الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع المتشابهات في سوريا)الجزء الاول)

مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)

2018 / 4 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


*مروان عبد الرزاق
مقدمة
بعد أكثر من عقد على الإحتلال الأمريكي للعراق. وبعد ستة أعوام من انطلاقة الثورة السورية المجيدة، استطاع النظام بفعل العنف الفظيع تجاه انتفاضة الحرية والكرامة للشعب السوري، أن يحولها إلى انتفاضة مسلحة، وبالتالي انفجار المجتمع وانقساماته العمودية، كما هو الحال في العراق. حيث برزت في الساحة القوى التكفيرية الطائفية، مقابل النظام الذي عبر عن العنف الطائفي بأشد الأشكال دموية وإجراماً، وإلى جانبه الميليشيات الطائفية العراقية والإيرانية.
فالقوى السياسية والعسكرية المتصارعة والتي تملأ المشهد الراهن في بلاد الشام، يمكن وصفها بالطائفية والإرهابية: النظام السوري وميليشياته، والنظام العراقي وميليشياته، المدعومان من إيران، مقابل الكتائب الإسلامية المتطرفة مشتقات القاعدة الجديدة مثل: "الدولة الإسلامية - داعش"، و"النصرة" وغيرهما. بالإضافة إلى "الطبقة" السياسية اللبنانية الطائفية، والتي يمكن أن تقود لبنان في أي وقت، إلى حرب طائفية جديدة بعد ربع قرن من اتفاق الطائف (1989).
ويُدير هذه الصراعات المُميتة "التحالف الدولي" الذي تشكّل في العام الماضي بقيادة أمريكا. حيث يبدو المشهد بأن المتصارعين على الأرض ليسوا أكثر من أدوات بيد القوى الإقليمية (تركيا، والسعودية، وقطر، وإيران)، وهذه بدورها أدوات بنسب مختلفة للغرب بقيادة أمريكا، وروسيا التي دخلت إلى الساحة من الأبواب الواسعة والمفتوحة أمام الجميع.
وإعلان انتفاضة "أهل السنة" في العراق في بداية (2014)، أو انتفاضة "العشائر" السنية، ضد حكومة "المالكي" الشيعية. والحديث المتواصل عن "أسلمة" الثورة السورية، ووصفها بأنها ثورة إسلامية، أي "سنية" ضد "النصيرية"، تجعلنا نواجه توصيفات جديدة للانتفاضات في العصر الحديث، وهي صادمة للعقول أيضا لأنها:
أولاً: تشير بوضوح إلى غياب المجتمع المدني، والأحزاب السياسية الوطنية. وقيادة زعماء العشائر، والمرجعيات الدينية الطائفية للانتفاضة.
وثانياً: لأنها تُعبّر عن جوهر الصراع بشكل واضح ومكشوف، على أنه صراع طائفي بين "السنة" و"الشيعة" على السلطة. إنه صراع المتشابهات العدمي. فالطائفية السياسية تُفصح عن نفسها بأوضح الصور. وبالتالي يمكن تسمية مشهد الصراع الراهن في بلاد الشام (سورية ولبنان) والعراق بعصر "الإرهاب الطائفي".
وهذا المشهد يدفعنا لمحاولة الإجابة على مجموعة من الأسئلة:
- من أين برز هذا العنف الطائفي؟ ومن أين جاءت هذه القوى الطائفية التكفيرية، وكيف استطاعت هذه القوى احتلال ساحة الصراع؟
- ولماذا آثار معركة "كربلاء" مازالت مستمرة حتى الآن، بعد أربعة عشر قرناً من حدوثها؟
- وأين تكمن جذور هذا الصراع الطائفي الدموي الوجودي والمفتوح؟ هل بسبب أنظمة الاستبداد التي استولت على السلطة في مرحلة ما بعد الاستقلال؟ أم أن جذور إشكالية الصراع الطائفي تكمن في ثقافتنا الراهنة والتي تمتد إلى الماضي السحيق؟ أم أن هذه الطائفية وصراعاتها وإدارتها هي نتاج الغرب الإستعماري؟ وهو التوصيف المريح، كما يراه العديد من المندهشين من تغوّل العنف الطائفي في المجتمع؛ حيث إنه غريب عنا، لأن ديننا، وثقافتنا منه براء!
- وأين القوى الوطنية الديمقراطية؟، التي وجدت نفسها بين مطرقة النظام وسندان التطرّف الديني.
- وهل من مخرج فعلي من هذه المرحلة، وما هو؟ أم أن مخاض الثورات الجديدة مستمر ولم يفرز بعد الشروط الموضوعية للخروج من النفق المظلم؟ وأسئلة أخرى لا تنتهي.
وفي بحث ميداني، أصدرته منظمة "اليوم التالي" في (٢٠١٥) بعنوان "المسألة الطائفية في سوريا-مسح اجتماعي للتوجهات"، "يشير إلى أن (٣٦٪) من السوريين يعيد المشكلة الطائفية إلى أسباب تاريخية، و(٣٣،٩٪) يعتقدون أنها بدأت بعد وصول حزب البعث للسلطة عام ١٩٦٣، و(٢٨،٢٪) يقولون إنها بدأت بعد انطلاقة الثورة السورية في ٢٠١١. (ص-٦٩). وبحسب المنطقة، فإن الأغلبية في طرطوس والحسكة ودمشق يعتقدون بالأسباب التاريخية، وأغلبية باقي المناطق تعتقد أن الأسباب سياسية، أي سلطة البعث هي السبب الرئيسي في المشكلة الطائفية. وهذا التباين في الرأي بين الطوائف له دلالاته. وتعمل هذه الدراسة على مقاربة هذه الأسباب مجتمعة.
وقد يُجيب أحدنا على كل هذه الأسئلة دفعة واحدة: بأننا مجتمعات متخلفة وما زلنا نسكن في التاريخ القديم. لكن هذا التوصيف العام والمريح للبعض غير كاف. ولابد،بل الضروري وضع الماضي على طاولة التشريح.
والهدف من هذه الدراسة، مقاربة الإجابة على الأسباب والأسئلة السابقة. وبالتالي المنهج التاريخي-وهو المنهج المتبع في هذه الدراسة- يدفعنا للعودة إلى الماضي، للبحث في أصول الإشكالية التي نعالجها، وهي الطائفية والصراع الطائفي، أي صراع المتشابهات، والبحث عن الأسباب التاريخية التي أعاقت حلها، ثم العودة إلى الحاضر وتشريح الإشكالية الراهنة-التاريخية، ستجعلنا أقرب لمقاربتها ومعرفة العوامل التي تغذي استمرارها حتى الآن.
ولذلك علينا الانطلاق من الحاضر نحو الماضي، ثم العودة إلى الحاضر. و"إذا كان حقاً قيل إن الحاضر لا يمكن فهمه إلا بعد دراسة الماضي، فإن من الصواب أيضاً أن الماضي لا يمكن فهمه، فهماً تاماً بدون التعرف الكافي على الحاضر”. (1)
ولذلك يجب العمل على مستوين:
المستوى الأول: البحث في جذور الصراع الطائفي واستمراريته إلى المرحلة الراهنة.
والمستوى الثاني: البحث في بنية الحركات والأحزاب السياسية ودورها خلال المراحل السابقة.
وينقسم البحث إلى جزأين.
الجزء الأول، ويتضمن:
- البحث في مفهوم الطائفية، والطائفية السياسية، وصراع المتشابهات.
- البحث في الانقسام الطائفي المذهبي، خاصة بين الشيعة والسنة، منذ بدايات تشكل الدولة العربية الإسلامية، ودور العامل الطائفي في الصراعات التاريخية، والتوقف عند بعض المفاصل التاريخية المتعلّقة بأهداف البحث.
- البحث في تاريخ تشكل النظام السوري منذ انقلاب (١٩٦٣)، وبنيته، وأهمية العامل الطائفي في هذه البنية،
- مناقشة بعض الآراء لمثقفين سوريين، حول بنية النظام السوري، للإجابة على سؤال: هل النظام السوري طائفي؟
والجزء الثاني، يتضمّن:
- البحث في بنية الطبقة السياسية التي استلمت السلطة بعد الاستقلال، والتوقف عند أهم الصراعات السياسية والعنيفة، بعد استلام حزب البعث السلطة. وصولاً إلى دور هذه الطبقة بعد الثورة. واستنتاج العلاقة بين الفاعل الوطني، والعامل الطائفي.
- البحث في العوامل التي ساعدت على صعود الأصولية السلفية والجهادية، بعد ثورات الربيع العربي، وسيطرتها على الساحة، وخاصة في سورية وهي المكان المدروس، بشكل خاص.
- ماهي الآفاق للخروج من النفق، والسيناريوهات المتوقّعة للمستقبل؟
- كتابة النتائج العامة للبحث.













الطائفية وصراع المتشابهات (١)
1- البحث في المفهوم
المتشابهات-الطائفية والطائفية السياسية
- المتشابهات في الوجود الاجتماعي لا تحصى، لكن المقصود هنا بصراع المتشابهات، الصراع الديني والطائفي. فالتشابه في البنية الأيديولوجية المغلقة. مثل (إسلام-مسيحية، سنة-شيعة). وهو صراع وجودي مغلق، يعمل على الانقسام العمودي للمجتمع وتدمير النسيج الاجتماعي. وهو صراع مدمّر ذاتي للمجتمع، ويدور في دائرة مغلقة، ودائماً يجر المجتمع إلى الوراء ويجعله محكوماً بالماضي. وهو يختلف جذرياً عن الصراع الجدلي للتناقضات الاجتماعية، بالمعنى الهيغلي أو الماركسي، الذي ينقل المجتمع إلى تركيب جديد أكثر تطوراً من السابق، ويكون المستقبل هو المنشود. وبذلك يحكم الحاضر الماضي ويتجاوزه، ويرسم خطوات المستقبل.
- الطائفة، لغوياً: مشتقة من (طاف، يطوف)، أي يدور حول المنزل، أو حول شيء ما.
- والطائفة، جمع طوائف، اصطلاحاً هي "جماعة، أو فرقة، يجمع أفرادها مذهب واحد". و"الطائفة من الشيء، جزء منه"، كما ورد في لسان العرب، ولا خلاف عليه بين أهل اللغة، والمتوافق مع المعنى الذي ورد في القرآن الكريم: " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا " (الحجرات-9).
- وهناك من يميّز بين الطائفة، والفرقة. وتدل الفرقة على "التفريق والاختلاف"، وهي: طائفة من الناس عندها معتقد معيّن، قد يتعلق بأصول العقيدة، مثل: فرقة الخوارج، وفرقة المعتزلة. في حين يطلق اسم مذهب على المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي لأن الخلاف بين هذه المذاهب كان في فروع الدين وليس أصوله.
- وفي علم الاجتماع الحديث لم يعد مصطلح "الطائفة" مقتصراً على الخلاف في العقيدة الدينية فقط، إنما يشمل الاختلافات الاجتماعية واللغوية والثقافية.. وبالتالي تكون الطائفة-من وجهة نظر علم الاجتماع، "كل جماعة مختلفة بمثابة جماعة طائفية سواء كانت دينية، أو مذهبية، أو لغوية، أو حتى جماعة ذات نمط اجتماعي معيشي متميز مثل البدو والغجر".
وفي موضوعنا سنستخدم مصطلح الطائفة، كجماعة مرتبطة بالعقيدة الدينية بشكل خاص، كما هو سائد في منطقتنا.
ومن التاريخ القديم، نجد أن وجود الطوائف في التاريخ البشري نتاج طبيعي للاجتماع البشري. وذلك لتنوّع القراءات والتأويلات للكتاب المقدس. ويعود التشكّل التاريخي للطوائف في المجتمعات القديمة إلى مرحلة ظهور الأديان التوحيدية الثلاثة "اليهودية، والمسيحية، والإسلام"، حيث لم تكن محصورة في شعب واحد، أو عرق واحد، كما هو الحال عند الحضارات القديمة مثل: بابل وآشور ومصرإلخ ، والتي تم توصيفها بالوثنيات، أو الأساطير. إنما انتشرت هذه الأديان بين كل الشعوب والأعراق المتواجدة على الأرض، سواء بالتبشير والإقناع، أو عبر الغزو العسكري وفرض الدين بالقوة. وهذا الانتشار الواسع بين الشعوب المختلفة لغوياً، وثقافياً، وجغرافياً، أدّى إلى قراءات وتأويلات مختلفة للنص المقدس النبوي الأصلي، وبالتالي إلى تشكّل الطوائف الدينية في المجتمع الواحد، أو المجتمعات المتعددة. وهذا يعني أن تشكّل الطوائف هو نتاج طبيعي للتفاعل الاجتماعي الثقافي والديني بين أفراد المجتمع الواحد من جهة، وبين المجتمعات المختلفة من جهة ثانية، وهذا يعبر أيضاً، عن حيويّة الدين، وقابليته للتأويل، والفهم المختلف، والتأقلم مع الثقافات المجتمعية المختلفة.
وهكذا كانت بداية انقسام الطوائف اليهودية في العصر الهيليني (من أوائل القرن الرابع قبل الميلاد حتى موت الإسكندر المقدوني 323ق.م)، الذي شهد عظمة الثقافة الإغريقية الفكرية والعلمية والفلسفية. حيث انقسمت اليهودية إلى "الحسيدين" الذين تفرعوا إلى الفريسيين، و الأسينيين ، الذين دافعوا عن الشريعة والطقوس القديمة، ومركزهم الأساسي في فلسطين. والصدوقيين الذين كانوا يمثلون الاتجاه الهيليني في اليهودية، نتيجة تأثرهم بالثقافة الإغريقية وفلسفتها.
وكذلك حصل الانقسام الأول في المسيحية، في مجمع "خلقدونيا" بجانب القسطنطينية عام (451م)، حيث اجتمع 500 من الأساقفة بطلب من الإمبراطور الروماني، ليناقشوا مسائل عقائدية وإيمانية تتعلق بالإيمان، وطبيعة "المسيح"، بين الكنيستين الشرقية والغربية، فأصبحت كنائس الشرق تحت قيادة كنيسة الإسكندرية تُعرف بالكنائس "الأرثوذكسية", التي تعني باليونانية، "الرأي الحق، أو الرأي المستقيم"، وكنائس الغرب تحت قيادة كنيسة روما وسُميت بالكنائس "الكاثوليكية" والتي تعني "العالمية".
ما يهمنا هنا هو أن التشكل الأولي للطوائف في اليهودية والمسيحية، يرجع بالدرجة الأولى لأسباب عقائدية، لأن الديانتين لم تؤسسا لدول دينية. رغم أن اليهودية حاولت تأسيس ذلك، ونجحت في تأسيس بعض الإمارات الصغيرة، مثل "مملكة إسرائيل، ومملكة يهوذا" في القرنين التاسع والسابع قبل الميلاد. (2). إلا أنها فشلت في النهاية بالاستقرار في أرض موحّدة، وشعب ودولة موحدة. والمسيحية لم تدعُ بالأصل لإقامة دولة مسيحية. وكما قال المسيح "مملكتي ليست من هذا العالم" (يوحنا37).
وكما يلاحظ يوسف زيدان أنه في القرون الثلاثة الأولى للمسيحية "لم تشن حرب واحدة نظامية بين المؤمنين وغير المؤمنين من الوثنيين واليهود والهراطقة، وكانت المجامع المسكونية (في نيقية325، القسطنطينية الأول381، إفسوس الأول431، إفسوس الثاني448، خلقدونيا451)، تلتئم دوماً لمناقشة مشاكل عقائدية تدور بشكل أو آخر حول طبيعة المسيح”. (3). وكان الرومان -وكذلك اليونانيون- "متسامحين في موقعهم تجاه الديانات الأخرى، لأنهم كانوا يعتقدون بوجود آلهة متعددة، ولذلك سمحوا بوجود حتى بالعبادة المصرية واليهودية والمسيحية في عاصمة إمبراطورتيهم.. وكانت سياستهم في شؤون الدين تقوم على مبدأ "عش ودع الآخرين يعيشون". إنما على الجميع أن يشارك في مراسم الاحتفال السنوية والاحترام لآلهة الدولة حين يطلب الإمبراطور ذلك"(4).
إلا أنه منذ تدخل السياسة، أي تدخل الإمبراطور الروماني في هذه المجامع المسيحية، بعد الاعتراف بالمسيحية كدين رسمي في (313م)، ثم كدين رسمي للإمبراطورية في (391م)، "أصبح السجال الكريستولوجي سجالاً دينياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. وصار مرآة للصراع بين الكنائس الكبرى، والمذاهب المختلفة. لكن القرار النهائي الفيصل هو للإمبراطور"(5). وبعد فشل مجمع خلقيدونية، أصبح العنف الإمبراطوري البيزنطي كبيراً ضد الكنيسة الإسكندرانية، وسالت دماء مئات الألوف من الذين كانوا يعارضون الإمبراطور ومذهبه، وكنيسته. وسعيه للسيطرة على مصر ونبيذها وخيراتها. ولم ينحصر الصراع بين الكنائس فقط، إنما "تحول المسيحيون من مُضطهَدين إلى جلادين، ومنعوا الدين الروماني القديم، بحجة الوثنية، ولاحقوا أتباعه حتى آخر رجل" كما يلاحظ أمين معلوف في "الهويات القاتلة". "واستمر هذا الوضع لثلاثة قرون، حتى فتح الإسلام للإسكندرية، حيث التحم الأساقفة بالسياسة وطالبوا بملكوت الأرض، وتركوا شعوبهم يطالبون بملكوت السماء كما بشر بذلك المسيح". (6) . ومنذ ذلك الوقت بدأت الطوائف المسيحية بالتكاثر بالمئات. إلا أن الانشقاق الأكبر في تاريخ الشعوب المسيحية، كان مع ظهور البروتستانتية-(المحتجون)- التي انشقت عن الكاثوليكية على يد مارتن لوثر في منتصف القرن السادس عشر. وانقسمت أوروبا مذهبياً بين البروتستانت في (أوروبا الشمالية الإسكندنافية الانجليزية)، والكاثوليك في أوروبا الجنوبية اللاتينية. "وكان هذا الانقسام هو الأعنف والأكثر وحشية في تاريخ الانقسام الديني في العالم أجمع. وقد تخللته حروب وعمليات إبادة لملايين الناس الأبرياء بصورة تفوق الوصف"(7).
وكان أكثرها دموية حرب الثلاثين عاماً (1618-1648)، حيث تم تدمير عشرات الآلاف من المدن والقرى، وانخفض عدد سكان ألمانيا-مثلاً- بمقدار (30%)-من عشرين مليوناً إلى ثلاثة عشر- والذكور إلى النصف. "وقد دفعت الأزمة البيولوجية الناتجة عن الحرب (وفرة في عدد النساء، وقلة في عدد الرجال)، للعودة إلى العهد القديم والسماح للذكر بأن يتزوج زوجتين"(8). ومن المفيد الذكر بأن انطلاقة الحرب كانت دينية، عندما حاول حاكم بوهيميا (تشيكيا حالياً) أن يفرض المذهب الكاثوليكي على السكان، إلا أنها "انتهت كصراع سياسي من أجل السيطرة على الدول الأخرى، بين فرنسا والنمسا، بل ويعد السبب الرئيسي في نظر البعض"(9).
يمكننا استنتاج مسألتين هامتين من هذه القراءة الجزئية لتاريخ تشكّل الطوائف المسيحية وصراعاتها في التاريخ القديم:
الأولى:
إن انقسام المجتمع إلى طوائف متنوعة هو نتاج طبيعي للآراء المختلفة حول الكون وتنظيم المجتمع. وإن قابلية النص للتأويل، والتفسير المختلف هو مؤشر إلى غنى وحيوية النص. والحوار يعمل على إنضاج الأفكار وصقلها لتصبح أكثر وضوحاً وفاعلية. لكن في حالة النص الديني، يكتسب الحوار والتأويل خصوصيته بسبب قداسة النص الديني، الذي يجعل مساحة الحوار محدودة، وضيقة إلى حد ما. ورغم ذلك قدم لنا التاريخ تأويلات وتفاسير واسعة وكثيرة مختلفة.
وكذلك يقدم لنا التاريخ أنه يمكن للطوائف الدينية التعايش جنباً إلى جنب بشكل سلمي، طالما اقتصر الصراع على حوار فكري-عقائدي كما حصل في القرون الثلاثة الأولى للمسيحية. وكما حصل أيضاً بعد انتهاء الحروب المذهبية الأوروبية، ليس مع "صلح وستفاليا1648" الذي أوقف الحرب، إنما مع الثورة البريطانية (1688)، ثم الثورة الفرنسية (1789)، التي كانت البوابة الأوروبية الأولى والرئيسة لإسقاط الملكية، والأيديولوجيا الكنسية الدينية التي كانت تقدم للملك الشرعية وفق نظرية "الحق الإلهي في الحكم". وبناء الدولة القومية الحديثة، تحت شعار الحرية والعدالة وحقوق الإنسان. والذي لم يتحقق نسبياً على الأرض إلا في القرن العشرين، وبعد الحرب العالمية الثانية، وانتهاء عصر الصراعات القومية الأوروبية، ونهاية عصر الاستعمار.
والثانية:
عندما يصبح الدين، أيديولوجيا الدولة، أي عندما تسيطر السياسة على الدين. وتختار مذهباً، أو أيديولوجيا طائفة ما، وتستبعد الطوائف الأخرى، تنعدم مساحة الحوار، ويحل محل الحوار، الصراع الدموي على السلطة. وتتشكل الطائفية السياسية، وهي:
- التي تعمل على تحويل هذه العقائد المتنوعة، إلى منظومة فكرية عقائدية مغلقة غير قابلة للتغيير .
أو لاً إنشاء "السياجات الدوغمائية المغلقة" بين الطوائف، بتعبير محمد أركون، ثانياً واعتبارها عقائد سامية وأفضل من كل العقائد الأخرى ثالثاً. ولا تقبل الحوار مع الآخر رابعاً.
فالطائفية السياسية، هي استخدام الدين، أو المذهب الديني، كأيديولوجيا لتحقيق أهداف سياسية، والوصول إلى السلطة. وغالبا يعمل عليها سياسيون ليسوا متدينين، والأمثلة لا تحصى بدءاً من قسطنطين الروماني، مروراً بخلفاء الدولة العربية الإسلامية ، وملوك أوروبا في العصور الوسطى، حتى ممثلي الطائفية السياسية في لبنان حالياً. إنما يستخدم هؤلاء رجال الدين وأيديولوجيتهم لتبرير وشرعنة الحاكم.
والطائفية السياسية هي التي تنقل الطوائف من موقعها الطبيعي كأجزاء من المجتمع متشاركين في العيش المشترك، إلى وحدات اجتماعية طائفية مغلقة متصارعة. وتتشكّل الطائفية الاجتماعية إذا صح التعبير، والشخص الطائفي بوصفه عضواً في الطائفة أولاً، وليس فرداً حراً في المجتمع، والذي يعرّفه معجم أوكسفورد (The sectarian person) بأنه:
"الشخص الذي يتبع بشكل متعنت طائفة معينة، ويرفض الاعتراف بالطوائف الأخرى، ويسلب حقوقها بدافع التعصّب لطائفته في جميع الظروف والأحوال" (10).
"واصل الطائفية ليس بوجود التعدد المذهبي والديني في المجتمع، كما هو في التصور الإستاتيكي، والطائفية داخل الدولة ليست انعكاساً للطائفية داخل المجتمع، إنما أصل الطائفية هو في غياب الدولة-الأمة". (11) . ويرى غليون أن الطائفية هي " السوق السوداء أو الموازية للسياسة الطبيعية، وهي ممارسة سياسية ملتوية في ميدان الصراع على السلطة بالمعنى الواسع للكلمة، لا نزوعاً طبيعياً لدى الطوائف أو الجماعات إلى نشر دينها وقيمها؛ وهذا يعني أنه لا علاقة للطائفية بتعدد الطوائف أو الديانات"(12).
هل يمكن وصف "السنّة" بالطائفة؟
وفق المفهوم السابق، لا يمكن وصف "السنّة" بالطائفة، لأنهم الأكثرية في المجتمع، أو في الأمة الإسلامية ، في زمن الإمبراطوريات القديمة. ويضيف أهل السنّة، رفضهم تسميتهم بالطائفة، لأنهم "الفرقة الناجية"، كما يعتقدون، ويمثلون الإسلام الحق، وفي السائد لديهم لا يوجد تعصّب مذهبي داخل الحقل السني، لاعترافهم بالمذاهب الأربعة، رغم اضطهادهم للطوائف الأخرى عبر التاريخ. لكن بعد انتهاء عصر الإمبراطوريات الدينية، وآخرها الإمبراطورية العثمانية في بداية القرن العشرين، ورسم الحدود الوطنية والقومية للشعوب، توزّعت الطوائف بين الدول المتعددة القوميات والأعراق. فالسنة أكثرية في أغلب الدول العربية، وأقليّة في دول أخرى، مثل: إيران، والهند، والصين، والفلبين وغيرهما. وكذلك الشيعة هم السواد الأعظم في إيران والعراق، وأقلية في باقي الدول. والسنّة أغلبية في سورية، وأقلية في العراق ولبنان. والمسلمون عموماً بغض النظر عن طوائفهم، أقليّة في أوروبا وأمريكا. وبالتالي لم يعد وجود فعلي "للأمة الإسلامية " على الأرض. هكذا أصبح من الممكن توصيف السنّة كطائفة مثل الطوائف الأخرى. وعلى المستوى السياسي، لم يعد مجدياً الحديث عن أقليّة وأكثريّة دينية. لأن مثل هذا التصنيف، يجر المجتمع إلى الوراء، ويقف عائقاً أمام بناء الدولة الديمقراطية الحديثة.
2- الطائفية-البحث في الجذور
من حيث الجوهر لا يختلف مفهوم الطائفية ومضامينها في الديانات المختلفة وخاصة بين المسيحيّة والإسلام. لكن يمكن أن نلاحظ الخلاف في صيرورة تشكل الطوائف. يتجلّى أمامنا منذ بدايات تشكّل الدولة العربية الإسلامية ، أولويّة، أو أسبقية الصراع السياسي على الحوار الفقهي-الديني.
وقد ساعدت الظروف الاجتماعية والجغرافية النبي محمد(ص) لكي يعمل على تشكيل دولة دينية إسلامية، مركزها مكّة، ثم المدينة، وشعبها يتكلم لغة واحدة هي العربية. حيث اكتملت عناصر الهوية. أي اللغة والدين؛ وهما الأساس الذي بُنيت عليه الإمبراطورية العربية-الإسلامية .
ومنذ وفاة النبي (11هجري)، وقبل أن يتم الدفن بدأ الصراع السياسي على الحكم في سقيفة بني ساعدة. وهو الخلاف الأعظم بين المسلمين كما وصفه الشهرستاني " ان أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة. إذ ما سُلَّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثلما ما سُلَّ على الإمامة في كل زمان" (11).
وتقدم المراجع التاريخية معلومات متناقضة حول الاختيار السلمي لأبي بكر، كأول خليفة للنبي. أم أن هذا الاختيار كان مترافقاً مع العنف السياسي كما يذكر الطبري. حيث لم يتم اختيار "أبي بكر" خليفة للرسول (11-13ه) بالإجماع أو التوافق. إنما جاء بالدعم، والضغط من عمر وتهديده لعلي بن أبي طالب، والزبير، بقوله: "لتبايعا وأنتما طائعان، أو لتبايعا وأنتما كارهان! فبايعا" (12) ويروي البعض أن علياً لم يبايع أبا بكر إلا بعد ستة أشهر من وفاة الرسول وبعد وفاة زوجته فاطمة التي لم تكن راضية على خلافة أبي بكر.
ثم أوصى أبو بكر لعمر بالخلافة إلى أن قتل (23ه-644م) بخنجر مسموم على يد أبي لؤلؤة المجوسي. ثم عثمان بن عفان (23-35)، جاء باختيار مجلس الشورى الذي أوصى به عمر، حيث رفض علي نهج الشيخين (أبو بكر وعمر)، وقال أنه يفضل نهج النبي واجتهاده الشخصي (الطبري). وأيضاً مات مقتولاً.
ثم انتخاب علي (35-40)، ورغم كل فضائله وعلمه، إلا أن اغتيال عثمان، وانتخاب علي فتح الأبواب أمام صراع سياسي عنيف ومكشوف بينه وبين الأمويين بقيادة معاوية. وكانت معركة "الجمل"(36ه) في البصرة بقيادة عائشة زوجة الرسول ومناصرة الزبير، انتهت بانتصار علي. ثم معركة صفين(37ه)، على ضفاف الفرات، والتي انتهت بالتحكيم، وخداع عمرو بن العاص، والتي أدت إلى انشقاق في جماعة علي ورفضهم التحكيم(الخوارج)، ثم قتالهم لعلي وأخيراً اغتياله(40ه-661م). وانتهت بذلك الخلافة الراشدية، وبدأت الخلافة الأموية الوراثية.
وكانت معركة كربلاء(61ه-689م)، ومقتل الحسين وإبادة من معه من شيعة علي، بداية لصراع سياسي دموي في كل الحقب التالية.
وتُشير المعلومات التاريخية إلى أن الصراع السياسي على السلطة قد بدأ في الدولة الإسلامية الوليدة قبل تشكل الطوائف المذهبية. والانقسام الأول في المجتمع الإسلامي الوليد هو انقسام سياسي، صراع سياسي على السلطة رافقه عنف دموي. وبدأ في البداية، قبلي-عشائري كما جرى في السقيفة، بين المهاجرين "قريش"، وهي قبيلة النبي من جهة، وقبيلتي الأنصار "الأوس والخزرج"، من جهة ثانية. ولم يكن للعامل الديني أي دور في اختيار الخليفة. ثم فيما بعد مع توسّع الفتوحات، امتد الانقسام جغرافياً بين أنصار معاوية (قسم من قريش وأهل الشام)، وأنصار علي (العراق ومصر والحجاز وغيرها). بين مؤيد لحكم الأمويين، ومعارض لهم.
"ومع قيام الدولة الأموية، أصبحت العراق مركزاً للعديد من المعارضات. الخوارج، ثم ظهرت القدرية، والجهمية، والجعدية، والمعتزلة، وغيرها، بالإضافة إلى شيعة علي (الموالين لعلي)، والمختلفين عن الاثني عشرية كما نراها اليوم"(13). وكانت هذه المعارضات تسمى فرقاً كلامية، وليست طوائف. وكانت الحوارات تدور حول الخلافة، أو الإمامة، أي حول السلطة وشرعيتها، بالإضافة إلى مسائل دينية عقائدية مثل: خلق القرآن أو أزليته، ويوم القيامة، وجنس الملائكة. إلخ ، التي أثارها "المعتزلة" الذين تلقوا الدعم من الخليفة المأمون الذي أعلن الاعتزال عقيدة الدولة.
وكان انتقال السلطة من الأمويين إلى العباسيين دموياً. حيث تم إبادة السلالة الأموية، ونهب بيوتها وتدميرها، وحتى نبش القبور. ولم تكتسب الصراعات والانتفاضات ضد الأمويين، ومن بعدهم العباسيين، الصفة الطائفية "الشيعية"، رغم أن أغلب قيادتها من الشيعة.
أولا، لأن الشيعة كانوا جزءاً من المعارضات آنذاك، ضد الظلم الذي فرضه الأمويون على جميع معارضيهم. وكان الكثير من أهل السنة يقفون إلى جانب الشيعة ضد ظلم الأمويين، والعباسيين لهم. مثل وقوف أبي حنيفة(80ه-150)، وهو أول الأئمة عند أهل السنة، إلى جانب تمرد الشيعة ضد الأمويين والعباسيين، حيث تم سجنه بأمر من الخليفة العباسي، لأنه رفض تولي أمر القضاء، حتى وفاته عام(١٥٠ه).
وثانياً، لم تتحول فرقة الموالين لعلي (شيعة علي) إلى مذهب ديني، أو طائفة دينية، إلا في أواخر العهد الأموي، وبداية العباسي، على يد محمد الباقر(57-114ه)، وابنه جعفر الصادق(80-150ه) الذي يُعدّ المؤسس الفعلي للمذهب الشيعي، والذي ابتعد عن السياسة وفق مبدأ "التقية" السياسية، كي يتفرغ لتأسيس الفقه المذهبي للشيعة.
وبالمقابل لم يتأسس "التسنن" كطائفة دينية إلا مع "القرن الثالث الهجري بدعم من الخليفة العباسي المتوكل(205-247ه)، الذي أعلن الحرب على كل الفرق الإسلامية ، ودعا إلى فرقة مرتبطة به، وتستند إلى سنة النبي(ص) استناداً شرعياً، بعيداً عن الملابسات السياسية التي حكمت سلوك الفقهاء السابقين. وكان شاعر المتوكل-علي بن الجهم- الذي كان يهجو علي بالاسم، أول من استعمل كلمة "سني"(14).
وبذلك أُسدل الستار على العصر الإسلامي الذهبي الذي خلاله سادت الحوارات الفقهية الحرة، والترجمات الكبرى للفلسفة اليونانية، وتأسيس بيت الحكمة، وتطورت العلوم على كافة الأصعدة. وتم الاعتراف بالأئمة الأربعة وأعلامها: أبو حنيفة (80-150)، ومالك بن أنس (93-179)، والشافعي (150-204)، وبن حنبل(164-241ه).
"وتكرّس الانقسام بين الشيعة والسنة خلال القرن الثالث والرابع للهجرة، حيث خلت الساحة لهما بعد زوال المعتزلة والأشاعرة، وانحسار المد الباطني الإسماعيلي في سورية، وانكفاء الخوارج في عمان، والزيدية في اليمن، وأصبح السنة هم الأكثرية المطلقة عالمياً. وبقي الشيعة طائفة صغيرة حتى بعد اكتسابهم القوة بتشييع إيران في العصر الصفوي في القرن السابع عشر الميلادي" (15)
وقد دخل الصراع في مرحلة أكثر دموية مع دخول "البويهيين" بغداد(321ه)، في عهد الخليفة العباسي "المستكفي"، مع بداية القرن الرابع الهجري، وأصبح التشيع علنياً في مرحلة سيطرة بني بويه. وسمح لهم لأول مرة بممارسة طقوس عاشوراء." كما يورده ابن كثير في البداية والنهاية". ثم انتهاء مرحلة البويهيين على يد السلاجقة الأتراك (447ه) الذين أعادوا المذهب "السني" للخلافة المنهارة، حتى سقوط بغداد "656ه-1258م".
وقد انتشر المذهب الشيعي قبل وبعد ذلك، في معظم أرجاء الإمبراطورية الإسلامية . وتشكّلت إمارات أو دول عديدة. في بلاد الشام والعراق، الحمدانيون في الموصل وحلب (293-392ه)، والأدارسة في المغرب (194-305ه)، والدولة الفاطمية في مصر (296-567ه). لكنها انتهت جميعها، مع تشكل الإمبراطورية العثمانية.
ولم يتوقف الصراع الشيعي-السني مع انتقال الخلافة إلى العثمانيين. حيث بدأ الصراع مع الدولة الصفوية منذ بدايات تشكلها (1501)، وانتصار العثمانيين عليهم، في معركة "جالديران" (1514م)، ثم احتلال العثمانيين لبلاد الشام وطرد المماليك المتحالفين مع الصفويين بعد معركة مرج دابق (1516). ولم يتوقف الصراع حتى انهيار الدولة الصفوية (1736).
وكانت ساحة الصراع الرئيسية بين العثمانيين والصفويين في العراق. حيث استطاع الصفويون احتلال بغداد(1624م)، ثم استعادها العثمانيون في (1635). وبالتأكيد كان "أساس الصراع بينهما جيوبولتيكي على منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى" (16)، لكن تحت رأية الأيديولوجيا المذهبية. حيث قام الصفويون بتحويل الإيرانيين من مذهب السنة إلى التشيع. ومحاولتهم تشييع أهل بغداد عند احتلالها حيث قتلوا فقهاء السنة وعلماءهم. وكذلك قام العثمانيون بنفس الأعمال عندما استعادوا بغداد والعراق كاملاً، حتى سقوط الإمبراطورية العثمانية. وهذا كان يحصل في كل الصراعات التاريخية. فالطرف المنتصر يفرض مذهبه على الشعب، ويقوم بكافة أعمال القتل والتدمير للرموز الدينية والثقافية وحتى نبش القبور. وعندما ينتصر المذهب المعاكس يقوم بالأفعال نفسها..
لكن "اضطهاد الشيعة خلال المرحلة العثمانية، كان أكبر من باقي الأقليات، بسبب الخلاف المذهبي. حيث لم يعترف فقهاء الشيعة بشرعية الخلافة العثمانية (السنية-الحنفية المذهب)، وكان الرد العثماني، الاعتماد على فتاوى فقهاء السنة بجواز قتل الشيعة باعتبارهم مرتدين عن الإسلام. وكانوا غير مقبولين في الجيش العثماني، ووظائف الدولة، ومدارسها" (17).
وكانت طقوس عاشوراء ممنوعة في العراق حتى(1831م)، حيث سمح بها الوالي "علي رضا باشا" والذي كان "بكتاشيا" يحب أهل البيت والأئمة الاثني عشرية. وكذلك المواكب الحسينية، وطقوس العزاء، ومسيرات زيارات ضريح الحسين في كربلاء.
وشمل الاضطهاد والقتل أيضا "العلويين" الذين اتخذوا اسم "النصيريين"، أو "النميريين" نسبة إلى "محمد بن نصير النميري-توفي 270هجري"، والذي انشق عن الاثني عشرية الشيعية، ونصب نفسه بابا، أو مكلفاً لشؤون الإمام الغائب. " "وهذا الانشقاق كان خروجاً سياسياً عن الاثني عشرية، وجوهر إلخ لاف على إدارة شؤون الإمام الغائب". وأصبح الخلاف بين الشيعة والعلويين حول شخصية بن نصير الذي يعدّونه الشيعة شخصاً سيئاً". وبالمقابل كانت "فتاوى الحامدية للسلطان سليم العثماني جميعها تدعو لقتالهم، "لأنهم أشد الناس كفراً "وبحسب فتوى بن تيمية أيضاً. وتم ملاحقتهم وقتلهم في كل المراحل، وخاصة في حلب وجبال كسروان في لبنان، ومطاردتهم حتى سكن المتبقي منهم في الجبال. وبالإضافة للتكفير تم الصاق كل التهم السيئة بهم. ومنها اتهامهم بشرب الخمر، وإقامة ليلة "الماشوش، أو الحاشوش، أو الكفشة". وهي من طقوس الجنس الجماعي. "ولذلك ظلوا لفترة طويلة بعيدين عن ممارسة الإسلام كعبادة ومعاملات، وذلك بسبب عزلتهم وتقوقعهم على ذاتهم، وهيمنة التقاليد الصوفية عليهم. وهم لم يبدؤوا ببناء المساجد، وممارسة صلاة الجمعة والجماعة إلا في منتصف القرن الثالث عشر الهجري". "وفي محاولات لفك العزلة والاقتراب من بقية المسلمين، بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، بدؤوا الاتصال بعلماء الجعفرية بجبل عامل والنجف، لتأكيد صفة الإسلام والتشيع، والتخلص من تسمية النصيرية. ومنذ 1948 بدأ النجف باستقبال الطلبة العلويين للدراسة الدينية، وكذلك اعتراف مفتي سورية في 1952 بالعلويين كشيعة جعفريين، كمذهب خامس".(18) .

3- التدخل الأجنبي-الاستقلال
وبالمقارنة، كان وضع المسيحيين واليهود، أفضل من الطوائف الإسلامية ، أي الشيعة والإسماعيليين والدروز، رغم عدم المساواة بينهم وبين المسلمين، وفرض الجزية عليهم، وشروط أخرى لاإنسانية، كحرمانهم من ركوب الخيل، ووضع صليب حديدي في الرقبة، وبسببه كانوا يسمون أقباط مصر "عظمة زرقاء" إلخ .
وكان "نظام الملل" العثماني، ينظم علاقة الدولة مع أفراد المجتمع وفق انتمائهم الطائفي وعن طريق رؤسائهم الذين حصلوا على صلاحيات كاملة للتحكم في شؤون الطائفة دينياً ومدنياً. إلا أن هذا النظام مع إنه كان يكفل نظرياً الحرية الدينية للطوائف غير الإسلامية ، إلا أنه رسخ التقوقع الطائفي والمذهبي في المجتمع.
وخلال القرن التاسع عشر "اتسع التصدّع القديم عبر القرون المختلفة بين السنة والأقليات الدينية، نتيجة التدخل الروسي والفرنسي والبريطاني في شؤون الخلافة بحجة حماية الأقليات، مما ولَد كراهية السنة للأقليات واعتبارهم خونة" (19). وفي (1839) أصدر الخليفة قانون "التنظيمات"، ثم القوانين التي عرفت ب "الخط الهمايوني" عام (1856) والتي بموجبها يتساوى مواطنو السلطنة بالحقوق والواجبات بصرف النظر عن دينهم أو عرقهم أو قوميتهم، في محاولة لحركة إصلاح "الرجل المريض". لكن هذه الإصلاحات الإدارية، لم تمنع الصراع الطائفي والمجازر التي حدثت في لبنان، مثلاً، عام (1860) بين الموارنة المدعومين من فرنسا، والدروز المدعومين من العثمانيين، والتي بلغ ضحاياها بعشرات الآلاف. وكذلك الاضطهاد التاريخي والمجازر بحق السريان والشركس والأرمن، قبل وخلال الحرب العالمية الأولى (1915) وبعدها، حيث تشير الإحصائيات إلى أرقام مختلفة حول عدد الضحايا تقدر بمئات الألوف، وتم تهجير الباقين إلى سورية والعراق.
في العموم "كانت المجموعات المحلية العشائرية واللغوية والدينية تشكل في مجموعها جاليات مغلقة. وكانت هذه الجاليات هامشية وبعيدة عن السلطة وصنع القرار التاريخي" (20). "وظل نظام المجتمع المغلق سارياً خلال النصف الأول من القرن العشرين، والذي سماه في الأربعينيات (جاك ويلرس) بعقدة الأقليات، ووصفها كالآتي، "حساسية جماعية مرضية تجعل أي تحرك لجالية مجاورة يبدو وكأنه خطر محقق، أو تحد لهذه الجالية، فتقوم بتوحيد كل المجموعة بالكامل أمام أدنى هجوم أو تعد يُرتكب ضد أي من أعضائها" (21)
ومع انهيار الإمبراطورية العثمانية، وتبدد حلم العرب بإقامة دولتهم القومية. ثم جاء تقسيم سايكس-بيكو لبلاد الشام، وإخضاعها للانتداب الفرنسي والبريطاني، ليدشن مرحلة جديدة، وخضوع العرب للسادة الأوروبيين الجدد.
حيث عمل الانتداب الفرنسي في سورية على "تحريض الولاءات الطائفية، والتقسيم الطائفي للمدن السورية"، وكذلك "تجنيد العلويين والأقليات في الجيش واستخدامهم لقمع الفتن والانتفاضات" (22) مما ساهم في المزيد من العداء الطائفي بين "السنة" من جهة، وباقي الأقليات من جهة أخرى. لكن التقسيمات الطائفية للمدن السورية اللامنطقية، واللاواقعية لم تستمر طويلاً، لأنها لم تمتلك الأسس الاقتصادية والجغرافية لاستمرارها، وقد تم رفضها من قبل السوريين بكافة طوائفهم.
و"عندما نالت سورية استقلالها عام (1946)، كانت دولة في كثير من النواحي، دون أن تكون أمة، وكانت كياناً سياسياً، دون أن تكون مجتمعاً سياسياً" (23). حيث كان الشعب السوري ممزقاً بين ولاءاته المناطقية والطائفية الداخلية من جهة، والانتماءات القومية والإقليمية من جهة أخرى.
وإن هشاشة في "الطبقة" السياسية، ونظام المجتمع المغلق عموماً، والتنافس الانقلابي على السلطة، جعل من الجيش الأداة الأهم في الحياة السياسية، وانقلاباته المستمرة والتي بلغت عشرة انقلابات بين عامي (1946-1970). بمعدل انقلاب كل عامين.
ومع كل انقلاب كان يرافقه تصفية جديدة، ومحاولة لتفصيل دستور جديد. ولذلك اكتسب تركيب الجيش أهمية قصوى. وقد تزايد عدد المنتسبين للجيش من الطبقات الوسطى والفقيرة بعد الاستقلال، مترافقاً مع تشكل البذور الطائفية الأولى في الجيش. وحسب بطاطو "في عام 1955 بلغ عدد ضباط الصف من العلويين نسبة 55%".(24). ومع أن التجار "السنة" القاطنين في المدن كانوا يبتعدون عن التطوع بالجيش، إلا أنهم كانوا يشكلون نسبة لا بأس بها من الضباط.إذ نلاحظ أن قادة الانقلابات الثلاثة (حسني الزعيم وسامي الحناوي وأديب الشيشكلي) كانوا من السنة. بالإضافة إلى "النحلاوي" الذي قام بانقلاب الانفصال، وهو من الضباط الدمشقيين.
بعد انقلاب الانفصال (1961) أصبح الاستقطاب الطائفي أكثر وضوحاً. حيث "وصل الضباط الدمشقيون إلى أوج قوتهم بقيادة "النحلاوي"، لكن سرعان ما تم انهيار قوتهم، بسبب "عدم دعمهم من غير الدمشقيين"، وبسبب "عدم طاعة الجنود وضباط الصف لأوامر قادتهم الدمشقيين بتحريض من الشيوخ العلويين والسنيين" (25) "وتم طرد النحلاوي ومن معه من الضباط الدمشقيين (1962) واستبدالهم بضباط من الريف يضمرون الحقد والكراهية للدمشقيين" (26).
لكن رغم أن نظام المجتمع المغلق، كان يتضمن الطائفية الكامنة في "عقدة الأقليات". إلا أن التاريخ لم يسجل-بحدود معلوماتي-أية صراعات دينية، أو طائفية عنيفة، منذ الاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية، وحتى صعود البعث. وبالعكس استطاعت الروح الوطنية التي قاومت الانتداب الفرنسي، أن تتغلب على التقسيمات الطائفية التي عمل عليها الفرنسيون، وتعيد لسورية وحدتها الوطنية. وكذلك بعد الاستقلال، لم يكن للعامل الطائفي أي دور في الصراعات السياسية، والانقلابات العسكرية التي سادت في تلك المرحلة. وربما يعود ذلك إلى أن اللاعبين السياسيين، بمن فيهم جنرالات الانقلابات، كانوا من "السنة"، والإسلام السياسي الممثل بــ "الإخوان المسلمين" لم يتجذر ويكتسب القوة السياسية والاجتماعية والعسكرية، في الساحة.
4-انقلاب (1963)
ليس صدفة أن يتم تشكيل "اللجنة العسكرية" البعثية عام 1959، للإشراف على تنظيم الجيش، والتي ضمت خمسة عسكريين وأن يكون جميعهم من الأقليات- ثلاثة علويين واثنان إسماعيليان-(محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد والمير والجندي). ثم توسيعها إلى خمسة عشر مع محافظة العلويين على الأكثرية عام 1963، والتي شكلت العمود الفقري لانقلاب(آذار-1963) ثم انقلاب(23شباط-1966). "واختلفت اللجنة العسكرية عن قياديي البعث الكلاسيكي الذين كانوا من المدنيين ويفضلون العلاقات السياسية العلنية على التخطيط السري المميز للسياسة العسكرية"(27) التي اتبعتها اللجنة العسكرية في التحضير للانقلاب، وتطييف الجيش واعتباره الأهم من الحزب.
ومن الطبيعي أن تتصف العقلية العسكرية بالانقلابية. وإذا أضفنا انتماء القادة العسكريين إلى الطبقة الفلاحية، وأيضاً الأقلوية المذهبية، نستطيع أن نتفهم العقلية التي رسمت استراتيجية النظام منذ انقلاب (1963) وتكتيكاته اللاحقة. والتي اعتمدت على القوة العسكرية، أو العنف بالدرجة الأولى، والسرية، والتآمر، وتجريم الطائفية، والقوة المفرطة تجاه الآخر المشبعة بالانتقام والثأر.
وقد وضع انقلاب (8آذار1963) الأسس الأولى لسيطرة الضباط البعثيين. وكان التآمر على حلفاء الأمس من أهم التكتيكات التي اتبعها الضباط البعثيون.
وفي البداية تحالفوا مع الضباط الناصريين والوحدويين. إلا أن الضباط البعثيين بدؤوا "باستدعاء العديد من الضباط وضباط الصف الذين تربطهم بهم أواصر عائلية أو عشائرية أو إقليمية(محلية)، لتقوية مراكزهم الجديدة" (28). ومقابل ذلك شملت التسريحات مئات الضباط وضباط الصف من أبناء المدن الكبرى وخاصة من "السنة"" (29). وتوالت الأحداث بسرعة، حيث انسحب الناصريون والوحدويون من مجلس قيادة الثورة والوزارة (أيار1963). وتوج الخلاف بالانقلاب الثامن الفاشل لجاسم علوان الناصري(تموز1963). وكانت فرصة للبعثيين بتصفية الناصريين والوحدويين في الجيش، وكانوا أغلبيتهم من السنة. واستكمال الاستدعاءات لملء الفراغ. وأغلب الذين تم استدعاؤهم كانوا من الأقليات، وبشكل خاص من العلويين (30).
وبعد تطهير الجيش من الناصريين، أصبح التكتل الطائفي في الجيش واضحاً وعلنياً، ضد السنة. لكن هذه المرة ضمن حزب البعث. "وبدأت روائح هذا التكتل تفوح بقوة". وبدأت اللجنة العسكرية وأغلبها من الأقليات، وهي المسؤولة عن تنظيم أمور الجيش، بترتيب وضع الجيش وفق الولاء الطائفي، والسيطرة على مراكز القوة. ولإرضاء أهل السنة، وحتى لا تبدو الأمور مكشوفة كان يتم إسناد بعض المراكز العليا لضباط سنة. لكن "إشغال وظيفة عسكرية عليا لا يعني بالضرورة التمتع بسلطة مستقلة" "إذ كان الولاء الطائفي يعلو على الانضباط العسكري" (31).
واتهام أمين الحافظ لصلاح جديد بالطائفية. أصبح واضحاً وجود انقسام معسكرين في الجيش، تكتل الحافظ السني، مقابل تكتل جديد والأسد العلوي، مدعوماً بالضباط الدروز بزعامة سليم حاطوم. وانتهى هذا الانقسام بالانقلاب التاسع(23شباط1966)، وسيطرة الأسد وجديد، وتصفية بقايا الضباط المعارضين من اتباع أمين الحافظ.
وبعد شهور قليلة، تلت الانقلاب الفاشل لسليم حاطوم "الدرزي" في (أيار 1966) تمت تصفية الضباط الدروز، ثم بعض الضباط الحوارنة(1968-كتلة أحمد سويداني)، "بحيث لم يعد ممكناً تشكيل أي تكتل خاص بهم في الجيش". وقد وصف سليم حاطوم النظام آنذاك "دولة علوية ذات رسالة خالدة"، بعد هروبه إلى لبنان. والمقصود بذلك صلاح جديد وحافظ الأسد. "وقد بقي الكثير من الضباط السنة، لكن أهميتهم، أن كانوا مهمين، كونهم أفراداً، لا جماعات، وبالمعنى الاحترافي أكثر منه بالمعنى السياسي" (32).
ثم انتقل الصراع إلى داخل البيت الواحد الحزبي والطائفي معاً. بين صلاح جديد وحافظ الأسد. وتم تقاسم المواقع. حيث سيطر الأسد على الجيش، وفصل الجهاز العسكري عن المدني. وسيطر جديد على الجهاز المدني. ومن الطبيعي أن لا يحتمل النظام الاستبدادي، أو السلطاني الجديد، وجود أكثر من طاغية واحد. ومن الطبيعي أيضاً أن ينتصر صاحب القوة الفعلية على الأرض، وهو الجيش. وتم ذلك في الانقلاب الأخير، في (تشرين 1970) تحت عنوان(التصحيح)، بقيادة الطاغية حافظ الأسد، وإرسال قيادة الحزب والدولة إلى السجن حيث قضوا بقية حياتهم هناك. وتم العمل على تنظيم الجيش بقيادة الضباط العلويين، بحيث لم يعد ممكناً تكوين أي تكتل في الجيش من خارج البيت أو من داخله.
فالمعيار الأساسي في تشكيل النظام الجديد هو الطائفية. لكن هذه المرة الطائفية الأقلوية. وعندما تصل الأقلية الطائفية للحكم، ولشعورها بأنها لن تكون قادرة على الإمساك بالسلطة لفترة طويلة، فإنها ستعمل بالدرجة الأولى على تثبيت سلطتها، ولن يشغلها التفكير بالتأسيس لهوية وطنية. لأن معيارها الأساسي نقيض للوطنية.
5-انقلاب (1970)
مع نجاح الإنقلاب لم يواجه الأسد أية معارضة حقيقية على الأرض. ومباشرة بدأت الخطوات الأولى "لأول حاكم على سورية من أصول فلاحية" لتثبيت واستقرار السلطة. وكانت الأولوية للجيش والأجهزة الأمنية. حيث بدأ الطاغية بتشكيل القوات الخاصة النخبوية (الحرس الجمهوري، والقوات الخاصة، والفرقة الثالثة، وسرايا الدفاع) ومهمتها حماية النظام الجديد، وليست رديفة للقوات العسكرية النظامية التي أُعيد تشكيلها من جديد، لتكون الحاضنة الأكبر للنظام، و"التي راح يبعدها عن السياسة منذ 1970" (33). بالإضافة إلى شبكة الأجهزة الأمنية العسكرية والمدنية بفروعها المختلفة، والتي كانت جميعها بإشرافه شخصياً.
وكان "الدور الأكبر في التشكيلات الجديدة لأبناء الريف عموماً، والعلويين بشكل خاص. حيث كان 61% من الضباط الذين اختارهم الأسد بين عامي (1970-1997) ليحتلوا المواقع الرئيسة في القوات المسلحة والتشكيلات العسكرية النخبوية وأجهزة الأمن والاستخبارات كانوا من العلويين. وكان القادة الكبار الإثنا عشر من عشيرته الكلبية، وعشيرة زوجته الحدادين. وكان سبعة من هؤلاء الاثني عشر من أقرباء الأسد المباشرين بالدم والزواج، مثل رفعت وعدنان مخلوف وشفيق فياض. إلخ الذين قادوا أهم وحدات النخبة العسكرية والأمنية الضاربة بين 1970-1984.. إلخ "(34).
لقد نجح الطاغية في التأسيس لنظام أمني، وعسكري "ميليشاوي" أخطبوطي، مهمته الدفاع عن السلطة، وانتشر في كل قطاعات مؤسسات الدولة والمجتمع. حيث لم يكن هناك مؤسسة اقتصادية أو اجتماعية مستقلة، وبعيدة عن سيطرة الأجهزة الأمنية التي تشرف بشكل مباشر وغير مباشر على تنظيمها وإدارتها. ولم يتمتع حزب البعث الحاكم بأية سلطة مستقلة عن المخابرات. وتم اعتقال كل الأصوات المعارضة من مختلف التيارات.
كما نجح أيضاً بإبعاد الجيش عن السياسة، ومنع تشكل أي تكتلات معارضة، وذلك بإعادة تنظيمه من جديد. وتحويله إلى جيش عقائدي، وأصبحت مهمة "القوات المسلحة ومنظمات الدفاع الأخرى، مسؤولة عن سلامة أرض الوطن، وحماية أهداف الثورة في الوحدة والحرية والاشتراكية"، كما ورد في دستور (1973).
وأصبح الضباط العلويون هم القادة وأصحاب القرار في كل الفرق العسكرية، وبرعاية المخابرات العسكرية. وقد تزايد اعتماد الأسد على أبناء الطائفة "الذين كانوا يقودون فرقتين من مجموع فرق الجيش الخامس"، منذ بدء زمن الاضطرابات (1978) الذين "أصبحوا يقودون ست فرق في 1985، وسبع فرق في 1992 من بين فرق الجيش النظامي التسع" (35). ولم يكن للضباط السنة القادة أي دور مهم، أو أي قرار مستقل. وقد اعتمد الأسد على عدد من الضباط السنّة بمواقع قيادية عليا مثل: قائد القوى الجوية (ناجي جميل)، ورئيس الاركان (حكمت الشهابي)، ومدير المخابرات العامة، ووزير الدفاع (مصطفى طلاس).. إلخ . "ولكن لم يكن لأي من هؤلاء الضباط في أي لحظة سلطة اتخاذ القرارات الحاسمة أو القيام بمبادرات مستقلة. وكانت سلطتهم مستمدة من الأسد، ولم يكن لهم أي دعامة عسكرية خاصة بهم " (36). وقد تم وصف طلاس مثلاً، بأنه "لا يحل ولا يربط، وليس له دور في الجيش إلا دور الذيل من الدابة"(37).
وعلى المستوى السياسي، تم الاستيلاء على الحزب بسهولة، وتأييده للانقلاب. والذي استخدم "كعربة رئيسة لبسط نفوذه" (38) على المجتمع. وتم فتح الأبواب للمنتسبين الجدد، بحيث أصبح رافعة لتغلغل المؤيدين في مؤسسات الدولة. "وكان عدد أعضاء الحزب في عام 1971 (65,398)، وارتفع إلى (1,008,343) عام 1992, في حين كان عدد أعضاء الحزب عند انقلاب 1963 لا يتجاوز (400) عضو"(39). " وطغت "القاف" المقلقة على شوارع دمشق ومقاهيها" كما لاحظ سامي الجندي(252بطاطو). وفي مدينة حلب عام 1970 لم يتجاوز أعضاء الحزب 70 عضواً"(292). وكذلك في دمشق، حيث كانت البرجوازية المتمركزة في دمشق وحلب، تنظر بعين العداء لحزب البعث، منذ قرارات الإصلاح الزراعي، وتأميم الشركات الصناعية والبنوك، التي بدأت خلال مرحلة الوحدة، واستكملها البعث بعد 1963. في حين كان العلويون "يعتبرون بأن البعث هو حزبهم ويمثل مصالحهم فعلاً" (40).
وأما الأحزاب الأخرى المتبقية (الاتحاد الاشتراكي والحزب الشيوعي)، فقد انقسمت بين مؤيد ومعارض للانقلاب. حيث جمع الطاغية الجديد المؤيدين في "الجبهة الوطنية التقدمية" بقيادة حزب البعث باعتباره "الحزب القائد للدولة والمجتمع"، ودستور جديد قام بتفصيله على مقاسه كي يكون الحاكم الأوحد، دون أي منازع. وأغلق باب السياسة على الجميع.
ومن أجل كسب تأييد أهل "السنة" وتجارها في دمشق وحلب. تضمن الدستور في (1973) أن "الفقه الإسلامي هو مصدر رئيسي للتشريع" ثم أضاف إليه أن "دين رئيس الجمهورية هو الإسلام". ورداً على اتهامه بأنه ينتمي إلى "طائفة من أهل البدع"، وبالإيعاز منه أصدر "ثمانون من رجال الدين العلويين بياناً رسميا يؤكدون فيه على نحو قاطع أن كتابهم هو القرآن، وأنهم مسلمون شيعة، وأنهم مثل أغلبية الشيعة الاثني عشرية" (41). وصادق على البيان موسى الصدر رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان، الذي أكد على الوحدة المرجعية للشيعة والعلويين.
بالإضافة إلى سعيه لاحتواء بعض علماء السنة وإدخال قسم منهم لمجلس الشعب "كفتارو مثلاً"، وتبرعات شخصية للمدارس الشرعية والأئمة، ودعم التوجه والتبرّع لبناء مساجد جديدة، والصلاة في مساجد السنّة. إلخ . وكذلك قدم الوعود لتجار دمشق بالتراجع عن قرارات التأميم، وتوسيع سقف التجارة، مما جعلهم يأملون في المشاركة في السلطة الجديدة. وأيضاً عمل على زيادة تمثيلهم في حزب البعث. حيث كان تمثيل "السنة" في الحزب ضئيلاً بين 1963و1970. ومن أجل كسب تأييدهم ارتفعت نسبة تمثيلهم في القيادة القطرية إلى 7,9% في 1970. ثم انخفضت في 1975، وعادت للارتفاع والاستقرار منذ 1980 إلى 66% (42)
ورافق تطييف الجيش ومؤسسات الدولة، تجريم الطائفية والحديث عنها على المكشوف. والمعروف أن (صلاح جديد وحافظ الأسد) كانا من المشرفين المباشرين على إدخال العلويين إلى الجيش والحزب. وفي الوقت ذاته حاربوا كل من يتحدث عن الطائفية بشكل علني، وذلك لأن أي حديث عن الطائفية سيتناول سلوكهم الطائفي، ويكشف خططهم للآخرين. ومثال ذلك محاربتهم لـ"محمد عمران" واتهامه بتشكيل كتلة طائفية علوية، والمجاهرة بضرورة حصول العلويين على حقوقهم، وقوله "إن الفاطمية يجب أن تأخذ دورها"(43)، حيث تم نفيه ثم اغتياله عام 1972في بيروت. وبدون شك لم يكن الاغتيال بسبب ذلك فقط، إنما بسبب سياسي وهو الصراع على السلطة حيث كان عمران يشكل خطراً ومنافساً على سلطة الأسد وجديد. وأصبحت تهمة الطائفية أو "إثارة النعرات الطائفية" هي التهمة الجاهزة لكل معارض سياسي، سواء كان علمانياً أو قومياً أو ليبرالياً، أو ماركسياً أو إسلامياً. فالنظام هو الوحيد الذي يصنع الطائفية، ولا يحق لأحد الحديث عنها، ومستفيداً في الوقت نفسه من الدعوات الطائفية "السنيّة"، مثل اتهام "أمين الحافظ" وغيره من الضباط في حلب ودمشق لصلاح جديد بأنه طائفي.
ومقارنة "منيف الرزاز منذ نصف قرن، حول من هو الأكثر، أو الأقل إجراماً، بقوله، إن الذي "يصنع الطائفية هو الأكثر إجراماً من الذي يكشفها" (44) تدفعنا إلى القول بأن المجرم الأول هو الذي يصنع الطائفية، ومن الضروري كشف هذه الطائفية حتى يمكن إزالتها. لكن أيضاً، المجرم الآخر، هو الذي يكشف الطائفية، ويرد عليها بطائفية معاكسة مشابهة، إقلية أو أكثرية، كما حصل مع "الإخوان المسلمين"، في عام 1964و1980.
وبالتوازي مع تشكيل القوى العسكرية والأمنية، استكمل الطاغية بناء اقتصاد السلطة، الذي بدأ منذ انقلاب (1963)، مع قوانين التأميم والإصلاح الزراعي، والتي سميت بالقوانين الاشتراكية، ثم الشروع ببناء القطاع العام الصناعي، ليصبح النظام الرأسمالي الأول، (رأسمالية الدولة) مستفيداً من دعم الدول النفطية بعد حرب (1973) مع إسرائيل، باعتبار سورية دولة مواجهة ومقاومة للاحتلال.
وكان المتضرر الأكبر من الانقلاب هو الرموز الإقطاعية-البرجوازية المتمركزة في المدن الكبرى، حلب ودمشق وحماة، والتي فقدت ثروتها، بعد قوانين الإصلاح الزراعي (1963-1964)، والاستيلاء على المساحات الواسعة من الأراضي، وكذلك مراسيم التأميم للشركات الصناعية في حلب (شركة الططري وعداس والشهباء والأخضري). وفي دمشق(نيسان1964)، (شركة المغازل والمناسج، وشركة الدبس). وفي اللاذقية (الشركة العامة لصناعة الأخشاب)، وأيضاً البنوك إلخ اصة، وحصر التجارة والتصدير بيد النظام، بحيث أصبح النظام الرأسمالي الأول. وكذلك تم إبعادها عن السلطة كما كانت في الخمسينات. وبالتالي كانت العدو رقم واحد للنظام الجديد.
وهنا يبرز السؤال الهام والإشكالي وهو: هل كان انقلاب (1963) انقلاباً عسكرياً عابراً فقط، أم هي ثورة كما يسميها النظام؟ وماهي الأسباب الفعلية التي جعلته يستمر في السلطة؟
بالتأكيد، ببساطة إنقلاب البعث لم يكن ثورة. لأن الثورة يقوم بها الشعب المدني وليس ثلة من العسكريين الذين اغتصبوا السلطة بالعنف، كما حصل في (آذار1963). لكن أيضاً لم يكن إنقلاباً عسكرياً فقط، إنما كان إنقلاباً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً كاملاً على بنية المجتمع والطبقة السياسية الحاكمة في الخمسينيات، والتي كانت تسودها العلاقات الإنتاجية الإقطاعية-البرجوازية.
وهذا الإنقلاب واستمراره هو حالة موضوعية للتطور التاريخي لسورية، وليس حالة قطع أو انحراف للمسار الطبيعي الذي يتغنى به البعض بوصف مرحلة الخمسينيات كمرحلة ذهبية مشرقة في تاريخ سورية، ويتحسر على عدم استمراريتها، على طريقة الثورة البريطانية (1688)، والتي انتقلت خلال ثلاثة قرون بشكل سلمي من سيطرة الكنيسة-الإقطاع، إلى الدولة الرأسمالية الحديثة.
فالتاريخ لا يقبل الفراغ خلال مراحل تطوره المتلاحقة. ورأسمالية الدولة التي أقامها البعث ليست آلية "إشتراكية" خاصة به. إنما هي وسيلة اعتمدت في كل دول العالم المتقدم والمتخلف. وهي آلية رأسمالية، وليست إشتراكية. إنها "عتبة الاشتراكية" كما وصفها لينين. وكل المنظومة السوفيتية، بما فيها البلدان المتخلفة ومنها سورية لم تتجاوز هذه العتبة، إلى أن انهارت.
وأمام عجز البرجوازية عن الاستجابة للإستحقاقات التي تواجه المجتمع، كان لابد من بروز قوة عسكرية، أو سياسية، أو اجتماعية، حتى تملأ الفراغ، وتسد العجز. وفي حالتنا السورية كان انقلاب البعث. والمأساة في هذا الانقلاب، ليس في تأسيسه لنظام شمولي على كافة المستويات، وهو نظام تجاوزته أغلب المجتمعات بسلام.إنما المأساة في طائفية النظام الشمولي، والتي كانت كابوساً على كل السوريين بطوائفه المتعددة، وتحرف الصراعات الاجتماعية إلى صراعات طائفية مدمرة للمجتمع، بدلاً من ثورات الشعب ضد الدكتاتورية والاستبداد الشمولي لنيل الحرية.
واستمرار سيطرته لمدة نصف قرن تعود إلى: سيطرته على الجيش والعمل المبكر على تطييفه أولاً، والنظام الأمني الأخطبوطي الذي فرضه على المجتمع، واستجابته لحل المسألة الزراعية عبر قوانين الإصلاح الزراعي، والعمل على التنمية الاقتصادية وخاصة في السبعينيات ثانياً، والتغني المزيف بالمسألة القومية ثالثاً.
6-هل النظام السوري طائفي؟
يحتاج أي نظام حتى يكون قادراً على السيطرة على المجتمع إلى أركان ثلاثة.
أولاً: الجيش والقوات المسلحة المختلفة لحماية النظام، مشتركاً مع الأجهزة الأمنية لمراقبة المجتمع وضبط حركته. وثانياً: الاقتصاد حتى يمكن تسيير المؤسسات المتعددة. وثالثاً: أيديولوجيا، وإعلام قادر على ترسيخها في أذهان المجتمع. وقد عمل النظام السوري على تشييد هذه الأركان، كما تم تفصيلها في الفقرة السابقة.
ولم يتجرّأ المثقف السوري عموماً، على البحث في بنية النظام السوري الطائفية، في المرحلة السابقة. ليس لأن بنية النظام معقدة جداً، وغير قابلة للفهم. إنما:
أولاً: لاحتكار النظام للممارسة الطائفية، والآليات المنهجية الطائفية التي اتبعها منذ استيلائه على السلطة (1963). وتجريم النظام لأي بحث أو حديث يتناول الطائفية مهما كان نوعه، هو محاولة للتغطية على سلوكه الطائفي، خاصة بعد (1970)، من أجل تثبيت أركان نظامه الجديد. وهذا التجريم أفرز بدوره فكرة عامة عند المثقف السوري مفادها، أن كل من يتحدث عن الطائفية هو طائفي، ويُثير "النعرات الطائفية"، و"الفتنة الطائفية"، حتى لو كان الباحث غير طائفي.
وثانياً: لأن بنية النظام تبدو كإشكالية ليست بسيطة. فهو ليس نظاماً دينياً، أو طائفياً على طراز السعودية وإيران، كما هو مثبت أيضاً في دساتيرهم. إنما بالعكس يرفع النظام الأيديولوجيا الوطنية والقومية، ويدعي العلمانية، ويرفض الأيديولوجيا الدينية الطائفية.
وثالثاً: لأن النظام اشتغل منذ بداية سيطرته (1963)، على عدة ركائز لتثبيت سلطته، ركائز أمنية، وعسكرية، وسياسية، واقتصادية، واجتماعية، وتعليمية. إلخ . بحيث يختلط على الباحث تصنيف هذه الركائز وفرز الأسس الرئيسة عن الثانوية. والبحث الجدي في ممارسة النظام على كافة الأصعدة المذكورة، هي التي ستفتح البوابة الحقيقية لمقاربة بنية النظام الفعلية.
وبعد انطلاقة الثورة، والعنف الفظيع الذي مارسه النظام ضد الثوار، انقسم المجتمع على مستويات متعددة، طبقية، ومناطقية، وقومية، وطائفية. (برجوازية مؤيدة للنظام، وطبقة وسطى صامتة وأقرب للنظام، وباقي فئات الشعب مع الثورة)، وهو انقسام طبيعي. و(العلويون مع النظام، المسيحيون والدروز بين المؤيّد للنظام، والمؤيد للثورة، والحيادي، وأكثرية السنة ضد النظام). والكرد عموماً ضد النظام، ومع الثورة، لكنهم اتخذوا المسار باتجاه مشروعهم القومي الخاص.
وهذه الانقسامات أثارت بعض المثقفين، وخاصة اليساريين، لمقاربة مشهد الصراع، وخاصة مع ظهور الكتائب القاعدية في المعارضة، بعد عامين من انطلاقة الثورة، الذي بدأ يكتسي بالملامح الدينية، أو الطائفية.
ومقاربة المشهد تقتضي بالضرورة، البحث في بنية النظام الطائفية، وبنية قوى الثورة والمعارضة، والانقسام الطائفي في المجتمع ككل. لكن هذه المقاربات كانت خجولة، أو مقاربات سريعة، ربما بسبب الخوف من "كشف المستور"، أو مقاربة "المسكوت عنه تاريخياً"، أو الخوف من الصاق التهمة بالباحث بأنه طائفي، وخاصة أن الصراع مازال مستمراً، وانحسار دور الثورة، وعدم انكشاف الأفق لانتصارها. وخاصة أن أي باحث لن يجد في المكتبة الثقافية السورية أية أبحاث أو دراسات معرفية موثقة حول الطائفية في سورية.
وقد وصف طيب تيزيني وغيره الكثير من المعارضة، النظام السوري بالنظام الأمني، أو "نظام سلطاني"، نظام "السلطان-الرعية"، كما كان في العهود الإسلامية القديمة، وخاصة عند المماليك والعثمانيين. وأضاف البعض "مسحة طائفية"، إلى توصيف النظام بأنه شمولي واستبدادي ودكتاتوري.
وبالعموم يمكن التوقّف قليلاً عند مقاربة بعض المثقفين السوريين لبنية النظام. حيث يجمع هذه المقاربات، البحث عن المبررات لنفي صفة الطائفية عن النظام.
-مثل القول: النظام ليس طائفياً، إنما يستخدم، أو يوظّف الطائفية. والحجج هي حسب "سلامة كيلة":
"أولاً: أن حافظ الأسد هو جزء من حزب قومي، وكان الوعي القومي هو الذي يحكمه قبل الوصول للسلطة، وبالتالي لا يمكن أن نقول إنه كان طائفياً. وثانياً: الصراع داخل الحزب كان بين العلويين (الأسد وجديد)، وأيضا كان الانقسام مناطقياً (طرطوس مع جديد، وجبلة مع الأسد). وثالثاً: كانت قوة طلاس وخدّام موازية لقوة علي دوبا وحيدر وكل النخبة العلوية في السلطة". وبالاعتماد على "المنظور السوسيولوجي" يرى "كيله" أن " الدكتاتور الريفي اعتمد على المناطقية من أجل الثقة" وكسب الولاء. وبالتالي "الاعتماد على ضباط علويين أمر يتعلق بالثقة من منظور مناطقي وليس طائفي". وكذلك الصراعات في الجيش قبل استلام الأسد للسلطة تمحورت حول كتل مناطقية" وليست طائفية. ويرى كيله أن "النظام عائلي وراثي وليس طائفي" وهو يستخدم الطائفية أو يوظفها لصالح تثبيت سلطته. "والفئة المسيطرة التي تُوظّف الطائفية وتستخدمها لا تكون طائفية، وربما تكون غير متدينة. لكنها تستغل معتقدات متقادمة لكي تحافظ على سيطرتها على السلطة" ويُضيف كيله إنه "لاطائفية بلا أيديولوجيا. فالطائفية هي تعصب ديني ينطلق من التمسك بمعتقدات معينة، ورفض الآخر، ومن ثم محاولة فرضها بالقوة على الآخر ومحاربته بناء عليها" (45). ويضيف سلامة في مقال عن المظلومية، ولنفي طائفية النظام، بسبب شراكة أو "التصاق تجار حلب بالنظام، بأن مناطق الساحل في ظل النظام من أفقر مناطق سورية".
-ويضيف آخر- محمد ديبو- في مقالاته عن الطائفية بأن "النظام ليس طائفي، إنما يحتكر الطائفية". ويستنتج بأنه "لا يمكن وسم النظام بأنه طائفي، لأن النظام الطائفي هو ذلك النظام الذي يأخذ بعين الاعتبار مصلحة طائفته في كافة السياسات والقوانين والمراسيم، وكذلك حين يتهدد عرشه، أو حين ينص الدستور أو قوانين الدولة على مواد تقر صراحة على هذا الامر، بحيث تبدأ الطائفة من الأسفل تنظر لنفسها بأنها ممثلة سياسياً بهذا النظام وليست محتمية به خوفاً من القادم كما هو حال العلويين اليوم" ويستنتج ديبو أن "النظام ليس طائفياً، إنما يحتكر الطائفية". (46)
-ويضيف ثالث-راتب شعبو- بأنه "لم يكن السوريون طائفيين على مدى تاريخهم الحديث.. مثلاً لم يعترضوا على تولي شخصية مسيحية مسؤولية وزارة الأوقاف الإسلامية (1944).. كما أنهم لم يعترضوا على تولي حافظ الأسد رئاسة الجمهورية بل رحبوا به.. وكذلك لم يعترضوا على التوريث، بل توسموا خيراً بالابن. لم يكن منبع اعتراض السوريين على النظام أن الرئيس من مذهب معين(علوي) حتى أنهم في بداية انتفاضتهم لم يخرجوا للمطالبة بإسقاط النظام بل بمحاكمة المجرمين بحق أهالي درعا" (47).
وينضم عزيز العظمة إلى الرافضين لعلوية النظام، بأن النظام "ليس علوياً، بل استبدادياً تقوده عائلة أمن و"بزنس" علوية تستخدم وسائل مباشرة قائمة على عصبيات القرابة والقرية والطائفة الفرعية داخل الجماعات العلوية للدعم والتعبئة. لكنها بالتأكيد لا تمثل العلويين بالمعنى السوسيولوجي، ولا تفيد العلويين كجماعة إلا بالمعنى السجالي". "والنظام ليس علوياً، على الرغم من أن العلويين يشكلون مادته البشرية المركزية في العديد من أجهزة أمن الدولة والقوات المسلحة”. ونجد "الكثير من التزاوج بين العناصر المدينية السنية، وبين العلويين. ويمكن الحديث عن تحالف مالي وتجاري بين الثروات القديمة والثروات الأقدم، وعن المصاهرة بالطبع. (48).
ويضيف البعض ممن يريد أن يخلط الأوراق أكثر، ضرورة الجمع بين النظام أو السلطة من جهة، والدولة من جهة ثانية، ليستنتج أن النظام لاطائفي، لأن أغلبية عناصر مؤسسات الدولة ليست من الطائفة العلوية، انما من كل افراد المجتمع. ومن جهة ثانية يتم الفصل بينهما، لتوضيح شعار الثورة الأساسي هو "إسقاط النظام"، والذي هو مجموعة من الأفراد التي تحكم المجتمع، وتسيطر على مفاصل الدولة وقطاعاتها المختلفة، وليس شعار "إسقاط الدولة". لأن الدولة هي بشكل عام، مجموع المؤسسات والهياكل التنظيمية والتشريعية، والتي بناها كل أفراد المجتمع، وبالتالي هي ملك للمجتمع ككل ولا يجوز الدعوة لتدميرها، أو إسقاطها.
والمغالطات هنا كثيرة:
الأستاذ "سلامة"، من المثقفين اليساريين الماركسيين، القلائل الذين وقفوا مع الثورة منذ انطلاقتها باعتبارها ثورة الحرية، ثورة شعب ضد نظام مستبد. وانتقد بشدة المنظور الطائفي الذي يوصف الثورة بأنها "سنية"، ضد نظام طائفي "علوي". ويعتمد سلامة في مقاربته لمفهوم الطائفة، والطائفية، على المنهج المادي لتفسير الأفكار والظواهر والبنى والصراعات الاجتماعية، والذي يعيدها إلى "الصراع الطبقي المادي، وأولوية الاقتصاد" أو الظروف المادية التي انتجتها. وهو منهج لم يفقد أهميته، رغم انتكاسة الماركسيين عموماً، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وانتقال الكثيرين، إلى المواقع النقيضة، أي إلى الليبرالية الجديدة. وإذا ابتعدنا عن المواقف السياسية الأيديولوجية المغلقة، يبقى المنهج المادي، أحد المناهج الهامة للوصول إلى المعرفة.
لكن يبدو أن سلامة متمسك بعموميات المنهج. وهذه العموميات يجب أن لا تشكل، غطاء يمنعنا من رؤية التفاصيل، وأن تبعدنا عن "التحليل الملموس للواقع الملموس". وأن لا نفرض آراءنا أو نظريتنا المسبقة على الواقع، ونحاول تكييف الواقع مع هذه النظرية. في حين إن الواقع، أو إن "شجرة الحياة هي الخضراء دائماً"، بتعبير "غوته" مقابل النظرية التي تبدو "رمادية"، حتى تثبت الحياة صحتها.
والصراع الطبقي لا يفسّر بمفرده الصراعات الاجتماعية المتعددة الأشكال. وخاصة في مجتمعنا الذي مازال يحمل موروثه القديم على كتفيه، ولم يدخل بشكل فعلي مرحلة الحداثة الصناعية، ولم تتبلور فيه الطبقات وتناقضاتها. والمثال الأهم، هو أن الصراع الطبقي لا يفسر بمفرده دوافع الثورة المتعددة، والافقار هو أحد هذه الدوافع، وليس الدافع الرئيسي. حيث نلاحظ أن "التمييز الطائفي" هو أحد هذه الدوافع، كما تشير بعض الاستبيانات، إلى جانب الدافع الأول، وهو التخلص من الاستبداد، وبناد الدولة الديمقراطية الحديثة.
لنتوقف عند الأسباب، أو العوامل، التي وضعها "سلامة" وغيره، لنفي طائفية النظام. مع الإشارة بأن الصراعات داخل النظام البعثي منذ (١٩٦٣)، كانت صراعات سياسية وأيديولوجية ومناطقية وطائفية. ولكن هذه الدراسة وعبر الصفحات السابقة يتم فيها عزل العامل الطائفي بقصد توضيح دوره، وحجمه، والعوامل التي غذت استمراره، في بنية النظام. وبالتالي ليس هو الوحيد، لكنه الأهم والأخطر.
أولاً: الوعي الزائف، والكتلة الصلبة
- لقد تبيّن تاريخياً أن الوعي الوطني والقومي عند الطاغية، لم يكن سوى وعي زائف. إذ لو لم يكن كذلك، لكان عمل على تثبيت أركان الدولة الوطنية الديمقراطية التي تعبر عن إرادة الشعب السوري كله. وليس كما حصل، تثبيت أركان سلطة أمنية تم اختيارها بعناية طائفية. وعلى المستوى القومي كان دوره تخريبياً في العراق ولبنان، ومنظمة التحرير الفلسطينية. والاتحادات الرباعية والثلاثية التي شارك فيها كانت شكلية. بالإضافة إلى ملاحقة وتصفية كل الاتجاهات القومية داخل حزب البعث وخارجه. والقول أنه لم يكن طائفياً، غير دقيق، لأنه كان ومعه صلاح جديد، مسؤولاً في اللجنة الخماسية (وبعد توسعها)، على إدخال الأعداد الكبيرة من العلويين إلى الجيش، وبطريقة منهجية وواعية.
- وأن الصراع داخل حزب البعث لم يكن بين العلويين (جديد والأسد) فقط، إنما سبقه الصراع خلال(١٩٦٣١٩٦٦) بين حزب البعث والناصريين، وبين العلويين، والسنة، والذي كان يدعي تمثيلهم "أمين الحافظ"، وكان التراشق بالاتهامات الطائفية واضحاً، وانتهى الصراع بانقلاب(شباط١٩٦٦)، وإزاحة أمين الحافظ. وبعد ذلك أصبح الصراع بين الحزب الواحد والطائفة الواحدة، والانقسام المناطقي بين جبلة وطرطوس، هو انقسام حزبي وضمن نفس الطائفة. ولأن النظام المستبد لا يقبل إلا بطاغية واحد، ولذلك كان انقلاب (١٩٧٠) الذي حسم الصراع لصالح الأسد.
- إن القاعدة الصلبة الأساسية لأي نظام مستبد هي القوة العارية، أي الأمن والجيش، وبعد ذلك يتم بناء الأركان الأخرى كما ذكرنا وهي الاقتصاد، والإعلام. وقد كان الهاجس الأول للطاغية بناء هذه القوة واختيارها بعناية. وليس صدفة أن " الدكتاتور الريفي اعتمد على المناطقية من أجل الثقة" وكسب الولاء. وبالتالي "الاعتماد على ضباط علويين أمر يتعلق بالثقة من منظور مناطقي وليس طائفياً"، كما يقول سلامة. والضباط الأوائل الذين قادوا بناء الكتلة العسكرية الصلبة من عشيرة الأسد، وعشيرة زوجته، ومن أقربائه بالدم، كما شرحنا سابقاً، وتحويل الجيش إلى جيش عقائدي مهمته حماية الثورة. إضافة للميليشيات الطائفية مثل: سرايا الدفاع، وسرايا الصراع، إلخ . وإذا كان التحليل السوسيولوجي يأخذ البيئة بعين الاعتبار وعلاقات الأفراد والتجمعات، وترابطها، أو تصارعها، بعين الاعتبار. فإن هذا التحليل يوصلنا إلى أن الدكتاتور اختار الكتلة الصلبة ليس اعتماداً على المناطقية، فقط، إنما على العائلة أولاً، ثم العشيرة. ومن الطبيعي أن تنقسم الطائفة إلى عشائر، والطاغية ينتمي إلى إحدى هذه العشائر، وجميعها تشكل الطائفة العلوية. وهل عائلة، وعشيرة الطاغية، متميزة عن الطائفة حتى نقول أنه عائلي وليس طائفياً!
وتم استبعاد الطوائف الأخرى المتواجدة بنفس المنطقة والبيئة. ولو كان الاعتماد على المناطقية فقط، لوجدنا بين هؤلاء من أبناء الطوائف الأخرى التي تعيش في نفس المنطقة. ألا يوصلنا التحليل السوسيولوجي، وليس المنظور الطائفي المسبق، إلى اكتشاف الطريقة المنهجية بالانتقاء العائلي والطائفي لبناء الكتلة الصلبة، سواء في البدايات، أو بعد توسعها لتشكل أخطبوطاً ابتلع كل شيء، وبالتالي يمكن القول إن هذه الكتلة طائفية-علوية.
وقد ضمت هذه الكتلة عناصر من الطوائف الأخرى، بعد توسعها. وليس دقيقاً على الإطلاق القول أن "قوة طلاس وخدام، موازية لقوة علي دوبا وحيدر، وكل النخبة العلوية في السلطة"، إنما هؤلاء لم يكونوا أكثر من إجراء وموقعهم كموقع "الذيل من الدابة". وقد يوجد أفراد من الطوائف الأخرى يقومون بأدوار قيادية هامة، في خدمة النظام، مثل "علي مملوك" حالياً، لكنه يبقى تحت سقف النظام. فوجود عناصر في مواقع عليا أو سفلى، لا ينفي "عَلوية" قاعدة النظام.
وإن صاحب القرار في أجهزة هذه القاعدة المتمثلة بالمثلث الأمني: وهي أجهزة الأمن، والقوات الخاصة، والجيش النظامي. والتي لا تحكم وفق الدستور، إنما بموجب قانون الطوارئ والمحاكم العسكرية، والاستثنائية، ومحاكم أمن الدولة، هو العلوي، والأقرب إلى عائلة الطاغية.
وقد صدر مؤخراً عن "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية" دراسة هامة ومفصلة حول "الأجهزة الأمنية السورية"، وتُعدّ من الدراسات النادرة التي تبحث في بنية النظام وأجهزته الأمنية والعسكرية. واستنتج البحث بتوصيفه للواقع الأمني بأنه "يتم تعيين رؤساء الأجهزة والضباط الفاعلين على أساس طائفي ومذهبي بما يضمن الحفاظ على السلطة. فمثلاً ينتمي أغلب عناصر وضباط المخابرات الجوية إلى الطائفة العلوية، وأيضاً المخابرات العسكرية (80% علويين)، بينما الأجهزة الأخرى وأغلب ضباطها والفاعلين فيها في المفاصل الرئيسية هم أيضاً من الطائفة العلوية. ويتم بالدرجة الثانية الاعتماد على أبناء الأقليات الأخرى أيضاً. فمعيار الولاء هو الأساس في التعيين وليس الكفاءة. والمراكز الحساسة في الأجهزة الأمنية لابد من أن يكون القائم عليها من الطائفة العلوية مثل الفرع (251) الفرع الداخلي في إدارة المخابرات العامة. وكذلك الفرع (293) في الأمن العسكري. وفرع التحقيق في شعبة الأمن السياسي. ومن المستحيل أن يكون رؤساء هذه الفروع من غير الطائفة العلوية" (48). بالإضافة للشبكات العسكرية-الأمنية مثل (الحرس الجمهوري-الفرقة الرابعة-قوات النمر) وتعدادها بعشرات الآلاف من العلويين، ومزودة بأحدث أنواع الأسلحة.
ويمكن الاستنتاج ببساطة أن النظام لم يختر أركانه الرئيسة بشكل عشوائي-وخاصة الجيش والأمن- اعتماداً على المناطقية أي (اللاذقية وطرطوس) فقط، والتي تضم خليطاً من الطوائف. وكان "السنة" يشكلون الأغلبية في المدن. إنما اختار من هذه المناطق العلويين فقط، والأقرب لعائلة الطاغية. وبالتالي كان الخيار منهجياً، ريفياً طائفياً، وليس مناطقياً فقط.
ومن ضمن الاستنتاجات الهامة للدراسة المذكورة "أن اهم أسس تماسك هذه القوات هي: الرابطة العلوية كضامنة وحيدة لاستمرار الحرس والنظام الحاكم. والطبيعة التنافسية البينية. ومهام الرقابة التي تتولاها هذه الأقسام على بعضها البعض. وتواصلها المباشر مع الرئيس والذي بيده قرار تعيين وإقالة هؤلاء القادة، باعتباره القائد العام للجيش والقوات المسلحة"(ص١٩).
وإذا حافظنا على المنظور السوسيولوجي، فهل يمكن الفصل بين العائلة، والطائفة التي تنتمي إليها، وخاصة إذا كانت هذه الطائفة أقلية، ومضطَهدة تاريخياً، ومنعزلة، ومسكونة بعقدة الأقليات، بتعبير "جاك لويس"، وأن نقول "النظام عائلي وليس طائفياً". بالتأكيد لا يمكن هذا الفصل، وتوضح أكثر حين توسعت دائرة النظام، وسلطته، في بناء الجيش، والقاعدة الاقتصادية، والتعليمية، والإعلامية، والتي ملأها العلويون، من كافة العشائر العلوية. ولا يغيب انتماء العائلة إلى الطائفة، ككيان أكبر، إذا امتلكت إحدى العائلات، أو العشائر، القوة بالمقارنة مع العشائر الأخرى، فتصبح العائلة الأقوى هي القائدة في الطائفة، ويصبح الزعيم الأقوى هو القائد الوحيد للطائفة، وهذا التركيب القبلي، أو الطائفي هو من صلب تركيب مجتمعنا الراهن. ويمكن ملاحظته بوضوح عند العلويين، والدروز، والإسماعيليين، والطوائف اللبنانية عموماً.
ثانياً: التمثيل الطائفي دستورياً وسياسياً
- في الدولة الدينية يتم ترسيخ الأيديولوجيا الدينية صراحة في الدستور، كما هو الحال في السعودية وإيران، وهما الدولتان الدينيتان الوحيدتان في العالم، بالإضافة للفاتيكان، كرمز عالمي للمسيحية، ودولة إسرائيل التي تعمل الأصولية اليهودية فيها على تديينها دستورياً. مع الملاحظة أن الدولة الدينية تعبر عن تمثيلها للأغلبية المذهبية في المجتمع، كما هو الحال، السنة في السعودية، والشيعة في إيران.
- أما الأقليات الطائفية فهي لا تقيم دولة دينية. وفي حال اجتماعها، ضمن حدود واحدة وسيطرة الطائفية السياسية، فدولة "الطوائف" هي المخرج كما هو في لبنان، أو كما توصف "بالمحاصصة الطائفية" وكما يجري العمل عليها في العراق، منذ الاحتلال الأمريكي لبغداد (٢٠٠٣). وعموماً تبقى دولة الطوائف، دولة فاشلة، ودائماً في حالة حرب أهلية مستترة أو مكشوفة. أما أن تسيطر أقلية طائفية على الدولة كالعلويين في سورية، والسنة في العراق، وتفرض نفسها على الأغلبية المذهبية، والأقليات الأخرى، وتسعى لإقامة دولة طائفية، إذا حافظنا على تعريفنا للطائفة بأنها "أقلية"، أو هي جزء من كل. فإن هذه الأقلية، والمسكونة بالخوف الدائم من السقوط، لن تكون قادرة على ترسيخ مصالحها التفضيلية في الدستور، لأن ذلك يعني السقوط السريع لها. والعكس هو المطلوب، تجريم الكلام عن الطائفية، وجعلها "مستترة". وحين استقر الحكم بعد انقلاب (١٩٧٠)، عمل على استرضاء الأغلبية "السنة" ومشايخهم دستورياً، بأن جعل "الفقه الإسلامي مصدراً رئيسياً للتشريع". وأعلن إسلامه، وإسلام الطائفة العلوية باعتبارها جزء من الشيعة بمباركة المجلس الشيعي الأعلى في لبنان، رغم الفروق الجوهرية، على المستوى الديني بين الشيعة، والعلويين.
- كما أنه لا يمكن تمثيل الطائفة سياسياً لعدة عوامل:
أولاً. لأن البعث استولى على السلطة بصفته الأيديولوجية البعثية، والقائمة على الاشتراكيةوالقومية، وهي التي تم ترسيخها في الدستور.
وثانياً، احتاج الأسد لعقدين من الزمن، حتى استطاع أن يلغي الحياة السياسية بالكامل داخل سورية. وإنهاء دور حزب البعث السياسي لصالح الأجهزة الأمنية، وتصفية الحركة السياسية والعنيفة المعارضة، بالكامل، بحيث يمكن القول إنه عشية الثورة لم يكن في سورية طبقة سياسية معارضة، أو مؤيدة، ماعدا بعض الأبواق الإعلامية التي تمجد "الطوطم". وغابت أيضاً رؤية العلويين السياسية من خلال حزب البعث الذين كانوا يعتبرونه يمثلهم في ستينات القرن الماضي، بحسب "بطاطو". وثالثاً، لا يمكن إحياء السياسة في الطائفة، لأن ذلك يفتح عليه الأبواب لمنافسين جدد من داخل الطائفة، وتنهار بذلك الكتلة الصلبة التي يقف على رأسها. ولذلك "ستبقى محتمية به كما هو حال العلويين اليوم"، كما يصفها "محمد ديبو"، والذي يستنتج أن النظام ليس طائفياً، إنما "يحتكر" الطائفية. وتبقى الأقلية الطائفية الحاكمة، مسكونة، ومشحونة دوماً بهاجس السقوط الحتمي على يد الأغلبية التي تتربص بها، حتى سقوطها النهائي.
ورابعاً: عبر التاريخ لا تحكم الأنظمة الإستبدادية عامة، والطائفية خاصة وفقاً للدستور المكتوب، والذي غالباً يتضمن فقرات حول حرية الإنسان، وتكون مستمدة إما من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما هو في سورية، والكثير من دساتير الأنظمة العربية الإستبدادية، أو من الشريعة الدينية السمحاء. إنما النظام الطائفي يحكم بالقوة العارية، وينفذ أحكامه بموجب شبكات إستثنائية يتم شرعنتها، أو تبقى فوق القانون والدستور.
ثالثاً: هل تعبر الطائفية السياسية عن الطائفة؟
- "الطائفية السياسية-كما تم تعريفها في بداية البحث-هي استخدام الدين، أو المذهب الديني، كأيديولوجيا لتحقيق أهداف سياسية، وللوصول إلى السلطة". وغالباً يعمل على الطائفية السياسية سياسيون وليس بالضرورة أن يكونوا متدينين، وقد تكون ممثلة بشخص، مثل الإمبراطور قسطنطين الروماني بعد تبنيه "الكاثوليكية" ضد الكنيسة الأرثوذكسية الإسكندرانية، مروراً بخلفاء الدولة العربية الإسلامية ، وملوك أوروبا في القرون الوسطى، وصولاً للأحزاب السياسية في العصر الحديث، مثل الأحزاب الطائفية في لبنان، والإخوان المسلمين وأشباههم، وحزب الدعوة الشيعي العراقي وأشباهه، أو حركات جهادية عسكرية، كمنظمات القاعدة السنية، والحركات الجهادية الشيعية.إلخ وفي كل هذه الحالات يستخدم هؤلاء رجال الدين وأيديولوجيتهم لتبرير وشرعنة الحكم. وقد يكون رجال الدين أنفسهم قائمين مباشرة على الطائفية السياسية مثل الأيات الإيرانية، أو متشاركين في الحكم كما هو الحال المشاركة في الحكم، بين الوهابية وملوك آل سعود. حيث يقوم رجال الدين بتحويل العقيدة إلى منظومة فكرية مغلقة، وتنشئ "السياجات الدوغمائية" بين الطوائف، وتعتبرها عقائد سامية وأفضل من العقائد الأخرى، ولا تقبل الحوار مع الآخر.
- يمكن القول إن مرحلة (١٩٦٣١٩٧٠). كانت مرحلة حزب البعث التأسيسية بتحالفاته واتجاهاته السياسية والعسكرية والطائفية المتعددة. وهي مرحلة غير مستقرة. إلى أن جاء انقلاب (١٩٧٠)، ليثبت سيطرة الطائفية السياسية العلوية ممثلة بحافظ الأسد، وذلك عبر بوابتين: الأولى: البوابة العسكرية والتي سيطر فيها العسكر على الحزب، وإزاحة الجناح السياسي الذي كان يمثله آنذاك "صلاح جديد". والثانية: البوابة الدينية، واعتبار الأسد مسلماً، ينتمي للطائفة العلوية، كما ذكرنا سابقاً.
- وكان الأسد ممثلاً فعلياً للطائفة، وعبر عن مصالحها على كافة المستويات. وفتح الأبواب كلها أمامها لتثبيت النظام الجديد، في بناء الكتلة الصلبة أولاً، وفي المؤسسات المدنية والاقتصادية عامة.
ونفي طائفية النظام، بوجود عدد كبير من الفقراء العلويين، لا تصمد أمام النقد لسببين:
الأول، ليس هناك نظام أو سلطة في التاريخ يعبر عن مصلحة شعبه بالكامل. إنما أي نظام، يعبر عن فئة، أو طبقة من المجتمع، وبالتالي يعبر عن مصالح هذه الفئة، أو الطبقة، أو العائلة الحاكمة، وهي عموماً تكون الطبقة المسيطرة اقتصادياً، وغالباً في العصر الحديث تكون الطبقة الرأسمالية كما يشير (سلامة كيلة). وهذا ينطبق أيضاً على الأنظمة الطائفية عموماً، كما هو الحال في إيران والعراق والسعودية، فالشعب الإيراني-وأيضاً الشعب العراقي-الذي يواجه الإفقار والتهميش والقمع، رغم أن الأيات الطائفية الذين سيطروا على المجتمع، يصدرون الطائفية إلى كل دول المنطقة. وبالمقابل القطب الطائفي السني في المنطقة، أي السعودية، ورغم ثرواتها الهائلة، فإن المستفيدين ليس كل أهل السنة، إنما العائلة المالكة، والبرجوازية السعودية بشكل عام. والنظام الطائفي السوري ليس خارج الأنظمة الاستبدادية عموماً، المستفيد الأول هي الطبقة المميزة العليا، وهي ليست ضيقة جداً، إنما قد تصل-بتقديرات شخصية-إلى نحو عشرات الآلاف تقريباً.
والثاني، الملاحظة بأن نسبة الفقر عند العلويين كبيرة، غير دقيقة على الإطلاق. ومن يعرف الساحل السوري بماضيه وحاضره، سيكتشف الفرق الكبير بين الفقر، قبل السلطة، والغني بعدها. ومن يقارن بين الساحل من جهة، وإدلب والرقة مثلاً، من جهة ثانية، يدرك الفرق وحجم الغنى من الساحل. كما أن العلويين في العشوائيات حول دمشق، مثل: (عش الورور، ومزة٨٦)، أو العلويين الذين مازالوا يسكنون الجبال، والبعيدين عن السلطة، لا يعبرون عن الفقر العلوي عامة، ووجود نسبة قليلة من الفقراء لا يعني أن النظام غير طائفي. وعادة كما نعلم لابد من وجود الفقراء كي يشكلوا الخزان البشري لساحات الموت.
يُضاف إلى ذلك، على الطرف المقابل لفقر العلويين، أي الأغنياء العلويون الجدد، ومن أين هبطت عليهم الثروات. والمعروف تاريخياً أنهم لم يكونوا من طبقة التجار، أو الصناعيين، كما هو في حلب ودمشق؟ ولم يهاجروا ويحولوا أموالهم إلى سورية- كما هو الحال بالنسبة للمغتربين عموماً في سورية ولبنان- ويبنون الفيلات الفخمة، ويسيطرون على الشاطئ الذي أصبح بغالبيته أملاك خاصة. ألا يشير ذلك إلى علوية النظام الذي مهد لهم الأرض لنهب المال العام.
- وأيضا تحالف البرجوازية السنية-التجارية خاصة- في دمشق وحلب، مع النظام لا ينفي طائفيته. فالبرجوازية الصناعية والتجارية بعد أن تلقت الضربة الكبرى على يد انقلاب (١٩٦٣)، وغيابها عن المسرح الاقتصادي والسياسي، وجدت مصلحتها بدعم الإخوان المسلمين في الأحداث العنيفة عامي (١٩٦٤١٩٨٠)، للعودة إلى ذلك، وتوضح ذلك بالإضراب العام الذي نفّذه التجار في حماه وحلب.
وخلال السبعينيات والثمانينيات، وهي مرحلة تأسيس اقتصاد الدولة، القطاع العام، وجد أركان النظام الأمنية أمامهم الأبواب مشرعة لنهب المال العام، وفرض نوع من "الخوة" على التجار وخاصة في حلب ودمشق، بالإضافة إلى النفط الذي كان بتصرف "الرئيس"، حيث تشكلت مافيا-أمنية اقتصادية، سيطرت على مفاصل الاقتصاد الجديد.
وبعد صدور قوانين الاستثمار، والتوجه نحو اقتصاد السوق الليبرالي، منذ تسعينيات القرن الماضي. سيطرت هذه المافيات على أهم القطاعات الاقتصادية والتجارية الرابحة مثل: الاتصالات، وتجارة السيارات، إلخ وبدأت باستثمار الأموال المنهوبة. وكذلك انتعشت من جديد الطبقة التجارية والصناعية(السنية) في المدن الكبرى، وتم الانتقال من "الخوة"، باتجاه المزاوجة-أو التحالف كما يقول العظمة- بين مافيا النظام الاقتصادية، والبرجوازية التقليدية، طبقة تجارية-صناعية جديدة، مستفيدة من سيطرتها على أهم القنوات لجني المزيد من الأرباح، ضمن شبكة فساد شاملة، وغياب كامل للقوانين، مقابل دعمها للنظام، برعاية الأجهزة الامنية، وعدم التفكير بالسياسة. وبالتالي أصبحت مصلحتها مع بقاء النظام وشبكته المافيوية، ومن الطبيعي أن تسانده، رافضة انهيار المناخ الملائم لها لجني الأرباح. مع الملاحظة بأن تجار حلب ودمشق انقسموا بين مؤيد وداعم للنظام، أو حيادي نقل أمواله إلى مكان جديد ملائم للاستثمار، والعدد القليل الذي انضم إلى الثورة.
فالرأسمالي يبحث دائماً عن حليفه الرأسمالي الآخر، إذا تعرضت مصالحه للخطر. وأيضاً النظام الطائفي الاستبدادي يسعى إلى التحالف حتى مع الشيطان، ويحوله إلى المؤمن الورع، كي يحافظ على السلطة. والرأسمال لا يفرقه حدود، أو عرق، أو دين. والنظام الطائفي يمكن أن يتحالف مع "الشبيه المعاكس"، للبقاء أو الوصول إلى السلطة، مثل تحالف حزب الله، وميشيل عون في لبنان.
ويمكن الإشارة إلى تحالفات النظام الطائفية منذ تأسيسه، والتدخل في لبنان، ضد المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، متحالفاً مع "حركة أمل"، ثم بروز الحليف الأكبر مع انتصار الأيات في إيران، والعمل معاً على تأسيس حزب "الله"، ثم الوقوف مع إيران ضد العراق، خلال الحرب الإيرانية العراقية. واحتضان النظام السوري للمعارضة الشيعية العراقية (حزب الدعوة)، وكذلك احتضان النظام العراقي للإخوان المسلمين. وهذا كله يُؤشر إلى وجود العامل الطائفي في الصراع التاريخي بين النظام السوري والعراقي، واللذين يدعيان نفس الأيديولوجيا البعثية، الاشتراكيةوالقومية.
رابعاً: الشمولية الطائفية
- إن وصف النظام بالشمولي، والأمني، متفق عليه بين الجميع. لكن ألا يعني لنا شيئاً أن صاحب القرار في هذه المنظومة الشمولية الأمنية هو العلوي، وحيازة هذه المنظومة، ليس على الاقتصاد فحسب، إنما سيطرته على كافة مناحي الحياة للسوريين. والامتيازات لهم أولاً: في الكليات العسكرية والشرطة، والبعثات الخارجية، ودورات القضاء، ولطلاب الصاعقة والمظليين، إلخ . ألا يعني لنا شيئاً أن أغلب وزراء الإعلام كانوا من العلويين، وهو الركن الثالث الأساسي للنظام، والذي حول الرئيس إلى الشبيه بالإله، وأن اغلب أساتذة الجامعات أصبحوا من العلويين، وأنه أولاً: لا توجد مؤسسة انتاجية أو تنفيذية أو قضائية، إلا وتحتوي على المكتب الأمني والذي يحكم هذه المؤسسة والمرتبط بأجهزة المخابرات. وثانياً: إن أغلب المواقع الحساسة في أية منشأة هي من نصيب العلويين. وثالثاً: إن طغيان الأجهزة الأمنية، جعل كل مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية أداة بيد هذه الأجهزة، من أجل إحكام السيطرة على المجتمع. وبالتالي كانت كل الانتخابات مزورة ومسبقة النتائج، والأحكام القضائية خاضعة لمنظومة فساد شاملة بقيادة هذه الاجهزة.
خامساً: العنف الطائفي
- للعنف مستويات، ودوافع متعددة. ويتميز العنف الجمعي عن العنف بمفهومه الفردي العام، بأنه عنف تكون دوافعه جمعية، أي تخص جماعة من البشر، وليست فردية، أو شخصية. حيث يكون الفرد متماهياً مع الجماعة. وقد يكون جماعة ضد جماعة، أو فرداً ضد جماعة، أو فرداً ضد فرد. كما هو العنف العنصري (الأبيض ضد الأسود)، أو العنف الديني، والطائفي.
- ويعتبر التمييز الطائفي أحد أشكال العنف الطائفي، بمستواه الأدنى. وقد مارس النظام السوري-وكذلك العراقي، الشبيه المعكوس-التمييز الطائفي منذ بداية تشكله، باختيار أركان النظام الأساسية من الطائفة العلوية. وتشكلت تدريجياً "الطائفية المستترة"، كما يسميها البعض. لكن هذه "المستترة" تظهر إلى العلن عندما يتهدد النظام، الذي يمثل الطائفية السياسية، حيث يتصاعد العنف لأعلى مستوياته، ويتخذ الصراع منحى الصراع الوجودي، يحكمه شعار "إما أنا، أو أنتم" أو "إما نحن، أو أنتم". وتصبح المجازر الجماعية والقتل على الهوية الطائفية هي السائدة. وهذا الذي حصل في إحداث الثمانينيات، وخلال الثورة السورية، بانكشاف عورة النظام الطائفية، والقوى الطائفية الشبيهة به والمعكوسة، أي الإخوان المسلمون.
- ومن التاريخ القريب، ومازالت في الذاكرة استباحة النظام في الثمانينيات لمدينتي حلب وحماة، وقتل عشرات الآلاف بدوافع سلطوية طائفية، وبأدوات طائفية. وهي الميليشيات الطائفية (سرايا الدفاع والوحدات الخاصة، والحرس الجمهوري) التي تم تشكيلها بعد انقلاب (1970). والمجازر التي ارتكبها النظام، في المدن ضد المدنيين، وفي السجون، لا يمكن تفسيرها بعنف المستبد فقط، إنما هو عنف "مركب"، بتعبير صديقنا-حسن النيفي- يزاوج بين عنف المستبد، وعنف الطائفة الأقلوية، الخائفة من عودة الأكثرية للحكم من جديد. والمجازر التي ارتكبها النظام منذ انطلاقة الثورة أكثر من أن تُحصى في كل المدن السورية: الغوطة، وبانياس، وداريا، والحولة، والبيضا بطرطوس، ونهر حلب. إلخ . وكلها مجازر طائفية استعملت فيها كل الأسلحة، بدءاً بالسكاكين والذبح على الطريقة "الداعشية"، وانتهاء بالأسلحة الكيماوية. إن المجازر الجماعية ضد المدنيين هي مجازر إرهابية، وعندما تكون موجهة ضد طائفة بعينها، لا يمكن وصفها إلا بالإرهاب الطائفي، ومرتكبها لا يوصف إلا بالطائفي.
- إن الصعود المذهل للتعبئة الطائفية والمجازر الطائفية من جانب النظام، وتعبئة طائفية سنية مقابلة ومماثلة في "استشراسها" كما يقول العظمة، هو دليل على طائفية النظام وليس نفي لطائفيته.
سادساً: الطائفية والأيديولوجيا
- إن القول إنه " لا طائفية بلا أيديولوجيا. فالطائفية هي تعصب ديني ينطلق من التمسك بمعتقدات معينة، ورفض الآخر، ومن ثم محاولة فرضها بالقوة على الآخر ومحاربته بناء عليها"-كما يقول سلامة-هي مقدمة صحيحة، لاستنتاج خاطئ بأن النظام غير طائفي. لأن المقدمة تقتصر على الصورة الشكلية للنظام، وليس إلى ماهيته، أي مكوناته الأساسية والجوهرية.
أولاً: ليس هناك طائفة دينية بدون أيديولوجيا، والعلويون في سورية ينتمون للمذاهب الباطنية، وبالتالي أيديولوجيتهم غير واضحة للخارج، ولهم طقوسهم الخاصة بهم، مثل كل الطوائف، بغض النظر عن الاتهامات التي تُلصق بهم من قبل المذهب السني أو الشيعي.
وثانياً: الذين يمثلون الطائفية السياسية-النظام السوري- ليس بالضرورة أن يكونوا متدينين، كما هي الطائفية السياسية التي تم تعريفها سابقاً. ولا يهمهم نشر الأيديولوجيا الدينية الطائفية، وخاصة هي أقلوية جداً، كما أنه لم يعد ضرورياً محاربة الآخر وفق هذه الأيديولوجيا وفرضها عليه بالقوة، كما كان يجري في العصور القديمة، وكما توضحت في الصراع الصفوي-العثماني على العراق. إنما المهم السيطرة السياسية. والأيديولوجيا الطائفية تستثمرها الطائفية السياسية، وتعمل من خلالها على تجييش المشاعر الطائفية، بقصد دعم الطائفة كخزان بشري للوصول إلى السلطة، والحفاظ عليها. بمعنى آخر، المهم بالنسبة إلى الطائفية السياسية أن تعمل على ترسيخ الطائفية، داخل الطائفة التي يعمل على تمثيلها ككتلة اجتماعية منسجمة، ولم يعد مهما التبشير الديني، بعد أن أخذت الأديان والطوائف حدودها الاجتماعية والجغرافية في العصر الحديث، عصر ما بعد الإمبراطوريات الدينية، وآخرها الإمبراطورية العثمانية.
وثالثاً: التركيبة الخاصة لماهية النظام السوري، منذ استيلائه على السلطة، وهي مزيج من الجسد الطائفي، والأيديولوجيا الاشتراكيةوالقومية المزيفة. وهذه التعمية الأيديولوجية هي سمة الأنظمة الإستبدادية، والتي تشبهها من المعارضة، في العصر الحالي، الذي تتجاذبه قوتان: قوة الماضي وبنيته السياسية والاجتماعية، وشعارات الحاضر و المستقبل، كالوطنية والقومية والليبرالية. إلخ . والتي لم تتحول حتى الآن إلى قوة قادرة على كنس خرافات الماضي وبناه التقليدية. ولذلك لا قيمة لشعارات النظام السوري، حول الوطنية والعروبة والتحرير، مقابل الجسد الطائفي الذي يحمل هذه الشعارات.
سابعاً: الطائفية والعلمانية
- يرى البعض أن النظام لا طائفي لأنه علماني. وهذه خرافة، وتندرج ضمن حجج الإسلاميين لتشويه العلمانية ورفضهم للنظام الديمقراطي وتندرج أيضاً ضمن التعمية الأيديولوجية بأن النظام قومي. فالعلمانية الإستبدادية على الطريقة الشمولية السوفيتية قد كنسها التاريخ وتوضح زيفها. وقد أضاف النظام السوري للاستبداد الشمولي، اللادينية-بالمفهوم الإسلامي-المنحدرة من التقاليد القروسطية للعلويين، الطائفة الأقلوية، والفلاحية، والمسكونة بـ "عقدة الأقليات"، وهي التي أسست لنظام طائفي من أسوأ الأنظمة الفاشية في العالم المتخلف، كما تم تفصيل ذلك في الصفحات السابقة. في حين إن العَلمانية هي خاصة بالنظام الديمقراطي الحديث. ولا يمكن أن تنفصل العلمانية عن الديمقراطية في الدولة الحديثة.
ثامناً: الرئيس، النظام، الدولة
- في الحالة السورية، العلاقة بين الرئيس والنظام وأدواته، هي علاقة عصبية قائمة على الرابطة العائلية والطائفية. إنها كتلة متماسكة، وجعلت لنفسها مصالح ومصيراً مشتركاً. رغم كل الانتقادات التي توجه للنظام من قبل الطائفة بسيطرة أو قيادة عائلة الأسد للنظام. وبالتالي لا يمكن التضحية برأس النظام، دون انفراط عقد النظام ككل.
- ولم يعمل النظام على إقامة الدولة ومؤسساتها، التشريعية والتنفيذية والقضائية المستقلة عن النظام. وبدلاً من أن تكون الدولة مستقلة، وتحضن أي نظام منتخب، للعمل في إطارها، اعتبرها النظام بالعكس منذ بداية تأسيسها، أداة أو أدوات للسلطة، وتأتي قيمتها أو أهميتها بعد الأجهزة الأمنية، التي سيطرت على كل مفاصلها. وحتى الجيش وهو عنوان لسيادة الدولة جرى تحويله لجيش عقائدي لحماية النظام.
- وبالتالي التمييز بين النظام السوري، والدولة هو تمييز مخادع، يراد منه إبعاد الصفة الطائفية عن النظام، باعتبار أن الأغلبية في مؤسسات الدولة ليست من الطائفة العلوية. والمسألة هنا ليست عددية أو قياساً كميّاً فقط رغم أهميته، إنما الأهم هو انتظام هؤلاء الأفراد، في شبكات أمنية منظمة موزعة أفقياً وعمودياً في كل مؤسسات المجتمع، يجمعها هدف سياسي واحد، ومصلحة واحدة، بحيث يمكن لفرد واحد من هذه الشبكة أن يتحكم بمؤسسة مهما كان عدد أعضائها كبيراً.
- المسألة بالأساس ليست رغائبية، الدعوة إلى إسقاط الرئيس وعائلته، وليس إسقاط النظام. أو اسقاط النظام، وليس إسقاط الدولة. المهم أن نجد العلاقة الفعلية بينهما، وأثر كل عنصر وعلاقته بالآخر. مؤسسات الدولة بأكملها ليست مستقلة عن النظام وأجهزته الأمنية. ومن الطبيعي أن تسقط تركيبة الدولة بأكملها مع سقوط النظام. إن سقوط النظام يعني هدم الأسس التشريعية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية التي كان يقوم عليها، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وفق منظومة ديمقراطية علمانية حديثة. تشكل القاعدة لدولة المواطنة المنشودة. وليس منظومة أكثر تخلفاً واستبداداً، كاستبدال المستبد، بمستبد جديد، واستبدال القاضي بالشيخ، كما حصل في المناطق التي تحررت من سيطرة النظام، وأصبحت تحت سيطرة الأصولية، الشبيه المعاكس للنظام.
وتاسعاً: الطائفية والأدوات
- يلاحظ المعترضون على طائفية النظام، أن: النظام يحتكر الطائفية، ويستخدم، ويستغل، ويوظف الطائفة، وأن الطائفية أداة من أدواته المتعددة، لكنه غير طائفي. إنه فصل تعسفي بين النظام وأدواته ووسائله، حيث لا يمكن فصل أي سلطة، عن الأدوات، والوسائل، والآليات، التي تستخدمها، لتثبيت سيطرتها. فالطائفية السياسية، تستخدم، وتستغل. إلخ . وكما ذكرنا سابقاً، ليس بالضرورة ان يقودها ساسة متدينون، أو رجال دين، كما هو النظام السوري، والعراقي، والطائفية السياسية المسيحية في لبنان.
- والمثير للغرابة أن البعض، مثل-راتب شعبو- يرى أنه "لم يكن السوريون طائفيين على مدى تاريخهم الحديث". إن الوطنية السورية التي تشكلت لمواجهة الانتداب الفرنسي وتقسيماته الطائفية، وبعدها إلخ مسينيات الليبرالية القصيرة، أفرزت قامات وطنية كثيرة عابرة للمذاهب والأديان. وكان واحداً منهم "فارس الخوري"، الذي لم يُوصف بمسيحيته، إنما بوطنيته التي جعلته مقبولاً من السوريين، حتى يمثلهم في مجلس الأمن للدفاع عن استقلال سورية، وأن يكون رئيساً لمجلس الوزراء (١٩٤٤)، ووزيراً للأوقاف، بموافقة الكتلة الإسلامية . والنظام السوري ليس استمراراً للوطنية السورية في تلك المرحلة، إنما أحدث قطيعة نهائية معها، وتأسيسه لنظام طائفي، ولم يرحب الشعب به، وتم استقباله بالأحذية والبندورة، في إدلب، مثلاً. وتم فرض نفسه بالقوة على كل الشعب. وعند التوريث كان الشعب السوري كله معترضاً، لكن من كان يجرؤ على الاعتراض بعد سحق المعارضة بكافة تلاوينها. وأن الثورة السورية عبرت عن الوطنية السورية من جديد لإسقاط النظام، وإقامة دولة ديمقراطية حديثة. وعدم توصيف الثوار للنظام بأنه "علوي"، لا ينفي علوية النظام، لأن الثورة لم تكن "إخوانية" كما وصفها النظام.
عاشراً، وأخيراً
- حين عبر "صادق العظم" عن توصيفه للنظام ب "العلوية السياسية"، وهو من أوائل المفكرين العلمانيين والعقلانيين الذين أيدوا الثورة، وأكمل أنه "على الثورة أن تعي نفسها جيداً بلا تورية، وأن تصارح نفسها علناً. فالثورة رفعت (غطاء الطنجرة) -وفق المثل السوري-فظهرت التشققات المجتمعية، وظهر العفن الطائفي الذي خلفه النظام ب حكم نصف قرن". انهالت عليه الانتقادات من "اللاطائفيين"، بأن المصطلح تعبير "هزيل معرفياً"، أو هو "خزعبلة"، أو "مفرقعة صوتية، وليس مصطلحاً سياسيا"، وتم اعتباره أيديولوجيا يعمل على التحريض الطائفي. إلخ . علماً أن التعبير لا يعني سوى الطائفية السياسية للنظام، ولا يقصد-كما عبر بنفسه-العلويين كطائفة. لكن زوبعة الانتقادات هذه كانت بمثابة الصدمة لبعض العلمانيين واليساريين، التي جاءت من مفكر علماني ويساري ويصف النظام بالطائفية السياسية. وكل الردود لا تخرج عن إطار الحجج التي تم عرضها في الفقرات السابقة.
- يبدو أن العقلية اليسارية، والقومية، ومع تحولها نحو الليبرالية، مازالت رافضة للواقع الظلامي كما تراه، ومازالت تدفن رأسها في الرمال، رافضة الخروج من النتائج والفرضيات الجاهزة التي وضعوها مسبقاً. وما زلنا نتغنى بالأيام الخوالي حين لم نكن نعرف، ولم نفكر بالانتماء الطائفي لأصدقائنا، ومعارفنا عامة، وذلك حين كنا نعمل في الأقبية ضد النظام، ورفضنا الاعتراف باللوثة الطائفية التي اصابت العديد منا، داخل السجون وخارجها.
ويمكن أن نلاحظ أسباباً عديدة تكمن خلف الرفض القاطع لتوصيف النظام بالطائفية السياسية، رغم أن الكثير من الملاحظات التي توصلوا إليها، تفضي إلى طائفية النظام، لكن لا يريدون الاعتراف بها.
أولاً: لأن توصيف النظام بالطائفية، يتوافق مع توصيف الإسلاميين. لكن هل إذا قال الإسلاميون إن دمشق عاصمة سورية، يجب أن نخترع عاصمة أخرى؟ وهل توصيفنا لداعش والنصرة، بالطائفية السياسية، وتوافقنا مع النظام على هذا التوصيف، يُفضي إلى التحالف مع النظام، والتحريض على استقدام الميليشيات الطائفية الشيعية؟
إن وصف النظام بالطائفية السياسية، لا يعني الانجرار وراء الأيديولوجيا الإسلامية أو التمسح بها، والتي تعمل على التجييش الطائفي بشقيه السني والشيعي. إنما بالعكس علينا الكشف وبجرأة عنها، ومخاطرها، وأن يكون لدينا مشروعنا الوطني الديمقراطي، الرافض للمشاريع الطائفية، على كافة المستويات، السياسية والعسكرية والاجتماعية. ومن بين هذه المشاريع الدعوة إلى استبدال الطائفية السياسية للأقلية، بطائفية الأكثرية السنية التي يروج لها الإسلام السياسي السني، وفق مبدأ الأكثرية المذهبية، مقابل الأقلية.
والطائفية السياسية ليست شعاراً تحريضياً، إنما هو مفهوم معرفي، يعبر عن بنية الطبقة السياسية التي تعمل على تمزيق المجتمع، ودفعه باتجاه حرب أهلية عدمية مدمرة.
وثانياً: الطائفية السياسية للنظام، لا يعني أن الطائفة العلوية تتحمل المسؤولية عن جرائم النظام، كما يتوهم المعترضون. إنما يكشف هذا التوصيف، التسلط، والاستغلال، واستخدام الطائفية السياسية، للطائفة كوقود في ساحة الحرب للاحتفاظ بالسلطة. وكذلك الطائفة السنية لا تتحمل المسؤولية عن الجرائم التي تمارسها الطائفية السياسية السنية مثل داعش، ومشتقاتها.
وثالثاً: قد نتفق بشعورنا بالخجل ، والغضب، ونحن في القرن الواحد والعشرين، عندما ينظر إلينا الغرب، على أننا مازلنا كمجموعة قبائل وطوائف متناحرة، وليس كشعوب، أو مجتمعات. لكن المخجل أكثر أن الطبقة السياسية تنقسم في ردودها، بين الإنكار الكامل لهذا الواقع، وعدم الاعتراف بهذه الرؤية الغربية، واعتبارها استشراقية قاصرة، وآخرون يُضيفون إلى ذلك، بأننا أفضل من الغرب وأننا "خير أمة أُخرجت للناس".
فهل نستمر في تجاهل أمراضنا التاريخية، والبكاء على أطلال الوطن الذي تم تدميره. أم المطلوب أن نعترف بهذا الواقع، وأن نواجه الحقائق التي تُبهر العيون، حتى يمكن البحث في آليات الخروج من المستنقع الذي وجدنا أنفسنا غارقين فيه.
6- استنتاجات الجزء الأول
من هذه الإطلالة المكثفة على التاريخ يمكن تسجيل الاستنتاجات التالية.
1 تَشكُل الطوائف هو نتاج طبيعي للتنوع الفكري والعقيدي في المجتمع. وإنه يمكن للطوائف أن تتعايش بشكل سلمي، في مناخ تسوده الحرية، واحترام العقائد المتعددة، كما حصل في القرون الثلاثة الأولى من عمر المسيحية، داخل الإمبراطورية الرومانية، وفي العصور الأوروبية الحديثة، بعد تشكل الدولة الديمقراطية العلمانية. وأن هذا التعايش يتحول إلى صراع مسلح، عندما تقوده رموز الطائفية السياسية التي تستخدم الدين، أو المذهب، للصراع على السلطة، وإقامة دولة دينية-مذهبية تحارب الأديان والمذاهب الأخرى.
2 في تاريخنا العربي الإسلامي، بدأ الصراع السياسي على السلطة بعد وفاة النبي مباشرة، وكان سابقاً على المذاهب التي تشكلت في أواخر القرن الثاني للهجرة. وتم إلباس الصراع السياسي لبوساً مذهبياً مقدساً. وبالتالي لم يكن أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، أصحاب مذاهب، ولم يكونوا قديسين، إنما جرى تقديسهم فيما بعد، عند الإسلام السياسي، السني والشيعي، تحت راية "الإسلام دولة ووطن، أو حكومة وأمة" كما أوردها "حسن البنا" في "الأصول العشرين" لفهم الإسلام. وكذلك "ولي الفقيه" عند الشيعة، والذي ينوب عن الإمام المعصوم-والغائب في إقامة حكم الله علي الأرض.
3 وأن النبي محمد الذي يمثل الإسلام. وهو بشر ولم يكن طائفياً. وقد عُرف بخبرته ورؤيته للطوائف اليهودية والمسيحية آنذاك، بقوله "ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، الناجية منها واحدة والباقي هلكى". قيل ومن الناجية؟ قال " أهل السنة والجماعة". قيل: وما السنة والجماعة؟ قال "ما أنا عليه اليوم وأصحابي"(50) ويعدد الشهرستاني في كتابه أكثر من تسعين فرقة.
وقد حاز المنتصرون-الأمويون- على الشرعية، واعتبروا أنفسهم "الفرقة الناجية"، وأنهم "أهل السنة والجماعة"، وهم الأغلبية على المستوى العالمي، وفق مفهوم "الأمة الإسلامية " المنتشرة في كل العالم. وأصبحت الأيديولوجية السنية مغلقة، بدءاً من الخليفة العباسي "المتوكل"، والاعتراف بالمذاهب السنية الأربعة فقط، ومن بعده الغزالي الذي حارب الفلاسفة، وابن تيمية واصداره الفتاوى الكبرى لتكفير كل ما هو غير "سني".
وبالمقابل، عمل الفريق المهزوم على تأسيس مذهبه اعتماداً على السلالة البيولوجية التي تربط الائمة بـ "أهل البيت"، وصولاً إلى "ولاية الفقيه الراهنة في إيران. وعبروا عن الهزيمة، و"المظلومية التاريخية" بالطقوس التي تعمل على تجييش الطائفية، كما وصفها علي الوردي: بأن "طقوس الشيعة في زيارتهم السنوية لقبر الحسين واللطم والنواح، والسلاسل التي يضربون بها ظهورهم، هي نفسها السيوف التي كانوا يحاربون بها الحكام والتي تم إخمادها، وقد تتحول إلى سيوف صارمة من جديد، بانتظار فرد مشاغب من طراز ابن سبأ". وابن سبأ هو من الغلاة في حب علي وحتى تأليهه، وهو مشعل التمرد في عهد عثمان. و" زيارة كربلاء تشبه الحج...ومن يشهد هرج الزوار في كربلاء يدرك أن وراء ذلك خطراً دفيناً". (51). وتمثلت النسخة الحديثة لابن سبأ بالأيات الإيرانية، التي تعيد الصراعات الطائفية إلى المربع الأول.
4 ومنذ أن تشكلت المذاهب، والصراع السياسي-الطائفي هو الذي كان يحكم تاريخنا القديم وحتى نهاية الإمبراطورية العثمانية، حيث كان الدين هو الذي يحدد هوية الدولة والمجتمع. والطائفية السياسية هي التي كانت تغذي على الدوام الطائفية الاجتماعية، وتحافظ على الطوائف ككتل منفصلة ومغلقة، لا تؤلف شعباً موحداً. وكذلك عمل الانتداب الفرنسي في سورية على تغذية الصراعات الطائفية بأساليب متعددة. مثل: تقسيم سورية إلى أقاليم طائفية، وتأسيس جيش الشرق من الأقليات.
5 وحين استولى حزب البعث على السلطة في (١٩٦٣)، عمل بشكل منهجي على تأسيس نظام طائفي علوي، وأعاد بذلك المجتمع إلى المربع الأول، مربع التخندق الطائفي، و"المجتمع المغلق"، و"عقدة الأقليات"، وصراع المتشابهات. وهي الصراعات الأخطر في عصر الإرهاب الطائفي الراهن.
وحتى يكتمل المشهد، سنتوقف في الجزء الثاني، عند تاريخية الطبقة السياسية وتحولاتها، وكيف كانت الردود على النظام، ولماذا حصل ذلك بعد انطلاقة الثورة.
***
الهوامش
-(1) حتي، فيليب- تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين-ج1--دار الثقافة-بيروت-ص 7.
(2) (فيليب حتي- المرجع السابق-ص232).
(3) ( زيدان، يوسف-اللاهوت العربي واصول العنف الديني- دار الشروق- مصر-ص105).
"(4) فيليب حتي-السابق-ص397.
(5) يوسف زيدان-المرجع السابق-110
(6) يوسف زيدان-المرجع السابق- ص115.
(7) الطوائف المسيحية وتاريخها الدامي-اعداد: عشتار جرجيس-ميسان- http://www.mesopot.com/old/adad12/15.htm)
"(8) الطوائف المسيحية-المرجع السابق.
"(9 الطوائف المسيحية-المرجع السابق.
. (10) منقول من: عبد الحسين صالح الطائي-مفهوم الطائفية السياسية- http://www.iraqicp.com/index.php/sections/objekt/17761-2014-08-02-20-49-26
(11) غليون، برهان-المسالة الطائفية ومشكلة الاقليات-المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات-ط3-بيروت-ص13.
(12) غليون-المرجع السابق-ص14.
(11) ابي الفرج الاصفهاني-الملل والنحل-ص13.
(12) تاريخ الطبري-ج2-ص234).
"(13 هادي العلوي، وعلاء اللامي-الظاهرة الطائفية في العراق-الحوار المتمدن-الاعداد (222-224-226-228-231)-2002.
(14) هادي العلوي-المرجع السابق.
(15) هادي العلوي-المرجع السابق.
(16) عادل علوش-الصراع الصفوي العثماني
(17) الطائفية في العهد العثماني-عبد الخالق الحسين- http://islamicbooks.info/H-24-Arabic/Abdul%20Khaliq-3-Math habs%20in%20otoman%20time.htm).
(18) المقتطفات السابقة من كتاب: النصيرية العلوية بسورية-رشيد الخيون-دار مدارك للنشر-2012).
(19) (د.فان دام، نيقولأوس- الصراع على السلطة في سوريا- -ص20).
(20) (الصراع على السلطة في سوريا-المرجع السابق-ص19).
(21) الصراع على السلطة- المرجع السابق-ص21.
(22) الصراع على السلطة في سوريا-المرجع السابق- ص20
(23) الصراع على السلطة-المرجع السابق-ص21
(24) بطاطو، حنا- فلاحو سوريا -ترجمة عبد الله الفاضل-المركز العربي للابحاث-ص250
(25)فلاحو سوريا-المرجع السابق-ص67
(26) -الصراع على السلطة- المرجع السابق-ص 57
(27) حنا بطاطو-المرجع السابق-ص234
(28)الصراع على السلطة-المرجع السابق-ص58.
(29) (الصراع على السلطة-المرجع السابق-ص64.
(30)الصراع على السلطة- المرجع السابق-ص58.
(31) المرجع السابق-ص67
(32) حنا بطاطو-المرجع السابق-ص252.
(33) بطاطو- المرجع السابق-ص340
(34)طاطو-المرجع السابق-ص358
(35) المرجع السابق-حنا بطاطو-ص371.
(36)المرجع السابق-بطاطو-ص369
(37) المرجع السابق-بطاطو-ص378
(38) المرجع السابق-بطاطو-ص288
(39) المرجع السابق -بطاطو-ص253-288.
(40)المرجع السابق.
(41) المرجع السابق-بطاطو-ص417
(42) المرجع السابق بطاطو-ص390.
(43) (الصراع على السلطة-المرجع السابق-ص61
(44) الصراع على السلطة-المرجع السابق-ص165
(45) كيلة، سلامة-العلوية السياسيةتخزعبلة وليست مصطلحا سياسيا. http//www.syriauntold.com
(46) ديبو، محمد-مجلس علوي حاكم. الطائفية في سوريا، صناعة سياسية ام واقع-السلطة واحتكار الطائفية في سوريا. ملف عن الطائفية: http//www.syriauntold.com
(47) شعبو، راتب-هل نحرر المستقبل من الماضي- المرجع السابق
(48) (العظمة، عزيز-سوريا والصعود الاصولي-دار الريس-بيروت- الطبعة الأولى ٢٠١٥ص٩٠٩١)
(49) دراسة- اعداد: أ. معن طلاع ومجموعة باحثين- الاجهزة الأمنية السورية، وضرورات التغيير البنيوي والوظيفي- https://www.omran-dir-asat.or/security-intelligence.html
(50)الشهرستاني، ابو الفتح-الملل والنحل-ص5
(51) الوردي، علي-وعاظ السلاطين-ص355
1-4-2017 ----------–يتبع –الجزء الثاني------ ---------- مروان عبد الرزاق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة