الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة في رواية -توليب- خلود نزال

رائد الحواري

2018 / 4 / 8
الادب والفن


المرأة في رواية
"توليب"
خلود نزال
إذا ما قارنا ما كتبته المرأة الفلسطينية من أعمال روائية قبل العقد الثامن من القرن الماضي وما كتبت بعده، سنجد هناك هوة كبيرة بينهما، فما يقدم لنا من أعمال روائية حاليا يخضع للمفاهيم الجديدة التي تقيد الكاتبة وتجعلها رقيبة على مشاعرها قبل أن تكون هناك رقابة اجتماعية عليها.
هذا ما وجدناه فيما قدم للمسابقة الروائية التي تعقدها دار الفاروق في نابلس، فما قدم من روايات نسائية وجدنا العديد من الكاتبات يضعن أنفسهم أمام رقابة ذاته خانقة تجعل العمل الروائي محاصرا، أولا من خلال الراوية الأحداث ذاتها، وثانيا الخوف من المجتمع وسلطة الذكور السائدة، كل هذا باعتقادي يعيق تطور العمل الروائي النسائي في فلسطين.
وإذا ما أخذنا رواية "توليب" لخلود نزال سنجد المرأة حاضرة في السرد من خلال عدم تطور شخصيات الرواية السلبية، فنجد شخصية مثل "جاد" مدير الصحيفة التي تعمل بها "ندى" يقوم بعمل يبدو وكأنه يكفر عن الذنب الذي القدم عليه، ونجد شخصية مثل "محمود" زوج "ضياء" يعتذر عما اقترفه من جرم بحق زوجته ضياء ويعمل على تصحيح الجريمة المتمثل بطلاق زوجته عندما خضع لإرادة أمه.
وهاتين الشخصيتان "ندى وضياء" هما المحور الذي تقوم عليه احداث الرواية، وإذا أخذنا عدد الشخصيات النسائية في الرواية وعدد شخصيات الذكور سنجد الغلبة لنعصر النساء، وكأن الراوية في العقل الباطن تنحاز لجنسها، وهذا ما وجدناه في طريقة سردها للأحداث والنهايات شبه السعيدة التي انتهت بها الرواية.
من المؤشرات التي تشير إلى أن السارد لهذه الاحداث هي أنثى وجود ذكر للبكاء أو الإغماء أو الإرهاق/التعب النفسي في أكثر من موقف، وكما نجد حاجتها للرجل من خلال ما قدمته لنا في صفحة 45، عندما اعطت العنان لمشاعرها وتحدثت عن الأثر النفسي الذي يتركه غياب الرجل عليها: "تبادلا نظرات سريعة، وابتسامات مختصرة، ثم لوح بيده مودعا، انطلق مسرعا بسيارته، فما ظلت هي متسمرة مكانها تشعر بالرغبة في الضحك والبكاء معا، تتمنى لو أن الزمان يعود، لكن الزمان كخيل جامح يركض أبدا نحو خط النهاية.
ساد الظلام فجأة، انقطعت الكهرباء عن الحي بأكمله بعد أن غادر، وكأنما أخذ معه الضوء كله" ربط غيابه بانقطاع التيار الكهربائي يشير إلى حقيقة ما تحمله الرواية اتجاه رجلها، وهذه المشهد يقدم لنا العقل الباطن عند الراوية تجاه الرجل، لهذا نجدها ربطت بين غيابة وغياب النور.
وتضعنا الراوية أمام ما تعانيه "ندى" من ضغوط اجتماعية كأنثى في مجتمع الذكور من خلال هذا المشهد: "ما الذي يمكن أن نفعله حين تتخلى عنا كل الأشياء التي تمارس الإيقاع بنا في كل مرة تحت ستار الحظ الذي لم يكن أبدا ذات يوم حليفنا؟ وهذا الخذلان المتواصل من الحياة قد بلغ أقصاه، ولا مجال للبوح لأحد، فأنا اعتدت أن أذوب في الصمت إلى منتهاي" ص49، جميل أن تصارحنا الرواية ما تشعر به بطلتها "ندى" فهي تعترف بأنها تحترف الصمت وتحجم عن البوح بما تحمله من مشاعر أو احاسيس، فهي تؤكد لنا أنها تضع لنفسها رقابة صارمة كما هو الحال في مجتمع الذكور.
ونجد سخطها على واقعها كأنثى في مجتمع ذكور من خلال هذا العتب الذي تعاتبه لأبيها: "آه يا أبت كم أتعبتني الحياة منذ كبرت، وأنا أحاول أن أمشي على هديك ولا استطيع، ولا ادري أن كان العيب في أم في الناس، أنا الآن يا أبي أواجه كل شيء بمفردي، ... وفي داخلي سؤال يقتلني على الدوام، لماذا لم تعرفني الحياة على حقيقتها؟ ولماذا كنت تجملها بعيني؟، وكيف تركتني وسط هذا المحيط ولم تخبرني بم سألقى؟ ... لم يعلمني كيف أدافع عن نفسي، وكيف أخذ حقي، ومتى يجب أن لا أنسى، ولا أسامح وأصالح وأتنازل وأجبن" ص51و052، قلنا في موضع غير هذا أن العديد من كتاب الرواية يقدمون الأب بشكل سلبي، أو يتجاهلونه، أو يتم تغيبه، وهذه دلالات على الصورة السلبية للأب، على نقيض الأم التي تقدم بشكل ايجابي ودائما يكون حضورها أو ذكرها ايجابي، فرغم وجود أم "ندى" "حسنة" إلا أن الراوية تحدثت مع الأب الغائب ولم تتحدث عن الأم الحاضرة، وهذا يشير إلى ما تحمله من عتب على الأب الذي تحتاجه كرجل في مجتمع الذكور ليحميها ويساعدها على ما تمر به من ظلم كأنثى ضعيفة من واجبه أن يحميها.
في ظل هذا الظلم الواقع على الأنثى لا بد أن نشهد شيء ولو بسيط من عدم القبول به، شيء من التمرد على هكذا واقع مجحف بحقها، وهذا ما كان في الصفحة 55و 56و57: "... تحت تخدير وجع متواصل لم يكد يفارق اجسادنا، فلا نحن تذوقنا لذة الراحة، ولا أدركنا سلام الجبناء، معلقين بين ما نريد وما لا نريد، بين أن نتقدم خطوة للأمام أو نعود أدراجنا متمترسين خلف مخاوفنا التي حاصرتنا أبدأ،...الحمامة التي تحرس الغار تكاد تنهي مهمتها إذ أوشكت صغارها على النضوج، فقامت تستعد للرحيل إلى بقعة أكثر حياة واخضرار، بعد أن انهكتها قسوة الصحراء" فكان لا بد أن يكون هناك شيء من التمرد على واقعها، لكنه تمرد جاء بشكل خجول وليست تمرد يصل إلى درجة الثورة الكاملة، لهذا وجدناها تقرر السفر إلى تركيا لتخفف وتهدئ وتسكن حالتها.
ولهذا وجدنا المكان الجديد يعطيها شيء من الحرية والتي جاءت بهذا الشكل: "عندما ينزل المطر، تتساقط في قلبي ألف أغنية للفرح، ويزهر النرجس بين أضلعي بساتين عطر ونور، ويلمع في عيني بريق أخضر يستحم في أنهار من عسل، ولؤلؤ ويعلو صوت الأناشيد في خاطري كغزالة برية تغازي الكون المتشح بقوس قزح في صباحات الياسمين، ويعلو هدير الرعد ودفء الحنين، وتسري في الدماء رائحة المطر المتشبع بتراب الوج، وغبار السنين" ص59، لا يمكن أن تكون مثل هذه المشاعر ناتجة فقط عن أثر الذي احدثه المكان، بل عن أرادتها كأنثى ترى لأول مرة نفسها حرة في مكان وزمان وظرف بعيد عن قيود المجتمع الذكوري، ولهذا يمكننا أن نؤول ما جاء في هذا المقطع بطريقة أخرى.
ونجد هذا الشبه تمرد في هذا المقطع: "..وليست الخيانة فقط في الإتيان بفعل معين، إنما الانسحاب لأننا تعبنا، أو مللنا، أو أن هناك ما يشغلنا دون أن نفكر بالآخر الذي ربما لديه مثل ما لدينا أو يزيد، نبكي لأننا لا نستطيع الكلام ولا نقدر على البوح وليس هناك من يسمع أو يكترث، نبكي سرا ونبكي ظلما أو قهرا أو خشية أو تضرعا فليس أبلغ من الدعاء إلا دمعة تذرفها في الخفاء فيسمعها رب السماء" ص130، نجد الراوية تحدثنا عن ضرورة أن نبدي ما فينا من مشاعر، وأن لا نقمع أنفسنا، فكثر الموانع والمحرمات والمحظورات جعلت حياة المرأة جحيما لا يطاق.
ونجد "شبه التمرد" من خلال طرح الراوية لموضوع تعدد الزوجات التي يمثل أكبر ظلم يحدثه مجتمع الذكور للمرأة: "ـ أنا لا أخيفك. لقد تحدث أمامي مرارا عن إعجابه بفكرة تعدد الزوجات، وكيف أنه يخبر زوجته بذلك دائما دون مراعاة لمشاعرها، أو ألمها، وهذا ما كان يجعلني أنفر منه أحيانا، طريقة تفكيره، وحديثه عنها، وأنانيته، لكني كنت أخبره بشكل قاطع أن هذا المصطلح لا يدخل في مقاييسي، ومفهومي لفكرة التعدد" ص176، طرق هذ الموضوع مهم جدا، لأن مجتمع الذكور يرى فيه حق إلهي نزل في الكتب المقدسة، ولا يمكن أن يلغى ولا بأي طريقة، فهو كسيد/كذكر يرفض أن يعطي/يقدم شيء للضعفاء الذي يمارس عليهم ساديته، فكان طرح هذا الموضوع في غاية الأهمية، وضروري لتكسير عادية العرف والفكرة في مجتمع الذكور.
تحدثنا الراوية عن علاقة العنوان "توليب" بالمضمون من خلال حديثها عن هذه الوردة، المكان الذي وجدت فيه، تركيا، وهذا يتناسب تماما مع وجود بطلة الرواية "ندى" في تركيا، فكلهما يزهر في عين المكان.
الرواية تقدم شكل جديد للرواية العربية من خلال تلك المقاطع الصغيرة التي تسبق فصول الرواية.
لغة الراوية جميلة، فهي لغة الأنثى، وكأنها من خلال هذه اللغة تقول لمجتمع الذكور: "أنظروا إلي، أنا أجمل وأفضل وأنضج منكم، فلماذا تعاملونني بطريقة غير إنسانية.
الرواية من منشورات دار الفاروق، نابلس، فلسطين، الطبعة الأولى 2018.
ملاحظة، الاقتباس كان من نسخة قبل الطبع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و