الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصيدة البيضاء -إلى بناتي- جاسر البزور

رائد الحواري

2018 / 4 / 11
الادب والفن


القصيدة البيضاء
"إلى بناتي"
جاسر البزور
نحن في حاجة إلى النصوص البياض خاصة في هذا الزمن الذي يثقلنا بمآسيه، فكثرة ما نشاهده من آلام جعلتنا في حالة من عدم الاتزان، لهذا تجدنا نميل إلى كل ما هو بعيد عن السواد والقسوة، "جاسر البزور" يقدم لنا قصيدة بيضاء بلغة وبألفاظ ناعمة وسلسة وبمضمون جميل، فيمتعنا بالألفاظ واللغة والفكرة التي تحملها القصيدة، وبالتأكيد عندما يتحدث الشاعر على عائلته ستكون قصيدته هي من كتبته وليس هو من يكتبها، يفتتح الشاعر القصيدة:
"بَديع الزهرِ تَجمعهُ السِلالُ
وَنبض القلبِ يَأمرهُ الجَمالُ"
صورة جميلة تتناول جمال الطبيعة والحب الإنساني، من خلال هذا البيت سنجد الشاعر يبنى عليه بقية القصيدة، فيحدثنا عن تفاصيل أخرى عن هذا الجمال، الطبيعي "الزهور" والإنساني "القلب":
"بخمسٍ قد رزقت ُ بفَضل ربِّي
لَهنَّ الوَصف زَيَّنهُ الكَمالُ"
نجد الجمال الإنساني المطلقة، فهو وجد بفضل الخالق، لهذا اعطا الشاعر تعبير "زينة الكمال" بحيث لا نجد أي شائبة أو خدش في هذا الجمال
الإنساني المطلق، لكن الشاعر ما زال لم يفصل لنا طبيعة هذا الجمال الذي تحدث عنه في فاتحة القصيدة، فما هي صفات وخصائص هذا الجمال؟:
"إذا امتزجَ الصباحُ بوجهِ لارا
تری الإشراقَ ينشرهُ الدلالُ
تُسافرُ في طُفولتِها الأغاني
وَترقصُ عند مَبسمها التِلالُ"


الملفت للنظر أن الشاعر ربط بين جمال الصباح ووجه "لارا" من هنا حدث "الاشراق" ثم ربطه بالطبيعة "التلال" ثم أعادنا إلى جمال الفعل الإنساني من خلال "تسافر، الأغاني، ترقص" كل هذه الافعال الجميلة الباعث لها هو "لارا" فما هي صفات وخصائص هذا الجمال المنبعث من "لارا"؟ "دلال، طفولتها، مبسمها، بعينيها بريقا" وهذا ما جعل القصيدة مطلقة البياض فكافة الألفاظ منسجمة مع المضمون الجميل والناعم، كما أنه جمال متعدد الأوجه، فنجده حاضرا في الطبيعة وفي الكون وفي الإنسان، وإذا ما عرفنا أن مصدره "ربي" نكون أما صورة متكاملة، ومن ثمة سيكون هذا الجمال مطلق من خلال مصدره "ربي" والكائن في الطفولة التي تعطي معنى البراءة والصفاء الكامل.
"لجين" التحفة الثانية التي يحدثنا عنها الشاعر، يقول:
"ومِن أخواتها سُبحان ربِّي
لُجينٌ يَكتفي فيها المَقالُ
بعينَيها استحالاتٌ تحدَّتْ
بَريقًا خَلفهُ سَبح الخَيال"
عندما جعلها الشاعر أحدى الأدوات والوسائل التي يتعاطى بها بفرح وحب "الكتابة/المقال/القصيدة" بالتأكيد هو أعطاها صفة سامية، لأنها متعلقة بشيء يعشقه الشاعر، وتمثل احدى الوسائل التي تخفف عنه وفي ذات الوقت يجد نفسه فيها، من هنا نجده ربط جمالها وأثرها عليه بصفة "الخيال"، وكأنه أرادنا أن نصل إلى أن "لجين" هي ملهمته لكتابة الشعر، وهذا لوحده يكفي لتكون هذه الملهمة بمكانتها العالية والرفيعة.


"ليان" التحفة الثالثة التي سيحدثنا عهنا الشاعر، يقول:
"لَيانٌ دُرَّةٌ سَكنتْ بقَلبي
لَتخجَل من نعومتها الرِمالُ
تُرافقها البَراءةُ إنْ تَمنَّتْ
عَليَّ فيستحي منها السؤالُ"
الشاعر لا يكرر الوصف السابق الذي جاء عن "لارا" ويكتفي بأن يحدثنا عن لجانب الاخلاقي الذي تمتاز به "ليان" لكن هل كان الشاعر منصفا بين بناته في هذا الحال؟ وهل هو حيادي/عادل في اعطاء وصف لجمال بناته؟، اعتقد أن المقطعين الذين جاءا عن "ليان" يحملان الاختزال والتكيف، بحيث أوصل لنا الشاعر الفكرة من خلال هاذين البيتين، وهما يكفيان لنعرف بأن هناك جمال يتجاوز الطبيعة من خلال "نعومتها" ولا يكتفي الشاعر بهذا الوصف للجمال المجرد بل يحدثنا عن الجانب الاخلاقي والسلوكي، فعندها "البراءة" وهي كافية لنتأكد بأننا أمام حالة من الطفولة المطلقة، لكن الأجمل من كل هذا أن الصورة الكلية التي جاءت بها "ليان" صورة مذهلة، حتى أن الرمال تخجل من نعومتها، ويستحي منها السؤال، اعتقد بأن هذه الصورة لوحدها كافية لتجعلنا نتوقف أمام "ليان" التي تمتاز بهذه الصفات.
"لانا" التحفة الرابعة والتي جاءت بهذا الوصف:
"ولانا تَملأُ الدُنيا حَنانًا
تُقبِّلني فتَهتزُّ الجبالُ
لَعمري عند دَمعتها أُعاني
فَكيف الدمعُ يَذرفهُ الغزالُ"
صورة تبدو متناقضة، حيث نجد "الحنان والقبلة" مقابل "فتهتز الجبال" و"دمعتها" مقابل "الأغاني" فلماذا استخدم الشاعر هذه الألفاظ التي تخدش البياض؟ وهل هناك داعي لهذا الخدش؟، اعتقد لكي نكون قريبين أكثر من طبيعة اللون الأبيض، ولكي نعرف خصائصه عن قرب لا بد من وجود خط أسود في اللوحة، وهذا السواد/الخدش هو الذي يجعلنا نركز أكثر على جمالية الصورة، فيعطنا مقارنة بين البياض والسواد، هذا من جهة، ومن جهة ثانية الشاعر لم يأتي بمضمون صورة سوداء، فمضمون الصورة الكلية ناص البياض، لكن الألفاظ المجردة هي المشوشة فقط وليس الفكرة أو الصورة/اللوحة الكلية، وإذا ما أضفنا أن التجديد في استحداث الصورة الشعرية مسألة حيوية وضرورة في القصيدة، يتأكد لنا حيوية وجمالية هذا الغباش الناعم والذي يخدم الجمالية الكلية في القصيدة.
"لمار" التحفة الخامسة:
"لَمارٌ قِصَّةٌ بَدأتْ لروحي
وحينَ قُدومها وقفَ الجِدال
فسبحانَ الذي أعطی وأوفی
لها حُسنًا يُسجلهُ المِثالُ
رَجوتكَ يا إلهي مِنكَ سِترًا
بغير اللّه لم تَدمِ الظِلالُ"
ما يحسب لهذا الصورة أن لشاعر ربط قدوم "لمار" بحالة السكون والهدوء، فكأنها بجمالها جعلت الكل يتوقف مندهشا أمام جمالها، وهذا السكون لم يتوقف عند الآخرين/المشاهدين فحسب، بل نجده عند الشاعر أيضا، لهذا توقف عن الحديث عن صفاتها ووصفها وتحول إلى تمجيد الله، وهذا التكامل والانسجام بين صورة الآخرين، وما فعله الشاعر في القصيدة يؤكد على حالة التماهي بين القصيدة والشاعر، بحيث لا نستطيع أن نفرق/نفصل بين القصيدة والشاعر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع