الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محكمة أثينا الثانية -3- أرسطو (384- 322ق.م)

هشيار مراد

2018 / 4 / 15
القضية الكردية


عندما نتحدث عن الفلسفة، وعن الحقيقة، إذاً لا بد أن نتحدث عن أرسطو.
ولد أرسطو في عام (384 ق.م) في أسطاغيرا وهي مدينة مقدونية قريبة من أثينا، وكان والد أرسطو طبيباً وصديقاً لملك مقدونيا (مينتاس) الذي يكون جد الإسكندر الأكبر. وفي شبابه توجه أرسطو إلى أثينا، والتحق بأكاديمية أفلاطون.

أرسطو إلى الإسكندر

في عام (343 ق.م)، حيث كان عمر أرسطو قد ناهز 41 عاماً يأتيه دعوة من (فيليب) ملك مقدونيا ليأتي إلى بلاطه ويعلم ويثقف ابنه الإسكندر، فيقبل أرسطو هذه الدعوة، وحينما بدأ الاسكندر التلمذة على يد أرسطو كان عمره 13 عاماً، فكان الملك فيليب يريد مستقبلاً مُشرقاً لابنه الاسكندر وهذا هو التفسير الوحيد لدعوته معلم الفلسفة ليتلمذ ابنه.
كان فيليب يرغب في توحيد اليونان ولم يكن أمامه إلا محاربة اليونان قاطبة ليقوم بتوحيدها، فوقفت أثينا أثينا في وجه فيليب ورغباته ولكن الروح المقدونية هزمت أثينا وذلك في عام (338ق.م)، هزمت المدينة التي قتلت سقراط حكيم اليونان الذي كان يحذر حكام أثينا من سقوطهم المحتوم.
وفي نهاية الأمر استطاع فيليب أن يوحد اليونان بالكامل، وكان مخططاته أكبر من ذلك بكثير وهي سيادة العالم، ولكنه وقع في فخ الاغتيال، وبذلك أصبح ابنه الاسكندر الملك الجديد لليونان وذلك في عام (335ق.م).

نبذة عن تاريخ الاسكندر (356– 323 ق.م)

ولد الاسكندر في بيلا (العاصمة المقدونية) في سنة (356 ق.م) والده هو فيليب الثاني (ملك مقدونيا) ووالدته هي (أولمبياس).
فوالد الاسكندر كان لديه مشاريع كبيرة لا حدود لها وهي حكم اليونان والعالم، حيث استطاع حكم اليونان وأراد بعد ذلك محاربة الامبراطورية الفارسية لغزوها وبدأ في ذلك عام (336 ق.م) ولكنه اغتيل وكان قد بلغ 46 عاماً من عمره، فاستلم الاسكندر وعمره عشرين سنة زمام الحكم.
والإسكندر كما أباه لم يكن يملك صفة المماطلة وكان يريد تحويل أحلام أبيه إلى حقيقة وبهذا خرج لغزو آسيا وبالرغم من صغر عمره، إلا أنه قام بمواجهة الامبراطورية الفارسية التي كانت جيوشها أكبر بكثير من جيوشه، فبدأ الاسكندر الغزو في عام (334ق.م).
لم يصدق الفرس إن هذا الجيش الهزيل الآتي من بلاد اليونان التي لا تُستحق حتى في ذكر اسمها ستقاتلها، فكانت الروح الفارسية متكبرة للغاية ولكن أتى الجواب من مطرقة الاسكندر وسندانه، فُحطِم الجيوش الفارسية. إذ أن جيش الإسكندر كان يمتلك المقدرة والكفاءة وأما الجيش الفارسي لم يكن يمتلك سوى العدد.
كانت أول معارك الاسكندر في آسيا الصغرى (تركيا اليوم) ثم اتجه إلى سورية ثم إلى الجنوب، فحاصر مدينة صور (لبنان اليوم) لمدة سبعة أشهر وهنا يعرض ملك فارس (داريوس الثالث) نصف الامبراطورية الفارسية للاسكندر مقابل عدم تقدمه أكثر، لكن الاسكندر رفض وكيف له أن يقبل إن كانت أحلامه هي السيطرة على العالم بالكامل، ثم توجه الاسكندر إلى غزة وخلال شهرين فقط سقطت بيديه، وبعد ذلك اتجه إلى مصر التي استسلمت من دون قتال وتم تتويج الاسكندر فرعوناً وعمره لم يتعدى 24 عاماً، ومن هنا عاد الاسكندر إلى آسيا لمحاربة بلاد فارس، فركعت فارس وأجزاء آسيا الصغرى برمتها للاسكندر وذلك في نهاية عام (330 ق.م). إذ أنشأ الاسكندر خلال أقل من خمس سنوات أكبر امبراطورية في تاريخ العالم.
فالجيوش لا تقف عائقاً أمام تقدم الاسكندر، هذا الفتى الذي حارب لأول مرة في حياته وعمره 16 عاماً، وطموحات الاسكندر لم تتوقَّف، فبعد ثلاث سنوات أخرى أكمل طريقه لغزو آسيا الوسطى وأفغانستان ليصل إلى شمال الهند.

أرسطو وطريق العودة

بعد الانتهاء من تنشئة الاسكندر وبدء حملات الغزو المقدونية، عاد أرسطو إلى أثينا في عام (334 ق.م) وبالتأكيد كان أرسطو موالياً للاسكندر أي أنه كان من الجماعة المقدونية في المدينة، حيث كان موافقاً مع الاسكندر في توحيد المدن اليونانية.
أكاديمية أرسطو
وحينما ناهز أرسطو الـ 53 من عمره أنشأ مدرسته تحت اسم (اللوقيون) وكانت مدرسته مهتمة أكثر في علم الأحياء والعلوم الطبيعية وذلك بعكس مدرسة أفلاطون التي كانت مهتمة أكثر بالرياضيات والفلسفة السياسية التأملية. وكما كان تعامل سقراط وأفلاطون مع تلامذتهم على أساس الروح الرفاقية والصداقة كذلك كان أرسطو مع تلامذته.
والشيء الرائع في أكاديمية أرسطو هو أن التلامذة قاموا بأنفسهم بوضع النظام، وأيضاً كان يتم انتخاب كل عشرة أيام تلميذاً ليقوم بالإشراف على إدارة الأكاديمية (المدرسة).

مؤلفات أرسطو

ومع مساعدة مالية كبيرة من قبل الاسكندر (1) استطاع أرسطو تأليف مئات الكتب والبعض يذكر على إنها 170 كتاباً ولكن البعض الآخر يقول: إنها 400 كتاب وما في أيدينا اليوم (حوالي50 كتاباً) لا يعد إلا القليل من مؤلفاته، لكن بالرغم من ذلك تعتبر ثروة علمية لا تضاهى ولا تقدر بثمن.
فأرسطو كتب في كل مجال من مجالات العلوم (الفلك، علم الحياة، علم الأجنة، الجغرافيا، الجيولوجيا، الفيزياء،…)، وهو مؤسس علم المنطق وعلم الأجنة.
ونستطيع فرز كتب ومؤلفات أرسطو كما يلي: (2)
1- الكتابات المنطقية: المقولات – الموضوعات – المقدمة – التحليلات التالية – الموضوع والمحمول – الدحض السفسطائي.
2- الأعمال العلمية: الطبيعيات – وفي السماء – التطور والانحلال – علم الظواهر الجوية – التاريخ الطبيعي – عن النفس – أجزاء الحيوان.
3- أعمال في فن الذوق والبلاغة: البلاغة – علم العروض.
4- الأعمال الفلسفية: الأخلاق – السياسة – الميتافيزيقا – العلم الالهي.

بعض أفكار أرسطو

«وقد نظر أرسطو إلى الأعمال اليدوية نِظرة ترفُّعٍ من فوق إلى أسفل، من أعالي الفلسفة واعتبرها جديرة بصغار العقول أو الذين لا عقول لهم. تتناسب مع العبيد فقط. وهو يعتقد أن العمل اليدوي يؤدي إلى بلادة العقل وإتلافه. ولا يترك وقتاً أو نشاطاً للذكاء السياسي، ويرى نتيجة لذلك ضرورة اشتراك من تتوفر لهم أوقات الفراغ في الحكومة.
وينبغي على أفضل دولة ألا تقبل الميكانيكيين كمواطنين متجنسين فيها، لقد كان في طيبة قانون ينص على منع تولي أي شخصٍ منصباً حكومياً ما لم يكن قد تقاعد عن العمل قبل عشر سنوات حتى التجار وأصحاب المصارف وضعهم أرسطو في طبقة العبيد، وتجارة المفرق ليست طبيعية في نظره،… ووسيلة يكسب بها الناس بعضهم من بعض. وأكثر أنواع هذا التبادل المالي كراهية في نظره هو الربا… إذ أن الربا يستخرج الربح من المال نفسه، ولا يستخدم المال استخداماً طبيعياً، لأن المقصود بالمال أن يكون وسيلة للتبادل، لا لتوليد الفائدة، هذا الربا الذي يولد المال من المال أكثر وسائل الكسب بعداً عن الطبيعة، ويجب عدم توليد المال من المال. وبذلك فإن بحث الشؤون المالية جدير بالفلسفة، ولكن الانشغال في الشؤون المالية أو كسبها لا يليق بالرجال الأحرار». (3)

الإنسان المثالي بنظر أرسطو

«إن الانسان المثالي في رأي أرسطو هو الذي لا يعرض نفسه بغير ضرورة للمخاطر، لكنه على استعداد ليضحي حتى بنفسه في الأزمات الكبيرة، مدركاً أن الحياة لا قيمة لها في ظروف معينة. وهو يعمل على مساعدة الناس، لكنه يرى العار في مساعدة الناس له، لأن مساعدة الناس ونفعهم دليل التفوق والعلو، لكن تلقي المساعدات منهم دليل التبعية وانحطاط المنزلة، ولا يشترك في المظاهر العامة، وينأى بنفسه عن التفاخر والتظاهر. وهو صريح في كراهيته وميوله، وقوله وفعله، بسبب استخفافه بالناس وقلة اكتراثه بالأشياء. لا يهزه الإعجاب بالناس أو إكبارهم، إذ لا شيء يدعو إلى الإعجاب والإكبار في نظره، ولا يساير الآخرين، إلا إذا كان صديقاً لأن المسايرة من شيم العبيد، ولا يشعر بالغل او الحقد أبداً، ويغفر الإساءة وينساها، ولا يكثر الحديث…. ولا يبالي بمدح الناس له أو ذمهم لغيره. ولا يتكلم سوءاً عن الآخرين ولو كانوا أعداءً له، شجاعته رصينة، وصوته عميق، وكلامه موزون، لا تأخذه العجلة، لأن اهتمامه قاصرٌ على أشياء قليلة فقط. ولا تأخذه الحدة أو يستبد به الغضب، لأنه لا يبالي بشيء، ذلك أن حدة الصوت وحث الخطا تنشأ في الشخص بسبب الحرص والاهتمام. ويتحمل نوائب الحياة بكرامة وجلال، باذلاً جهده قدر طاقته وظروفه، كقائد عسكري بارع ينظم صفوفه بكل ما في الحرب من خطط. وهو أفضل صديق لنفسه، ويبتهج في الوحدة، بينما نرى الجاهل العاجز المجرد عن الفضيلة أو المقدرة عدو نفسه ويخشى الوحدة».
هذا هو الإنسان المثالي في نظر أرسطو». (4)

نهاية أرسطو مع نهاية الاسكندر

عندما ذهب الاسكندر باتجاه آسيا كان قد ترك خلفه في المدن اليونانية حكاماً موالين له لكن شعوب تلك المدن كانت ترفض حكمه تماماً، لأنهم لا يعرفون معنى العبودية، فالحرية هي المبدأ الأساسي في حياتهم، أما في أثينا فكانت خطابة (ديموستين) تحرض دوماً الجمعية العامة للثورة ضد حكم الاسكندر، وعندما قام الاسكندر بوضع تمثال لأرسطو في قلب مدينة أثينا سخطت المدينة قاطبة على أرسطو ومن هذا الإضراب ومع خطابات ديموستين أُشعلت الجماهير حنقاً ضد أرسطو لنفيه أو قتله.
وضمن هذا الفوضى التي عمت أثينا، فجأةً مات الاسكندر وذلك في عام (323 ق.م) وهو لم يبلغ 33 عاماً من عمره، مات الاسكندر مع طموحاته في غزو روما وغرب بحر المتوسط وشمال بلاد فارس وما تبقى من الهند حتى شبه الجزيرة العربية، مات وهو يحلم في حكم ما تبقى من العالم، فروح الاسكندر كروح هرقل لا تعرف معنى الكفاية، فأعطى التاريخ لقباً للاسكندر وهو «الأكبر»، فالتصق هذا اللقب باسمه ليصبح اسمه «الاسكندر الأكبر».
وحينما وصل خبر موت الاسكندر إلى أثينا عمت الفرحة الوطنية في المدينة، فقام الأثينيون بالانقلاب على الحكام المقدونيين وبهذا أعلنوا استقلالهم وهرب معظم المقدونيين من المدينة، وقام الأُسقف الأول (يورميدون) في رفع دعوة على أرسطو؛ أتهمه فيها بأنه قال بعدم فائدة الصلاة والقرابين.
فرأى أرسطو أن نهايته ستكون في وسط جماهير أشد حقداً من تلك التي قتلت سقراط، فلم يكن أمامه إلا خياراً واحداً وهو الخروج من أثينا، ترك أرسطو المدينة وقال مع خروجه كلماته المشهورة وهي إنه سوف لن يترك لأثينا فرصة ارتكاب خطيئة ثانية ضد الفلسفة.
أرسطو لا يريد أن تتم محاكمة أثينا الثانية ضد الفلسفة والفكر وضد الحقيقة، وبالتأكيد فإن أرسطو لم يهرب من الموت لأن في أثينا كان يتم تخيير المتهم إما النفي أو المحاكمة.
فقام أرسطو بنفي نفسه بنفسه من دون محاكمة من قبل أثينا، وبعد خروجه من أثينا بعدة أشهر مات عن عمر ناهز 62 عاماً وذلك في عام (322 ق.م)، فحتمية القدر تغلبت على أرسطو.
والتاريخ لم ينسَ أرسطو أيضاً، لم ينسَ الفيلسوف الذي سيطر على أوروبا فكرياً لأكثر من ألف عام، حيث كانت فلسفة أرسطو تُدَرّس في كل المدارس المسيحية في أوروبا، فحكم أرسطو كان أقوى من حكم الاسكندر الأكبر بكثير وأطول أمداً، فأعطى التاريخ اسماً (لقباً) لأرسطو وهو «المعلم الأول».

الهوامش والمصادر:

1- من المعروف أن حكومة الاسكندر هي أول حكومة تعطي مساعدات مالية لعالم (أكاديمي) وظلت آخر مرة لمئات السنين بعد ذلك.
2- وِل ديورانت: قصة الفلسفة، ص75- 76.
3-وِلْ دْيورَانت: قصّة الفلسفة، ص 95- 6.
4- وِلْ دْيورَانت: قصّة الفلسفة، ص90- 91.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة يتظاهرون بأسلوبهم لدعم غزة


.. إعلام فرنسي: اعتقال مقتحم القنصلية الإيرانية في باريس




.. إعلام فرنسي: اعتقال الرجل المتحصن داخل القنصلية الإيرانية في


.. فيتو أميركي ضد مشروع قرار منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في




.. بن غفير: عقوبة الإعدام للمخربين هي الحل الأمثل لمشكلة اكتظاظ