SD-Dk)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا