الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تَرَسْمُل المُتَمَرْكِس : عصام الخفاجي أنموذجاً /13-20

حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)

2018 / 4 / 13
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


خ / الموقف من الرأسمالية
في الحلقة السابقة ، رأينا كيف أن الدكتور عصام الخفاجي المحترم – و هو يتقمص دور السياسي الماركسي الأريب – يتجاهل أهم ثلاثة دروس أساسية في رسم السياسة الماركسية . أولاها هو أن السياسة هي فن تحقيق الممكنات في الزمكان ؛ و ثانيهما هو أن كل شيء في السياسة أنما يعتمد على توازن القائم للقوى السياسية-الاجتماعية الفاعلة ؛ و ثالثهما - الأرأس الجامع - هو وجوب النضال الصلب الدائم ضد هيمنة الإمبريالية للتحرر من جشع و هيمنة سلطة رأس المال و بما يصب في خدمة و ترقية مصالح طبقات سكان الأرض المظلومة المستغَلة من عمال و فلاحين و حلفائهم في ضوء الممكنات التي تتيحها التوازنات القائمة للقوى السياسية الإجتماعية المؤثرة . و لكن ، لماذا كل هذا التجاهل المتجني على الماركسية ؟ الجواب : لأن رسالة الدكتور عصام الخفاجي المحترم في خدمة مصالح الإمبريالية العالمية المجرمة تقف بالضد تماماً و على طول الخط من كل هذه البديهيات الماركسية .
و الآن ، و بعد عرضه لـ "برامجه السياسية" الشمولية للوضع العربي كله الآن مصاغة بخمس من الجمل المبتسرة – و التي هي بطبيعة الحال ليست برامجَ سياسية و إنما محض مقولات عامة هائمة لوحدها في الفضاء بلا سياقات أرضية ملموسة : ثلاثة منها خاطئة تماماً ، و ثنتان منها قد تصبحان متاحتين بشروط سياسية مؤاتية و محددة بالذات مثلما تبين لنا في الحلقة السابقة – ينبري الدكتور عصام الخفاجي المحترم لتشنيف أسماعنا بتلاوة ما تيسر له من الآيات و التسبيحات بحمد الرأسمالية و تزييف الماركسية تحت عنوان " الموقف من الرأسمالية كنظام اجتماعي اقتصادي" . هذا العنوان الفرعي مصاغ بحيث يُخفي عمداً عن النظام الرأسمالي ركنه التوسعي العدواني الرابع القائم في أرجاء العالم كله كقوة عسكرية تسلطية رهيبة مجندة لتثبيت ركنه الثالث : الهيمنة السياسية على كل أرجاء الكرة الأرضية لإدامة و ترقية نهبه الاجتماقتصادية . لذا نرى أن السبعة مليارات من سكان العالم اليوم تنقسم إلى "مليار ذهبي" واحد يسكن أوربا الغربية و أمريكا الشمالية ، و "ستة مليارات فحمية" وظيفتها أن تحترق لكي يتدفأ المليار الذهبي بجمراتها . النظام الرأسمالي أصبح اليوم ليس مجرد نظام اجتماعي اقتصادي ، بل هو نظام اقتصادي – اجتماعي – سياسي – عسكري مدجج بأفتك أنواع أسلحة الدمار الشامل التي تهدد بإبادة كل سكان الكرة الأرضية بين عشية و ضحاها . سأعود لهذا الموضوع .
يرتل الدكتور عصام الخفاجي المحترم :
الموقف من الرأسمالية كنظام اجتماعي اقتصادي
من إبداعات ماركس النظرية التي لم يعنى بها "أتباعه" ولووا عنقها، بل كان هو من لوى عنقها حين مارس العمل الثوري، نصّ شديد الإهمية يلخّص في الواقع فلسفته المادية التاريخية ورؤيته لدورة حياة النظم الإجتماعية – الإقتصادية ومنها الرأسمالية. في مقدمة كتابه "مساهمة في نقد الإقتصاد السياسي" (1859) الذي كان تمهيدا لرأس المال (نشر جزأه الأول عام 1867):
لا يتحطّم أي نظام اجتماعي قط قبل أن يكتمل تطوّر كل قوى الإنتاج التي تتناسب معه. ولا يمكن لعلاقات إنتاج أرقى قط أن تحل محل العلاقات القديمة قبل أن تنضج الشروط المادية لوجودها ضمن إطار المجتمع القديم. ذلك أن البشرية لا تحدد مهمّات لها إلا إذا كانت قادرة على تحقيقها".
كتب ماركس هذا النص المهم وهو الذي انصبّت كتابات له لاحصر لها على إبراز ثورية النظام الرأسمالي. ثورية بمعنى أنها أول نظام اجتماعي في التاريخ استطاع أن يدفع التطور بمديات لا سابق لها، وأنه أول نظام في التاريخ استطاع أن يتجاوز الحدود القومية ويصبح نظاما عالميا. وكان يحلّل طبيعة النظام الرأسمالي وهو يرى ثورة تكنولوجيا الطاقة البخارية تجري أمام عينيه لتفتح آفاقا هائلة لمزيد من التطور في ظل الرأسمالية. ولعل ماركس هو أكثر ناقد للرأسمالية استطاع أن يبرز ثوريتها وتقدميّتها في الوقت نفسه.
ومع هذا، فإن ماركس الذي كتب كل هذا هو ماركس نفسه الذي زيّف رؤيته حين كتب في "البيان الشيوعي" عام 1848 عن شبح الشيوعية الذي يطارد أوربا وعن الرأسمالية التي تحفر قبرها بيدها وعن الثورة الإشتراكية القادمة. ومن المستحيل أنه كان يرى علميا أن الرأسمالية قد استنفدت كل إمكانياتها على التطور. كان في الحالة الأخيرة ثوريا يستعجل رؤية حلمه يتحقق. كانت الرأسمالية وظلّت تحقق انجازات علمية واقتصادية هائلة فيما الماركسيون يتحدّثون عن "الأزمة العامة للرأسمالية" وعن الإمبريالية كأعلى مراحل الرأسمالية وآخرها مثيرين سخرية الناس."
انتهى نص الدكتور عصام الخفاجي المحترم .

إذن حسب النص أعلاه ، فإن ماركس قد " زيّف رؤيته حين كتب في "البيان الشيوعي" عام 1848 عن شبح الشيوعية الذي يطارد أوربا وعن الرأسمالية التي تحفر قبرها بيدها وعن الثورة الإشتراكية القادمة . ومن المستحيل أنه كان يرى علميا أن الرأسمالية قد استنفدت كل إمكانياتها على التطور. كان في الحالة الأخيرة ثوريا يستعجل رؤية حلمه يتحقق" لذا ، فقد كتب " نصّاً شديد الإهمية يلخّص في الواقع فلسفته المادية التاريخية ورؤيته لدورة حياة النظم الإجتماعية – الإقتصادية ومنها الرأسمالية. في مقدمة كتابه "مساهمة في نقد الإقتصاد السياسي" (1859) الذي كان تمهيدا لرأس المال (نشر جزأه الأول عام 1867): لا يتحطّم أي نظام اجتماعي قط قبل أن يكتمل تطوّر كل قوى الإنتاج التي تتناسب معه. ولا يمكن لعلاقات إنتاج أرقى قط أن تحل محل العلاقات القديمة قبل أن تنضج الشروط المادية لوجودها ضمن إطار المجتمع القديم. ذلك أن البشرية لا تحدد مهمّات لها إلا إذا كانت قادرة على تحقيقها".
هل كل هذا الكلام المغرض عن ماركس صحيح ؟ هل صحيح أن ماركس "قد زيف رؤيته" (كذا !) في "البيان الشيوعي" عندما كان ثورياً متعجلاً عام 1848 ، ثم صحهها بعدئذٍ في مقدمة كتابه "مساهمة في نقد الإقتصاد السياسي" عندما انقلب غلى نفسه بالنأي عن الحلم بالثورة الاشتراكية عام 1859 ؟ طبعاً لا ، أبداً . هذا الكلام المتجني على ماركس - الذي يثبِّت التاريخ ثباته الدائم على مبادئه الثورية منذ عام 1843 و حتى وفاته عام 1883 - هو قطعاً غير صحيح ، و المزيف لرؤية ماركس إنما هو الدكتور عصام الخفاجي المحترم الذي لا يستحي من تحويل ماركس إلى كرة قدم يناور نفسه بها في ملعب فارغ ليهدِّفها تراجيكوميدياً على مرمى فارغ .

أدناه السياق الخطابي لما يجتزيء منه الدكتور عصام الخفاجي المحترم من نص ماركس بقصد التزييف المخل بشرف الكلم بترجمتي أنا .

نص ماركس:
"في إنتاج الاجتماعي لوجودهم ، يدخل الناس بالضرورة في علاقات محددة ، مستقلة عن إرادتهم ، ألا و هي : علاقات الإنتاج التي تتلاءم مع مرحلة معينة من تطور قوى إنتاجهم المادي . و يؤلف مجموع علاقات الإنتاج هذه البنية الاقتصادية للمجتمع ، أي الأساس الحقيقي الذي ينبني عليه البناء العلوي القانوني و السياسي و الذي تتماشى معه الأشكال المحددة من الوعي الاجتماعي . إن نمط إنتاج الحياة المادية يتحكم بعموم العملية الاجتماعية و السياسية و الثقافية للحياة . ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم ، بل أن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم . و في مرحلة معينة من تطورها ، تدخل قوى الإنتاج المادي للمجتمع في صراع مع علاقات الإنتاج القائمة ، أو بالتعبير القانوني الدال على نفس الشيء : مع علاقات الملكية التي كانت تعمل ضمن إطارها حتى ذلك الوقت . عندها ، تتحول علاقات الإنتاج من أشكال لتطوير قوى الانتاج إلى قيود عليها . ثم تحل حقبة من الثورة الاجتماعية . و التغييرات في القاعدة الاقتصادية تؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى التحولات في كل البناء الفوقي الهائل .
في دراسة هذه التحولات ، فإن من الضروري دوماً التمييز بين التحولات المادية للشروط الاقتصادية ، التي يمكن تحديدها بدقة العلوم الطبيعية ، و بين الأشكال القانونية و السياسية و الدينية و الفنية و الفلسفية – باختصار الأشكال الآيديولوجية – التي يعي بواسطتها الناس هذا الصراع و يساهمون بحسمه . فمثلما لا يستطيع المرء الحكم على شخص استناداً إلى ما يعتقده هذا الشخص عن نفسه ، فكذلك لا يستطيع المرء الحكم على مثل هذه الفترة من تحول وعيها الخاص بها ، و لكن ، بالعكس ، يجب تفسير هذا الوعي بواسطة التناقضات في الحياة المادية ، بواسطة الصراع القائم بين القوى الاجتماعية للإنتاج و علاقات الإنتاج . و لا يتحطم قط أي نظام اجتماعي قبل أن تتطور كل قوى الإنتاج الكافية له ، و لا تحل علاقات الانتاج الجديدة الأرقى محل القديمة قبل أن تنضج الشروط المادية لوجودها ضمن إطار المجتمع القديم .
إن البشرية ، بالضرورة ، لا تضع لنفسها من المهمات إلا ما تقدر على حله ، حيث أن التفحص الأدق سيبين دوماً أن المشكلة نفسها لا تظهر إلا عندما تكون الشروط المادية لحلها قد تواجدت ، أو على الأقل أنها في طريقها للتشكل . و بخطوط عريضة ، فإن أنماط الانتاج الآسيوي ، و القديم ، و الإقطاعي ، و البرجوازي الحديث يمكن اعتبارها عصوراً تؤشر للتقدم في التطور الاقتصادي للمجتمع . أن نمط الانتاج البرجوازي هو آخر شكل متناحر للعملية الانتاجية الاجتماعية – متناحر ليس بمعنى التناحر الفردي ، و انما هو التناحر الناجم عن الشروط الاجتماعية لوجود الفرد لأن قوى الانتاج التي تتطور داخل المجتمع البرجوازي تخلق أيضاً الشروط المادية لحل هذا التناحر . و وفقاُ لهذا ، سينتهي عصر ما قبل التاريخ للمجتمع البشري مع هذا التشكل الاجتماعي .
إن فريدريك إنجلز ، الذي أدمت معه تبادلاً ثابتاً للأفكار منذ نشر رسالته العبقرية عن نقد المقولات الاقتصادية (المطبوعة في "الدويتش-فرانتسوزِشه ياربوخر – الحولية الألمانية الفرنسية" ، قد وصل عن طريق آخر (قارن كتابه : "وضع الطبقة العاملة في إنجلترا") إلى نفس النتيجة التي توصلت إليها أنا . و عندما جاء هو الآخر ، في ربيع 1845 ، للعيش في بروكسل ، فقد قررنا أن نصيغ معاً مفهومنا كنقيض للمفهوم الآيديولوجي للفلسفة الألمانية ، بل و أن نصفي في الحقيقة حساباتنا مع قناعاتنا الفلسفية السابقة . و قد تم أنجاز هذا الغرض بهيأة نقد للفلسفة ما بعد- الهيجلية . و مسودات هذا العمل [الآيديولوجيا الألمانية] ، بجزأيهما الثُمانيَّيْن الكبيرين ، كانت قد وصلت قبل وقت طويل للناشر في وستفاليا عندما أبلغنا بعدم أمكانية طبعها بسبب تغير الظروف . و لقد تركنا المسودة للنقد القارض للفئران بكل أريحية طالما أننا قد حققنا غرضنا الرئيس منها – التبيين الذاتي . و من الأعمال المنثورة التي قدمنا فيها وقتذاك رؤيتنا للجمهور سأذكر فقط "البيان الشيوعي" المكتوب مشتركاً من طرف إنجلز و أنا ، و "خطاب في التبادل الحر" الذي طبعته أنا بنفسي . أما أبرز النقاط لمفهومنا فقد تم إيجازها بخطوط عريضة لأول مرة بشكل أكاديمي ، و إن كان هجومياً ، في كتابي "بؤس الفلسفة" ... هذا الكتاب الذي استهدف برودون ظهر عام 1847 . أما نشر رسالتي عن العمل المأجور [العمل المأجور و رأس المال] المكتوبة بالألمانية و التي جمعت فيها محاضراتي التي كنت قد ألقيتها في جمعية العمال الألمان في بروكسل فقد أوقفتها ثورة شباط و إجلائي القسري من بروكسل بسببها ."

أنتهى نص ماركس الذي يفسر نفسه بنفسه و الذي يزيف دلالاته كلها الدكتور عصام الخفاجي المحترم عن عمد .

لماذا كل هذا الظلم و التجني بحق ماركس و الماركسية ؟

يتبع ، لطفاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رسم السياسة الماركسية
Almousawi A.S ( 2018 / 4 / 13 - 10:23 )
فرح وربيع زاهي
دراسة مقالات العزيز حسين علوان حسين
لما تمتاز به من سلاسة وانسجام وانسيابية
في بناء الجمل والفكر
ويظل طلب المزيد طعما عذبا
خصوصا بمن يرسم السياسة الماركسية؟
وهل حقا ودائما
لا تحل علاقات الانتاج الجديدة الأرقى
محل القديمة قبل
أن تنضج الشروط المادية لوجودها ضمن إطار المجتمع ؟
بمعنى كون الجديدة هي الارقى دوما؟
وهل ملزم دائما
توافر الأهم ثلاثة دروس الأساسية في رسم السياسة الماركسية؟
ولك رجائي الدائم بوافر الصحة


2 - أجوبة على أسئلة مهمة
حسين علوان حسين ( 2018 / 4 / 13 - 15:14 )
الأستاذ الكبير
Almousawi A.S.
المحترم
تحية متجددة و أكرر شكري على كل شيء .
المقصود بعلاقات الانتاج الجديدة الأرقى هو أن علاقات الملكية تتغير نحو الأفضل عندما يتطور نمط الانتاج السائد من مرحلة لأخرى . مثلاً ، عندما سمحت تلك العلاقات في الاقطاع بتحويل شكل أمتلاك العبد المنتج إلى شكل جديد هو القن المنتج الحر المربوط بمكان وسائل الانتاج العائدة للإقطاعي ، و بعدها تحويل القن إلى عامل حر طليق محروم من وسائل الإنتاج في عصر الرأسمالية ، و من بعدها تحويل ملكية وسائل الانتاج إلى ملكية جماعية للمواطنين الأحرار في الاشتراكية . كل من علاقات الانتاح هذه (العبودية و القنانة والرأسمالية و الاشتراكية) كانت أرقى في مرحلتها التالية من سابقتها .
الصعوبة في الإنتقال من نمط لآخر أشد ما تكون في المرحلة الإشتراكية لكون النظام الإشتراكي لا يولد في رحم الرأسمالية مثلما كانت عليه مراحل الانتاج السابقة بل ينبعث على أنقاض علاقات الإنتاج القديمة بعد أن يتم تدميرها.
المستلزمات الثلاثة للسياسة الماركسية يختصرها المستلزم الثالث لوحده ، و هو بديهي . السياسية ليست علما يكتسب بالدراسة بل هي فن = الموهبة + المران الدائم

اخر الافلام

.. لماذا استدعت الشرطة الفرنسية رئيسة الكتلة النيابية لحزب -فرن


.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح




.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا