الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (111) التجنيد الداخلي وأمن السلطة

بشير الوندي

2018 / 4 / 5
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (111)

بشير الوندي

التجنيد الداخلي وأمن السلطة
---------------
مدخل
---------------
كثيراً ما نرى في العالم الثالث وفي العراق بالذات , اشكالية حنين المواطن الى الماضي , فترى ان من كانوا في العهد الجمهوري يحنون الى العهد الملكي ويتغنون به , وفي عهد البعث المقبور يتغنون بعهد الزعيم المرحوم عبد الكريم قاسم , وهكذا في العهود التي تلتها , حتى وصل الامر بشكل خطير الى ان الكثير من الاوساط الشعبية باتت تحن الى عهد الجزار الدموي صدام .
وفي العموم , فان تلك الظاهرة تنبثق دوماً في حالات الاحباط من التغيير وفي التجارب الفاشلة التي تجعل المواطن يتمنى لو عاد به الزمن الى الوراء , لاسيما حين يقارن تأثيرات الواقع الجديد عليه في الجوانب الاقتصادية والامنية .
ومانركز عليه هنا هو التراجع الامني الذي يجعل المواطن يقارن الحكم السابق بالحالي , وهو الذي تعكسه طبيعة التجنيد الاستخباري الداخلي وارتباطها بشكل النظام السياسي وبمنظومة الفساد.
---------------------------
خلط المفاهيم
---------------------------
بدءاً , فان مبحثنا ليس مبحثاً سياسياً يفاضل سلطة على اخرى, وانما هو حيادي بالمعنى الاحترافي للكلمة , دون ان يعني ذلك ان الباحث لايفرق بين بشاعة الدكتاتورية الصدامية وبين الوضع الديموقراطي الحالي , لذا فان حديثنا يتناول الموضوع بالشكل العام دون تخصيص.
ان تحقيق الأمن يجب أن ينتج الوصول إلى الإحساس بالأمان المجتمعي , وهو من المهام الرئيسية لمفهوم الدولة الحديثة , حيث يتنازل المجتمع عن جزء من حرياته ويعطيها للدولة بشكل صلاحيات امنية , مقابل ان تكفل الدولة الامن لكافة الافراد باعتباره حق من حقوقهم الاساسية .
ان التأكيد على ان كفالة الدولة لأمن المواطن هو حق اصيل لايمكن سلبه الا بقانون , يعني بالضرورة ان حرية المواطن وامنه لاعلاقة لها بمدى رضاه او معارضته للسلطة السياسية القائمة , فلايكون المواطن بامان بقدر رضى النظام عنه , وانما بقدر التزامه بالقانون والنظام.
وبالتأكيد , فان مثل هذا النوع من الامن الذي يتمتع به المواطن لايمكن ان ينفصل عن شكل النظام السياسي للدولة , فهو لايتم في الشكل الدكتاتوري للدولة وانما يتم في النظام الديموقراطي التداولي .
فقد يستطيع الدكتاتور أن يفرض الأمن ولكن على حساب أمان الناس , من خلال الرعب , فيكون الامن هو امن السلطة , ولكن لو استشعر من اي مواطن بانه معارض لنظامه فانه يذبحه دون اي اعتبار للقانون والحقوق .
وكذا الامر مع داعش عندما احتلت الموصل , فقد فرضت ألامن , لكن كل اهالي الموصل فقدوا الأمان , فمنهم من قتل ابنه وآخر خسر أطفاله وآخر دمر بيته وصادر التنظيم ماله وبيته .
ومن هنا فان هنالك فرق جوهري بين الامن مع الخوف والأمن مع الأمان , وبحسب الاختلاف بين المفهومين , فان التجنيد الاستخباري يختلف تبعا لطبيعة النظام السياسي.
----------------------------------------التجنيد الداخلي وشكل النظام
---------------------------------------
يختلف تجنيد العملاء والمخبرين داخل البلاد بإختلاف النظام السياسي , فبرغم من ان العمل الاستخباري يجنح الى الاساليب غير الشرعية والقانونية بشكل عام , الا ان عمل الاجهزة الاستخبارية التي تعمل لصالح النظام الدكتاتوري يكاد ان يكون عملاً لااخلاقياً ويصل في تعاملاته الى حد وصفه بارهاب السلطة .
ويبدو الفرق واضحاً في طبيعة عمل التجنيد الاستخباري بحسب شكل النظام السياسي وبحسب درجة استشراء الفساد , ففي البلاد الدكتاتورية ترى ان الامن هو امن سلطة والسطوة الامنية والاستخبارية مرعبة , والمخبرون منتشرون في كل مكان , ولكن في أول فرصة ينقلب المخبر على الدولة , ومثاله ما حدث في سوريا , فقد كانت لها قبضه أمنية خانقة على شعبها , ورجال الأمن يعرفون كل شي بحكم خوف الناس وتعاونهم مع السلطة , ولكن عندما تهددت السلطة تركها المخبر لمصيرها وهرب.
وهو ذات الامر الذي حصل في الاتحاد السوفيتي , فالاستخبارات السوفيتية كانت تمتلك أكثر من 9 مليون مخبر ولكن انهارت الدولة خلال أشهر فقط وتقسمت بلا تهديد عنيف او سلاح بل بالخطر الناعم , وتفكك الاتحاد وانقطع كل المخبرين وفشل جهاز الاستخبارات من حفظ الدولة.
ان السبب الرئيسي يكمن في اعتماد الاجهزة الاستخبارية في التجنيد الداخلي المحلي على اسلوب التجنيد القهري واستخدام الاطفال واللقطاء والمنبوذين والاشرار, وكذلك على الفساد الذي يستشري من خلال قوائم التجنيد الوهمية .
وان كنا نقر ان امراض التجنيد السلبية لاتقتصر دوماً على الانظمة الدكتاتورية وانما تتعداها الى الانظمة التي يستشري فيها الفساد , فالتجنيد الوهمي موجود بوضوح في العراق الجديد , كما ان تجنيد أشرار الناس حصل في الموصل قبل سقوطها , فكانت الاجهزة الأمنية تعتمد على أصحاب السوابق وضعيفي الأنفس كمخبرين , وسرعان ما أصبحوا قادة في داعش بمجرد زوال السلطة وتغيرها.
------------------------------------
تجنيد الاطفال والمشردين
------------------------------------
لعل أبشع أنواع التجنيد هو تجنيد الأطفال والأيتام وهو أمر بعيد عن الانسانية والأخلاق والدين , وقد تم استخدامه في الانظمة القسرية والتنظيمات الارهابية , وهو من اتعس حالات التجنيد وأكثرها ظلما.
وكلنا نعلم عن سرية طيور الجنة في تنظيم القاعدة في زمن المقبور الزرقاوي , حيث كان يستخدم الأطفال - خاصة من ابناء قتلى التنظيم - لأغراض القتل والتفجير.
وقد طورت داعش الامر حين امسكت بالارض في الموصل والمنطقة الغربية , ودربت الكثير من الاطفال بمختلف الاساليب , لاسيما الايتام واللقطاء وابناء الارهابيين .
وقد انتشر مثل هذا النوع البشع من التنظيم في الانظمة الشمولية باستغلال براءة الطفل وتجعله مجندا لخدمة أهداف النظام , ولعل الكثير قد سمع (فترة حكم البعث ) عن اطفال اوقعوا باهاليهم دونما قصد حتى صار الاباء يخشون من ابنائهم .
كما ذهبت بعض الأنظمة لاستيعاب مجهولي المولد واخذتهم وربتهم وجندتهم في سرايا التجسس والاغتيالات والقتل وجعلت منهم ماكنة الطاعة وتنفيذ الأوامر , والى يومنا هذا توجد أجهزة استخبارية تنفذ التجنيد على الأيتام ومجهولي المولد وترعاهم لتجعل منهم قتلة او جواسيس او مخبرين بين المجتمع , ويبدو ان الامر له بعد تاريخي , حيث اعتمدته الدولة العثمانية في الجيوش الانكشارية .
-----------------------------------
التجنيد الداخلي والاستقرار
-----------------------------------
ان تحقيق الأمن بالخوف يحول الجهاز الاستخباري الى محطة رعب وخوف لاسيما مع تجنيد الصغار والأيتام والأطفال والتشجيع على التجسس العائلي وتجنيد الافاقين والمنبوذين , وبالنتيجة فانه امن متوتر لامكان فيه للوفاء والولاء .
ولاشك من ان اي جهاز استخباري يسعى للتجنيد , الا ان تجنيد ابناء الوطن ( التجنيد الداخلي ) في الدول التي تنشد الاستقرار والتكاتف , لابد ان يبنى وفق توجهات وطنية تجعل المخبر يندفع بحافز العدالة او حمايه الوطن , ودون قهر او ارادة مسلوبة ودون اللجوء الى جريمة تشويه براءة الطفولة .
ان الاسلوب الصحيح والامثل يتم في كسب ود وتعاون الناس على مبدأ الثقة بالاستخبارات والاطمئنان لها , بهدف العدالة وكبح الظلم وحماية المجتمع والوطن وهو السبيل الوحيد للاستقرار , اما أسلوب كسب تعاون الناس بالعنف والخوف والتهديد فلاينتج سوى فقدان الامان.
بل ان استقرار المجتمع وتطوره في بعض الدول المتقدمة ادى الى تقليص التجنيد الاستخباري الداخلي , فبدلاً من أن يعمل المواطن مع الاستخبارات لقاء أجر , فانه يندفع مجاناً بشعور المسؤولية الوطنية او الانسانية , وهنا يمكن اعتماد هذا المبدأ إذا كان البناء صحيحا.
ان الحكومات المتقدمة تنظر للبلد ككيان كامل , وان على كل مواطن أن يشارك في حفظ هذا الكيان , لذا تتبنى برامج توعية وتضع وسائل تواصل متعدده مع الجهاز الاستخباري الداخلي , وتستدعي مساعدة المواطن , ولذا يسمى أحد أذرع الجمع للمعلومات بالذراع التواصلي , اما الدول التي تغلب عليها الحزبية والدكتاتورية والفئوية والمناطقية والقومية والطائفية والمذهبية , فانها تؤثر سلبا على الجهاز الاستخباري وتفقده تعاون الناس.
كما ان تعاون المواطن لايتم بمجرد طلب الدولة منه للتعاون , وانما لابد من وجود مقدمات يشعر معها المواطن ان لمواطنته واجبات لابد ان لايهملها ,
فلكي يشعر المواطن بقيمته , لابد من عدالة النظام ورفع الظلم وتقليص الفجوات الاجتماعية ونشر مبدأ تكافؤ الفرص والمحاربة الحقيقية للفساد والعدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر والجهل والبطالة , والاهتمام بالخدمات والصحة والتعليم , كما ان من المهم ان يقتنع المواطن بان الاجهزة الاستخبارية لخدمته وليست للتسلط عليه ولخدمة الحزب الحاكم, وليست جهازاً قمعياً , وان ترسخ في ذهن المواطن ان الأمن عندما تخاف الدولة على مواطنيها , لا أن يخاف المواطن من الدولة.
ان توافر تلك المقدمات تجعل المواطن يشعر ان لديه مكتسبات لابد من الحفاظ عليها , فيسعى الى التعاون والابلاغ والى رفد الاجهزة الامنية والاستخبارية , ومن هنا تذهب الدول لامتلاك منظومة مخبرين (محدودة ونوعية )داخل البلد لضبط إيقاع الأمن ولتحصيل المعلومات الازمة استخباريا لدفع الخطر , ولتحقيق أمنٍ يجعل الفرص متكافئة , فالامن ليس مفردة معزولة خلف جدران , وانما تعني تحقيق الحياة الكريمة وليس انتشار الخوف والرشوة وفساد القضاء واجهزة الشرطة والعصابات المسلحة والخطف وسيطرة فئة حاكمة على شعب محكوم.
--------------
خاتمة
--------------
ان النظام السياسي القائم على اسس غير سليمة وعلى حريات مزيفة , ينتج امناً مزيفا قلقاً ويدق مسامير نعشه مع كل استشراء لفساد او ظلم , ولاتشفع لسقوطه جيوش المخبرين السريين المجندة هي الاخرى باساليب الترهيب .
ان التجنيد الداخلي لابد ان ينبع من شعور راسخ بالوطنية وبايمان بان فيه خدمة جليلة لحفظ الوطن والمجتمع وحفظ المكتسبات , وأن يحفظ سمعة الناس وخصوصياتهم , ويكون بأيدٍ أمينة مؤتمنة , كي لايقع المواطن غير المحصن فريسة التجنيد لصالح الإرهاب او لصالح عصابات المخدرات وللجريمة المنظمة ولصالح اجهزة استخبارات اجنبية او للتجنيد الطائفي والقومي والديني والعشائري والمناطقي .
والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة