الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الارهابي والمجنون والجريمة الكاملة

حنان محمد السعيد
كاتبة ومترجمة وأخصائية مختبرات وراثية

(Hanan Hikal)

2018 / 4 / 10
حقوق الانسان


هل تسائلت يوما ما الذي يدفع شخصا ما الى ارتكاب جريمة دهس أو طعن أو اطلاق نار ضد مجموعة من الأشخاص الذين لا تربطهم به أي صلة؟
هل تسائلت يوما لماذا انتشرت مثل هذه الجرائم في السنوات الأخيرة بصورة غير طبيعية ولا معقولة؟
هل أثار ارتيابك أن كل هؤلاء الأشخاص الذين نفذوا مثل هذه العمليات والذين قيل عنهم أنهم ارهابيون أو أنهم مصابون بلوثة عقلية قد قتلوا جميعا ولم يسمح لأحد منهم أن يتحدث عن الأسباب الحقيقية وراء قيامه بتنفيذ هذه المهمة؟
الارهابي
ان هذه الكلمة انما اطلقت على الجهاديين الاسلاميين وخاصة بعد قيام بعض الأشخاص في الأراضي الفلسطينية المحتلة بارتكاب عمليات طعن ضد جنود صهاينة أو قموا بتفجير انفسهم وسط حشود من قوات الاحتلال وكانت هذه هي الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامهم من اجل احداث الضرر بعدو قوي يملك المقاتلات الجوية والأرضية والسلاح المتطور والجنود المدربين ولا يتورع عن قصف المدنيين في أي مكان وأي وقت دون حسيب أو رقيب وهو عدو لا ينصاع لقرارات مجلس الأمن لو أمكن انتزاع أي قرار ضده من بين أنياب الفيتو الأمريكي الجاهز دائما.
إذا هناك دوافع قوية وراء تنفيذ مثل هذه العمليات وليست مجرد عمليات عشوائية خارجة عن السيطرة، واذا راجعت ما يفرضه الاسلام من جهاد ستجد ان الأمر يأتي بقتال من يقاتلكم مع ضمان حماية المدنيين الغير مقاتلين وحتى الحيوانات والأشجار، إذا فالادعاء بأن منفذي عمليات قتل جماعية في مول تجاري أو حافلة أو مدرسة او غير ذلك هو أمر لا يمكن أن ينسب الى الجهاد فهو محرم بالشريعة الاسلامية.
المجنون
ولنأتي الى الافتراض الثاني والذي تتبناه السلطات في حالة كان منفذ العملية ليس مسلما وهو أن يكون مختلا عقليا.
والحقيقة أن الدراسات النفسية تؤكد أن الغالبية العظمى من المرضى النفسيين لا يلجأون الى العنف الا في حالات نادرة للغاية، واذا لجأوا الى العنف يكون ذلك ضد أشخاص قريبين منهم ويحتكون بهم بشكل يومي حيث ان المريض النفسي لن يهاجم اشخاص مجهولون بالنسبة له في حافلة أو في احتفالية أو في مول تجاري.
وحتى الأولاد الذين ينفذون عمليات اطلاق نار جماعية في المدارس والجامعات الأمريكية بصورة متكررة عادة ما يكونوا قد عانوا لسنوات من تنمر اقرانهم وايذائهم لهم بشكل مستمر وعلى المدى الطويل حتى يقتنع هؤلاء بأنه لا مخرج لهم من هذه المعاناة الا بالتخلص من هؤلاء الأوغاد الذين يحدثون بهم الأذى بشكل متعمد ومقصود ويومي، وخاصة اذا لم يكن هناك من يلجأون اليه لتخليصهم من هذه المعاناة اليومية أو حمايتهم من هذا الأذى النفسي والجسدي الذي لا يبدو له نهاية.
الجريمة الكاملة
هل لاحظتم أن عمليات القتل العشوائية هذه قد ظهرت وانتشرت بالتوازي مع انتشار وتطور أجهزة ووسائل التجسس والتتبع بشكل كبير، حتى أنه يمكنك باستخدام الوسائل الصحيحة والأشخاص المدربين أن تنتهك كل لحظة من لحظات حياة انسان اذا ما أردت؟
نحن في عصر اصبحت فيه الحكومات تدرس وسائل التعذيب والتنكيل النفسي وتنفذها في العديد من المناسبات لاحداث الضرر بأعدائها أو لانتزاع اعترافات مطلوبة من شخص ما، فالتعذيب البدني يمكن كشفه بسهولة وفضحه ونشره وتجريمه عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر منظمات حقوق الانسان المختلفة، والشخص الذي يتعرض لهذا النوع من التعذيب عادة ما ينال تعاطف الغالبية العظمى من الناس بعكس هذا الذي يتم التنكيل به وتعذيبه وتدميره نفسيا بوسائل من الصعب جدا اثباتها، بل أن مجرد الحديث عنها قد يضعك بسهولة في خانة المرضى النفسيين، حيث أنه لا أحد عاقل يتصور أن هناك من يمكنه بذل كل هذا الجهد والمال في سبيل تدمير شخص واحد على المستوى النفسي والاجتماعي.
وهذا هو ما جعلني اصمت لسنوات طويلة على ما القاه من تعذيب وتدمير نفسي منذ أخر عام عملت فيه في المستشفى العسكري بالبحرين، فبعد خمسة سنوات من عملي هناك عرف هؤلاء ميولي الليبرالية وكيف أنني أصبحت لا اصدق أكاذيبهم حول سيادة القانون والعدل والمساواة على أرض البحرين ووصم المعارضة بالطائفية والتمويل الخارجي.
فكل ما شاهدته هناك يؤكد أن البلاد هي مجرد عزبة تديرها العائلة المالكة كيفما تشاء وتوزع العطايا والهبات على من تشاء تاركة البقية الباقية من ابناء الشعب بلا أي حقوق، لقد شاهدت هناك كيف أنه بامكان هؤلاء التحايل على أي قانون وفعل أي شئ فمن الذي سيحاسبهم.
لقد عرف هؤلاء ان لي كتابات في المجال الحقوقي وأنني من مؤيدي الثورات العربية، فكان مصيري أنهم تجسسوا على منزلي وسيارتي وعزلوني وجعلوني أشعر على مدار الأربعة وعشرين ساعة بأنني مطاردة ومنتهكة بلا نهاية وساعدهم على ذلك بعض المقيمين من هنود وباكستانيين ومصريين.
وبعد ان تقدمت باستقالتي وعدت الى مصر معتقدة أن الأمر انتهى عند هذا الحد، وجدت أنهم قد سلموا الراية للجهات السيادية هنا، ومن أعطاهم خليج نعمة لن يمانع بالتأكيد في التنكيل بشخص مزعج غير مرغوب فيه يتحدث في كل وقت وكل مناسبة عن الحق والعدل والحرية وسيادة القانون.
إلا أن الأمر في مصر - وكما هو الحال في كل شئ يحدث في مصر - قد أخذ منحى عجيب وغريب وتمادى هؤلاء في المسألة بصورة فاضحة وجنونية، فلو كان النظام البحريني غير قادر على السيطرة على كل ابناء الشعب ودفعهم الى ايذاء أحد الأشخاص وفعل كل ما يأمر به بسبب أن الغالبية هنك من المعارضين أو بسبب ان الشعب ينال تعليما أفضل مما هو الحال في مصر، ولو كان في البلاد الغربية يوجد جهات تحقيق مستقلة وسلطات مستقلة وأشخاص مثقفون ومتعلمون يحترمون الحدود الشخصية والحياة الشخصية للأخرين، ما يجعل من تنفيذ هذه التقنية مسألة شائكة وتحتاج لحرص شديد حتى لا تنكشف، ففي مصر كل شئ مختلف وليس له مثيل في أي مكان أخر في العالم.
هنا لا يوجد سلطات مستقلة، ولا يوجد قانون ولا يوجد شخص واحد يمكنه أن يقول "لا" لجهة أمنية والا سيناله من التنكيل ما لم يخطر على بال بشر ويتساوى في ذلك البائع والعامل والطبيب وأي شخص في اي مهنة تخطر على بالك.
وإن كان هذا الوضع يجعلك تيأس تماما في أن يساندك أحد أو يحمي شخص ما حقك في عيش حياة طبيعية بدون تنغيص وانتهاك مستمر ويومي، فقد كان له أيضا فائدة حيث أمكنني خلال الخمسة سنوات التي قضيتها في مصر تحت انتهاك وتتبع وتنكيل مستمر أن أسجل العديد من التسجيلات الصوتية والمصورة والتي يستحيل أن تبدو طبيعية لأي انسان طبيعي على وجه الأرض.
فعلى سبيل المثال يستحيل أن يكرر كل شخص تتصل به نفس الكلمة العديد من المرات في دقائق قليلة سواء كان هذا الشخص من خدمة العملاء في بنك أو في شركة اتصالات أو خدمة مبيعات في سوبر ماركت أو شركة، كلهم جميعا بلا أي استثناءات يكررون نفس الكلمة بشكل جنوني وغير معقول وكأن رقم هاتفي قد وزع عليهم جميعا وطلب منهم في حالة اتصالي بهم أن يكرروا هذه الكلمة ولدي الأن العديد من التسجيلات التي يظهر فيها ذلك بوضوح.
أشياء كثيرة من هذا النوع قمت بتسجيلها من ضمنها الطرق على سقف غرفة النوم من الشقة التي تعلو شقتي والذي لا يتوقف طوال الليل لحرماني من النوم، وحتى عندما صورت الشخص الذي يقطن فوقي وهو يطاردني في الشارع وقمت بتحرير محضر ضده في قسم الشرطة وتحدثت عن الازعاج المستمر الذي يقوم به ليلا ونهارا لم يحرك أحدا ساكنا تجاهه.
هناك العديد من الأدلة التي تركتها الجهة الأمنية التي تقوم بملاحقتي والتنكيل بي في كل يوم وفي كل خطوة في مصر ومنذ خمسة سنوات، وذلك لأنهم يؤمنون تماما بأنهم فوق المحاسبة وبأنهم يفعلون ما شاء لهم ولن يملك لهم أحد شيئا.
إن مثل هذه الملاحقة اليومية اللصيقة التي تنفذها بعض الحكومات أو العصابات أو شركات خاصة ضد أحد الأشخاص الذي يعرف أكثر من اللازم أو يفضح جرائم معينة، هي ما يمكن أن يخرج انسان عن وعيه في لحظة ما فيقوم بتنفيذ جريمة ضد هؤلاء الذين يطاردونه في أي مكان يذهب اليه.
فليس كل شخص يمكنه أن يلتزم بالصبر ويعمل على جمع الأدلة ولكن الكثير ممن يقعون ضحية لهذه الجريمة المنظمة اما ينتحرون أو ينفذون جريمة جماعية ضد هؤلاء الأشخاص الذين يبدو لمن لا يعرف الأمر أنهم غرباء عنه ولكنهم في حقيقة الأمر موكلون بمطاردته وملاحقته والتسبب في الضرر النفسي المستمر له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدور حسن باحثة في منظمة العفو الدولية: يستمر عقاب الفلسطينيي


.. تدهور الوضع الإنساني في غزة وسط تقارير بشأن عملية برية مرتقب




.. احتجاجات واعتقالات وشغب.. ماذا يحدث في الجامعات الأميركية؟


.. كابوس رواندا يؤرق المهاجرين.. بريطانيا تعدّ العدّة لترحليهم




.. برنامج الأغذية العالمي يحذر: غزة ستتجاوز عتبات المجاعة الثلا