الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بؤساء .. مع طعام

زهراء احمد العطية

2018 / 4 / 8
حقوق الانسان


هم قومٌ دارت بهم الدنيا , من أسمى الشعوب إلى سافلها , من عراق عريق متعدد الأعراق إلى ميدان حافل بالدماء وبتقييد العقول وبإزالة ما تبقى لهم من كرامة , أضحينا ساحات دامية للبشر أولاً لاختلافاتٍ وللحيوان ثانياً لتلف ضميرٍ ولاجتثاثنا ما تبقى من إنسانية وللنبات ثالثاً لإهمالٍ تفشى و لنسيان واجباتٍ , كل أشكال الجمال والحياة أضحت أمراً ممنوعاً محرماً , كُبِلَت حيويتنا بالبؤس والتعاسة وكره احدنا للآخر , يفترض أن يقول الآباء لأبنائهم : أنظروا إلى الطبيعة إلى الجمال وإلى الإبداع وفكِّروا . أما اليوم , فلا كلمة على لسانهم غير : "العالم ليس ورديا" واحذر الجميع ولا تثق بأحد و كذا وكذا , لماذا أضحى عالمنا هكذا ؟
الأرض كلها خائرة القوى منهكة تناشد وتنادي : هل من واعٍ ؟ هل من متذكر لأمجادٍ زال ما تبقى منها ؟ هذه الأرض التي أبت الركود , التي أبت الوقوف مكتوفة الأيدي , حفظ كرامة الإنسان يفترض أن يكون أولوية , لا أمرا تافهاً وعديم الأهمية , الأنانية لم تكن بهذه الحدة _ لا يمكننا القول أن الماضي بالضرورة كان جيدا جداً , لكننا نلاحظ بأن الأمور تسوء وتسوء , نلاحظ بأن ما يجري ليس منطقيا البتة , وما وصلنا من تاريخ أثبت لنا أن الإنسان العراقي كان أقل سذاجة مما نشاهد اليوم من مشاهداً غير معقولة _ القادة من المفترض أن يجيدوا التصرف أن يفكروا ويفهموا وأن يكونوا قادةً حقاً , اليوم يبدو الأمر وكأنك سلمت طفلاً _لا يفقه من الحياة شيئاً_ دفة الحكم وفقط قلت له : هيا تصرف وضع الأمور في مجاريها .
لطالما عرفنا الفقر والبؤس على انه ضياع القوت والمأوى لكنه هنا يعنى بؤساً من نوع آخر إذ إن الطعام لديهم وفير, بؤساءنا هؤلاء يأكلون كل ما يرونه , هم شديدي الشراهة , حكمتهم هي : لماذا ستبذل الجهد وتنفق الإمكانيات وتتعلم وتقرأ و كذا وكذا , الأهم هو أن تحصل على المال لتعيش و هذا كافٍ , وياله من اعتقاد .. كل , فقط كُلْ واستمر بالأكل والاستهلاك ونخر هذا الكوكب وتدمير أشكال الحياة فيه , يالهم من قوم مهنتهم الوحيدة التي يؤدونها بوفاء وإخلاص وأمانة هي الأكل وأنهاك هذا الكوكب والإسهام بتقريب وقت تدميره .
أما الإنسانية التي جاءت من أسم جنسنا , فهي تعني هنا التدمير وقتل الكائنات الأخرى بدلا من أن تعني التعاطف معها والرحمة بها , هل سمعت بالحوادث التي تجري , هل رأيت كيف يقتلون الحيوان بحجة انه حيوان , يقولون أنه مؤذي _لا نستبعد أنه مؤذي حقاً وأن البقاء للأقوى _ لكن ألا تعلمون لماذا أصبح مؤذيا ؟ لأنكم لم تعطوه أدنى فرصة ليتسامح معكم , فقط كان يدافع عن نفسه ضد من آذوه أو سخروا منه , مثلاً : هناك حكاية لكلب عادي , في أحد الليالي , كان يبحث عن طعام وقد أُنهكه الجوع , كان متلهفاً لكي يجد بعد الطعام له ولعائلته _لأطفاله الصغار الجائعين_ وكله أمل أن يتمكن من العيش مزيداً من الوقت لكي يجد ذلك الرجل ويرد الجميل إليه إذ قد أعطاه طعاما قبل سنتين , مفكراً : ما أجمل البشر وما أطيبهم , ثم يُفاجَئ المسكين بأحد هؤلاء الطيبين حاملاً شيئاً غريبا بيده , ينطلق جسم غريب من ذلك الشيء , يخترق جسد المسكين , يشتعل جسد المسكين ليخر صريعاً على أرض الإله , في مدينة السلام ..
وماذا عن النبات ؟ _حسنا , لقد توصلنا إلى أن الحيوان مدرك , ومن الصعب إثبات أن النبات كذلك , إضافة إلى أن هؤلاء الشرهين سيقولون : إذاً ماذا نأكل ؟ لذا دعنا نظل في الجانب المعهود_ بعد أن كان العراق واحداً من البلدان الممتلكة مكانة زراعية جيدة بالفعل .. أمسى بلداً منسياً من هذه الناحية , بالرغم من ميزانيته العالية ومن ثروته الكبيرة إلا أنها لم تنفعه مطلقاً في سد حاجاته , فأصبح بلداً مستورداً بامتياز ..
نعم , ويال الحسرة والندامة على هذا , هل هذه بلاد الرافدين ؟ بلاد النهرين العظيمين والأراضي الخصبة المباركة ؟ هل هذه بلاد السواد التي عرفها العالم بثروتها وغناها وبهاءها ؟
أما عن هذه البلاد من الناحية الاجتماعية , فهناك الكثير للحديث بشأنه , مثلاً : أضحت الديانة اليوم أداة للتحكم بالناس , لأن هذه الأمور هي نقاط ضعفهم , إذ لا يمكنهم الحديث إذا ما جودلوا واستشهد المجادِل بشيء من ديانتهم , ومن الطبيعي أن تكون الأمور هكذا فقد غرس كل هذا فيهم منذ الطفولة , ومن الطبيعي أن يخافوا كل ما يخالف المُسَلَمات التي تربوا عليها وإن كانت هذه العقائد والمسلمات مخالفة للمنطق وللعقل _وهذا الإيمان هو ما يوفر لهم الأمان_ وهذه الأشياء التي يصدقونها _ويتظاهر آخرون بتصديقها_ أصبحت تجارة , تتم المتاجرة بآمال الكثير من الناس وبالمشاعر البشرية الفطرية كالحب والكراهية والحسد والغضب والحماس لخدمة أغراض أخرى _قد يكون تحصيل الأموال والمجد أكثرها_ , هذا يعني أنهم المساكين البؤساء مستغلين بسبب جهلهم , والذي لم يكن ذنبهم , بل كان بسبب الغشاوة التي وضعت على أعينهم فمنعتهم من رؤية الحقيقة .
وهناك بعض الذين يدعون أنهم قدموا للإصلاح ولنشر المبادئ و كذا وكذا , ثم لا ينشرون غير التفاهات .
نسيانكم تاريخكم _الذي أقل ما يقال عنه عظيم_ أحد العوامل التي أخرتكم , لقد نبذتم تاريخكم الثمين لأجل ديانة أو بسبب جهل وهذا أعادكم للوراء وجعل لسان حالكم لا يردد غير : " الأجانب أفضل و كذا وكذا " أي أن كل من ليس عراقيا أفضل , فلك أن تتخيل ما وصلنا إليه , هذا ما يقوله كثر عنا : "حمقى نسوا تاريخهم" .
لم تكتفوا بجهلكم , بل زدتم الطين بله بإدعائكم المعرفة والأفضلية الغير موجودتان فيكم , يقول ستيفن هوكينغ : " أسوأ عدو للمعرفة ليس الجهل , بل هو وهم المعرفة " .
وكما يقول كونفوشيوس : " أفضل للعالم أن يوقد شمعة , من أن يلعن الظلام " , فلن نكتفي بلعن الأحوال السيئة لبؤسائنا الذين عميت أعينهم ولا بد لنا من أن نقدم حلا بسيطاً أو حتى أملاً بسيطاً , فنقول إن الخطأ ليس فيمن استغل صفاء نياتنا وبراءتنا وسذاجتنا أو ملئ نفوسنا بخرافات , بل إن الخطأ فينا نحن لأننا سمحنا له _بجهلنا وعدم تبصرنا واستخدام عقلنا_ باستعبادنا , لقد وصل الجنس البشري للكثير بالفعل وأثبت لنا التاريخ أن التقدم مستمر وأن البشر أقوى مما اعتقدوا يوما , و الغرائز البشرية الأساسية تظل قائمة وهي ما تدفعنا للحياة وللحركة و جزءاً كبيرا من هذه الغرائز عبارة عن خير وأخوة ومحبة وعقل , فدعونا نتخلص من الأنانية التي آلت بنا إلى هذه الحال ..
يقول غاندي : " تتوقف السعادة على ما تستطيع إعطاءه لا على ما تستطيع الحصول عليه " .
فيا صديقي جرب أن تهب هذا العالم من إمكانياتك بدلاً من أن تضيع سدى على أكل ونوم وشرب فقط _ثم ماذا؟_ عندها ستشعر بالسعادة وستحصل على ما يتمناه الجميع , عندها فقط ستكون قد وضعت قطعتك من الأحجية في مكانها.
يقول بوذا : " المحبة وعمل الخير هما أكبر قوى العالم " . وبالفعل هما المنقذان الوحيدان الذين يمكننا أن نعول عليهما في انتشالنا من ظلمات البؤس والسوداوية .
وسنتخلص من هذه الحال .. بؤساء مع طعام .
ملاحظة : لا نقصد بقولنا بؤساء مع طعام أن نعمم الوصف على الجميع حرفيا , لكنها حال الكثير بالفعل من البؤساء الجدد ( بؤساء العقل والإرادة ).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا