الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع من أجل الهيمنة

معتز حيسو

2018 / 4 / 13
مواضيع وابحاث سياسية




«من ليس معنا فهو ضدنا» مقولة أطلقها زعيم الثورة البلشفية فلاديمير لينين، ولاحقاً روج لها الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بعد تفجيرات سبتمبر 2001. ورغم الاختلاف الجذري بين اللحظتين، وبين أهداف كلا الزعيمين. فإن المقولة المذكورة تكثف رؤية أحادية وشمولية يُراد من خلالها استقطاب وتحشيد وتأطير وقيادة القوى السياسية وغير السياسية لأحداث تغير محدد، أو لقيادة تحولات دولية كما فعل بوش الابن. ومازالت تلك المقولة تفعل فعلها وفق تجليات تحددها طبيعة اللحظة السياسية والمكان. وذلك يدفعنا لمناقشة إشكالية مفهوم الهيمنة وتداخله مع مفهوم قيادة العالم، وطبيعة علاقتهما مع الصراعات الدولية والإقليمية.
من البداهة أنه لن يكون بمقدور أي من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، وأيضاً الاتحاد الأوروبي من فرض الهيمنة الأحادية على المستوى العالمي. وينطبق ذلك أيضاً على دول ناهضة تسعى لتمكين دورها الدولي وأيضاً الإقليمي مثل الصين والهند واليابان... . ولذلك علاقة بالأوضاع العالمية، وما يحصل على مفهوم الهيمنة، السيطرة، التحكم وأيضاً القيادة من تغيرات لم تكن معهودة حتى نهاية الحقبة السوفيتية. وذلك يدفع بدول تشتغل على فرض هيمنتها عالمياً وأيضاً إقليمياً لإيجاد آليات تناسب التحولات العالمية الراهنة.
معلوماً أن التفوق العسكري للدول الكبرى له كبير الأثر في تحقيق الهيمنة العالمية. لكنه بات يرتبط بشكل كبير بالهيمنة على مداخل الثورة الرقمية ومخارجها. وأيضاً بالهيمنة الاقتصادية. فالاقتصاد بأشكاله المعولمة يُعبِّر عنه بشكل واضح الشركات العملاقة العابرة للحدود والجنسية. ويتقاطع ذلك مع تفاقم تمييل الرأسمالية، حيث أصبح القطاع المالي منذ أواخر القرن الماضي يشكل الميل الأساس للرأسمالية النيو ليبرالية. وأيضاً مع محاولات السيطرة على مصادر الطاقة بأنواعها كافة، والمجالات الحيوية «البحرية والبرية والفضائية» واحتكار الصناعات فائقة الدقة والتطور، منها المتعلقة بالصناعة الأسلحة. ويتصل ذلك مع ما تتمتع به الدول الساعية لبسط هيمنتها العالمية من قدرة على التحكم بالسياق العام للثورة الرقمية التقنية، التكنولوجية والمعلوماتية وأيضاً الاتصالات. وجميعها بات يترك آثاراً واضحة على طبيعة حياتنا اليومية وآليات تفكيرنا وأيضاً نمطية التفكير التي يتم توضيبها غالباً من منظور السوق. ولذلك علاقة بطبيعة الشركات الإعلامية العملاقة وعلاقتها بالدولة ورأس المال.
لقد شكل انهيار التجربة السوفيتية مدخلاً لتجاوز الثنائية قطبية. وارتبط بذلك نزع الغطاء الشيوعي أو مفهوم الاشتراكية المحققة عن أهم تجربتين في التاريخ الحديث، أي روسيا والصين ودول أخرى طرفية. وكان ذلك مناسباً لاشتغال واشنطن على اختبار قدرتها على قيادة العالم سياسياً واقتصادياً، وأيضاً بالقوة العسكرية في أكثر من محطة، منها غزو العراق. وكان لذلك تداعيات سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وأيديولوجية أسست لتعميق مظاهر الفوضى والتناقض على المستوى الدولي والإقليمي. وقد شكل تراجع تأثير النموذج الاشتراكي المحقق وأيضاً انحسار تأثير الأيديولوجيا الشيوعية مدخلاً لاشتغال رأس المال المعولم على فرض النموذج الرأسمالي النيو ليبرالي، ما أسس إلى تفاقم تناقض ميول رأس المال المالي والاحتكاري مع معايير العدالة الاجتماعية والديمقراطية، وأيضاً فاقم من مظاهر الاستقطاب
الاجتماعي.
وكما بات معلوماً فإن محاولات واشنطن لقيادة العالم أو لفرض هيمنتها السياسية، الاقتصادية، والعسكرية تتوزع فيما يعرف بأوراسيا. فهي على سبيل المثال تشتغل على التحكم بغير دولة في آسيا الوسطى انفصلت عن الاتحاد السوفيتي. ولذلك علاقة بالأهمية الجيو سياسية لتلك الدول. فهي من وجهة نظر واشنطن تمكنها من تطويق روسيا، ومن ضبط وتحجيم التمدد الروسي. ويتعزز ذلك في حال نجحت بالسيطرة على مصادر الطاقة. ويتقاطع ذلك مع اشتغال واشنطن على التمدد جنوب وشرق آسيا. وتعمل من أجل تمكين وجودها هناك على إقامة تحالفات مع«اليابان الفلبين سنغافورة تايلاند هونج كونج تايوان وكوريا الجنوبية. ومع كوريا الشمالية وإن بشكل مختلف. ولا يستثنى من ذلك الباكستان والهند». وذلك في إطار اشتغالها على ضبط ميول الاقتصاد في جنوب شرق آسيا، ودمجه في السياق الأمريكي، وبشكل خاص الصين. فنهوض الصين كقوة اقتصادية قادرة على الهيمنة الإقليمية والدولية، يشكل تهديداً مباشراً لحلم واشنطن في الهيمنة. ويتصل بما سبق عرضه، اشتغال واشنطن وإن بأشكال مختلفة على التحكم بأوضاع إيران ودول أخرى كانت تحت المظلة السوفيتية، والمحافظة أيضاً على استمرار هيمنتها على دول الخليج العربي.
من جانب آخر، يمكن للإتحاد الأوروبي أن يكرس نموذجاً سياسياً مختلف عن النموذج الأمريكي الشمالي. لكن التعدد القومي، والتباين الألماني الفرنسي على كيفية قيادة الاتحاد، إضافة إلى تبعية بريطانيا لواشنطن، ومعاناة غير دولة أوروبية من تفاقم أزماتها الاقتصادية، واستمرار الحماية الأمريكية عسكرياً لأوروبا، يشير إلى أن الإتحاد الأوروبي لا يمتلك مقومات الهيمنة العالمية. لكن ذلك لا يقلل من محورية دوره الدولي. ومن أهمية التكامل الأوروبي بالمستوى الإقليمي.
إن مخاوف بعض الدول الكبرى من اشتغال واشنطن على فرض هيمنتها العالمية إنطلاقاً من شرق أسيا مروراً بآسيا الوسطى ودول أوروبا الشرقية وانتهاءً بدول من أوروبا الغربية، و أمريكا اللاتينية ودول أخرى متعددة، منها إفريقية. يساهم باتساع نطاق التنافس العالمي وارتفاع حدته. ما يدفع بروسيا الاتحادية ودول أخرى كبرى لإعادة توضيب تحالفات دولية سياسية واقتصادية وعسكرية تتناسب مع الأوضاع والتحولات الدولية الراهنة. وذلك للحد من تحكّم الولايات المتحدة المنفرد بسياق التحولات الدولية، أو فرضها أياً من أشكال الهيمنة اقتصادية كانت أو عسكرية. وأيضاً لمواجهة التغوّل الأمريكي وللحد من تداعيات تمددها العالمي، وما تقوم به من تكتلات تساهم في ارتفاع حدة التوتر والاضطراب والفوضى على المستوى العالمي. ويتقاطع ذلك مع بروز مشاريع هيمنة إقليمية تقودها كل من إيران وتركيا. وكلتا الدولتين تمتلكان إرثاً إمبراطورياً. هذا في وقت تندرج في كثير من اللحظات مشاريع الهيمنة الإقليمية في إطار الصراع من أجل الهيمنة العالمية أو ضمن ميولها العامة. لكن ذلك لا يعني عدم وجود اختلاف أو تباين أو حتى تناقض بين مشاريع الدول المشاركة في تلك الصراعات. وحدهم الحكام العرب رغم امتلاك الوطن العربي مقومات الفاعلية الإقليمية والدولية يستمرون في سياق علاقاتهم الدولية والإقليمية بتكريس علاقات التبعية والارتهان.
في سياق متصل فإن ما يجري بمنطقة الشرق الأوسط وغير دولة عربية من صراعات.
يكثف المشهد العالمي الذي تعمل في إطاره دول كبرى وأخرى إقليمية لفرض هيمنتها بأشكال مختلفة عسكرية سياسية واقتصادية وعقائدية. ما يعني أن إقليمنا العربي تحوّل إلى ميادين صراع تتقدمه وتتحكم به وتقوده قوى دولية وإقليمية. طبعاً مع استمرار تحميل كافة أسباب الصراع على حوامل «عقائدية ـ إيديولوجية». وجميعها يؤسس إلى فوضى يتم في إطارها إعادة تقسيم النفوذ الإقليمي والدولي، وإعادة بناء نظم سياسية ودول كانتونية مأزومة تناسب الميل العالمي الجديد. وخاصة في شرقنا الذي يتم إعادة توضيبه بالقوة في سياق صراع أمريكي روسي يستغرق صراعات أخرى إقليمية: خليجية، إيرانية، تركية. ويندرج في السياق ذاته جيوش محلية وفصائل ومجموعات وظيفية. وحتى اللحظة يبدو أن أكثر المستفيدين من الصراعات المذكورة ومن نتائجها المباشرة وغير المباشرة هي إسرائيل.
لقد بات واضحاً أن ملامح التحولات الدولية الراهنة، وأيضاً التحالفات الكبرى التي يتم تأسيسها من منظور تمكين مشاريع هيمنة دولية وأخرى إقليمية، تهدف لإعادة إنتاج وتوضيب الأوضاع الدولية. ونظراً لصعوبة المواجهة العسكرية المباشرة بين الدول الكبرى وتحديداً داخل أرضيها. فمن البداهة بمكان أن تكون دولنا ودول أخرى مجالاً للصراع من أجل الهيمنة. ما يشكّل مدخلاً لتفاقم الفوضى والتناقض والاستقطاب.
أن التنافس بين الدول الكبرى للسيطرة على الموارد والثروات وتحديداً حوامل الطاقة، والمناطق الجيو سياسية المهمة لجهة فرض مشاريع الهيمنة. ينذر باتساع المواجهات العسكرية. وما نشهده من صراعات في غير دولة عربية، وبشكل خاص في سوريا. يدلل على أننا نقف على عتبة صراعات إقليمية ودولية سيكون لها دور بارز بتحديد طبيعة التحولات الإقليمية والدولية وأشكال تجلياتها. ما يعني أننا كعرب أمام مستقبل ينذر بمزيد من الفوضى والتحلل والتخلف والتبعية والارتهان، وأيضاً يحمل إمكانية تحلل الدولة المركزية، وتفكك مكوناتها المجتمعية. ولن يكون المخرج من ذلك إلا باشتغال شعوبنا على استنهاض طاقاتها الكامنة ووضعها في إطار مشروع وطني ديمقراطي يعبّر عن مصالحها الحقيقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد -الإساءة لدورها-.. هل يتم استبدال دور قطر بتركيا في الوس


.. «مستعدون لإطلاق الصواريخ».. إيران تهدد إسرائيل بـ«النووي» إل




.. مساعد وزير الخارجية الفلسطيني لسكاي نيوز عربية: الاعتراف بفل


.. ما هي السيناريوهات في حال ردت إسرائيل وهل ستشمل ضرب مفاعلات




.. شبكات | بالفيديو.. سيول جارفة في اليمن غمرت الشوارع وسحبت مر