الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد العدوان الغاشم على سوريا!

منذر علي

2018 / 4 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي



لقد تم تنفيذ العدوان الغاشم على سوريا فجر السبت 14 أبريل 2018 ، كما كان متوقعًا. الدولة التي حددت الأهداف العسكرية للعدوان الرباعي: الأمريكي البريطاني والفرنسي في سوريا، كانت إسرائيل ، و الدول التي موَّلت العدوان على سوريا ، كانت الدول العربية النفطية المتعفنة . والقواعد العسكرية التي انطلقت منها الصواريخ والطائرات، كانت في العالم العربي ، وتحديد في الأردن و في الخليج العربي العاثر. وبهذا العدوان السافر ، يكون الحكم العربي العاهر قد سقط ، و العدوان الرباعي الفاجر فشل ، و من شأن الأوضاع الجديدة في العالم العربي أن توقظ الشعب العربي الحائر ، وتلهب المشاعر وتمهد لعصر تحرري جديد.

واضح أنَّ العرب ، وبالأخص الحكام والنخب السياسية ، لم يتعلموا من التاريخ البعيد والقريب. إذ لقد انقسموا قُبيْل وأثناء وبعد العدوان الغاشم بين قلة من المعارضين وكثرة من المحللين والمبررين والمحرضين والمشاركين بشكل مباشر بالعدوان على سوريا . و يمكن القول ، ببساطة، أنهم وقعوا صرعى في فخ العدوان الأمريكي وحلفائه على الجمهورية العربية السورية، وصدقوا الدعاية الماهرة للمؤسسات الإعلامية و الاستخباراتية الغربية ، المروجة للأكاذيب والممهدة للعدوان ، والمسوغة للجريمة.

فالعالم الغربي الإمبريالي ، كما نرى، يتجه بخطى سريعة نحو البربرية . هذه هي الرأسمالية في تجلياتها المتوحشة ، حينما تسعى للتوسع والسيطرة على العالم. فالامبريالية الغربية اليوم تجدد عدوانها ، بوسائل أكثر مكرًا من ذي قبل ، وتعمل ما كانت قد عملته في القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين عند احتلالها للعالم العربي. ويكفي هنا أن نتذكر ما جرى في الماضي البعيد والقريب وما يجري اليوم.
في 5 يوليو 1830 تم احتلال الجزائر من قبل فرنسا تحت ذريعة أنَّ الداي حسين( الحاكم التركي للجزائر في ظل الإمبراطورية العثمانية حينها ) قد أهان القنصل الفرنسي، بيار دوفال، عندما طالبه بالديون المستحقة للجزائر. لم تكن ، بالطبع، حجة الأسلحة الكيماوية واردة في ذلك الوقت، ولم يكن من الممكن حينها التذرع بالدفاع عن منظومة حقوق الإنسان التي لم تكن قد طرحت حينها على أجندة الشعوب والأنظمة السياسية.
وفي 19 يناير 1839 ، تم احتلال محافظة عدن اليمنية من قبل بريطانيا ، تحت ذريعة أنَّ اليمنيين هناك هاجموا إحدى سفنها ونهبوا حمولتها.
وفي وقت لا حق ، جرى ، تحت ذرائع مختلفة ، احتلال كل الأقاليم العربية التي كانت منضوية في إطار الإمبراطورية العثمانية ، مثل سوريا الكبرى والعراق وليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا ، والجزيرة العربية ، بشكل كلي أو جزئي ، وبطرق مباشرة وغير مباشرة، بما في ذلك زرع دولة إسرائيل في فلسطين العربية ، وتلا ذلك العدوان الثلاثي على مصر في 1956 ، ثم العدوان الشامل على مصر وسوريا والأردن في 1967 ، والعدوان على لبنان في 1982.
وفي 2003 ، تم تدمير العراق تحت ذريعة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل ، ومن ثم الهيمنة عليه، سياسيَا واقتصاديا، عبر النخب المُستأجرة و المدجنة في معامل الاستخبارات الغربية. وفي 2011 تم تدمير ليبيا ، تحت ذريعة حماية الشعب الليبي من طغيان مُعمر القذافي . واليوم ، كما ترون ، يستهدفون سوريا ، تحت ذريعة حماية الأطفال السوريين، عبر قتل المزيد منهم.
الولايات المتحدة الأمريكية قتلت الملايين من الأطفال في العراق وليبيا وقبل ذلك في فيتنام ، واليابان وأمريكا ذاتها. وها هي تتذرع بالدفاع عن أطفال سوريا ، التي قتلت مئات الآلاف منهم عن طريق عملائها من الليبراليين و المجاهدين والدواعش. واليوم ، وتحت ذرائع إنسانية زائفة، تشن حربها العدوانية الاستعمارية ، حماية لإسرائيل ولبسط نفوذها في المنطقة، وتقليص النفوذ الروسي، في إطار تعاون وثيق للمحور الرجعي الصهيوني والامبريالي، المتمثل بأمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل وتركيا والسعودية . والعالم ، بما في ذلك العالم العربي ، يقف بين معارض للعدوان و متعصب للعدوان ، ومساير له ، ومحايد ، وخائف.

وإذا استثناء القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في فلسطين المحتلة والجزائر ، وبقع صغيرة هنا أو هناك ، فأنَّ كثيرًا من منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية ، وخاصة الجماعات ذات التوجهات الليبرالية الجديدة ، والجماعات الدينية الطائفية، وقعت فريسة سهلة للخدعة الغربية ، وانبرت بتهور و بمزيج من الغباء والمكر للتبرير للعدوان ، باسم الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا.

إنَّ العالم كله يدرك أنَّ بشار الأسد ليس ديمقراطيًا ، وأنه ساهم في قتل الشعب السوري ، مثله مثل أي دكتاتور بغيض في العالم ، و لكن العالم يعلم أيضًا ، ومن لا يَعلم ينبغي أن يُعلم أنَّ الأنظمة الامبريالية والصهيونية والرجعية كالسعودية وقطر وتركيا وإسرائيل وأمريكا وبريطانيا وفرنسا ، هي التي تقتل الشعب السوري بوسائل متعددة ، وأنها هي وراء الأزمة الجارية في سوريا منذ سبع سنوات.
وبالتالي سيكون من غير المنطقي أنْ تطلب بعض منظمات المجتمع المدني في العالم العربي من الغرب القاتل أنْ ينقذ الشعب السوري، وأنْ يتدخل وفقًا للمعايير الأخلاقية. ذلك أن يطلب من أمريكا أنقاذ أطفال سوريا ، يشبه ، من نواحي كثيرة، موقف ذلك الأحمق الذي يطلب من إسرائيل أن تقوم بإنقاذ الشعب العربي الفلسطيني!
أمريكا وبريطانيا وفرنسا ، دول استعمارية ، كانت وراء تقسيم واستعمار الوطن العربي ، وهذه الدول تسعى اليوم بوسائل متعددة ، لإثارة الصراعات الطائفية والعرقية ، و تتحرك وتتدخل ، بشكل مباشر، تحت ذرائع مختلفة ، منها كذبة الدفاع عن حقوق الإنسان ، بغية السيطرة على العالم العربي والإسلامي. ألم نفطن بعد إلى هذه الحقائق؟
أما فيما يخص جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا ، التي كانت ذريعة للعدوان فجر السبت 14 أبريل 2018 ، فليس في مقدورنا أنْ نقرر من هم الذين استخدموا هذا السلاح البشعة ، إنْ كان قد جرى استخدامه حقاً . هل هم جماعة الأسد ، أم الاستخبارات الغربية ، أم السعودية ، أم تركيا أم إسرائيل، بهدف خلق مبرر للعدوان ؟ لا نعلم.
وبالتالي ليس من اللائق أن يجاري البعض ما تقوله الاستخبارات الإسرائيلية والسعودية والتركية والأمريكية والبريطانية وغيرها ، ويكرر حرفيًا وببلاهة أقوال تلك الأجهزة الماكرة . فهذا أمور تقنية، وينبغن أن تُترك للمنظمات الدولية المستقلة و المتخصصة في هذا الميدان للوصول إلى النتيجة ، التي يمكن أن ينبني عليها موقفًا سياسيًا وقانونيًا سليمًا من قبل الأمم المتحدة، لكي تتخذ الإجراءات الضرورية تجاه من أقترف تلك الجريمة.
إنَّ ما يجري الآن ، هو استخدام الأمم المتحدة وتطويعها من أجل شن العدوان على الشعوب الأخرى ، كما جرى مرات كثيرة في العالم. وفي أحيان أخرى يجري تجاهل الأمم المتحدة ، عندما يعجزون عن تطويها ، بسبب توازن القوى ، والوصول إلى ذات النتيجة ، وهو شن العدوان على الشعوب ، كما جرى يوم أمس في العدوان على سوريا ، وقبلها على العراق وليبيا.
وعليه فأنَّ العدوان التركي والإسرائيلي والأمريكي والبريطاني والفرنسي الغاشم على سوريا ، لا ينبغي أن يدان بأقوى العبارات، فحسب ،وإنما علينا أن نسعى لأيقاظ شعوبنا من غفلتها ، و التواصل مع شعوب العالم في كل مكان لتحريك الضمير الإنساني ضد القوى العدوانية والاستعمارية ، ومن أجل الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية والسلام والعدل في العالم.
إذ لا ينبغي أن نقع في الفخ ونطلب من آلهة العنف الأمريكية والصهيونية أنْ تمنع العنف في سوريا و ليبيا واليمن والعراق وفلسطين . فالولايات المتحدة الأمريكية ، هي التي تدعم العنف الإسرائيلي ضد الشعب العربي الفلسطيني، و هي التي تدعم العنف السعودي ضد الشعب اليمني ، و هي التي تمارس العنف ضد الشعب السوري ، والشعب الليبي ، والشعب العراقي ، وشعوب كثيرة في العالم ، بما في ذلك العنف العنصري البغيض ضد السود والهنود في الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قبل عمليتها البرية المحتملة في رفح: إسرائيل تحشد وحدتين إضاف


.. -بيتزا المنسف- تثير سجالا بين الأردنيين




.. أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط


.. سفينة التجسس بهشاد كلمة السر لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر




.. صراع شامل بين إسرائيل وحزب الله على الأبواب.. من يملك مفاتيح