الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعابة لاسعة من باريس !!

حميد طولست

2018 / 4 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


دعابة لاسعة من باريس !!
من المشهور أن الهزل يزيل الهم، ويشرح الصدر، ويسهل الهضم ، لكننا نتفاجأ بين الفينة والأخرى بدعابات من باب ما يمكن أن يوصف بالمضحك المبكي ،الذي يجتمع فيه الضحك مع البكاء، حيث تضحكنا مواقف، وتبكينا مشاهد ، مع أننا لسنا حمقى ولازلنا عقلاء ؛
وكي أوضح الفكرة بشكل عملي وفعلي أروي للقارئ الكريم ما حصل أمامي صباح البارحة وأنا أتجول بأحد الشوارع الضاحية الباريسية الجميلة ، حيث رن صدى صوت إحدى الفرنسيات قويا في أذني معاتبة زوجها الذي ابتعد عنها خلال سيرهما ، تاركا إياها وراءه بخطوات قليلة قائلة: Je ne suis pas musulmane pour te suivre par derriere في إشارة ماكرة إلى منظر العادة السلوكية المنحرفة المتوحشة ، التي يتقدم فيها الرجل على المرأة والأولاد ببضع خطوات أو أكثر ، عندما تمشي العائلة في الشارع ، المشهد المألوف في الكثير من البلاد العربية والإسلامية ، والذي ألف خلاله أعداد لا حصر لها من الناقصين عقلاً والفاشلين دراسياً وعملياً ، من ترك زوجاتهم يمشين خلفهم ويتبعنهم أينما سار ، وهم يسيرون في الشوارع والأسواق خجلا من مصاحبة زوجاتهن ، خاصة أن الغربيين عامة والفرنسيين على رأسهم ، هم أصحاب عبارة (Les Femmes d abord Ladies First النساء أولا) الدالة على الكياسة والذوق والأدب والإتيكيت الحضاري في احترام المرأة وتقديرها وتقديمها لدخول أي مكان أو فعل أي شيء أخر، مما يدخل السرور في قلب المرأة أو الفتاة ، لأن الطرف الآخر أظهر لها نوعاً من الاحترام والتقدير ، ولأن الوضع الطبيعي هو أن تمشي المرأة بجانب زوجها لأنها رفيقة دربه وشريكة حياته وصديقة عمره التي اختارها و يفخر بخياره الذي يدل على شخصيته و تفكيره، -وهناك قصة لتلك العبارة الشهيرة نقف على أحداثها في الحواشي *1-
دعابة كادت توقعني على قفاي من شدة الضحك ، الذي سرعان ما انقلب إلى حزن ، بعد أن فطنت لما تبطنه العبارة ، رغم عفويتها ، من نظرة بعض أبناء الحضارة الغربية إلى المسلمين ، الذين يرونهم منحرفين عن سلوكياتهم التي توارثوها، وخاصة فيما يتعلق بالواقع الاجتماعي للمرأة المسلمة والعربية ، التي اضطر بعضهن للعيش تحت جناح الرجل لعدم قدرتهن عن التعبير عما يجيش في صدرهن من مشاعر "الحكرة" ، وعجزهن عن التمرد على بعض العادات والتقاليد الاجتماعية التي هي السبب الرئيسي في جعلهن كائنات من الدرجة الثانية وطرفا سلبيا في علاقتهن بالرجل الشرقي الذي لا يشعر كثيرا بمعاناتهن ، ويتحكم بمجريات أمورهن الحياتية في سخرية لاذعة ، تقرص وتلسع أكثر مما فعلته كاريكاتيرات "شارلي إيبدو" بالعالم الإسلامي الذي أثارت غضبه قبل أعوام ، وأدخلت المجتمع الفرنسي وغيره من المجتمعات الغربية في حالة تأهب عدائية من الإسلام والمسلمين ومن كل ذي سحنة عربية أو مسلمة ، بسبب ذاك التعامل الدوني المتخلف للمرأة ، الذي أصبحنا نعيش الكثير من مناظره في شوارعنا وأسواقنا ، بلا دهشة أو استغراب ، بعدما تكيفنا مع الواقع المهين والهاضم لحقوق المرأة ، والذي لا يمكننا بأي حال من الأحوال ، أن ندعي بأنه واقع غير مختص بالأمة العربية والإسلامية ، أو أنه واقع عام ويشمل كل شعوب العالم ، وعانت منه المرأة الغربية ما كابدت العربية والمسلمة، قبل أن تقطع الغربية أشواطا طويلة في استرجاع كرامتها وإثبات حقوقها، كما لا يمكن أن نغالط أنفسنا بالقول أنه واقع قديم ساد الأمة العربية في جاهليتها وعصور انحطاطها ، ثم اندثر مع تراجعها مع مجيء الإسلام وانتشار تعاليمه السمحة التي يتهمها البعض عن جهل بأنها السبب في وجود مثل تلك السلوكيات المتخلف في معاملة المرأة ، رغم ما أقرته وشرائعه من مساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات.
ومع كل ذلك ، لا يمكننا نفي وجود تلك السلوكات الذكورية المتخلفة ، لأنها بكل بساطة لازالت منتشرة ، وستظل كذلك بيننا ، بشتى الأشكال والتعابير والطرق المختلفة ، تبعا للذرائع التي يتذرع بها الرجال في ممارسة ضالتهم التسلطية على المرأة والنظر إليها بدونية سواء في التكوين أو في الدرجة والمكانة أيضا ، ولعل أهم ذريعة في رأيي المتواضع ، هو حب التسلط والتملك والترؤس الذي بداخل الإنسان عموما ، والذي لا أعتقد بأن المرأة المتعلمة والقوية يمكنها أن تتقبل أن يشعرها كائن من كان بأنها كائن من الدرجة الثانية ، لكن تبقى المرأة الجاهلة المتحكم بها ، راضية متقبلة للأوضاع المهينة ، مؤمنة بأن سخف مبدأ سيادة السي السيد و ريادته من تعاليم الدين الحنيف ، مبررة ذلك بالرجوع إلى نصوص الدين و إسقاطها على أفكارها المتخلفة المسبقة كقوله سبحانه وتعالى في سورة النساء :"الرجال قوامون على النساء بما فضل به الله بعضكم على بعض" ، رغم أنها لم تنزل لذلك الغرض..
ويرى البعض أن هذه مجرد مظاهر لا تقدم ولا تؤخر وليس لها أي دلالات فيما يتعلق باحترام الرجل للمرأة ..فيما يرى البعض الأخر بأن هذه المظاهر لها دلالاتها الكبيرة في مدى احترامنا للمرأة وان تصرفنا بهذا الشكل إنما يعكس حقيقة قناعاتنا بتسيد الرجل وتبعية المرأة ..؟
وتحضرني بالمناسبة طرفة تقول أنه قبل الحرب على أفغانستان كتبت إحدى الصحفيات الانكليزيات عن الوضع الدوني للمرأة أثناء حكم طالبان حيث كانت تمشي خلف الرجل بعدة أمتار، و بعد هذه الحرب بعدة سنوات عادت هذه الصحفية لتفقد وضع الأفغانيات في ظل الحرية فذهلت وفرحت كون المرأة الأفغانية باتت تسبق الرجل بعشرات الأمتار ولدى سؤالها إحدى الأفغانيات عن سبب هذا التحول أجابت أن الرجال باتو يجعلون النساء تسير أمامهم بمسافة خوفا من الألغام التي انتشرت بكثرة بعد الحرب لتنفجر بالنساء في حال وجودها .
حميد طولست [email protected]
مدير جريدة"منتدى سايس" الورقية الجهوية الصادرة من فاس
رئيس نشر "منتدى سايس" الإليكترونية
رئيس نشر جريدة " الأحداث العربية" الوطنية.
عضو مؤسس لجمعية المدونين المغاربة.
عضو المكتب التنفيذي لرابطة الصحافة الإلكترونية.
عضو المكتب التنفيدي للمنتدى المغربي لحقوق الإنسان لجهة فاس مكناس
عضو المكتب التنفيدي لـ "لمرصد الدولي للإعلام وحقوق الأنسان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. VODCAST الميادين | مع وئام وهاب - رئيس حزب التوحيد العربي |


.. 12345




.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع