الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(سورة)قريش..لاهوت التجارة وتجارة اللاهوت!.(6)

ماجد الشمري

2018 / 4 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كان الله-ومحمد بالتماهي-يحب قريش ويعظمها كقبيلة منتقاة،ويتطلع لتكريس صدارتها ونفوذها بين العرب من خلال تفردها بتجارتها وكعبتها.فمحمد بالذات كان فخورا بشرف نسبه وانتمائه لبيت هاشم،وقبيلته الاوسع قريش البطاح.كما ان فكرته الجنينية ودعوته لم تكن ذات طموح سياسي او بعد اجتماعي-اخلاقي-قومي يتجاوز ام القرى-مكة.فغايته في اوليتها كانت اصلاحية محدودة ومحددة بأطار التوحيد وترك الوثنية .فقد كان يدعو لوحدانية وتمجيد الرب-الخالق-من نمط اله اليهودية او المسيحية لاغير-ونبذ الشرك وعبادة الاصنام.ولم تكن له طموحات و اهداف ابعد من ذلك-في حينه-تمس سيادة قريش،وتفوقها التجاري-الديني-وهذا ماثبت يقينا حتى بعد انتصاره الكبير وفتحه لمكة،بحرصه على كسب القلوب،قلوب سادة قريش بالاعطيات وتوزيع الغنائم،وبنص مقدس شاهد:"للمؤلفة قلوبهم"!-.ولكن قريشا لم تكن تعي مرامي دعوة محمد جيدا والتي كانت تصب فعلا لمصلحتها وفي صالحها وخيرها ورفعتها في هذه الدنيا وفي الحياة الاخرى.لقد اعاقت قريش عوامل عديدة منعتها من ان ترحب ياطروحة محمد الدينية،ووقفت وراء رفضها لدينه الاصلاحي المحلي،وركبها التحفظ والنبذ المتشدد لبدعته الغريبة في عبادة الله وحده،والتخلي الكامل عن اوثانهم-شفعائهم-الهتهم الصغار.ومن عوامل الرفض نلك:اعتزاز وتبجيل قريش لتراث اسلافهم الديني-وبغض النظر عن مدى الايمان الصادق من عدمه-فهم كانوا رهطا من التجار-الحمس.ومن طبيعة التجار الاجتماعية والايديولوجية الميل للمحافظة على الاوضاع التقليدية السائدة والموروثة والمستقرة،مع نزعة لرفض كل جديد مخلخل لمألوفهم وما تعارفوا عليه من قيم وعادات،واعتمادهم على الواقعية المادية في وجودهم ونشاطهم الاجتماعي-الاقتصادي،وما تعودوه من راسخ الاعراف ومايمثل تاريخهم القبلي-التجاري-الديني المتجذر كبنية صلدة لمجتمعهم المكي-القرشي. وفي نفس الوقت فليس لديهم ذلك التعلق المتزمت بالروحانيات والميتافيزيقيا غير الملموسة،وغياب ذلك الانشغال الرهباني-الزهدي المتبتل بالدين.فدينهم يتميز بالبساطة والعملية ويدعم حياتهم الدنيوية-تجارتهم واسواقهم.فالدين بالنسبة اليهم هو مايعزز تجارتهم،كما ان تجارتهم مرتبطة بدينهم،بتبادل المنفعة والدعم والتنافذ والتخادم.لذلك غضوا النظر عن افكار محمد- وتسامحوا معها كما تسامحوا مع دعوات من سبقه من احناف ودعوات غريبة خرجت عن مألوفهم-كأعتقاد خاص وشخصي للافراد دون امتدادات او تبعات لهرطقته المسالمة والاخلاقية،وضعف تأثبرها،فقد منيت بفشل وراوحت في مكانها بحصاد ضئيل من الاتباع على مدار ثلاثة عشر عام لم تجني اكثر من ثمانين مريد!.ولكن لاحقا وعندما اصبحت دعوة محمد مزعجة،ومزعزعة للاستقرار المجتمعي المكي-كما تصورت قريش-دينيا،بزرع الشك وتسفيه او ازدراء ماكان يشكل قداسة وحرمة من عقيدة قريش.هو الذي رفع من درجة استنفارها وحميتها لتعلن انذارها باعتبار ماجاء به محمد هو فتنة ومحاولة لزرع الشقاق والفرقة،وتعكير صفو اللحمة الجماعية لقبائل مكة القرشية،وتخريب لتجارتها واطاحة بسلمها الاهلي،وهاجس بالخطر المدمر والفوضى القادمة التي ستقضي على نظمعم واعرافهم التقليدية التليدة المستقرة والحافظة لوحدتهم-كانت قريش قوم لقاحيون يرفضون التسلط والخضوع لا لملك ولادين ولامحتل غاصب ينتهك لقاحيتهم.كانت قريش واهمة بظنها وتصورها ان مايدعو اليه محمد يشكل خطرا على مكانتها ونفوذها ودينها وتجارتها.فالعكس كان هو الصحيح فمحمد كان يرجو لقبيلته كل الخير والرفعة،وكان هدفه بالغ التواضع ويقتصر على اصلاح دينهم الفاسد بتحوله الى دين توحيد خالص والغاء التعددية الوثنية لااكثر.فمحمد كان حمامة وديعة،وليس صقرا لاحما كما اعتقدت قريش.فمحمد عرض عليهم مايشكل صفقة تجارية مضمونة الربح دون خسارة.فبتحالفهم معه او دخولهم في عقيدته الموحدة كانت فيه كل المصلحة والنفع لهم بتوحيدهم من خلال توحيد آلهتهم بأله واحد.ولكنهم توهموا بأن هيمنة دين محمد في مكة سيكون وبالا عليهم وخسرانا مبينا سيفقدهم كل شيء تجارتهم واسواقهم وكعبتهم المعترف بها من كل القبائل.،وتماسكهم الاجتماعي-القبلي،وثقافتهم وارث الاجداد.
كان صوابا اختيار الله-محمد لمكة كحاضنة ملائمة لدينه الجديد.ومن هنا اصراره على بدء نشره على يد مبعوثه المكي في موطنه-مكة-بين قبائلها وتجارتها وبيتها المعمور-بيته القديم الذي يبدو انه نساه لحقبة طويلة،وتذكره الان لتنفيذ مشروعه المقبل!-كرهان رابح بضمان رعايته حتى تحققه،وفي بيئة صالحة وواعدة لبذر التحنف المكي بحلته الحديدة كدين سماوي رسمي،واستئناف ماانقطع من تراث ابراهيم الاسطوري الذي استولى عليه اليهود ووظفوه لخدمة دينهم،وتقديمه بشكل محلي ملائم لاعراب قبيلة قريش وبطونها:بطاح وظواهر.ولشراذم متنازعة جافية تتصارع من اجل البقاء على الكلآ والماء،يغزوا بعضها البعض من اجل الوجود في جغرافية قاحلة من رمال وشمس.ولكن شتان مابين المتغير الشخصي لمحمد،والمتغير الاجتماعي لقريش. فليس من الممكن ان ينتصر نبي اعزل مترهبن معتكف ودون قاعدة اجتماعية مناصرةفكانت الغلبة للدين المحافظ والثقافة الموروثة العصية على الاقتلاع والتي حصرت محمد بخانق ضيق لاحت تباشير فشله-من خلال يأس محمد واحباطه وتفكيره بالتخلي عن مسعاه التغييري المنتكس!- لولا التبدل في استراتيج وتكتيك محمد الديني ومده لعنقه خارج مكة بحثا عن احلاف ومساندين لتحقيق احلام التوسع والانتشار.كان الله-محمد يعرف ان الناس لن يملوا او يكفوا عن مزاولة المتاجرة واقامة الاسواق،فهي شريان بقاءهم الوجودي،وايضا لن يملوا او يكفوا عن التدين والعبادة،فالتمسك بالدين او التعلق بالايمان بأي شيء سواء اكان وثنا او حيوان او ظاهرة طبيعية او تجريدا اغترابيا لتلبية حاجتهم الروحية-السايكولوجية لذلك الغامض المجهول العسير على الفهم،وتفسره السردية الدينية بكل سهولة،وتبيان ماعجزوا او جهلوا تفسيره كعلة او سبب لوجودهم ووجود هذا العالم الغريب المبهم.لثد كان اغلب الملآ المكي -القرشي من التجار، ومحمد ايضا كان تاجرا بأموال زوجه خديجة التي كانت تاجرة ايضا.والبقية من قريش كانوا بين:سادن- حاجب(خدمة الكعبة)ورافد(اطعام الحاج)وساقي(سقي الحجيج بالماء)وخادم(تقديم خدمات اخرى)وبين شيخ مسموع الكلمة وحكيمها وسط نخبة قريش،وجموع من عبيد الحرف والمنازل والرعي وعمال القوافل.التجارة-الحج-القبيلة هذا الثالوث كان جوهر وجود قريش الاجتماعي.ثالوث من التكافل والتضامن واللحمة والاستقرار تباركه آلهة قريش وقبائل الاطراف المعظمة والحامية.ولكن السيناريو الالهي-الديني البديل لقريش كان هو :اختياره هو-الله- كمعبود رسمي وشرعي وحيد يحل كأله حامي واحد معترف به من قريش والبراءة من بقية آلهتهاالمعبودة القديمة والاطاحة بجمهرة الاوثان-الالهة الفرعية الوسيطة.كجماعة واحدة-المؤمنون-من خلال اله واحد-الله-فهو الرب ولارب سواه.ولان قريش قوم تجار-وسطاء كان من الطبيعي ان ينعكس ذلك على ديانتها فكانت آلهتها وسيطة ايضا بينها وبين الرب الاكبر-الاعلى.ولولا تجارتهم-رزقهم-حياتهم المادية،وحرمهم المكي-مسجدهم الحرام الرديف لتجارتهم والجاذب للتسوق والتعبد،والذي منحهم الله اياه لما قامت لهم قائمة،ولماتت مكة كمدينة وتفرق شمل اهلها-قبيلة قريش المستقرة المنعمة- اذن والحال كذلك،فهم ملزمون بترك شركهم وكفرهم ليعبدوه هو:الاله العربي- القبلي القرشي الجديد والوحيد الجدير بقريش:تجارة وكعبة.فهو الذي وفر لهم اسباب العيش:طعامهم وكسوتهم وسيدهم على العرب بمسجد بيتهم الحرام،كعبتهم المقدسة التي لايجروء احد على انتهاك حرمتها وحرمتهم،وجنبهم الخوف من العدوان فأمنهم فعلام يشركون به ولايعبدوه وحده؟!.
كانت مكة محج العرب ومحط قداستهم-دينهم واسواقهم-وهذا ماكرسه محمد لاحقا لمركزية مكة وكعبتها كركن من اركان دينه الذي ساد-وحتى لاتزول تلك النعم وتلك الطمأنينة والامن،يخاطبهم الله:"فليعبدوا رب هذا البيت"الذي لارب غيره يحتكر العبادة ولايقبل شراكه او تقاسم للقداسة مع اوثانهم-اله غيور نرسيسي معجب بذاته يشبه يهوى اله اليهود بالتطابق!-التي لاتضر ولاتنفع،فهو وحده رب النفع والضر ومقدر المصائر.انه امر حزم مقرر،وصفقة مساومة تجارية يجب ان تقبل بها قريش وتختار بين:حياتها المادية المريحةالمستقرة:اكل وشرب ولباس ومأوى،بشرط اعتناق دينه وعبادته وحده دون سواه،وبين العكس وهو التهديد بزوال ذلك اذا ما امعنوا في غيهم وضلالهم وعنادهم،فسيكون مصيرهم كمصير الامم والاقوام الغابرة التي عصت وتجبرت،ولم تطع انبيائه المبعوثين من قبله لهدايتهم.ومثلما كانت التجارة-الحج عماد حياة المكيين-قريش،كانت كذلك بالنسبة لله،فهي سلعته وورقته الرابحة في الدنيا والآخرة:تسليف وديون،عطاء-عبادة،خير-شكر،تجار-دين،تبادل منافع بطاعات،مال وارباح وبلهنية مقابل الطاعة والخضوع والتسليم..كانت كينونة الله المتخيلة هي كينونة التاجر واخلاقه.فالله يتقن فنون السوق وقوانينه:البيع والشراء،وتبادل السلع في عرض وطلب منتظم،وحتى التعامل البنكي كان حاضرا في العلاقة بين الله وقريش من اقراض واقتراض-لاحقا وبعد صعود الدعوة،وبدلا من اقراض القريشيين المؤمنين بدينه لتوسيع تجارتهم وامتدادها،سيطالب هو بآياته ان يقرضوه هم قرضا حسنا ليكون لهم رصيدا ربويا متراكما من الارباح،سيقبضوه بعد موتهم من بنك العالم الاخر حيث جمال العيش ولذته وخلوده ومسرات بلا حدود!.وهي حقا صفقة العمر الرابحة!....
.................................................................................................
يتبع.
وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة على النشرة الخاصة حول المراسم الرسمية لإيقاد شعلة أولمب


.. إسرائيل تتعهد بالرد على الهجوم الإيراني غير المسبوق وسط دعوا




.. بتشريعين منفصلين.. مباحثات أميركية لمساعدة أوكرانيا وإسرائيل


.. لماذا لا يغير هشام ماجد من مظهره الخارجي في أعمالة الفنية؟#ك




.. خارجية الأردن تستدعي السفير الإيراني للاحتجاج على تصريحات تش