الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعرية التناص في القصيدة المغربية المعاصرة

أحمد القنديلي

2018 / 4 / 12
الادب والفن


شعرية التناص
في القصيدة المغربية المعاصرة
أحمد القنديلي



تقديم :

لا تتحدد شعرية الكتابة في قصيدة الحداثة من خارجها، بل من داخلها. ومن داخلها فقط . أما الخارج فيبقى مجرد موجه نظري عام. ذلك لأن الحداثة الشعرية " قرينة زمن متوتر، متحول ينطق الوعي المحدث فيه خصوصية اللحظة التاريخية التي يعيشها بوصفها لحظة لا نظير لها كأنها انقلاب كوني، أو انكسار شامل يتغير معهما اتجاه التاريخ " (1)
وحين يعي الشاعر الحداثي هذا المعطى - ضمن معطيات أخرى - يغدو ملزما لحظة الكتابة بالبحث عن كل شيء: الذات، العالم، الشكل، اللغة، الدلالة... بهدف قول ما قيل ، ليس باعتباره قيل، بل باعتباره لم يقل، أو باعتباره قيل بطريقة يمكن أن يقال بغيرها. فهذا الذي قيل أنه قيل، ما قيل ، ولكن شبه لأصحاب نظرية التناص أنه قيل، والحال أ ن ما قيل يقال فعلا، ولكن بطرق متعددة ولا متناهية . وتكمن عبقرية الحداثة هنا في كونها لا تتعالى على ما قيل - حتى ولو كان القول خارج الأدبي - ولكنها حين تستلهمه وتقوله لا تقوله، بل تقول قولا آخر من خلاله يتأتى لها بأسلوبها الخاص، فتقوله كي تبحث عن معناه.
فحين تتغير طريقة ا لقول، يتغير القول جذريا ليس على الصعيد التركيبي فقط، بل على الصعيد الدلالي أيضا. وهكذا يدخل النص الحداثي المولد )بالفتح( في علاقة حوار مع النصوص المحيطه به وفق قانون الاختلاف.
وبهذا المعنى فالشاعر الحداثي، وهو يمارس التناص عن وعي ، يثبت التصاقه العميق بالتراث على نحو ما يقرر ت . س. إليوت ذلك. ولكنه حين يلتصق به يراه بصورة جديدة ويعيد إنتاجه في نمط جديد.
ولعل هذا ما حدا بمالارميه وهو يحدد تميز شعر الحداثة إلى التأكيد على فاعليه الكتابة الشعرية الحداثية التي لا ترسم الشيء، بقدر ما ترسم " الأثر الذي تحدثه " (2). وحين نتحدث عن الأثر، نتحدث عن الآثار التي تتعدد بتعدد الانفعالات من شاعر حداثي لآخر، ومن ثمة بتعدد التأويلات من قارئ لآخر.
غير أن أهم إنجاز حققته قصيدة الحداثة، إنما يكمن في بنائها الفني الذي نقل الشعر من التعبير الموضوعي عن الآخر/ الكلاسيكية، ومن التعبير الذاتي عن الذات / الرومانسية، إلى التعبير الذاتي / الموضوعي المركب عن الذات من حيث هي الموضوع، وعن الموضوع من حيث هو الذات.
وحين اختار الشاعر الحداثي هذا الأسلوب في الكتابة ابتعد نهائيا عن لغته الشعرية المفردة أسلوبيا؛ ليجد نفسه أمام لغات عليه أن يفرَدها أسلوبيا كي يتحدث بها، ومن خلالها، أو كي تتحدث به ومن خلاله. وهنا وجد نفسه أمام معضلة جديدة : الاشتغال على اللغة ضمن الاشتغال على الموضوع ذلك أن " الأدب الذي يتأسس دوماً كخطاب حول خطاب، كنقد اللغة ، يدرج تعبيره الخاص ضمن القضايا التي يتطرق إليها "(3). وإذا كان الاشتغال على اللغة اشتغالا على الشكل، فإن الشكل أصبح ـ مثل المضمون ـ فضاء للبحث والتأمل والمعاناة الإبداعية.
في هذه الدراسة سنحاول بحث شعرية التناص من خلال مقاربة مجموعة من النصوص الشعرية المغربية المعاصرة، بهدف الكشف عن أعماقها الحداثية .

I - التناص الملتوي في ديوان "هبوب الشمعدان "

للتناص الواعي مفعول بهي في الكتابة الشعرية. وللتناص اللاواعي مفعول أبهى . والتناصان معا سرقة موصوفة - كما يقرر النقد العربي ذلك في كتب السرقات - ولكنها سرقة طفل يتعلم أبجدية المكر والاحتيال. غير أن تناص القصيدة الحداثية يتجاوز دائرة الشعر إلى كل الدوائر الممكنة بحسب سعة اهتمامات الشاعر، وبحسب زخم لحظة الكتابة الشعرية.
في "هبوب الشمعدان"(4) للشاعر المغربي أحمد بلبداوي تتناص القصيدة مع المحكي الدارج بصورة ملفتة للنظر :

لا، صفَّقنا هذه المرّة
بالأرجل حتى دميت
وحياة بهية
قالت يشويني فيكم
يا أحفاد اليوطي
هل تلكم ألسنة
أم قطع غيار
مِ الخردة
انتظروا يا أحفاد اليوطي
انتظروا المارشال
(صفحة 49 من الديوان)

حين تخاطبنا الأم بهية بلهجتها / لهجتنا، فلأنها لم تجد لغة أخرى قادرة على توصيل الرسالة. إنها تستخدم اللهجة المغربية بعنفها الأقصى من أجل خلخلة معتقداتنا الفاسدة: لقد كنا نعتقد واهمين أن علاقتنا باليوطي / الاستعمار الفرنسي انتهت، وإذا به يسكننا. وعليه، فإن بهية تتمنى الشي بالنار على أن ترانا مسربلين بثياب الجد الأجنبي، ونمشي خلف أ بينا شهرغاز، يفعل ما يشاء بها وبنا ونحن لا ندري شيئا.
من بداية النص إلى نهايته والأطفال يستعطفون :

أبهية
عافاك أطلي اتضحي
باني
ووقفنا ننتظر أمام الشباك
(صفحة: 48 من الديوان)
بيد أن بهية تكتفي بإرسال خطاباتها القاسية إلينا دون أن تبرح شباكها كي نراها. إنها تحمل في حلقها غصة عمر وسعيدة، ومعهما كل شهداء الوطن:
ينتفض الجدول ويحلق
فوق البيت لمدة عشري
عمر وثلاثين سعيدة
تلك الحبة
من متلاشي
الضوء هي ما تقتات به طول اليوم
(صفحة 3 من الديوان)

ولذلك تكتفي باللوم والشتم دون أن تطل من شباكها القصي:


...مسحت ثغائي في ساقية
قرب زلاغ وأخذت
أفتت اسم أبي صاعقة
صاعقة
ش_ ه _ ر _ ا _ غا _ ز
(صفحة: 27 من الديوان)
لقد اختارت بهية المنفى، فابتعدت عنا وعن شهراغاز. فلا نحن أبناؤها، ولا شهراغاز ـ توأم شهريار ألف ليلة وليلة، وشهريار كل وقت رديئ ـ زوجها ولذلك عاشت داخل زمنها المأساوي عوض أن تعيش داخل زمننا الكارثي الذي نلوك فيه شيئا :
"كالقرميد يتسلق أحاسيسنا "
(صفحة 47 من الديوان )
دون أن ندري، أو دون أن ندري ما نفعل بدرايتنا للأشياء.

II- التعالي ا لنصي في " رعشات المكان " (5)

في ديوانه " رعشات المكان " يطور الشاعر المغربي محمد عنيبة الحمري تجربته الشعرية بصورة نوعية . إن هذا الديوان قصيدة شعرية متكاملة. وانطلاقا من العنوان الخارجي باعتباره العتبة الكبرى، مرورا بالعناوين الداخلية " الجمال ـ السوى ـ هذيان ـ سراب ـ الصبر ـ انتعاش ـ حيرة ـ الحال ـ التأجج ـ السفر ـ الحضرة ـ النزوح ـ من حماقات ابن زيدون " باعتبارها العتبات الصغرى، يمكن القول على أن الديوان يشتغل على تيمة مأساوية هي تيمة التيه في الفراغ .
ولأن للشاعر إحساسا حادا بالفراغ، فإنه يأبى دخوله مخافة الموت. ولذلك يبقى ـ في الديوان برمته ـ في فضاء التيه على تخوم الفراغ بحثا عما يمكنه من التجاوز ولكن جدوى. غير أن الشاعر يحضر في الديوان بذات درامية مركبة :
أ‌- تركيبيا: تتنوع الضمائر، وتتوحد الجهة.
ب‌- دلاليا: تتنوع المعاني وتتوحد البؤرة من حيث هي تيمة الديوان الكبرى.
إن هذا الالتفات بنوعيه التركيبي والدلالي يمارس تأثيرا خاصا على المتلقي الذي يضطر إلى الانجذاب للقول والارتباط بمفهومه كما يرى ذلك صاحب المنزع البديع .
فمن ضمير المخاطب المهيمن :

جمالكِ ينعش قلب المتيم والوصل قد يستحيل
الديوان صفحة 7

إلى ضمير المتكلم :

أبث اللواعج نصا يما نع مسك خيوط المكان
الديوان صفحة 12

إلى ضمير الغا ئب :
هذا الهائم في سفح الأيام تعانده الدجنة
الديوان صفحة 19

وكل هذه الضمائر تلتفت إلى ضمير واحد وتؤول إليه هو ضمير المتكلم الذي يرى ذاته في مرايا متقابلة لا تفضي إلا إلى التيه المفضي إلى الفراغ.
إن ما يثير الانتباه في هذا الديوان / القصيدة تعاليه النصي (6). إنه يتناص داخليا مع الغائب إما من حيث هو نص، أو من حيث هو موضوع :

1- التنا ص مع النص القرآني : (7)

أ- " يسومك سوء العذاب صحابك في الحب والمرحلة " (صفحة: 9 من الديوان)

ب- " ببابك أعصر من ألمي خمر السنين " (صفحة: 11 من الديوان)

ج- " تطوف الأواني وتلهث كل الحناجر " (صفحة: 13 من الديوان)

د- " لعلك تدري وهذا خطابي إليك بأن الأراضي وإن رحبت لتضيق " (صفحة: 18 من الديوان)

هـ- " أنهار تجري عسلا، والعطش المتزايد تنزفه كثبان الرمل " (صفحة: 27 من الديوان)

و- "فطوبى لك إذ ينسى الناس سريعا تأخذهم سِنة" (صفحة: 28 من الديوان)

إن الديوان يتفاعل مع النص القرآني ليستلهم روحه وفق ما يتطلب سياق الكتابة ومقام الخطاب ومقصدية صاحبه. ويبدو لنا في هذا السياق أن عمق تملك الشاعر للنص القرآني، هو ما مكنه من إعادة تشكيل دلالاته من خلال تحريفها عن معانيها الأصلية، وذلك بإضافة انزياحات جديدة إلى الانزياحات الأصلية المتضمنة فيها. ففي المثال (أ) يتحول المخاطب إلى " كافر" لا تسومه نار الآخرة سوء العذاب كما في النص الأصلي، بقدر ما يسومه الصحاب في الحب والمرحلة في دار الدنيا سوء الهجر.
وفي المثال (ج) يعتمد الشاعر أسلوب الحذف من أجل خلق الاستعارة. لقد حذف الولدان من الآية القرآنية ليسند الفعل مباشرة إلى الأواني وذلك إشارة إلى الهيام بالخمرة دون غيرها.
وفي المثال (و) يحرف الشاعر المعنى القرآني دون أن يمس بقدسيته ليعبر بأسلوب كنائي عن مراده. فإذا كان الله حيا أبدا لا تأخذه سنة ولا نوم، فإن الناس تأخذهم السنة سريعا فينامون ويلتذون الإغفاء .
إن الشاعر محمد عنيبة الحمري لا يحاكي النص القرآني محاكاة تامة، بل يكتفي بالإحالة عليه. وذلك للإعلان عن تملكه من جهة، ومن جهة لتوجيه لغته نحو ما ترغب فيه قصيدته الشعرية.
لقد كان الشاعر لحظة الكتابة واعيا بضرورة إبداع شعر يتناص مع غيره، دون أن يفقد كينونته . ولذلك أحا ل دون أن يحاكي : أدغم القرآني في الشعري لتوظيف الأول في الثاني. ولربما عشقا للغة القرآنية التي أريد لها أن تقتحم فضاء النص الشعري كي تحافظ على مكانتها في وعي ولاوعي الشاعر. وفي هذه الحالة، فإن محمد عنيبة الحمري لا يتناص بالمعنى المتداول للكلمة، إنه يدغم نصا في نص إلى درجة التماهي.


2- التناص مع الخمرة :

تشكل الخمرة موضوعة مركزية من موضوعات الديوان. إنها تشكل تعبيرا عن مأساة التيه في الفراغ، وبديلا عن خيانة الصحاب في الحب والمرحلة.
غير أن الشاعر لا يتوجه إلى موضوع الخمرة مباشرة، بل من خلال التناص مع خمريات الشعر العربي بتلويناتها المختلفة :

أ- "ما الفرق أيها المتساكن خمرك جمر وخمرك قلب الكؤوس، تراود في الزبد المتلألئ ثلج البياض وتطمح في الإنتعاش " (صفحة: 10 من الديوان )

ب- " وسكرك ينفي الحياة، يذيب شتات التمعن، يقطع حبل التمكن يعصف بالرغبات "
(صفحة: 13 من الديوان )

ج- " فلا الصحو ينجي ولا السكر يقوى على حمل هذا الكئيب تلوعه قسوة المستهام "
(صفحة: 17 من الديوان )

د- " يكفيك الآن شرابا. فالسكر يحيل الجسد الآسن هشا يرفعه للقاب فلا يعترف المخمور سريعا بالحضرة، ترعبه الأصوات " (صفحة: 27 من الديوان )

هـ- " وما مثل خمرك كأس تفيض " (صفحة: 11 من الديوان )

و- " تقول : فمالي وللكأس تأخذني، فألمس عذر صحابي، أعيش غيابا يمكنني من شهود السرائر يثلج صدر المعذب بالانتظار "
(صفحة: 35 من الديوان )

في هذه الأمثلة (أ – ب – ج – د ) تحضر الخمرة معادلا رمزيا للصحو المضاعف من حيث هو معادل رمزي للمعاناة المكثفة. ولذلك يعادل حضورها غيابها؛ ليبقى الانتعاش مجرد طموح ، ولتبقى الرغبات مستحيلة كما كانت دائما، ولتبقى الأصوات المرعبة حول الشاعر يسمعها كما كان يسمعها وهو صاح .
هكذا نلفي الشاعر وهو يبحث عن وسيلة لتخطي التيه في الفراغ، يلفي هذا التيه وقد تضاعف في تلك الوسيلة ذاتها.
وهذا معناه أن الخمرة في ديوان محمد عنيبة الحمري ليست ماء. إنها الذات المتأملة لذاتها وهي على حافة الانفجار.
في المثالين ( هـ - و ) تتحول الخمرة إلى ماء مصطفى، ليس مثله ماء. وبسبب هذا تتحول إلى طاقة هائلة تمكن شاربها من تجاوز عالم الحضور إلى عالم الغياب الذي يمكنه من شهود السرائر.
تقترب هذه الخمرة قليلا من الخمرة الصوفية صانعة المعجزات، غير أنها تبتعد عنها مسافات طويلة حين لا تتحول إلى غاية في ذاتها. إن بقاءها الوظيفي يحيلها إلى مجرد ماء يثلج صدر المعذب بالانتظار للحظات وجيزة.
وهكذا تترادف هذه الخمرة مع سابقتها ولا تختلفان إلا جزئيا. فالأولى ذات تتأمل ذاتها، والثانية موضوع للتأمل يوهم بالانحراف عن دائرة التيه في الفراغ دون أن تستطيع إلى ذلك سبيلا.

3- التنا ص مع الشعر :

حين يكتب الشاعرعن الشعر في شعره، فكأنما يسعى إلى الإعلان عن نفسه من خلال ممارسة لعبة التماهي مع الكتابة. بيد أن هذه اللعبة تنطوي على إحساس مأساوي بالعجز شبيه بالإحساس الذي انتاب " هاملت " في مسرحية شيكسبير وهو يمسرح ما يريده قوله لأمه بلغة وظيفية مباشرة؛ ليقوله لها بلغة مسرحية غير مباشرة. غير أن " هاملت " وهو يشخص همه الزمني في فعله المسرحي، يقول قوله الذي يفهم من طرف أمه كما لو قيل بلغة مباشرة، بل وبصورة مضاعفة. ولكن قول " هاملت " في علاقته بذاته المرسلة، يبقى قولا منزاحا عن همه الفعلي. وهذا الانزياح يعمم دلالته الخاصة؛ ليتحول إلى قول بدون معنى محدد، أي بدون حقيقة. وبهذه العملية يبقى " هاملت " في دائرة الصفر، دون أن ينجز شيئا يحرره من مسؤوليته التي ألقاها على عاتقه طيف والده القتيل.
وهذا الفعل شبيه بفعل الشاعر وهو يتحدث عن الشعر في شعره. إنه لا يتحدث عن الشعر أبدا، بل يكني به عن كل شيء يهوس كينونته. وبهذه العملية يمارس الانزياح المقلوب. إنه لا يخرج من الحقيقة إلى المجاز، بل من المجاز إلى الحقيقة، أي من القصيدة إلى خارجها.
فإذا كانت اللغة تكتسي " وظيفة شعرية كلما زحزحت الانتباه من المرجع إلى الرسالة " (8) فإن الشاعر، وهو يكتب عن الشعر في شعره يزحزح الانتباه من الرسالة إلى المرجع أي من القصيدة إلى الشعر. وتبقى الكتابة وحدها الخيط الرابط بين الشعري والزمني. يكني الشاعرعن الزمني بالشعري دون أن يتحدث بالشعري عن الشعري أبداً.

أ‌- وأهرب مني إليك، يطاردني الوقت تسكنني المحبرة.
أبث اللواعج نصا يمانع مسك خيوط المكان.
(صفحة: 12 من الديوان )


ب‌- وتمتزج الأحرف، ينبجس الصوت وتنسكب الأحزان على الأوراق.
(صفحة: 23 من الديوان )

ج- وفي القيد مسكنك المتواصل، فالشعر عذب، ولكن صاحبه في العذاب.
(صفحة: 31 من الديوان )

د- لا أملك غير القوافي، أتمتم بالشعر وا أسفي.
(صفحة: 39 من الديوان )

هـ- يباغتني الليل إذا أستفيق بحبك عشت أردد هذا القصيد.
(صفحة: 37 من الديوان )

و- وكوة هذا الجدار يخونها نور الصباح فيسهل نظم الكلام، ويصعب فك رموز القصيد.
(صفحة: 40 من الديوان )

في المثالين (أ – ب) يحضر الشعر ملاذا أخيرا للشاعر . به يسعى إلى الخروج من دائرة التيه القاسية التي لا يمكن أن تفضي إلا إلى الفراغ القاتل.
غير أن الشعر المحتمى به لا يملك هذه القدرة على الاحتضان المريح للتائهين. وذلك لأنه ليس فضاءً للإقامة. إنه يبحث هو الآخر عن وسيلة تمكنه من مسك خيوط مكان يصلح للإقامة. إنه جريح على الدوام ينسكب أحزانا على الأوراق. لقد تمسك الشاعر بالشعر تمسك غارق بغارق. فغرق الطرفان معا: الطرف الأول مكنى عنه، والطرف الثاني مكنى به . إن الكناية التي تتوسط بين الحقيقة والمجاز تقول الشيء وما يلزم عنه سواء كان هذا الأخير توأمه أو مجاوره أو ضده ... وكل ذلك بحسب السياق والمقام ومقصديه المتكلم وتأويل المتلقي.
في الأمثلة (ج- د هـ - و ) يتناص الشاعر مع تجربة ابن زيدون الشاعر والعاشق والسجين. يمارس أسلوب الالتفات، فيزاوج بين ضمير المخاطب والمتكلم . في الحالة الأولى يموضع الشاعر محمد عنيبة الحمري ابن زيدون أمامه، وفي الحالة الثانية يمنح له فسحة للبوح الذاتي الجريح. وفي الحالتين يتماهى صوت الشاعر المغربي المتكلم مع الشاعر الأندلسي المخاطب والمتكلم معا في صوت واحد يحكي :

أ‌- تجربة الشعر من حيث هي تجربة العذاب العذب. فالعذاب هنا ألم باطني والعذوبة لذة روحية تمر عبر تجربة الألم (الشعر، العشق، السجن).
ب‌- تجربة الشعر من حيث هي تجربة فعل غير مجد لا يمكن صاحبه من نقل إحساسه بمأساة التيه في الفراغ إلى الآخر كي يسعفه. إن الشاعر وهو ينزل الشعر منزلة اللغة الوظيفية كي يتواصل لا يجد من يفك رموزه، ولذلك يبقى خارج الضوء، وفي غياهب النسيان.
ج - تجربة العشق من حيث هي تجربة الهروب من التيه في الفراغ إلى التيه في الفراغ حيث المحبرة والقصيدة والأحزان.
د- تجربة السجن من حيث هو القيد المتواصل، أو القبو المغلق الذي لا تخترقه شمس. ينفصل فيه الشاعر كليا عن الآخر / المحبوب؛ ليدخل تجربة التيه في الفراغ إلى ما لا نهاية.

III- التناص الوظيفي أو شهرزة الحكي في ديوان " شيء له أسماء " :

في قصيدتها " مدائن عاد مدائن ثمود أو هوج منتصف أبريل " المنشورة ضمن ديوانها " شيء له أسماء " (9) تعتمد الشاعرة المغربية مليكة العاصمي التناص مع الحكاية عن وعي كامل. وقد أفضت بها هذه الممارسة إلى اقتحام القصيدة الدرامية المركبة التي يناور فيها الصوت الذاتي للشاعر: يضطر للغياب رغما عنه استجابة لموضوعية الكتابة الشعرية الدرامية، ويمارس الحضور خفية في الثنايا المتشابكة للقصيدة. وكل ذلك على عكس القصيدة الغنائية / الذاتية أو قصيدة التكثيف – كما يسميها صبري حافظ في تعليقه على الديوان - (14) التي يمارس فيها الصوت الذاتي للشاعر حضوره الكامل.
ونعتقد أن الشاعرة مليكة العاصمي، وهي تنحاز في هذه القصيدة إلى الدراما تنزاح عن صوتها الشعري الذي يتميز بحرارة شعرية متوقدة، وبجرأة هائلة على البوح بلواعج الذات وسرائرها المصادرة .
ولعل مرد هذه التضحية يرجع إلى رغبة الشاعرة في قول قول قاس لا بد من قوله عن طريق الحكاية التي تستطيع بكثافتها الدلالية وعمقها الأسطوري ونسيجها الغرائبي أن تقول ما لا تستطيع اللغة الشعرية قوله بمفردها.
في هذه القصيدة المطولة تتناص الشاعرة مع الحكاية الشعبية بأسلوب شهرزادي يعتمد التضمين الذي يضفي الغرابة المضاعفة على الحكاية؛ ليجعلها تنهض بوظيفة التشويق المركب: ينقطع الحبل بين الحكاية والمروي له ليتصل بحكاية تالية. وبين الفصل والوصل يتكسر أفق توقع ليبنى آخر. وما أن يهدأ رَوْعُ القارئ الضمني / المروي له حتى يجد نفسه مضطرا إلى الوصل بين مجمل الحكايات ليتأتى له الفهم ثم التأويل .
أما الحكاية الأولى فهي حكاية السلطان والحجام .
وأما الحكاية الثانية فهي حكاية الحجام والحجام .
وأما الحكاية الثالثة فهي حكاية السلطان والحُجاب.
وأما الحكاية الرابعة فهي حكاية السلطان وأهل القرية .
إن العلاقة بين الفاعل والمفعول به في كل الحكايات السابقة علاقة انتقام لا تبرره إلا السادية المتأصلة في الوعي واللاوعي. وهي سادية تنم عن رغبة هستيرية من طرف الفاعل في الحفاظ على تناغم كونه كما تسيره إرادته المطلقة.
لقد تم فقء عيني الحجام الأول لأن قائمة الصومعة تداعت، وقتل الحجام الثاني لأنه حجام ولأن قاتله حجام أيضا، وقطعت فرائص الحُجا ب أوصالا لأنهم تهاونوا في أداء الواجب للسلطان كما يجب، وقطعت ألسن أهل القرية لأنهم شبعوا وزاغوا.
وهكذا يختفي أهل القرية جميعا " حق عليها القول فدمرنا ها تدميراً " حتى السلطان الأكبر يغيب؛ لبقى جالوت / السلطان الأصغر وحده يتجول بين خرائب قريته منتشيا بانتصاره الأسطوري. فلا توجد أمامه الآن إلا أناه المتضخمة التي تتجول في الفراغ .
لهذا السبب تنتصب الشاعرة لتطرح أسئلتها الحرى بصورة ملفتة للنظر، مكررة الأفعال الإنجازية والإخبارية. لقد ساءلت الناس جميعا: شبابا ومثقفين وهتفت بمحمد وعمر وخالد وعبد الله والمعتصم...

ما بال القرية ؟؟
ذاقت طعم الخزي
وما بال القرية
جاس بها جالوت
وذاقت طعم الخزي
وما بال القرية
حق عليها القول
وما بال القرية
ما بال القرية
صفحة 87 من الديوان

إن جميع المخاطبين من قبل الشاعرة، سواء أولئك الذين ينتمون إلى الذاكرة أو أولئك الذين ينتمون إلى الوعي، يحيلون في نهاية المطاف على قارئها المفترض الذي تتوجه إليه بخطاب مشفر، داعية إياه إلى فك طلاسمه من أجل اكتشاف مقصديته. أما لغز هذه الشفرة فيكمن في سر استمرار جالوت وحده على قيد الحياة.
لم تقتل الحكاية / القصيدة جالوت حتى تنزاح عن الوظيفة الوعظية المتضمنة في النص القرآني المحال عليه. ولكن الشاعرة لم تتمكن من الانزياح كلية عن الوظيفة التوجيهية التي وجهت بواسطتها المتلقي إلى مقصديتها من خلال توجيه دلالات الخطاب القرآني الوجهة التي تلائمها.
وهنا نجد أنفسنا أمام مفارقة طريفة: إن المعنى الشعري يتجيَش في الانفعال، ثم ينتقل إلى القصيدة. وحالما يسكن لغة القصيدة يتحرر من صاحبه الذي يجد نفسه مطالبا بتجريد نفسه والابتعاد هناك – حيث لا مكان ولا كينونة – لكي تكون القصيدة. فإما أن تكون القصيدة وإما أن يكون هو. أما أن يوجدا معا، فهذا مستحيل إلا إذا كان لحسابه – ليس من حيث هو شاعر ضمني، بل من حيث هو شاعر واقعي – وعلى حسابها.
وقد حرصت الشاعرة مليكة العاصمي على فرض صوتها الذاتي الواعي داخل قصيدتها: وظفت الحكاية الشعبية قناعا دراميا، وأحالت على النص القرآني إحالات مباشرة أحيانا، وغير مباشرة أحيانا أخرى، كي تقول قولا شعريا ذاتيا. وفي الحالتين لم تعتمد المحاكاة التامة. بل الإحالة المحضة. لقد اتخذت التناص استراتيجية للتشويش (10). ففي النص القرآني المحال عليه لا يلتحق بطالوت إلا نفر قليل من بني إسرائيل. وضمن هذا النفر تمكن داود من قتل جالوت.(11) ولكن القصيدة أبقت هذا الأخير وحده على قيد الحياة .
وفي النص القرآني المحال عليه يقع فعل الفاعل / الله على القرية بكاملها (12)، ولكن القصيدة تؤنسن فعل التدمير حين تسنده إلى جالوت الذي يبقى في نهاية المطاف طرفا مسؤولا، مبحوثا عنه من طرف الشاعرة التي تستأسد بمخاطبيها المفترضين بحثا عن الانتقام والخلاص.
وفي النص القرآني المحال عليه (13) يتم انتزاع عرش بلقيس وتقديمه إلى سليمان قبل أن يرتد إليه طرفه. أما في القصيدة فيتحول انتزاع العرش إلى انتزاع لعيني الحجام، ومن والاه من الضحايا من طرف حُجَاب السلطان الذين سيتحولون هم أيضا إلى ضحايا بفعل سادية السلطان.
إن الشاعرة مليكة العاصمي تمتص النص القرآني، وتعيد نسج خيوطه كي تقول قولا جديدا في حكاية "السلطان والحجام والصومعة" التي تتناسل في مختلف الحكايات الأخرى. إنها تؤول لتولد في نهاية المطاف شهوة القتل اللامتناهية في وعي ولا وعي السلطان الذي أسرَ له الحجَام في إحدى لحظات الحلاقة رغبته في مصاهرته، فكانت الكارثة التي أنجبت كوارث.
وفوق هذا فإن مليكة العاصمي، وهي تشهرز شكل حكيها داخل القصيدة اعتمادا على أسلوب التضمين، تشهرز المضمون أيضا من خلال امتصاص " شهوة القتل " التي تشكل البؤرة الدلالية الكبرى لألف ليلة وليلة. لقد خان الحلاق سلطانه حين تمنى مصاهرته ...وحين خانه جرح ساديته التي أمست عمياء لا تبقي ولا تدر .
IV- التناص الخفي في " هبة الفراغ "
في ديوان " هبة الفراغ "(14) ينجز الشاعر المغربي محمد بنيس دورة كاملة في مشروعه الشعري. وداخل هذه الدورة الكاملة، لم يكن الشاعر يسير. لقد كان يقفز من وضع شعري إلى وضع آخر. فمن لحظة ما قبل الكلام في ديوانه الأول " ما قبل الكلام " (15) حيث كان يتعلم أبجدية الكتابة " مهووسا بالتعبير الرومانسي " (16) إلى لحظة الكلام في ديوانيه " شيء عن الاضطهاد والفرح " (17) و" وجه متوهج عبر امتداد الزمن " (18) اللذين تابع فيهما تلمسه " لطريقه الشعري ولرؤيته الشعرية " (19) إلى لحظة الكتابة في ديوانه " في اتجاه صوتك العمودي " (20) ، حيث احتفى بالخط المغربي وبالتشكيل، موجها القارئ إلى صم أ ذنيه وفتح عينيه لتحسس جلال الشعر وجماله في الخط وهندسته، وفي البياضات المهولة المتممة للمعنى.
ونعتقد أن محمد بنيس قدم في هذه اللحظة الشعرية الأخيرة التي يمكن أن نسميها بلحظة القصيدة الممتدة أو القصيدة الأخطبوطية، عصارة ما لديه من تفكير شعري حداثي، كان بإمكانه أن يخلخل الجاهز الشعري بقوة أعظم لولا الاحتفاء المبالغ فيه بالخط المغربي المثقل بالتعقيد وبإيديولوجيا السلطة والقداسة.
أما في ديوانه "هبة الفراغ " فقد أكمل الشاعر دورته؛ ليجد نفسه خارجها في لحظة ما بعد الكتابة. وإذا كان الكلام يسبق الكتابة، فإن لا لحظة بعد الكتابة سوى لحظة الكلام مجددا. ولكن ليس بنفس المعنى.
فالكلام الأول هو ما قبل الكلام، وهو ما نطق به الشاعر في ديوانه الأول محاولا إثبات كينونته الشعرية. أما الكلام الثاني في "هبة الفراغ" فيحضر نقيضا للكلام وللكتابة معا كما سنرى.
لقد كان محمد بنيس في دورته الشعرية يقفز من وضع شعري إلى آخر كما رأينا. وهذا معناه أن تاريخ تجربته الشعرية تاريخ جدلي . إنه تاريخ الخطايا (21). لقد كان يتلعثم في تجربته، ويتعلم من كتاباته. ولهذا السبب كان يمارس التناص مع التجارب، التي يتفاعل معها، بطريقة خفية بحيث يبدو النص / الأب ولا يبدو. وهنا بالضبط يمكن تميز حداثته الشعرية التي تطورت حداثة تجريب وإبداع . ويتجسد هذا بصورة أعمق في ديوان" هبة الفراغ ".
إن عنوان هذا الديوان أب لنصوصه ولعناوينها. لقد أنجب الفراغ نصوصه. قال لها كوني فكانت هبة موهوبة من واهب إلى موهوب له، مطالب بالتحول إلى فراغ لكي يتلقى الفراغ. غير أن الفراغ هنا ليس جزئيا يمكن فهمه إزاء ملء أي إزاء شيء لغوي يتموضع إلى جانبه، كما يؤكد على ذلك أصحاب نظريات التلقي .
إنه فراغ مطلق لا يرادفه غير العدم . وأن يهب الفراغ أوالعدم نصوصا معناه أن يخلقها خلقا أول .
لا تعنينا هنا النظريات الشعرية التي ترادف بين الكتابة الشعرية والإلهام، فهذا مجا ل آخر. ولكن الذي يعنينا هنا هو هوس الشاعر ـ وهو ينطلق من الفراغ ويكتب ـ بالكتابة الأولى التي لم تتشكل في رسم. أي هوسه بالكلام الأول الذي لا أول له، والذي لا يمكن إيجاده إلا فيما وراء الكتابة.
لهذا السبب لا يتشكل ديوان " هبة الفراغ " من نصوص يلي بعضها بعضا، بل من شذرات تؤلف نصا هو" هبة الفراغ ". وما يفصل بين هذه الشذرا ت في الظاهر ويصل بينها في الجوهر هي العناوين الهاربة التي ترد جميعها نكرات . والنكرة ليست هي " ما يقبل ال " كما يقول ابن عقيل (22) . إنها النكرة المشخصة داخل السياق والتي لا تقبل التعريف، فإذا قبلته صارت شيئا آخر. وإذا كانت النكرة تفيد العموم، فإنها كناية بالعام عن الخاص. وفي حضور هذا العام المجازي ينفتح مجال التأويل إلى حد لا حد له .
فما معنى أن يمتح الشاعر متخيله الشعري من الفراغ ؟
طرح ناقد مغربي ما يشبه هذا السؤال بصيغة تهكمية قائلا: " ماذا يتمم الفراغ الأبيض إذن ؟ وكيف ؟ لا أدري، فقد تستقيم الأجوبة في أذهان أصحاب هذه الآراء " (23)، ودون أن ندخل في جدال مع هذه الفكرة – التي تجد أجوبتها في مباحث اللغويين والبلاغيين والنحاة العرب القدماء ( الوصل والفصل، والحذف، والاستئناف، والإيجاز...) وفي مباحث النقاد الغربيين الجدد أصحاب نظريات التلقي – سنحاول الإجابة على سؤالنا .
إن الشاعر محمد بنيس ، وهو يستند إلى الفراغ، يجعل لكتابته الشعرية ثلاثة أقانيم تنبثق منها:
أما الأول فهو أقنوم اللامفكر فيه . وأما الثاني فهو أقنوم الذات الهاربة من ذاتها والتي تعيش مأساتها في خوائها المفزع. وأما الثالث فهو المعنى الذي يجد الشاعر نفسه مطالبا بنحته من فسيفساء الفراغ الواهب للمعنى المحتمل . بواسطة الأقنوم الأول اندفع الشاعر في تجربته إلى مركزة الهامش والاحتفال به من أجل فتح عين المتلقي على المختلف والغائب والمسكوت عنه . وبواسطة الأقنوم الثاني تمكن الشاعر من الغوص في أعماق الذات من أجل استبطان مجاهلها اللامحدودة. وبواسطة الأقنوم الثالث وجد الشاعر نفسه مطالبا بإنجاب " معنى لا يمكن أن يوجد في مكان آخر " خارجي وفي زمان آخر سابق عليه.
وبانبثاق الشعر من هذه الأقانيم الثلاثة وجد الشاعر نفسه مدفوعا إلى الاشتغال على الموضوع الكبير بدل المواضيع الصغيرة: إنه موضوع الوجود المركب من حيث هو كينونة مأساوية شقية، أومن حيث هو فضاء تأمل إبداعي في لحظة ما بعد الكتابة أي لحظة الكلام الثاني .
ولعل هذا ما يفسر البناء الشذري لنص " هبة الفراغ ". إن هذا البناء استعادة لنصوص الحكماء والكهان والشعراء والأنبياء. أي استعادة للكلام الأول. ولكنه في الجوهر هروب إلى ما بعد الكتابة؛ وذلك للتمكن من الكتابة بلغة متشظية عن ذات متشظية تواجه مصيرها .
أما الموضوعات التي نود الوقوف عليها في هذا الديوان فهي:

1- الشعر والكتابة :
إن الحديث عن الكتابة في الكتابة حديث بالكتابة عن غيرها :
لطخة تأتي الكتابة
من جناح الموت
من غور متاه
من فراغ سيد
يشطح بالضوء مداه
(صفحة: 10 من الديوان)

لا يتحدث الشاعر عن الكتابة، بل عن مصدرها وشكلها، وشكل ورودها إ ليه. أما مصدرها فهو الموت الذي شخصه الشاعر في هيئة جارح يحول الوجود إلى عدم / لطخة، في لحظة وجيزة وهو في ذات الوقت غور متاه لا يفضي إلا إلى العدم ، وهو أيضا الفراغ السيد الذي يتلألأ فيه " ضوء " العدم ساطعا . ولهذا لا تأتي الكتابة مادة لها صورة، بل هيولى في حاجة إلى تشكل كي تكون.

سمّها قطرة أولى
تتخثر في لحظات ارتياب
سمها هِبة
نبذت برد معبرها
واكتفت بانحفار الغياب
قل لها
أن تكون لهم خيمة
قل لهم
إنها نفَس لاتقاد السحاب
( صفحة: 57 من الديوان)

إن هذه الكتابة / الطلسم التي لا تقول ما تريد، وما يراد لها، إنها كل شيء. إنها هيولى كل الأشياء، ولذلك يدعوها الشاعر إلى أن تكون لنا خيمة ومأوى، ويدعونا في ذات الوقت إلى الاحتماء بها ما دامت خالقة المستحيل . لقد مجد الشاعر الكتابة تمجيدا جعله يشكل صورتها تشكيلا سرياليا؛ ليحولها إلى أسطورة خارقة:

إنها نفس لاتقاد السحاب

ففي هذه الصورة المجازية لا يحضر النّفس مشبها به لمشبه هو الكتابة، بل يحضر فعلا يصدر عن فاعل هو الكتابة. أما العلاقة بين الفاعل و الفعل فهي علاقة اتحاد يجعل الفعل من جنس الفاعل. وكلما قال هذا الفاعل لفعله – الذي هو هو – كن، يكون كما شاء له أن يكون. ولا يمكن لهذه الكينونة أن تكون إلا خارقة معجزة .
هكذا قالت الكتابة / النفَس لنَفَسها كوني فكانت . وما كان هو اتقاد السحاب بالوقود المشتعل عوض انطفاء هذا الأخير بماء السحاب. وأن يتقد السحاب – سواء كان به ماء أولم يكن – فهذا معناه أن كل شيء تريده الكتابة يكون .

2- الكتابة والسهو :
غير أن الكتابة في " هبة الفراغ " تنبثق في مواقع كثيرة من الديوان ليس من التذكر بل من السهو:

مساء الخير
يا سهوي
مساء الخير
مساء الخير
يا هوسي
مساء
الخير
(صفحة: 13 من الديوان)

لقد مارس الشاعر التكرار والجناس بالقلب . كرّر التحيّة لإِجلال ما يحييه . وجانس بين السهو والهوس ليطابق بينهما. وإذا كانت الكاتبة سهواً فهي ليست كتابة ما يتم تذكره بعد نسيانه . إنها كتابة المنسي اللا مفكر فيه.
وأن تكتب الذات الناسيّة نسيانها معناه أن تكتب في نهاية المطاف عن ذاتها المنسية أو التي ستدخل في طور النسيان:

غدا سأمر من هذا المكان
وأترك للإشارة لونها
بين الحجارة والسفر
(صفحة: 83 من الديوان)

إن منطوق الخطاب هنا ينفي مضمونه كلية . ومفتاح هذا التناقض هو اسم الإشارة الذي يثوي فيه الانزياح. يستعمل اسم الاشارة " هذا " للقريب. وهو هنا للقريب جدا. وهذا معناه أن المكان الذي يتحدث الشاعر عن إمكانية عبوره هو الذي يعبره الآن . أما غدا، فلن تتاح له إمكانية عبوره. سيتحول إلى مكان بعيد، أ وسيتحول الشاعر عنه إلى مكان أبعد لن يكون إلا مكان الموت.
وسواء عبر الشاعر مكانه المعني اليوم أوغدا، فلن يعبره ثانية. ما سيتبقى في نهاية المطاف هو الإشارة الدالة على العبور، والتي لن تلبث أن تتحول إلى لون أو إلى أثر لذاتها ، أي إلى نسيان .
هل يمكن أن نتحدث هنا عن تناص الشاعر مع موضوعة الخراب المأساوية كما عبر عنها الشاعر الجاهلي في مقدمته الطللية؟ أو كما عبر عنها ت. س. إليوت في قصيدته العظيمة؟ ولكنه يبقى تناصا خفيّا يرفض الإحالة المباشرة سواء كانت خارجية أو داخلية.


3- الكتابة والصمت :
حين ألاقي جسدي الطافح من بلل
الشيء الخالص
وتجاويف الكلمات
يتهيأ لي أني أتوضأ بالصمت
الممسوس
وبالدنس النشوي.
تنحل اللطخات
في ماء الرغبة
ينسل سديم كان يقول :
لا تكتب
( صفحة: 18 من الديوان)

" لماذا اختار محمد بنيس أن يتوضأ بالصمت ؟ والأكيد أن من كان وضوءه صمتا لا بد أن تكون صلاته هسيسا لا يكاد يسمعه أحد حتى وإن تسلل إلى أعماقه " (24)
إن النثر الحرفي للشعر يجعل الناثر / " الناقد "يتحدث عن شيء آخر لا علاقة له بالشعر الذي يدرسه. وهذا ما فعله صاحب هذا التحليل .
لقد تجاوز تأويل موضوع الشعر إلى تأويل ذات الشاعر بغرض التهكم. والحال أن الوضوء في النص مجازي بادٍ للعيان، ولا علاقة له بالوضوء المعروف. فلماذا اختار الشاعر محمد بنيس أن يتوضأ بالصمت؟
غير أنه لابد من الانتباه هنا إلى النعت المجازي الذي حول الصمت إلى نقيضه. إن الصمت هنا ممسوس. والمسّ نوعان فإما أن يكون مسّا إنسيا / ماديا، وفي هذه الحالة سيتحول الصمت إلى هيولى / عجين يمكن للشاعر أن يشكل به ما يشاء من الكلمات. وإما أن يكون مسّا جنيّا / روحانيا، وفي هذه الحالة سيتحول الصمت إلى وادٍ أسطوري شبيه بوادي عبقر يتم اغتراف الماء الشعري منه بطريقة لا يعرفها أحد غير الشاعر.
أما هذا الشعر الدافق، فلابد أن يكون ممسوسا هو الآخر ظاهره كلام: وباطنه صمت. ومن تجاوز الظاهر إلى الباطن أصابه مس صاعق. أما من لم يتمكن من التجاوز، فلن يُمسّ، ولكنه سيبقى بعيدا عن حدود القراءة.
هل نقول هنا إن الشاعر يتناص مع الأسطورة الجاهلية الرائعة حول الشعر ومصدره؟ ولكنه يتناص خفية كعادته. غير أن الشاعر هنا يقلب العلاقة التي كان يقيمها الشاعر الجاهلي مع واديه المقدس الذي كان يغترف منه ماءه الشعري.
إن الصمت / الشعر في هذا النص مرادف للدّنس، ولكنه دنس نشوي يجعل الذات الشاعرة آثمة إثما لذيذاً يعرّي هيبتها وأسطوريتها؛ ليجعلها ذاتا إنسانية شقيّة تريد أن تكون كما تشاء ولا تستطيع. فكل ما حولها يدحوها لتركن إلى الصمت: " لاتكتب ".
ولأن هذه الذات معاندة، فإنها لا تصمت ولا تتكلم، بل تكتب صمتها أي كلامها الصعب الذي يستحيل غصّة بين الحلق والشفتين .

لي هذا الصمت
إذن
سأوسع أعيادي
وأقول لها
انحشري
في فاتحة لا
تبلغها عين
أو
سارية فأنا من برزخ من
كانوا
عاينت قيامة حماي
هذا الصمت
حليفي
ولي الآن
مدار
تستدرجه شمس
لمخابئها
(صفحة: 29 – 30 من الديوان)

إن البرزخ هو النواة الدلاليّة الكبرى لهذا النص. وهو يحضر هنا مأوى خاصا للشاعر. فيه يتحالف مع الصمت لكي يواجه مصيره القاسي وقد انتابته الحمى.
إن الشاعر يصدر كلامه من عالم الموتى، ذلك لأن " من مات دخل البرزخ، وفي التنزيل العزيز " ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون "(25).
وهذا ما يؤكده الشاعر بوضوح:
" فأنا في برزخ من كانوا "
فكيف للميت أن يتكلم، وإذا افترضنا أنه يتكلم، فكيف لا يكون كلامه صمتا. وإذا كان كلامه صمتا، فكيف لا يكون حمى شبيهة بتلك التي زارت المتنبي في إحدى لياليه الصعبة ؟
ولكي يعبر الشاعر عن هذا المعنى الذي لم يجربه، ولم يقرأه في كتاب، دفع باللغة كي تسبح في دائرة من المتناقضات. إنه يحتفل بالصمت ويوسع أعياده لكي ينتشي الانتشاء المطلق، ولكنه يعاين قيامة حمّاه في مدار تستدرجه الشمس لمخابئها.
إن البرزخ الصامت الذي يقيم فيه الشاعر جعله محموما بحمّى من الدرجة القصوى، يهلوس فيقول الشيء ونقيضه في ذات الوقت. وكل ذلك للتعبير عن ذات تشوى شيا دون أن تمتلك القدرة على الاستغاثة بأحد، ودون أن يتمكن أحد من إسعافها حتى ولو سمع استغاثتها.

4- الكتابة والموت :
أهلا
بنزول العين
إلى مأواها
أهلا
بدم يتهجج في فوضى السريان
لغة
لجفاء الروح
وأخرى
للحالة في أنساغ الهذيان
أيها الساكن
في حفرة صدري
مَن
سيصاحب موتاي الليلة
قبل الفجر
إلى هضبات الضوء
ومن سيسلمني
شيئا
لعبور يتعهده اللمعان
(صفحة: 36 – 37 من الديوان)
إن المتكلم في هذا ا لنص هو القبر الذي يرحب بالميت ترحيبا حارّا. فكأنه يتحرق شوقا لاحتضانه. غير أن هذا الميت ليس عاديا. إنه ينزل إلى مأواه مسربلا بدمه الذي يتأجج ويتهجج متناثرا هنا وهناك تاركا آثاره – وهو يرحل من عالم الحياة إلى عالم الموت – في فوضى عارمة.
إنه دم حي يتبع صاحبه الميت. وبهذا المعنى فهذا الفقيد قتيل . قد يكون شهيدا اختار موته الذي استدعى ترحيب القبر به. وقد يكون إنسانا اختار الحياة فقتل غدراً.
وفي الحالتين يبقى هذا الفقيد هو ذلك القتيل الأخير الذي يتناص في مأساته بصورة باطنية عميقة مع القتيل الأول / هابيل (26).
لقد ترك موت هذا القتيل الأخير فراغا هائلا . لقد كان المسؤول المفترض عن مصاحبة من تبقى من الموتى إلى هضبات الضوء أي إلى البرزخ – الذي تحدثنا عنه سلفا – وبغيابه بقي الموتى دون قبر، ولربما دون برزخ ودون قيامة (27).
وبموت هذا القتيل قبل الأوان، يعاني القبر مأساة الفراغ العظمى. لقد غدا مأوى فارغا، وحوله موتاه الذين لا يجدون من يصحبهم إليه. كل طرف ينظر إلى الآخر من مسافة قريبة بعيدة هي مسافة الفراغ.
أما موت القتيل الأول / هابيل فقد ترك فراغا هائلا، ولكن بطريقة معكوسة. فالقاتل حي مذنب، ولكنه لا يعرف ما يفعل بسوْأة أخيه؛ لأنه يجهل معنى الموت، أو لأن الخطيئة العظمى التي اقترفها حالت بينه وبين المعرفة. ولكن مأساته لا تلبث أن تحل حين يعاين فعل الغراب القاتل بأخيه الغراب القتيل .
وحين وارى قابيل سوأة هابيل تشكلت المأساة الإنسانية: انفتح القبر ولم يغلق إلى أن آوى القتيل الأخير الذي هو قتيل هذه القصيدة. غير انه لم يغلق نهائيا . فما زال الموتى المتبقون ينتظرون خارجه من يساعدهم على الوصول إليه.
غير أن الموت يحضر في نصوص أخرى كثيرة داخل الديوان معادلا للعدم والفراغ المطلق:
ورق أخضر ملقى من جنبات متباعدة
حجر منذور لرحيل محتمل
أسوار تبصر راحتها
شخص كان ا ليوم هنا
ليكون غدا في
غير هنا
كتان علق من دمه
كلمات خارج هيئتها
غنباز
وهواء
(صفحة: 40 من الديوان)

يتحدث هذا النص عن موت طري تعبر عنه مجموعة من ا لصور الدالة: الورق الأخضر المستأصل والملقى من جنبات متباعدة، الحجر المنذور للرحيل المحتمل، الكتان المعلق، الدم ، الكلمات الخارجة عن هيئتها، الشخص الهارب نحو المجهول...
إن النص يصور التحول الكوني الكارثي. لقد تحولت الكينونة توّا إلى عدم لا زالت ترتعش فيه معالم حياة سابقة.هذا ما يعبر عنه تلاعب الشاعر بالزمن بوضوح:

شخص كان اليوم هنا
ليكون غدا
في غير هنا

إن المتكلم هنا يتحدث في الدقيقة الأخيرة من الساعة الرابعة والعشرين – إذ اعتبرنا هذا الفضاء الزمني الأخير زمن حياة مفترضة لكائن ما – ليحكي موت شخص في دقيقة ما من دقائق الساعات الأربع والعشرين الفائتة.
قبل هذه الدقيقة كان، وبعدها لم يعد موجودا .
وحيث إن هذه الدقيقة غير محددة إلا ضمن اليوم، فإنها وهي دقيقة الحياة المحتملة دقيقة الموت الممكن، أي أن اليوم برمته – إلى حدود الدقيقة الأخيرة – زمن للموت الممكن مادامت نهايته زمن موت حتمي.
وبهذا المعنى فالبنية العميقة للجملة هي :

شخص كان أمس هنا

ذلك لأن الفعل " كان " لا يلتقي أبدا مع الحاضر .
لقد ذكر الشاعر ما كان في الماضي وأراد ما لا يكون في الحاضر، وهو هنا إنما استغل بلاغة الدّارجة المغربية ومارس التناص معها لكي يعبر تعبيرا مفارقا يقول الشيء ويعني ضده.
وكما قابل الشاعر بين اليوم والغد، فقد كان بإمكانه أن يقابل بين " هنا " و " هناك " ولكنه لم يفعل . لقد قابل بين " هنا " و " غير هنا " مقابلة المشخص المحدد / الحياة بالمجرد اللا محدد / الموت . وهو الطباق الضمني الحاصل بين " الشخص " وهو كل جسم شاخص له ارتفاع وحضور، و" الإنسان " وهو كل إنس وأنيس يؤنَس بقربه وبحديثه. فإذا غاب استوحش العالم وأظلم واستحال عدما.
غير أن الشاعر في مجمل ما سبق لا يتحدث عن عالم أنس ما لبث أن استوحش، بل يتحدث بدءاً وانتهاءً عن عالم الفراغ والهواء. إن التضاد بين اليوم والغد ليس تضادا بين الحياة والموت كما يمكن أن نلفي ذلك في الشعر الأخلاقي، بل هو تطابق بين الموت والموت :
بين
خلاء يسكنني
وخلاء
(صفحة: 50 من الديوان)

وفي هذا الخلاء المطلق تخرج الكلمات عن هيئتها لتتفتت إلى أصوات تبحث عن مؤلفها.

يتضح من خلال هذه المقاربة أن ذاكرة قصيدة الحداثة المغربية خصبة تمتص النصوص الغائبة وتحاورها.(28) ولأنها ذاكرة حداثية، فإنها غالبا ما تخفي ما تمتصه. وإذا كان من المستحيل اكتشاف كل ما تخفيه، فإن ما يتم اكتشافه يبقى ضئيلا نؤوله باعتباره صمتا أو بياضا أو خفاءً، من أجل فهم النص المحاور باعتباره كلاما أو سوادا أو ظهورا.
ورغم كل ما قمنا به يبقى النص الشعري المغربي الحداثي مفتوحا على كل قراءة ممكنة، ذلك لأنه نص غامض مغلق لا تفك طلاسمه إلا شهرزاد العالمة بالخفايا.
وأول هذه الخفايا سياق الكتابة الذي يسَيج الشاعر المغربي : إنسانا ووعيا ومخيلة. وهو سياق كابح ودافع: كابح لأنه قاهر مستبد. ودافع لأنه كابح وقاهر ومستبد أيضا .
وتبقى القراءة هي المدخل الوحيد الذي يمكن أن يجدد الاعتبار للشعر المغربي، وللشعراء المغاربة الكبار .











الهوامش :
(1) جابر عصفور: " معنى الحداثة في الشعر المعاصر " مجلة فصول ع4 – ج2 سنة 1984 مصر ص 51.
(2) جان كوهن: بنية اللغة الشعرية –ترجمة محمد العمري ومحمد الولي– دارتوبقال للنشر ط1: سنة 1986 ص21.
(3) رولان بارث: الأدب: من المعرفة إلى المسافة، ترجمة محمد بنيس مجلة الثقافة الجديدة ع28 سنة 1983 ص72.
(4) أحمد بلبداوي"هبوب الشمعدان"، منشورات اتحاد كتاب المغرب، سلسلة إبداع ط1 سنة 1990، مطبعة المعارف الجديدة.
(5) محمد عنيبة الحمري " رعشات المكان " ط2 دار قرطبة للطباعة والنشر – البيضاء 2001.
(6) جيرار جينيت : مدخل لجامع النص، ترجمة عبد الرحمان أيوب. دار توبقال للنشر، ص1 سنة 1985 ص90.
(7) التشديد منا.
(8) بول ريكو: " من النص إلى الفعل : أبحاث التأويل " ترجمة محمد برادة وحسان بورقيّة، عين للدراسات والبحوث الانسانية والاجتماعية. ط1 سنة 2001 مصر، ص18.
(9) ميلكة العاصمي " شيء له أسماء " منشورات المؤسسة العربية ط1 سنة 1997.
(10) محمد مفتاح : " تحليل الخطاب الشعري استراتيجّة التناص " المركز الثقافي العربي البيضاء ط2 سنة 1986
ص29 / وما بعدها .
(11) سورة البقرة الآية 246 وما بعدها.
(12) سورة الذاريات، الآية 16.
(13) الآية 4 من سورة النمل.
(14) محمد بنيس " هبة الفراغ " دار توبقال للنشر – البيضاء ص1 سنة 1992 .
(15) مطبعة النهضة فاس 1969.
(16) عبد اللطيف بنداود، مجلة الثقافة الجديدة ع19 سنة 1981 ص 79.
(17) منشورات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة 1972.
(18) مطبعة النهضة فاس 1974.
(19) عبد اللطيف بنداود (م.س) ص 79.
(20) سلسلة الثقافة الجديدة البيضاء 1980 .
(21) يرى كاستون باشلار أن تاريخ العلم هو تاريخ أخطائه، ويرى كارل بوبر أن العلمي فعلا هو ما يمكن تفنيده
ونحن هنا نستعمل مصطلح الخطايا بالمعنى الأرسطي للكلمة، وذلك للإشارة إلى الطبيعة المأساوية للتحولات
في تجربة الشعر والشعراء.
(22) شرح ابن عقيل: الجزء الأول، دار إحياء التراث العربي (ب.ت) ص 86.
(23) محمد عدناني: بنية اللغة في المشهد الشعري المغربي الجديد، عالم الفكر ع3 مجلد 34، يناير مارس 2006
ص: 114.
(24) نفسه ص 105.
(25) المعجم الوسيط ج1 ص 49.
(26) سورة المائدة: الآية 27 وما بعدها .
(27) انظر ديوان الفروسية لأحمد المجاطي منشورات المجلس القومي للثقافة العربية ط،1، سنة 1987 ص:66 .
(28) انظر معايير التناص كما يحددها محمد بنيس : ظاهرة الشعر المعاصر لمغرب (مقاربة بنيوية تكوينية) دار التنوير للطباعة والنشر. بيروت، المركز الثقافي العربي. ط2 ص 251 وما بعدها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة