الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محكمة أثينا الثانية -2- أفلاطون (427 – 347 ق.م)

هشيار مراد

2018 / 4 / 10
القضية الكردية


بعد موت سقراط لم تعد أثينا آمنة على تلامذته ودعاة فلسفته الجديدة، وهذا كان أحد الأسباب لهجرة أفلاطون إلى خارج أثينا، وكان هدف رحلته رؤية ما في العالم من حكومات وأنظمة، إذ أنه أراد أن يتعرف على الحضارات الموجودة في العالم.

رحلة حول العالم

طاف أفلاطون أرجاء القارات الثلاث (آسيا، أفريقيا، أوروبا)، ومن البلدان التي مر فيها «مصر وصقلية وإيطاليا..»، ويقال: إنَّ أفلاطون قد التحق بالمدرسة التي أنشأها فيثاغورث في إيطاليا، وأيضاً سافر إلى بلاد الأنبياء (فلسطين) ولم ينس أن يسافر إلى ضفاف الغانج في الهند، حيث تعلم التأمل والتفكير من الهندوس.
وأكثر ما هز أفلاطون في رحلته هو عندما كان في مصر حينما سمع من أحد كهنة المعابد: «أنَّ اليونان دولة وضيعة تنقصها التقاليد الثابتة والحضارة العميقة»، العار والخزي هو ما كان يشعر به أفلاطون حينما سمع تلك الكلمات.
وبعد رحلة استغرقت 12 سنة عاد أفلاطون إلى أثينا وذلك في عام (387ق.م)، حيث كان قد ناهز الأربعين سنة.

جمهورية أفلاطون

كان أفلاطون في بدايته كاتباً مسرحياً ثم برزت لديه الروح الشعرية وأخيراً اندمج شعره بفلسفته فكان تأليف «الجمهورية» وهي من أعظم كتب أفلاطون.
وحسبما أفصح أفلاطون فإن الجمهورية التي يدعو إليها متماسكة وقوية للغاية، فملكها (رئيسها) فيلسوف وجيوشها لا تقهر وأعضاء البرلمان فيها حكماء وشعبها مثقف للغاية. إذ أن جمهورية أفلاطون لا تعترف بالانتخابات وتعتبر صناديق الانتخاب مجرد ترهات، وتنظر إليها على أنها نظام سخيف لا يستحق أن تعتمد عليه الجمهورية، فهذه الجمهورية تعترف بالمواهب والقدرات التي يمتلكها الشخص رجلاً كان أم امرأة ليصل إلى أعلى المراتب في الحكومة، فالفرص متكافئة بين الرجل والمرأة لإدارة شؤون الجمهورية، وفي هذه الجمهورية الحكومة هي المسؤولة عن التعليم، فهي التي يجب أن تربي الأطفال من جميع النواحي، وحقوق التعليم متساوية بين الذكر والأنثى ويجب ألا يوجد أي تمييز بينهما، فلا فروقات بين الجنسين في هذه الأمور وهنا يجب أن نذكر أن أفلاطون هو أول فيلسوف يدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة، وجمهورية أفلاطون تعد اشتراكية من ناحية الأراضي والأملاك، فلا ملكية فردية في الجمهورية، بل جميع الأملاك عامة.

ولتأسيس الجمهورية حسبما يرى أفلاطون

إن الآباء والأمهات يؤثِّرون في عقول أطفالهم، ومن أجل ذلك تقوم إدارة الجمهورية بأخذ الأطفال الذين تقلُّ أعمارهم عن عشر سنوات من آبائهم وأمهاتهم إلى خارج المدينة وذلك لتقوم الجمهورية بنفسها في تربيتهم كيفما تشاء، وهنا يجب أن تكون فرص التعليم متساوية بين الذكور والإناث، وفي هذه المدارس المغلقة أول الاهتمامات فيها في السنوات العشر الأولى هي صحة أجساد الأطفال من خلال التربية الرياضية الصحيحة، ليكون الأطفال أقوياء وبأفضل صحة.ولكن الاهتمام بالأطفال من الناحية الجسدية فقط سيؤدي إلى نشوء جيل خشن بشكل مفرط ومن أجل ألا تقع الجمهورية في هذه المشكلة، هناك حل واحد فقط لا غنى عنه حسب أفلاطون وهي الموسيقا، حيث الموسيقا هي غذاء الروح وأيضاً تقوم بتحسين الأخلاق. ولا يجب الإفراط في التدريب الرياضي؛ لأن ذلك يؤدي بالشخص إلى أن يصبح خشناً ومتوحشاً وأيضاً إن الإفراط في الموسيقا يؤدي إلى إضعاف الشخصية، والاعتدال بين الأمرين هو الحل الأوحد الذي لا بديل عنه لجعل الشخص متوازناً.
وفي هذه المدارس لا يُجبر فيه أي أحدٌ للتعلم؛ أي فرع محدد من العلم، فالطلبة هنا أحرار في التعلم أو اكتساب أي نوع من المعارف.
وبعد مرور عشر سنوات من تعليم هؤلاء الطلبة، أي عندما تصبح أعمارهم في العشرين، يتم لأول مرة اختبار هؤلاء الطلبة وهذا الاختبار يكون عملياً ونظرياً وذلك على كل ما أخذوه في السابق، وفي هذا الاختبار تظهر كفاءة ومقدرة الطلبة، ولا توجد هنا أي واسطة، بل الأشخاص يفرضون (ينجحون) أنفسهم بكفاءتهم فقط، والطلبة (الأشخاص) الذين لا ينجحون (يرسبون) تقوم الحكومة بإرسالهم من أجل الأعمال الاقتصادية في الجمهورية، أي يصبحون عمالاً ومزارعين وتجار، أما الناجحون في ذلك الاختبار الأول يتم تدريبهم (تعليمهم) عشر سنوات أخرى وبعد ذلك يتقدمون للاختبار الثاني والذين يرسبون (يفشلون) في هذا الاختبار يصبحون ضباطاً عسكريين، أما الناجحون في هذا الاختبار – تكون أعمارهم ثلاثون عاماً – سيتم تدريسهم (تعليمهم) الفلسفة وحينما تصل أعمارهم إلى 35 عاماً يتم انخراطهم في المجتمع وذلك من أجل أن يتعلموا بشكل ذاتي من الحياة نفسها كل ما لم يتعلموه وهم في مدارسهم المغلقة، وبعد مرور 15 سنة أخرى حيث يصبح أعمارهم 50 سنة، يصبح هؤلاء أخيراً حكاماً للجمهورية.
في هذه الجمهورية الذي يدعو إليها أفلاطون لا يوجد فيها لا انتخابات ولا تصويت، فهذه الترهات لا حاجة لها مطلقاً ليصبح أحدٌ ما رئيساً أو حاكماً ما أو صاحب أي مسؤولية في الجمهورية، إنما صاحب المقدرة والكفاءة والموهبة يصل بشكل مباشر إلى المستويات الإدارية، وفي هذه الجمهورية يجب ألا يستلم أي شخص وظيفة إلا أن يكون قد شغل في عمل أصغر منها قبل ذلك، حيث إنه قد أظهر كفاءته في ذلك العمل. ولا يوجد في الجمهورية وراثة في الإدارة أو المناصب. وأيضاً حق التعليم متساوٍ بين الذكور والإناث، والفقر لا يكون عائقاً أمام أي شخص من أجل أن يتعلم والوصول إلى أي وظيفة تتناسب مع كفاءته رجلاً كان أم امرأة.
والحكام في هذه الجمهورية متفرغون تماماً لشؤون الجمهورية، حيث لا يجب عليهم أن يتزوجوا، فهم مجردون من العائلة، حتى لا ينشغلوا بأي شيء إلا بأمور الجمهورية وإدارتها. وفيما يتعلق بالزواج، لا يجوز للرجل والمرأة أن يتزوجوا إلا إذا كانوا في صحة جيدة ويجب علهم إثبات ذلك، والفترة المخصصة للرجل لإنجاب الأطفال بين 30- 45 من العمر والأطفال الذين يولدون بعاهات أو أمراض يتركون حتى يموتوا. وقبل وبعد الفترة المخصصة لإنجاب الأطفال يجوز الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة، ولكن ذلك بشرط واحد وهو إجهاض الأطفال وأيضاً لا يجوز تزاوج الأقارب فيما بينهم، لأن ذلك يضعف النسل ومن أجل ذلك يجب على أفضل الرجال وأحسنهم الزواج من أفضل وأحسن النساء، ويباح ويجوز لأفضل الرجال فقط الزواج أكثر من امرأة وذلك لسبب وجيه وهي لإنجاب أكبر عدد ممكن من صلبه (الأطفال الجيدين صحياً).
ويرى أفلاطون كي يعتدل الأشخاص في حياتهم وليكون المجتمع متماسكاً يجب أن يؤمنوا بإله، وعن طريق هذا الإيمان سيبقى في قلوبهم خوفٌ، كي لا يفرطوا في الشهوات، وأيضاً يجب أن يؤمن الأفراد في هذا المجتمع بالحياة بعد الموت وذلك من أجل أن يواجهوا الموت من دون خوف.
وفي الجمهورية الذي يدعو إليها أفلاطون يجب أن يكون عدد الأفراد أو المواطنين فيها بحسب الثروات والموارد التي تملكها الجمهورية.وما يميز جمهورية أفلاطون هو أن الشخص المناسب يكون في المكان المناسب بكل ما تملكه الكلمة من معنى وبحسب ما يراه أفلاطون أن العدالة في الجمهورية تكون عندما يكون كل شخص في مكانه المناسب.الأرستقراطية هي المسيطرة في جمهورية أفلاطون، حيث يرى أفلاطون أن أحسن الحكومات المجتمع الأرستقراطي، حيث طبقة معينة هي التي تسيطر على الحكومة وهذا لا يعني توارث العرش، إنما الأرستقراطية التي يتحدث عنها هي ارستقراطية فكرية، حيث أفضل الناس وأحكمهم هم من يتولون الحكم في البلاد – فإما أن يصبح الفلاسفة ملوكاً أو يصبح الملوك فلاسفة – أي أنه يتحدث عن الطبقة المثقفة وهؤلاء لا يتم اختيارهم عن طريق الانتخابات أو الاستفتاء، بل عن طريق الاختيار المتبادل للحكماء أنفسهم.
وما أدى أفلاطون إلى ذلك هي الديموقراطية المضطربة والزائفة التي في أثينا، وصحيح أنَّ أفلاطون معروف بالأرستقراطية ولكن نستطيع أن نسميها بالأرستقراطية الديموقراطية، ومع ذلك أفلاطون بنفسه يعترف أن جمهوريته مثالية وصعبة التحقيق.

أكاديمية أفلاطون

بنى أفلاطون أكاديمية للتدريب، حيث التحق بها الكثير من الشباب في أثينا، وقد كُتب على أحد جدران الأكاديمية «لا تدع رجلاً جاهلاً بالرياضيات يدخل إلى هنا».
كانت طريقة أفلاطون في التعليم هي طريقة سقراط نفسها وأساس هذه الطريقة هي المناقشة والحوار، فكانت الديموقراطية عظيمة في هذه الأكاديمية، وكانت الحوارات مفتوحة والأفكار تطرح بكل حرية، فكل ما فوق وتحت السماء كان قابلاً للنقاش حتى كتاب الجمهورية لأفلاطون كان محل نقاش ونقد من قبل الكثير من تلامذته، ومن الرائع أن نرى ألمع وأعظم تلامذة أفلاطون والذي كان أفلاطون يمدحه دائماً أن يكون من أبرز الناقدين لكتاب الجمهورية وهو الفيلسوف (أرسطو) حيث كان يشير إلى أن كتاب الجمهورية غير عملية ومفرطة في المثالية. فأكاديمية أفلاطون لم تكن تعلم الملتحقين بها لأي فكر معين، بل كيفية التفكير وصنع أفكاراً جديدة وكيف يكونون فلاسفة حقيقيين.

أحلامه

ليثبت أفلاطون أن جمهوريته ممكنة التحقيق قبل دعوة من (ديونيسيوس) الذي كان حاكم عاصمة صقلية وذلك في عام (387ق.م) للحضور لتحويل دولته إلى جمهورية مثالية، وهنا اعتقد أفلاطون أنَّ قيامه بتثقيف وجعل ملك صقلية فيلسوفاً قد يسهل إنشاء وتطبيق أفكار جمهوريته في مملكة صقلية. ولكن عندما وجد (ديونيسيوس) إنه حتى تصبح دولته جمهورية مثالية، فيجب أن يصبح فيلسوفاً أو أن يتخلى عن ملكه، فبدأت المشاكل بينه وبين أفلاطون، وفي نهاية الأمر اعتقل ملك صقلية أفلاطون وباعه في سوق العبيد وقام بشرائه أحد تلامذته الذي يعتبر صديقاً له وهو (انيسيرس).

مؤلفاته

ألّف أفلاطون (36 كتاباً) وذلك في السياسة، الأخلاق، ما بعد الطبيعة، وعن الإلهيات.

نهايته

هكذا كان أفلاطون وهكذا عاش وكانت نهاية هذا الفيلسوف سعيدة، حيث عاش في سلام في أكاديميته وأيضاً انتشر تلامذته في كل اتجاه. وفي أحد الأيام دعاه أحد تلامذته إلى حفلة زفافه، وكان أفلاطون أحد الجالسين في إحدى الزوايا في ذلك الزفاف، حيث أخذ غفوة قصيرة وحين انتهاء الحفل أراد الناس إيقاظه من غفوته، لكن للأسف لا جدوى من ذلك، وهكذا مات أفلاطون بهدوء في ذلك الحفل في عام (347ق.م) وهو في الثمانين من عمره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا