الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حيوانُ السياسةِ يقتلُ شعبه

سامي عبد العال

2018 / 4 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


" الأسد حيوان...Assad is an animal يقتل شعبه "... هذا بعضٌ من تصريح لدونالد ترامب حول استعمال بشار الأسد لأسلحة الغازات الكيماوية المجرمة دولياً، والتصريح اعلنه ترامب في لحظة تذوقه طعم الحرب على هامش التطاحن الدائر بسوريا بين النظام الحاكم والجماعات الارهابية والمعارضة المسلحة. وقد اسفر عن قتل عشرات الأطفال والنساء اختناقاً وكمداً. وخلَّف وراءه مئات الثكالى والأرامل والمشردين. إن لم تكن هذه مأساة العرب المعاصرة، وإن لم تكن هي أم القضايا الراهنة التي ينبغي حلها فوراً، فماذا تكون...؟

بدت المشاهد في مدينة دوما مسرحاً لموت مجنون يلتهم أعصاب الضحايا ويتركهم أجساداً بلا روح. ترتجف الاجساد من تشبعها بالغاز ملقاة بعرض الطرقات والأطفال غائبون عن الوعي والنساء يهرولن إلى أقرب منقذ، والغبار يملأ الأجواء تحت الأنقاض وبين البنايات وفوق أطرف الأشجار والأسطح. لا فرق، فالبقايا المدمرة تنقل مشاهد الصراع كأن سورياً غدت مقبرة لجميع من يتحرك داخلها.

في حين يقف العالم العربي عاجزاً عن فعل أي شيء. ومن عجزه تناسى أنَّ وقوفاً بجوار إنسانية المواطن السوري أولى من التفكير في اتخاذ المواقف. ونتيجة ادمانهم روائح الجثث ومضغها لم يعد العرب ليأبهوا بالقتل اليومي. يشاهدون الصور متلفزةً، كأنها آتية من كوكب آخر. كل ما يهم دول الخليج ألاَّ يمتد نفوذ إيران ويقوى في هذه المنطقة أو تلك، لا يعنيها المواطن السوري من قريب أو بعيد.

وبات التآمر على سوريا الوطن من الجميع. الصامتون أولاً، هؤلاء القاتلون بخداع السكوت، والمتآمرون ثانياً، إذ لا يجدون طريقاً سوى التلون، والمترقبون بالخارج ثالثاً لنتائج الدمار لأجل المناصب والمجالس المتاجرة بإعمار الغد. والمتوحدون أخيراً مع القتلة، كلٌّ بحسب انتمائه تأييداً للنظام أو مع سواه أيا كان.

لأن الواقع الفعلي هو دمار المواطن العادي وقتله وتشريده. وإذا كان حظه ميموناً سيجد موتاً رحيما عبر البحار أو في إحدى البلدان الأوروبية. وقد يكون طعماً لملذات العرب الذين يتاجرون في النساء، كأن هناك ما يسمى " نكاح اللجوء "، فقد أشارت بعض التقارير أن النساء السوريات يقعن فريسة استغلال الزواج مضطرات في بلدان العرب الكرام من أجل إطعامهن وإيوائهن. أليس هذا عاراً لن يبرأ منه العربي مهما أدعى الشرف؟ أليست عهراً أخلاقياً لتدمير تراث الإنسانية في شخص الضحاياً؟!

الحروب لا تحتاج إلى عمل صراعي على الأرض حتى نعرفها. إنها الإحساس الغريزي بالقتل، بسفك الدماء، كأنَّ هناك أرشيفاً بيولوجياً لمآسيها وآلامها في مدونات اللغة والفكر والحس. الحرب هي أقدم حفرية لاشعورية في حواشي البشر منذ ملايين السنوات، وهي ما تسكن أخيلتهم وتختلط بكافة الرغبات تجاه الآخرين من الحب إلى الكراهية والعفو والمروءة والكرم وليس انتهاءً بالعدوانية والصراع. والتعبير عن القتل بالحيوانية ليس إلا وسماً من نوع ما كما سنعرف حالاً.

فالتصريح السابق تحول إلى هاشتاج افتراضي( # بشار_الأسد_حيوان )، وظهر بقائمة أكثر الهاشتاجات Hashtags تداولاً حول العالم. حتى بدت التكنولوجيا الرقمية أبعد واقعية من الواقعي حتى بصدد القتل وكوارث الحروب. لقد جذب آلاف المغردين والمعلقين على شبكات التواصل الاجتماعي وبات عنواناً لدلالة سياسية أعمق. وبخاصة أنه جاء من رئيس أكبر دولة استعملت ( الموت) كآلية لتأديب الشعوب والنيل من مقدراتها الحية واختراق سيادة الدول الشرق أوسطية.

ذلك في مقابل النظام السوري الذي تلطخت يديه بالدماء يومياً وأخذ يغتسل فيه من حين لآخر رغم أن الواقع يقول إنه لا حل لأزمة سورياً بهذه الدماء التي أريقت دون طائل. وأن مزيداً منها لا يجعل هناك أملاً في عودة سوريا الوطن نفسه لا الدولة ولا بقايا النظام. يبدو أن بعض الانظمة العربية كنظام الأسد لن ترضى بالرحيل حية وميتةً. فلقد تدفع سوريا الثمن أكثر من مرة طوال مستقبلها المنظور، وجميع الجرائم التي يرتكبها الأسد تقول أكثر من هذا.

لكن هل كان تصريح ترامب دالاً لأنه من حيوان سياسي إلى حيوان سياسي آخر؟ هل توحد الحرب الأحاسيس القاتلة فينكشف بعضها ويمارس بعضها الآخر دوره إلى النهاية؟ هل التصريح بلغة الهاشتاج وسم( علامة المربع # )لأعمال مادية، وبالتالي ستبقى نافذة المعاني ولا تمحى بسهولة؟

يقول شاعر العرب زهير بن أبي سلمى:

وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُم... وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً... وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ
فَتَعرُكُّمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها... وَتَلقَح كِشافاً ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ
فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُم... كَأَحمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتَفطِمِ

يبدو أن زهير بن أبي سلمي ادرك خطورة الحرب قبل ترامب، وربما أن هناك امتداداً لمعانيها العنيفة حتى في الواقع المعيش الذي لا يعرف نهايتها. وتعبير زهير أكثر دلالة من عبارة ترامب في كون الحرب تطحن أصحابها كالرحي التي لا ترحم. وهي لا تبقي ولا تذر، ليس وجود الإنسان فقط وروائح الدماء إنما تلتهم احتمالات الحياة المقبلة.

ما يشترك فيه زهير بن أبي سلمى وترامب هو الجاهلية. جاهلية الأول غارقة في القدم وتطفح من خلال أشعاره الكاشفة لطبائع الحروب وآثارها. وجاهلية الثاني أكثر حداثة داخل العالم الديجيتال رامياً بها كل من يرتكب أفعاله. ولئن كان بشار حيواناً، فالحيوانية تجمع، تتسع لسواه. وأن يأتي الوصف من تلك المصادر الأمريكية الصانعة لحيوانات السياسة شيء مهم في هذا التوقيت.

زهير ابن أبي سلمي يضعنا أمام أنفسنا من غابر الأزمان، لأن رؤساء العرب حظوا بهذه التربية النادرة. وما لم تكن الحرب كذلك في تاريخ المجتمعات العربية وتراثها فما كان ليصفها ابن أبي سلمى بهذه الأوصاف. ولذلك كانت الأنظمة السياسية العربية حظائر معدة سلفاً لمصاصي الدماء، واعتراف ترامب لم يكن ليقصد به بشار الأسد حصراً، يكفي أنه سمى جنساً سياسياً لدينا ولديه بهذه العبارة.

من الذي يرعى هؤلاء القابعين بيننا؟ أنه النظام الأمريكي طوال عصور الاستبداد والدمار العربي. هو الذي يعده طوال سنوات حكمه ويصنع له السيناريوهات في الأفلام والألعاب الإلكترونية (ألعاب مصاصو الدماء)، ثم يحيك له المؤامرات بأياد محيلة لتنفيذها. وحتى إذا حان وقت التخلص منه لجأ النظام الأمريكي إلى الحيل ذاتها( المؤامرات). وبالتالي كم عشنا عبر هذه المسلسلات طويلاً: مؤامرات تطرد مؤامرات، مؤامرات تحارب مؤامرات، مؤامرات تجهز على مؤامرات.... بينما الشعوب هم القتلى دائماً؟ والإنسانية التي يتشدق بها الأمريكي في مقابل الحيوانية مجرد خرقة كلينكس لمسح آثار الجرائم ليست أكثر.

ومن الكوميديا على هامش التصريحات في أخر لقاء بين ترامب وأمير قطر، أشار الأخير أن الأسد يجب أن يرحل، فلم يعد ليصلح رئيساً للبلاد، إنه يقتل مواطنيه ويدمر مجتمعه!! لقد بدا هذا المشهد مزرياً: كيف لدويلة تساند الإرهاب(أي تقتل وتمول الجرائم باسم الدين والجهاد) ثم تطالب رئيس أمريكا باقتلاع أنياب الأسد؟!!

إنها مهزلة العقل السياسي العربي، هذا الخزان المليء بالبهلوانيات الخطابية، خزان الفضلات التي تزكم رائحتها الأنوف على بعد ملايين السنوات الضوئية.. ألا يوجد بعض الخجل الحيواني ليوازي دموية القتل؟! لقد كان المشهد اعترافاً كاملاً بالجنون وقتلاً مضاعفاً للإنسان السوري. فالأمير الذي خلع العباءة وأرتدى رابطة العنق يعلم: أنه لم يذهب لأجل الإنسانية ولا لأجل الوطن، بل يذهب ذهاب الفرع للأصل، يذهب بوصفه اللاعب المحلي ( الصبي) إلى أحضان راعيه الأكبر. ولنلاحظ أن هذه التصريحات فقط هي التي أذيعت على التلفاز صوتاً وصورة، إذن الأمر مقصود به الشو الإعلامي.

إنَّ الحيوانات الطبيعية لا تقتل جنسها بالغاز الكيماوي، ولا تقبل أن تتواطأ مع المجرم أيا كان جنسه ولونه. لأن لديها- على الأقل- بعضاً من رحمة، بعضاً من حنو، بعضاً من خجل. فهل تقبل هذه الحيوانات لاجئي المآسي العربية حيث لا مؤامرة ولا خداع ؟! هل الغابة أمن من حارات ومدن العرب الذين يفتكون ببعضهم البعض بضروس أمريكا والغرب والجماعات الإرهابية والأنظمة السياسية القاتلة؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على