الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ج1 من5ج/هوامش سريعة على كتاب -تاريخ الإسلام المبكر-! هل ظهر الإسلام فعلا في الشام ثم انتقل الى مكة؟

علاء اللامي

2018 / 4 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


قبل عدة أسابيع، وأنا في غمرة كتابة مسودات "موجز تاريخ فلسطين القديم" أرسل لي أحد الأصدقاء الأعزاء (من خارج عالم الفيسبوك) نسخة من كتاب "تاريخ الإسلام المبكر" لمؤلفه محمد آل عيسى، داعيا إياي إلى قراءته والتعليق عليه. ورغم مشاغلي الكتابية الكثيرة، ولأن عنوان الكتاب ذو علاقة بكتابي قيد الكتابة سالف الذكر، بدأت قراءة الكتاب، وكنت قد قررت أن أخصه بقراءة نقدية على شكل دراسة، ولكنني فوجئت بكتاب ضعيف ولا يمت للتاريخ كعلم وكميدان، بل هو أقرب إلى اللعب بالتاريخ وتكرار نسخ سمجة من أقاويل بعض صغار المستشرقين العابثين حول تاريخ الإسلام وخصوصا فترة بداياته المكية والمدنية. فعَدَلْتُ عن فكرة كتابة الدراسة فالكتاب لا يستحق ذلك، لأنه لا يرقى إلى سوية الكتاب التاريخي أو في التاريخ بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه، بل دونت مجموعة من الملاحظات وأرسلتها الى الصديق المرسل على أمل مناقشتها لاحقا. والحقيقة فأنا لم أكمل هذا الكتاب إلا بعد جهد جهيد وعلى مضض، لشعوري خلال قرأته بأن كاتبه يسخر مني ويستهين بعقلي كقارئ بغض النظر عن اتفاقي أو اختلافي مع المضامين التي يبشر بها ويدافع عنها وربما يعود السبب إلى الطريقة الملتبسة التي يعتمدها المؤلف في الكتابة والتعبير عن أفكاره!
ولكي أضعكم في صورة هذا الكتاب وردودي عليه أنشر هنا هذه المجموعة من هوامشي على ما قرأته من الكتاب المذكور من باب العلم بها والاطلاع على حوته من معلومات توثيقات أحسبها على درجة كبيرة من الأهمية: 1-يبدأ آل عيسى كتابه، وفي السطر الأول منه تحديدا، بطرح كذبة كبيرة تقول (هناك اتفاق يكاد يكون عاما بين مجموعة من المؤرخين بأن الإسلام ظهر في بلاد الشام ولم يظهر في مكة. وأن هجرة الإسلام وحركته كانت من الشام إلى الحجاز وليس العكس. ص 6) إنه يطرح هذا الكلام الخطير، بغض النظر عن صحته من عدمها، دون توثيق تأليفي أبدا. فمن هم هؤلاء المؤرخون "شبه المتفقين" على ذلك؟ لماذا لم يذكر الكاتب اسما واحدا منهم على الأقل؟
2-يقول الكاتب بعد قليل (محمد ليس شخصا حقيقيا). وبعد عدة صفحات يكرر فكرته عن وهمية شخصية النبي العربي ولكن بصيغة جديدة فهو يقول (بحسب مؤلف هذا الكتاب فإن محمد لم يظهر لا في الشام ولا في الحجاز. وهو ليس شخصا حقيقيا. هذا هو محور الكتاب. محمد مجرد فكرة جسدها من اختلق تاريخه وجعل هذا التاريخ في مكة حيث مكة البعيدة يمكن أن تستوعب سؤاله سالف الذكر ولكن بصيغة مختلفة) وهذا حكم مسبق آخر، يرد في الصفحات الأولى من الكتاب وليس فرضية علمية تاريخية يريد إثباتها، بل هي جملة حكمية ألقاها على عواهنها دون بحث أو تنقيب أو برهنة. إنه بالأحرى تخليط لا يستحق حتى الرد عليه ولكننا سنتابعه رغم ذلك في هوامش أخرى، وكان حريا بالكاتب أن يشير إلى أنه ناقش هذه العناوين في فصول كتابه اللاحقة ويكتفي بعرضها كعناوين أو خلاصة موثقة لا كفرضيات نظرية أو كنظريات مبرهن عليها وموثقة.
3- ويقول (لكن الأمر اختلف مع ظهور ما يسمى بالنقد الكتابي الذي تناول الكتاب
المقدس وشكك بنصوصه وبوجود أنبيائه. ص 7) والحقيقة هي أن نقد المسيحية والأناجيل بدأ مبكرا جدا، وتحديدا في القرن الثاني الميلادي كما سأوثق. أما النقد الكتابي (لم أسمع بهذا المصطلح من قبل، وربما هو ابتكار إنشائي للكاتب آل عيسى ويقصد به نقد الأناجيل والدين عموما في عصر النهضة الأوروبية) وعصر النهضة الأوروبية في القرن الرابع عشر وصولا الى عصر التنوير اللاحق له في القرن السابع عشر، وربما يقصد نقد الدين من قبل فلاسفة القرن التاسع عسر مع الهيغليين وغيرهم، وربما لا يفرق الرجل بين هذه العهود وما فيها.
*وللتوضيح والتوثيق أقول: من الأمثلة على ذلك النقد الديني القديم من القرن الثاني وهي مقتبسة من كتاب مفكر إسلامي من القرن التاسع عشر هو رحمت الله الهندي وعنوان كتابه هو "إظهار الحق" وعُرِف الهندي بمناظراته مع القس المستشرق البريطاني فندر سنة 1854ورد الآتي في معرض كلامه عن قضية تحريف الأناجيل: (نقد فاستس وهو من علماء فرقة ماني كيز / القرن الرابع الميلادي). وقد نقل "لاردنر" في تفسيره عن "أكستاين" ما يلي: قال "فاستس": أنا أنكر الأشياء التي ألحقها في العهد الجديد آباؤكم وأجدادكم بالمكر، وعيبوا صورته الحسنة وأفضليته؛ لأن هذا الأمر محقق: إن هذا العهد الجديد لم يصنفه المسيح ولا الحواريون، بل صنفه رجل مجهول الاسم، ونسبه إلى الحواريين ورفقاء الحواريين) وهناك أيضا نقد سلسوس هو من علماء القرن الثاني: (ان النصارى بدلوا أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات، بل أزيد منها تبديلا كأن مضامينها أيضا بدلت ) . ونقد اكستاين (المجلد الأول من تفسير هنري واسكات) ورد فيه: (ان اليهود قد حرفوا النسخة العبرانية في زمان الأكابر ... لعناد الدين النصراني). وهناك نقد "لاردنر" الذي قال في تفسيره: حكم على الأناجيل المقدسة لأجل جهالة مصنفيها بأنها ليست حسنة بأمر السلطان أناسطيثوس (الذي حكم ما بين سنتي 491 - 518م) فصححت مرة أخرى، فلو كان للأناجيل إسناد ثابت في عهد ذلك السلطان ما أمر بتصحيحها، ولكن لأن مصنفيها كانوا مجهولين أمر بتصحيحها، والمصححون إنما صححوا الأغلاط والتناقضات على قدر الإمكان، فثبت التحريف فيها يقيناً من جميع الوجوه، وثبت أنها فاقدة الإسناد. ولكن هناك ثورة في نقد الدين عموما والمسيحية منها وفي مقدمتها في عصر النهضة في اوروبا من القرن 14 الى 17. أما نقد الإسلام كدين فلم يحدث كظاهرة أو حملة بل كان نقدا فرديا مشتتا وضمن منهجية الاستشراق الغربي المعادية للشرق وحضاراته وأديانه، وليس لجميع أديانه كما يوجب المنهج العلمي بل للإسلام وللإسلام وحسب. وقد كشف عن الطابع الرجعي لهذه المنهجية الاستشراقية إدوارد سعيد في كتابه عن الاستشراق، وقليل جدا هو النقد العلمي والموضوعي الغربي للإسلام كدين وكحضارة وتجربة حكم في العصور القديمة. هذا يعني أن الكاتب يجهل تماما هذه الحقائق ولا علاقة له بهذا الميدان التاريخي المعروف حتى لدى غير الباحثين والمتخصصين.
4-ويقول آل عيسى (بما أنه لم توجد أي مواد أركولوجية تنسب إلى العصور الإسلامية الأولى فقد أثار هذا الأمر شكوك العلماء. هل يعقل أنه لا توجد أي وثيقة ترقى إلى العصور الإسلامية الأولى؟).
أولا، إن قول الكاتب "لا توجد ..." غير صحيح إطلاقا، بل توجد ولكنها قليلة وسأستعرض عددا منها بعد قليل. وثانيا فإن الكاتب ينسى أنه يتكلم عن بلاد صحراوية واسعة، فيها مناطق جبلية جرداء ووعرة، لم تقم فيها مدن كبيرة طوال تاريخها القديم، ولا مراكز حضارية إلا نادرا. وهذا النادر والقليل، نجده في اليمن ومكة كمحطة قوافل ومسافرين، ويثرب التي وصلها ملوك بلاد الرافدين في العصر الأكدي والآشوري، ومدينة تيماء التي اتخذها آخر ملك رافديني كلداني هو نبونئيد مدينة له ومركزا لعبادة القمر وأقام فيها عشرة أعوام حتى الاحتلال الفارسي الأخميني للعراق. وان هذه المناطق الصحراوية لم تعرف الكتابة إلا نادرا وعند أشخاص معدودين أحدهم ورقة بن نوفل الأسدي ابن عم خديجة بنت خويلد أولى زوجات النبي العربي الكريم وقد توفي قبل انتشار الدعوة الإسلامية. وكانت الثقافة السائدة هي ثقافة شفاهية تعتمد على الحفظ والذاكرة الجماعية للناس في ذلك العهد، وأن عدم وجود آثار أركولوجية ليس مطلقا وصحيحا بل هي موجودة ولكنها قليلة وهذه الظاهرة لا تخص عصر صدر الإسلام بل تشمل كل عصور ما قبل الإسلام ويعترف الكاتب بأن الشعر الجاهلي نفسه ليست هناك آثار مادية عليه. وهو ينسى أن العرب الذين قادوا وشاركوا في تجربة الإسلام هم بدو رحالة ولم يعرفوا ظاهرة الكتابة على الحجر أو غير الحجر كالشعوب القديمة في مصر الفرعونية أو بلاد الرافدين. ومع ذلك فهناك بعض الآثار الأركولوجية المتبقية، ومنها أجزاء من أقدم مصحف أثبت العلماء السويسريون باستعمال الكاربون المشع أن تاريخه يعود إلى أقل من عشرين سنة بعد وفاة النبي محمد. وهذا المصحف موجود ومعروض في مكتبة برلين الحكومية، وهناك تحقيق مصور عنه على موقع إذاعة ألمانيا "دوتشه فيله" على النت.
5-يقول محمد آل عيسى في كتابه: (ليس هذا البحث هو الأول من نوعه. هناك الكثير من مثله كتب بالعربية وبلغات أخرى. وهي أبحاث شكلت مصادر أساسية لهذا البحث) وهنا أيضا لا نجد أي توثيق أو ذكر لعناوين هذه الأبحاث أو أسماء مؤلفيها الذين يذهبون مذهبه في تسفيه التاريخ الإسلامي وقلب الحقائق. وهذا ليس تأليفا منهجيا علميا بكل تأكيد بل هو أقرب إلى الكتابة الصحافية البدائية والخواطر الانطباعية على الفيسبوك.
يتبع قريبا
*كاتب عراقي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تعتزم فرض عقوبات على النظام المصرفي الصيني بدعوى دعمه


.. توقيف مسؤول في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس- لحساب الصين




.. حادثة «كالسو» الغامضة.. الانفجار في معسكر الحشد الشعبي نجم ع


.. الأوروبيون يستفزون بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال الق




.. الجيش الإسرائيلي ينشر تسجيلا يوثق عملية استهداف سيارة جنوب ل