الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في سبعينية مؤتمر السباع الخالد: ذكريات شخصية عن تجميد الاتحاد في 1975

حسن ناجي

2018 / 4 / 12
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


لا أعرف بالتحديد أي يوم من عام 1975 جرى فيه اتخاذ قرار ما سمي "تجميد" اتحاد الطلبة العام، وكان في الواقع حل للاتحاد وتفكيك جسده وتفتيت جميع هيئاته القيادية والقاعدية والغاء وجوده في الساحة الطلابية، لكني اتذكر جيدا تفاصيل الليلة المشؤومة التي عرفت فيها الخبر.
لم أكن في قيادة الاتحاد، لا سكرتاريته ولا لجنته التنفيذية، كنت عضوا في لجنة ثانويات بغداد، وكادرا حزبيا في المنظمة الطلابية لبغداد. ولم يكن لدي أي فكرة عن أحداث ما قبل التجميد، وبينها مذكرة القيادة القطرية للبعث المقبور التي أنذرت الحزب وامهلته فترة محددة لحل منظماته الجماهيرية، اتحادا الطلبة والشبيبة ورابطة المرأة. حتى تلك الليلة التي التقيت فيها بالشهيد "خالد يوسف متي" عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد، وأخبرني فيها بقرار الحزب، قبل تبليغنا حزبيا واتحاديا. وكانت تربطني بخالد رفقة حميمة وصداقة من طراز خاص تشكلت في خضم العمل الاتحادي الكدود لسنوات متوالية، نشأنا سوية في الاتحاد وتربينا فيه.
لم تكن تجمعنا هيئة حزبية او اتحادية، لكن خالد جاءني تلك الليلة بمهمة خاصة عنده، أن يخبرني بقرار قيادة الحزب وأن يضمن امتثالي للقرار وان لا اغامر بحياتي الحزبية. وكان عائدا من اجتماع لقيادة الاتحاد باشراف قيادة الحزب بلغوا فيه بتفاصيل القرار وحيثياته.
حين أخبرني خالد بمختصر القرار، لم أصدقه وكدت اظنه يمزح لولا جدية تعابير وجهه والرجفة في عينيه وحالة روحه، كان وجهه مصفر مطعون في لونه، كأنه مفجوع تواً بخبر موت عزيز عليه. لم أفهم الأمر ولم أستوعبه، كان مفاجئا بامتياز، ثم أصبح صاعقا حين فهمته، حدثني خالد بالتفاصيل، ولكي يقطع الشك باليقين، لأني ظننتها اشاعة وتسريب أخبار، أخبرني بما جرى في اجتماعهم باشراف قادة من الحزب، أمهلني حتى أفهم، ثم بدأ في اسئلته عن موقفي.
كنا في ساحة التحرير، في مقهى صغير في أول الشارع المؤدي الى ساحة الطيران من جهة مكتبة المثنى، مقهى سماه الشهيد اسحق يونان بمقهى جيفارا. أمضينا، خالد وأنا، ساعات طويلة نتحاور ونناقش ما يجب عمله، حتى ساعة متأخرة من الليل هدأ فيها الشارع وأقفل المقهى وفرغت الساحة الا من المخمورين المترنحين، وباعة الزرازير المشوية لسكارى آخر الليل. واتخيل الآن حالنا في تلك الليلة، كنا مثل زرزورين من تلك الزرازير، هلسوا ريشنا ووضعونا في السفود على لهيب الجمر.
خالد لم يكن يناقشني في صحة قرار الحزب، كلانا مفجوعين به، كان يناقشني في الموقف من القرار، فالتمرد على تنفيذه يعني طردنا من الحزب في النهاية، كان يعيد تذكيري بأن عملنا في الحزب هو الأساس، هنا النضال الطبقي والوطني الواعي، وفي الاتحاد كان نضالنا مهني طلابي، أقرب للنقابي، فهل نفرط بذلك من أجل هذا؟
يبست شفاهنا وتعبنا من تقليب الأفكار ونحن نناقش عبثا في أمر مفروغ منه، هذا قرار قيادة الحزب وهنا ينتهي الجدل، أما ننفذ او لا ننفذ، لا خيار ثالث أمامنا. وكانت قبضة قيادة الحزب محكمة الاغلاق، لا فسحة للمراوغة، نحن جنود في تنظيم شبه عسكري، ورفض القرار يعني طردنا من الحزب بلا شك.
كانت ليلة صيفية كئيبة، حين افترقت عن خالد عدت ماشيا الى بيتنا، كان في زقاق مجاور لسوق حنون بين محلتي قنبر علي والتوراة بشارع الكفاح، طيلة الطريق كنت أشد على قبضة كفي وأضرب الحيطان أو أعمدة النور غضبا، حتى أدميت ظهر كفي الأيمن، وفي سطح بيتنا حيث سرير نومي الحديدي، بقيت اتقلب حتى الصباح ناظرا للسماء، دون أن أعرف للنوم طعما.
ثم جاء الاجتماعان للهيئتين الاتحادية والحزبية التي كنت عضوا فيهما، باشراف من عضو في اللجنة المركزية، أذكر ان الفقيد "مهدي عبد الكريم" كان هو المشرف على هيئتنا الحزبية، لتبليغنا بالقرار ومحاولة اقناعنا به، ومن ثم وضع الخطط اللازمة لتنفيذ حل هيئات الاتحاد خلال فترة قصيرة، اسبوع او اسبوعين، وكانت الطامة ان أكلف، بين من كلفوا، بحملة إشرافات على هيئات الاتحاد في الكثير من ثانويات ومتوسطات الرصافة والثورة، لأبلغهم بالقرار وأشرف على حل الهيئات وتنظيم من يريد في حلقات لأصدقاء الحزب. كل يوم كنت أحضر 4 – 5 اجتماعات، كانت أصعب مهمة في حياتي الاتحادية والحزبية، لا أنسى أبدا ردود أفعال أعضاء الاتحاد المستنكرة، حتى ان حالات من البكاء تكررت في أكثر من اجتماع، وذلك السؤال الصعب على ألسنة الكثيرين "ماذا نفعل نحن الآن؟ ... والى اين نذهب بدون اتحاد الطلبة؟" وحين أطرح فكرة الانتظام في حلقات لأصدقاء الحزب، كانت الردود باهتة، فالحياة في اتحاد الطلبة لها طعمها الخاص، وبيئتها التي لا تعوض. وحُلّت هيئات اتحاد الطلبة العام على يد من ساهم في بنائه، وكرس سنوات من عمره الفتي لتنظيم تلك الهيئات وبناء تنظيمات الاتحاد في مدارس العاصمة. الشهيد خالد يوسف كانت روحه معلّقة في تنظيمات ثانويات الكرخ التي قاد بناءها من الأساس وتشكلت على يديه، كان عليه ان يقود حملة سريعة لتفكيكها وحلها.
واليوم حين أنظر الى الوراء لا أفهم كيف فكر أصحاب القرار؟ وأنا لم أدري من كان قرّر التجميد، هل هي سكرتارية اللجنة المركزية أم المكتب السياسي أم اللجنة المركزية مجتمعة؟
لم تكن منظمات اتحادي الطلبة والشبيبة ورابطة المرأة دكاكين سياسة أو مهنية مفتعلة أو مؤسسات بيروقراطية محدودة وتابعة لقيادة الحزب، كي يجري أغلاقها او حلها بقرار فوقي معزول، كانت منظمات جماهيرية فعالة تضم عشرات الآلاف من الأعضاء، الذين منحوها ثقتهم. ولها تأريخها الطويل ومساهمتها المشرفة في النضال الجماهيري المهني والاجتماعي والوطني، لها مناضليها وشهدائها وصفحاتها المجيدة. قرار حلها أضر كثيرا وعميقا بمصالح تلك الفئات والجماهير وبنضالهم اليومي والدائم، الخاص والعام.
كان لهذه المنظمات أهميتها، كانت أسلحة نضال جماهيري لا تقهر، وتحديدا اتحاد الطلبة موضوع كتابتي وتجربتي، كان له نفوذا واسعا بين الطلبة ودورا فعالا ومؤثرا في الدفاع عن مصالحهم المهنية، وقيادة وتنظيم دورهم الهام في النضال السياسي الوطني، يشهد تأريخنا الوطني تهديد نضالات الاتحاد لكراسي الحكم ووزاراته، بينها وزارة طاهر يحيى والحكم العارفي قبل انقلاب تموز 68، وبعده كنا نهدد سلطة البعث ذاته، بدليل موقف قادة البعث المتشدد من وجودنا في الساحة، حتى انهم ربطوا مصير تحالف الحزب معهم بنشاط ووجود الاتحاد والمنظمات الاخرى... أي حكمة في التفريط بمثل هذه القوة؟
اتحاد الطلبة كان مدرسة للنضال واعداد الكادر الحزبي، تخرج منه ما لا يحصى من المناضلين والقادة الذين كان لهم دورا رياديا في نضال الحزب والحركة الوطنية، حتى بين من قرروا التجميد كان هناك قادة تخرجوا من مدرسة الاتحاد وتربوا فيه، هل كان مفيدا للحزب ان يلغي، بقرار سريع من القيادة، تلك المدارس النضالية العريقة؟
كيف فكر قادة الحزب آنذاك وهم يتنازلون عن نفوذ الحزب ودور هذه المنظمات بين الطلبة والشبيبة والنساء؟ وكانوا قد تنازلوا قبلها عن نفوذ الحزب ونشاطه في القوات المسلحة. ولماذا أذعنوا لتهديد وانذار البعث وحكمه؟!... كان ضعفا وجبنا من قيادة الحزب وكل التبريرات التي قيلت في حينها، وملخصها الحفاظ على التحالف الجبهوي، لم تكن مقنعة، سواء للعديد من كوادر تلك المنظمات أو أعضائه وجماهيره... بعد سنوات قليلة دفعنا الثمن الباهظ، بعد ان أضعفوا الحزب وجردوه من سياجه الاجتماعي وأسلحة نضاله الجماهيرية.
أي منصف وموضوعي في دراسته لأحداث تأريخنا الوطني لن يبرئ قادة الحزب آنذاك من فعلتهم تلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة