الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التبادل غير المتكافيء وقانون القيمة

محمد عادل زكي

2018 / 4 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في التجارة الدولية يكف قانون القيمة عن العمل عند ماركس، كما كف عن العمل عند ريكاردو! وعلى ما يبدو أن ماركس يُوجد لريكاردو المبرر النظري لما انتهى إليه من عدم تكافؤ التبادل على الصعيد الدولي، إذ افترض ريكاردو عدم التكافؤ في التبادل الداخلي(1) ثم شيَّد نظريته بانعدام التكافؤ في التبادل الدولي على هذا الأساس ودون أن يقول لنا لمَ افترض ابتداءً أن التبادل الداخلي غير متكافيء!. ولذلك حاول ماركس تقديم تبريراً لهذا الافتراض غير المبرر مستنداً إلى أن رساميل البلدان الأكثر تطوراً والموظَّفة في التجارة الخارجية يمكن أن تدر معدَّلات ربح أعلى لأنها تتنافس مع سلع تنتجها بلدانٌ أخرى أقل تطوراً، وفي ظروف أدنى ملائمة. فالأولى، تستطيع أن تبيع سلعها بثمن أقل، وبالتالي تكتسح السوق، وعلى الرغم من أنها تبيع بثمن أقل، فهي في الواقع تجني معدَّلات ربح أعلى؛ لأنها في الواقع أيضاً تبيع سلعها بما يفوق قيمتها. ويضرب ماركس مثلاً بمن يستخدم اختراعاً جديداً قبل انتشاره، فهو يبيع بثمن أقل من جميع منافسيه، وفي الوقت نفسه يبيع بما هو أعلى من القيمة الفردية لسلعته. وينتهي ماركس على هذا النحو، المبرر لفرضية ريكاردو، إلى أن:
"البلد ذو الوضع الملائم يأخذ في التبادل عملاً أكثر لقاء عمل أقل"(رأس المال، الكتاب الثالث، الفصل الرابع عشر).
أي أن البلد الَّذي يتفوق من ناحية الإنتاجية يستطيع أن يبادل سلعته بسلعة أُنتجت في بلد أقل إنتاجية، وفي الوقت نفسه يحقق معدَّل ربح مرتفع نسبياً. فلو افترضنا أن السلعة (س) تنتج في بلدين بـ 500 ساعة عمل، وتمكنت البلد الأكثر تقدماً بفضل تطور الإنتاجية لديها من إنتاج السلعة بـ 100 ساعة عمل فحسب، فهي تستطيع، والأمر كذلك، أن تبيع سلعتها بما يفوق قيمتها الفردية، إذ تبيعها بـ 200 وحدة، وفي الوقت نفسه يكون هذا البيع بأقل من القيمة الاجتماعية الَّتي هي 500 وحدة. البلد الَّذي يتفوق في الإنتاجية يستطيع إذاً أن يجني أرباحاً أعلى وإضافية. وعلى هذا النحو يخرق التبادل الدولي قانون القيمة! فالتبادل، وفقاً لهذا التصور وتبريره، دائماً غير متكافيء، ويلعب التفاوت في الإنتاجية الدور الحاسم في استمراريته. فهل الأمر كذلك حقاً؟ في تصورنا أن التحليل الدقيق يفضي إلى رفض طرح ماركس، ومَن حاولوا تطوير هذا الطرح، للأسباب الستة الآتية:
1- التحايل المركزي الَّذي قام به ريكاردو يكمن في افتراضه أن التبادل الخارجي غير متكافيء، متجاهلاً كون ذلك نتيجة أساسية، بل وحيدة، لافتراضه أن التبادل غير متكافيء داخلياً. وما يُقال على هذا النحو بصدد تصور ريكاردو للتجارة الخارجية، يمكن أن ينسحب، وبدقة تامة، على طرح ماركس، الَّذي تقبل تصور ريكاردو دون مناقشة. تقبله كمعطى. كمسلمة. بل وأوجد له المبرر الفكري جاعلاً من الاختلاف في الإنتاجية سبباً لعدم التكافؤ في التبادل. وكانَ الأولى بماركس أن يناقش أولاً وقبل كل شيء سبب عدم التكافؤ على الصعيد الداخلي الَّذي تم افتراضه، من قبل ريكاردو، دون سبب مفهوم.
2- المثال الَّذي يضربه ماركس غير دقيق، إذ لم نقل غير صحيح؛ لسببين: أولهما: أنه يفترض تجانس كلٍ من: السلعة، وساعات العمل، أي أنه يفترض أن السلعة المنتَجة واحدة في كل من البلدين، وأن ساعات العمل في كلٍ من البلدين كذلك هي من قبيل العمل البسيط أو العمل المركب. وهو افتراض ليس له علاقة، في الواقع، بتبادل غير متكافيء إلا لحظياً كما سنرى حالاً. ثانيهما: ظهور الاختراع، والَّذي بمقتضاه يستطيع الرأسمالي أن يبيع بأكبر من القيمة الفردية وبأقل من القيمة الاجتماعية، يعد أمراً عارضاً استثنائياً سيؤثر مؤقتاً في القيمة؛ إذ سُرْعان ما ينتشر الفن الإنتاجي الجديد كي يصبح هو الفن الإنتاجي السائد اجتماعياً، وحينئذ تتساوى القيم الاجتماعية للمنتَج، أما التبادل على الصعيد العالمي الَّذي يستند إلى هيمنة بلد ما وبيعه لسلعته (باستمرار ودائماً) بما يفوق قيمتها الفردية وبأقل من قيمتها الاجتماعية، فلا يناسبه مَثل ماركس، لأن وضع التبادل غير المتكافيء الَّذي يدَّعيه أصحاب التبادل غير المتكافيء هو وضع دائم ومستمر وليس مؤقت أو عارض. ولذلك يمكن للمثل أن يبرر الحالة الاستثنائية، ولكنه يعجز عن تفسير استمرارها لو سلمنا جدلاً بوجودها على الصعيد العالمي.
3- يطرح أصحاب التبادل غير المتكافيء سؤالين مركزيين، وابتداءً من طرح خاطيء، وبالتالي إجابات خاطئة، يتم تأسيس النظرية بأسرها:
السؤال الأول: لمَ تبتاع الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالي العالمي، وبانتظام، منتجات الأجزاء المتخلفة بأثمان منخفضة في حين تضطر هذه الأخيرة إلى شراء منتجات من الأولى بأثمان مرتفعة؟(2) ثم تكون الإجابة: لأن التبادل غير متكافيء!
ونحن نظن أن السؤال الأقرب إلى الصواب والمعقول هو: لماذا ترتفع أثمان السلع في الأجزاء المتقدمة، وتنخفض في الأجزاء المتخلفة؟ وليس: لماذا تشتري الأجزاء المتقدمة منتجات الأجزاء المتخلفة بأثمان منخفضة في حين تضطر الأجزاء المتخلفة إلى شراء منتجات الأجزاء المتقدمة بأثمان مرتفعة؟
فلماذا إذاً أثمان السلع مرتفعة في الأجزاء المتقدمة؟ ولماذا أثمان السلع في الأجزاء المتخلفة منخفضة؟ الإجابة: لا لأن التبادل غير متكافيء. إنما لأن أوروبا حينما غزت قارات العالم الحديث واستعمرتها، وأبادت شعوبها، واستولت على ثرواتها وفي مقدمتها الذهب والفضة، ضخت داخل حدودها نقوداً، ذهباً وفضة، أدت كثرتها إلى انخفاض قيمة المعدن النفيس(3) مع ارتفاع أثمان منتجاتها، أي الارتفاع المطرد في التعبير النقدي عن القيمة. فلم تصبح الوحدة الواحدة من السلعة (س) يُعبَّر عنها مثلاً بـ 5 وحدات من الذهب، بل صار يُعبَّر عنها بـ 10 وحدات، وبـ 20 وحدة، وبـ 30 وحدة،... إلخ، وهكذا أخذت أثمان المنتجات في الارتفاع المتواصل. وظل المعدن النفيس، على كثرته وتدفقه بلا انقطاع تقريباً، يتم تداوله داخل القارة الأوروبية، حتى تسرب منها إلى الولايات المتحدة الأمريكية مع الحرب العالمية الثانية الَّتي خرج منها الاقتصاد الأوروبي محطماً وخرج الاقتصاد الأمريكي منها كأقوى اقتصاد في العالم. ثم قام الدولار الأمريكي المنتصر، مع الاختلاف في بعض التفاصيل، بلعب نفس الدور الَّذي كان يؤديه المعدن النفيس.
وما حدث بداخل بلدان القارة الأوروبية حدث عكسه بداخل أمريكا اللاتينية وأفريقيا، فقد خرج منهما المعدن النفيس، ولم يعد يُعبَّر عن منتجاتهما، الأوليّة في مجملها، إلا من خلال وحدات معدودة من النقود. النقود كمظهر نقدي للقيمة. فلم تصبح الوحدة الواحدة من السلعة (س) يُعبَّر عنها بـ 10 وحدات من الذهب، إنما صار يُعبَّر عنها بـ 5 وحدات، و بـ 3 وحدات، و بـ 2 وحدة... إلخ.
والواقع أن الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر، ونحن العرب منها بامتياز، تشتري منتجات الأجزاء المتقدمة لأن الأجزاء الأخيرة تسيطر على التقنية الَّتي (تحتاج) إليها الأجزاء المتخلفة في سبيلها إلى تجديد إنتاجها الاجتماعي، والتبادل الَّذي يتم بين الأجزاء المتخلفة والأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالي؛ حيث تعطي الأجزاء المتخلفة للأجزاء المتقدمة منتجاتها بثمن منخفض، وتأخذ منها منتجاتها بثمن مرتفع، هو في الواقع تبادل متكافيء؛ فهب أن آلة فرنسية الصنع ثمنها الاجتماعي 100 دولاراً، وأخرى مصرية من نوع آخر ثمنها الاجتماعي 20 دولاراً فحسب، فلكي يتم التبادل بين الآلتين يتعين أن يتم على أساس من أن الآلة الفرنسية تساوي 5 آلات مصرية. أي بنسبة 1 : 5 وفقاً لقانون القيمة. أما أن التبادل قد يتم بنسبة 1 : 7 أو 1 : 9 فتلك مسألة تعود إلى تأرجحات ثمن السوق، أما أن التبادل قد يتم بنسبة 1 : 300 فتلك مسألة لا علاقة لها بدور العلم في الكشف عن القوانين الموضوعية الحاكمة للظاهرة، وتخضع برمتها لاعتبارات الاستغلال المعزز بالفساد السياسي والإداري الَّذي ينخر في جسد الأجزاء المتخلفة!
السؤال الثاني: لمَ يحصل الفلاح الأفريقي، في السنة، لقاء مئة يوم عمل شاق جداً على منتجات مستوردة لا تكاد تعادل قيمتها قيمة عشرين يوماً من العمل العادي يقوم به عامل أوروبي ماهر؟ ثم تكون الإجابة لأن التبادل غير متكافيء! ولكننا نظن أن الإجابة، ودون الوقوع في متاهة العمل البسيط والعمل المركب، ثم اللجوء إلى السوق، كما يفعل الاقتصاد السياسي، لمعرفة نسب التبادل بمعزل عن أي قانون موضوعي. فيتعين أن نعود لمقترحنا بقياس القيمة بكمية الطاقة الضرورية اجتماعياً، فبنفس المنطق والمنهج يمكننا المقارنة بين قيمة المجهود الَّذي يبذله فلاح مصري وعالم ذرة أمريكي، مثلما نقارن تماماً بين مستويات العمل الشاق ودرجات العمل البارع، بشرط ضروري هو الوعي بأن ما يصدق بصدد العمل الحي، والعمل المختزن في وسائل الإنتاج، يصدق بكامل أوصافه على العامل.(4) فالعامل يبذل العمل الحي، ولكنه مكدَّس بالعمل المختزن. ولذلك، نحن نتصور أن العامل الأوروبي أفضل من الفلاح الأفريقي، لا لأن إنتاجيته أعلى فحسب، إنما أيضاً لأن العامل الأوروبي يحتوي على مجهود إنساني مختزَن: تعليم، وترفيه، ومأكل، وصحة،... إلخ، يمكن التعبير عنه بعدد من السعرات الحرارية يفوق عدد السعرات الحرارية الَّذي يعبر عن المجهود الإنساني المختزَن في الفلاح الأفريقي. وبالتالي ترتفع قيمة السلع المنتَجة في البلدان الأكثر تطوراً، ولكن حين التبادل سوف يجري التساوي بين كميات الطاقة الضرورية الحية والمختزنة، فإذا كان أجر الفلاح الأفريقي (في يوم عمل، وفقاً للمصطلح السائد في الاقتصاد السياسي) يتضمن 30 وحدة عن العمل الحي، و170وحدة عن العمل المختزن(5) وأجر العامل الأوروبي (في يوم عمل أيضاً) يتضمن 30 وحدة عن العمل الحي، و1970 وحدة عن العمل المختزن. فمن الطبيعي إذاً: (أولاً) تقاضي الفلاح الأفريقي عُشر أجر العامل الأوروبي. (ثانياً) ارتفاع قيمة المنتجات الصناعية الَّتي تصدرها أوروبا إلى أفريقيا، وانخفاض قيمة المنتجات الزراعية الَّتي تصدرها أفريقيا إلى أوروبا. وهو الوضع الَّذي تعمل الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالي العالمي على الإبقاء عليه دون تغيير. إذ تسعى الأجزاء المتقدمة جاهدة، وبكل الوسائل، على تثبيت نمط تقسيم العمل على الصعيد العالمي، والَّذي يضمن انسياب منتجات الأجزاء المتخلفة، منخفضة القيمة، إلى مصانعها ومعاملها، ثم إعادة تصديرها مصنَّعة، بقيم مرتفعة، لنفس الأجزاء المتخلفة.
4- تلك العملية من التبادل (تصدير/ استيراد، وبالعكس) بين الأجزاء المتقدمة والأجزاء المتخلفة، لا تعني أبداً أن الفلاح الأفريقي يقوم بعملية مبادلة غير متكافئة حينما يبذل مجهود 10 أيام كي يحصل على سلعة انفق في سبيل إنتاجها العامل الأوروبي يوم عمل، بل على العكس حيث التبادل متكافيء ابتداءً من الاعتداد بالعمل الحي والعمل المختزن في كل من الفلاح الأفريقي والعامل الأوروبي. ولنضرب مثلاً: فوفقاً لقانون القيمة، ومن أجل إنتاج معطف في مصر، وآخر في إنجلترا، يتم استخدام كمية من الرأسمال الأساسي (س) وأخرى من الرأسمال الدائر(د)، كما يتم استخدام قوة العمل، رأسمال متغير (م)، يمكننا تصور المخطط التالي:
- من أجل إنتاج معطف مصري، بأيد مصرية (اقتصاد رأسمالي متخلف)، وبافتراض أن ق ز= 100%.
4 س + 2 د + 3 م (1 حي + 2 مختزن) + 3 ق ز = 12 [بالسعر الحراري الضروري]
- من أجل إنتاج معطف إنجليزي، بأيد إنجليزية (اقتصاد رأسمالي متقدم)، وبافتراض أن ق ز= 100%.
4 س + 2 د + 9 م (1 حي + 6 مختزن) + 9 ق ز = 24 [بالسعر الحراري الضروري]
وبغض النظر عن أن الرأسمالي سوف يسارع بالتحرك (برأسماله وبتقنيته) صوب مصر للاستفادة من العمالة الرخيصة، ومع التقيد بجميع شروط الإنتاج الرأسمالي، وحيث يُنتَج المعطف في إنجلترا بكمية طاقة ضرورية ضعف كمية الطاقة الضرورية لصنع المعطف في مصر، فلو افترضنا أن المعطف المصري يُبادل بـ 10 جرامات من الفضة؛ فإن المعطف الإنجليزي سيُبادل بـ 20 جراماً من الفضة. ولو تم التبادل، لسبب أو لآخر، بين المعطفين فسوف يُبادل معطف واحد إنجليزي بمعطفين مصريين. لأن الأول يحتوي على 24 (س. ح. ض)، أما المعطف الثاني فهو لا يحتوي إلا على 12 (س. ح. ض) فحسب. ومرد ذلك، بافتراض تساوي قيمة الرأسمال الثابت في البلدين، هو اختلاف قيمة الرأسمال المتغير، الأجر، في كلٍ من البلدين. ولكن الأجر لا يتضمن ما يؤمن للعامل الحياة فحسب، إنما يتضمن أيضاً قيمة إعادة إنتاجه كطبقة. وما يجعل قيمة إعادة إنتاج العامل الإنجليزي أكبر، ليس ارتفاع إنتاجيته فحسب، أو ارتفاع قيمة ما يؤمن له الحياة فقط، إنما، وربما هذا هو الأكثر حسماً، ارتفاع قيمة العمل المختزن بداخله.
5- التبادل الإجباري والَّذي فُرض على الأجزاء المتخلفة بالقوة المسلحة في مرحلة أولى، ثم بقوة العلم في مرحلة تالية، ربما هو الَّذي ضلل أصحاب التبادل غير المتكافيء بصفة خاصة مَن ذهب منهم إلى تفسيره ابتداءً من علاقات التبعية. فالتبعية، وهي حقيقة، لم تفرض التبادل غير المتكافيء، إنما فرضت التبادل المتكافيء. فالواقع أن عدم سيطرة الأجزاء المتخلفة على شروط تجديد إنتاجها الاجتماعي، وتحكم الأجزاء المتقدمة في تلك الشروط، ابتداءً من احتكارها للتقنية المتقدمة جداً، هو الَّذي جعل الأجزاء المتخلفة في وضع المضطر دائماً إلى شراء (مبادلة بالنقود) منتجات الأجزاء المتقدمة؛ كي يمكنها تجديد إنتاجها الاجتماعي. إن الَّذي يؤدي إلى إفقار الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالي العالمي ليس التبادل غير المتكافيء، الَّذي لا وجود له، بل التبادل المتكافيء هو الَّذي يؤدي إلى هذا الإفقار. فعلى الأجزاء المتخلفة، على الرغم من ارتفاع قيمة، والتعبير النقدي عن قيمة، سلع الأجزاء المتقدمة أن تستمر، بلا هوادة أو محاولة تراجع، أو حتّى تأمل، في شراء تلك السلع. ومن ثم يصبح التبادل المتكافيء، لا غير المتكافيء، سبب تدفق القيمة الزائدة إلى خزائن الرأسماليين في الأجزاء المتقدمة.
6- وبناء عليه؛ نحن نستبدل التبادل غير المتكافيء، بنظرية في التسرب. تسرب القيمة. القيمة الَّتي تنتجها سواعد العمال في الأجزاء المتخلفة من أجل شراء السلع والخدمات الَّتي تنتجها وتحتكرها الأجزاء المتقدمة، وتتوقف عليها عملية تجديد الإنتاج الاجتماعي في الأجزاء الأولى.
الخلاصة: لاحظ دفيد ريكاردو صعوبة انتقال الرساميل وقوة العمل من بلد إلى بلد، فاستنتج انتفاء شروط انطباق قانون القيمة في التبادل الدولي، وبناء عليه قدم فرضية تقوم على تبادل غير متكافيء داخلياً، وتؤدي إلى تبادل غير متكافيء خارجياً.
مات ريكاردو وقد أصبحت نظريته القاعدة العامة الَّتي يتم البدء منها، صراحة أو ضمناً، في سبيل تفسير التبادل الدولي.
جاء ماركس، وبدون أية مناقشة لفرضية ريكاردو الَّتي تقول بانعدام التكافؤ في التجارة الخارجية تأسيساً على انعدام التكافيء داخلياً، وقدم لفرضية ريكاردو التبرير النظري استناداً إلى اختلاف الإنتاجية بين البلدان المتطورة والأقل تطوراً.
مات ماركس وقد رسَّخ المفهوم الريكاردي للتبادل غير المتكافيء تاركاً الباب مفتوحاً على مصراعيه لسيل من الصيغ الَّتي تختلف شكلاً وتتفق في الموضوع (إيمانويل، سيجال، أمين، بريوبراجنسكي،... إلخ). كما ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام سيل آخر من التبريرات وكأن التبادل غير المتكافيء صار واقعاً ولا ينقصه إلا الكشف عن أسبابه! بيد أن كل الصيغ وجميع التبريرات، والَّتي صدرت عن طرح أيديولوجي لا علمي، لم تتمكن من مراجعة فرضية ريكاردو، وبالتالي لم تستطع مناقشة تبرير ماركس. فجميع صيغ التبادل غير المتكافيء وجميع تبريراته، سعت بجدية، بعيداً عن قانون القيمة الَّذي عطله ريكاردو، وبعيداً عن أية مناقشة لهذا التعطيل، سعت إلى التأكيد على الوجه القبيح للرأسمالية، وهنا بالتحديد تحول النقد العلمي إلى نقد عقائدي.
وحينما يحدث هذا التحول، من العلم إلى الأيديولوجية، يمكنك توقع إطاحة بكل ما هو علمي في سبيل الانتصار لما هو أيديولوجي!

-----------------------------
الهوامش
-----------------------------
(1) فالمثل الَّذي يضربه، انطلاقاً من افتراض صعوبة انتقال الرساميل من دولة إلى أخرى، يتلخص في أن البرتغال متفوقة على إنجلترا: سواء في إنتاج النبيذ، إذ تكفيها 80 ساعة عمل لإنتاج وحدة من هذه السلعة مقابل 120 ساعة في إنجلترا. أو في إنتاج النسيج، حيث تنتج 90 ساعة عمل في البرتغال ما تنتجه 100 ساعة عمل في إنجلترا؛ لكنها أكثر تفوقاً، نسبياً، على صعيد المقارنة، في إنتاج النبيذ مما هي في إنتاج النسيج بالنظر إلى النسب90/100، و80/120؛ وبالتالي رأى ريكاردو أن مصلحة البرتغال تتحقق حينما تخصص في إنتاج النبيذ وفي التزود بالنسيج من إنجلترا، رغم أن إنتاج هذا النسيج يكلف بشكل مطلق أقل مما يكلف في إنجلترا. وعلى هذا النحو يصل ريكاردو إلى نتيجة هامة، سوف يؤمن بها الاقتصاد السياسي من بعده، وهي أن التبادل الخارجي محكوم بقوانين تختلف عن تلك الَّتي تحكم التبادل الداخلي: "القيمة النسبية للسلع التي يتم تبادلها بين بلدين أو أكثر لا تنظمها نفس القاعدة التي تنظم القيمة النسبية للسلع في البلد الواحد". (المباديء، الفصل السابع). فحينما تتخصص إنجلترا في إنتاج النسيج وتتخصص البرتغال في إنتاج النبيذ فسوف يُبادل عمل 100 إنجليزياً بعمل 80 برتغالياً، ولكن عمل 100 إنجليزياً لا يبادل بعمل 80 إنجليزياً، كما أن عمل 80 برتغالياً لا يبادل بعمل 100 برتغالياً. وعلى طريقة آدم سميث يرجع هذا الخرق لقانون القيمة إلى ميل الرأسماليين إلى الاسثمار في بلادهم ورفضهم التخلي عن عاداتهم والارتحال إلى بلاد ذات حكومات لا يعرفون طباعها، وتطبق قوانين جديدة يجهلون أحكامها. ويرتب ريكاردو على هذا السبب النتيجة الَّتي تقضي باقتناع الرأسمالي بمعدَّلات ربح أقل وتفضيل البقاء في بلده عن البحث عن توظيف أفضل لثروته في بلدان أجنبية. السؤال المهم الآن، هل التبادل الدولي، وفقاً لريكاردو، هو الَّذي خرق قانون القيمة؟ الواقع أن الاقتصاد السياسي، تقبل كامل نظرية ريكاردو في التبادل غير المتكافيء على الصعيد العالمي، وحينما صدمه ريكاردو بأن قانون القيمة كف عن حكم التبادل الخارجي؛ لم يجد سوى الاحتماء بالقول بأن الواقع أكثر تعقيداً من الترسيمة الريكاردية الَّتي تستبعد تكاليف النقل وتفترض النفقات الثابتة! كما أن الموقف القديم للرأسمالي، الَّذي يرفض مغادرة بلده، قد تطور الآن مع تبلور نشاط الشركات دولية النشاط وهيمنة رساميلها عابرة الحدود القومية! ولكن الواقع أيضاً أن مثال ريكاردو من الوضوح الَّذي لا يسمح بتأوليه ولا يتيح تفسيره، بمثل تلك الترهات، على نحو لم يرده ريكاردو نفسه. أضف إلى ذلك أن المثال، الخطأ، الَّذي ضربه ريكاردو، فظن مَن جاء من بعده أنه أصاب قانون القيمة في مقتل، لا يبرر أبداً الدوران حوله، انتهاءً، بل تسليماً، بأن التبادل على الصعيد العالمي هو تبادل غير متكافيء! وأن قانون القيمة كف عن حكم التبادل! دعونا نرجع لمثال ريكاردو، ونرى كيف أفضى طرح ريكاردو إلى تشوش الاقتصاد السياسي. ولنلاحظ أن التبادل لم يكن غير متكافيء منذ بدء عملية التبادل على الصعيد العالمي، بل سبقه تبادل غير متكافيء على الصعيد الوطني. هذا التبادل غير المتكافيء داخلياً هو الَّذي قاد، بالتالي، إلى التبادل غير المتكافيء دولياً. وتلك هي الفرضية المركزية المتعين الانطلاق منها. فالنبيذ في إنجلترا كان يبادل، وعلى نحو غير متكافيء داخلياً ودون أن نعرف من ريكاردو لماذا، بنسبة 100: 120، ولذا رأت إنجلترا أنه في مصلحتها، من وجهة نظر ريكاردو، الحصول على النبيذ البرتغالي الَّذي يحتاج إلى 80 ساعة عمل فحسب، بدلاً من النبيذ الإنجليزي الَّذي يحتاج إلى 120 ساعة. وهو ما سوف يستتبع تحول منتجي النبيذ إلى فرع إنتاج النسيج؛ لأن وحدة النبيذ في إنجلترا، بعد الاستيراد من البرتغال، صارت قيمتها التبادلية، في داخل إنجلترا، 100 ساعة عمل، وليس 120 ساعة عمل. فلنلاحظ أن إنجلترا في الحقيقة حينما حصلت على النبيذ البرتغالي لم تحقق مصلحة، كما قال ريكاردو، لأنها حينما حصلت عليه خفضت القيمة التبادلية لنسيجها 20 وحدة. أما لو حصلت عليه داخلياً فسوف ترفع القيمة التبادلية للنسيج 20 وحدة. وسواء كان الأمر كذلك أو هكذا، يصعب على المرء العثور على مصلحة إنجلترا في مبادلة نسيجها بالنبيذ البرتغالي! إن الفائدة الوحيدة، إن جاز أن نقول فائدة، من وراء مبادلة النسيج الإنجليزي بالنبيذ البرتغالي ربما تكمن، التزاماً بحرفية مثال ريكاردو، في تحول منتجي النبيذ إلى فرع النسيج. أمَّا منتجو النسيج في البرتغال، والَّذين كانوا يبادلون، وعلى نحو غير متكافيء داخلياً أيضاً، نسيجهم الَّذي يحتاج إلى 90 ساعة عمل، بالنبيذ الَّذي يحتاج إلى 80 ساعة عمل، فسوف يتحولون إلى فرع إنتاج النبيذ؛ لأن وحدة واحدة من النبيذ، 80 ساعة عمل، تستطيع أن تحصل على وحدة واحدة من النسيج الإنجليزي والَّذي أنفق في سبيل إنتاجها100 ساعة عمل. انظر:
David Ricardo, The Principles of Political Economy and Taxation. (New York: Barnes & Noble. 2005). Ch 7.
وفي شرح النظرية تفصيلاً، واختبارها على أرض الواقع، انظر:
Peter B. Kenen, The International Economy (Cambridge: Cambridge University Press, 2000).
(2) ثم يبدأ البحث عن أسباب هذا التبادل غير المتكافيء، ويمكن أن نقرأ: بسبب الاختلاف في الأجور (دون أن نعرف، بوجه خاص لدى إيمانويل، لماذا تختلف الأجور؟، ومع الوعي أيضاً بأن الاختلاف في الأجور أي في الرأسمال المتغير، يؤدي فحسب إلى التغير في قيم السلع، ولا يمكن أن يؤدي إلى تبادل غير متكافيء)، أو بروز الطابع الاحتكاري للأثمان الدولية، أو وجود فوارق في الموارد الطبيعية أو انتشار العوائق الاجتماعية داخلياً مثل التأهيل المحدود وقصور مؤسسات البحث... إلخ، أو سيادة علاقات التبعية؛ إذ تتبع الاقتصادات الأضعف قوى أجنبية أقوى... إلخ. أياً ما كانت الأسباب فهي كما يبدو جميعها تأتي بعد تسليم أوَّلي بأن التبادل غير متكافيء! وفي تبلور نظرية التبادل غير المتكافيء بعد ماركس، انظر: سمير أمين، التراكم على الصعيد العالمي، ترجمة حسن قبيسي، ط2 (بيروت: دار ابن خلدون،1987)، ص 75-102. توماس سنتش، نقد نظريات الاقتصاد العالمي، ترجمة عبد الإله النعيمي (دمشق: مركز الابحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي،1990)
Arghiri Emmanuel, Unequal Exchange- A Study of Imperialism of Trade (London: Monthly Review Press, 1972). Samir Amin & J. Saigal, L échange inégal et la loi de la valeur: la fin d un débat (Paris: Éditions Anthropos -IDEP,1973). R. Luxembourg, The Accumulation of Capital (London: Rutledge and Kegan 1963).
(3) فكما تنخفض القيمة إذا تم إنتاج نفس الكمية من المنتج بواسطة كمية عمل أقل، فهي تنخفض كذلك إذا تم إنتاج كمية أكبر من المنتج بنفس كمية العمل.
(4)"من الممكن مقارنة الرجل الذي تعلم أية صناعة تستلزم مهارة وكفاءة فائقتين بكلفة كبيرة من الجهد والوقت بواحدة من الآلات غالية الثمن. فالعمل الذي تعلم أن يقوم به سوف يعوض عليه، على ما يجب أن نتوقع، كامل نفقة تعلمه، فضلاً عن الأجور المعتادة للعمل العادي والأرباح المعتادة على الرأسمال المماثل من حيث القيمة على الأقل كما يتعين أن يقدم عمله ذلك كله في غضون فترة معقولة من الزمن، وذلك بالنظر إلى ما يحيط بمدة الإنسان من غموض شديد". انظر: آدم سميث، ثروة الأمم، الكتاب الأول، الفصل العاشر. وانظر: جان بابي، القوانين الأساسية للاقتصاد الرأسمالي، ترجمة شريف حتاتة وآخرين (بيروت: دار القلم،1970). حيث يذكر الأستاذ بابي نفقات التعليم والتدريب وفقاً لماركس الذي أشار إلى:"تكاليف التعليم والتي تدخل في دائرة القيم المنفقة على إنتاج قوة العمل". انظر: رأس المال، القسم الثاني، الفصل الرابع. بيد أن الاقتصاد السياسي، من بعد الكلاسيك وماركس، لا ينظر إلى العمل المختزن إلا بشأن الآلة! ولا يمد قوانينه، على الرغم من ادعائه أحياناً غير ذلك، إلى الآلة المرتدية جلد البشر! وهذا يعد تقليداً متبعاً في الاقتصاد السياسي من جهة إغفال المجهود الإنساني المختزن في المنتِج نفسه. فلا ينظر الاقتصاد السياسي إلا إلى ما يحتاجه العامل كي ينتج السلع، وكي يعيش. دون أن ينظر إلى كمية الطاقة الضرورية اجتماعياً الَّتي تجدد إنتاج الطبقة. لا ينظر إلى كمية الطاقة الضرورية الَّتي جعلت من المرء عاملاً يمكن الدفع به إلى سوق العمل. على هذا الإغفال، بالتحديد بعد ماركس، انظر، على سبيل المثال: روزا، تراكم الرأسمال (1963)، فرانك، نمو التخلف (1966)، لانج، الاقتصاد السياسي (1966)، براون، التجارة الدولية والإمبريالية (1967)، إيمانويل، التبادل غير المتكافيء(1972)، الربح والأزمات (1974)، سرافا، إنتاج السلع بواسطة السلع (1973)، ماندل، النظرية الاقتصادية الماركسية (1973)، كاي، التنمية والتخلف (1975)، أندرسن، دراسات في نظرية التبادل غير المتكافيء بين الأمم (1976)، دوب، دراسات في تطور الرأسمالية (1978)، زيلكو، القيمة الدولية (1980)، سمير أمين، التراكم (1978)، أمين، قانون القيمة والمادية التاريخية (1981)، أمين، مستقبل الماوية (1982).
(5) فالعامل الأفريقي لا يتكلف منذ ولادته حتى يمسك بأدوات العمل وآلاته ومواده سوى كسرات خبز معدودة، وشربة ماء غير آدمية ومسكن خرب...، وكل ذلك يمكن حسابه، وبدقة علمية، بوحدات حسابية من الطاقة المبذولة مُعبراً عنها بعدد من السعرات الحرارية منذ الميلاد وحتى الممات. ليس بشأن العامل الأفريقي فقط وإنما أيضاً بصدد العامل الأوروبي، الَّذي (قبل، وبعد) أن يدفع به في سوق العمل، يأكل، ويتعلم... إلخ، هو وطبقته، أفضل كثيراً من العامل الأفريقي، رديء الصنع!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيول دبي.. هل يقف الاحتباس الحراري وراءها؟| المسائية


.. ماذا لو استهدفت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟




.. إسرائيل- حماس: الدوحة تعيد تقييم وساطتها وتندد بإساءة واستغل


.. الاتحاد الأوروبي يعتزم توسيع العقوبات على إيران بما يشمل الم




.. حماس تعتزم إغلاق جناحها العسكري في حال أُقيمت دولة فلسطينية