الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القراءة المنتقاة ؛ تلك الداء الجميل اللذيذ المذاق

جواد كاظم غلوم

2018 / 4 / 15
الادب والفن



في الثالث والعشرين من ابريل / نيسان من كلّ عام تحتفل منظمة اليونسكو بيوم الكتاب الذي أقرّته الامم المتحدة منذ سنة / 1995 والمفرح انها اتخذت العام الماضي من بيت جدّنا المتنبي شعارا لها :
أعزّ مكانٍ في الدنى سرجُ سابحٍ ----- وخيرُ جليسٍ في الزمان كتابُ
دعوني اسبق هذه المناسبة واكتب فسحة نثرية للقراء الاعزاء لتذكيرهم بأهمية القراءة المنتخبة المنتقاة لتوسيع افاق العقل وإنمائه وتوسيع مداركه ؛ فهو الغنى والثراء رغم فقرنا وشحّة جيوبنا ، وكم اشعر بالأسى والنكوص حين أطّلع على بيانات ومؤشرات القراءة عندنا والتي بدأت بالانحسار والعزوف عن الكتاب في محيط مجتمعنا الذي تهيمن فيه الان الخرافة والجهل والإذعان للتخلف ودعاته ممن يسمون انفسهم علماء الدين وهم اجهل الجهلاء .
فليس كل مانقرأه من كتب وأسفار هو سلاحٌ ماضٍ ضد الجهل لا بل تكون بعضها ترسيخا له .
القراءة المنتخبة المنتقاة هي العقار الفعّال الذي يطيح بالغباء ويستفزّ العقل ويُظهر لمعانه بعد ان يزيل صدأ ماتراكم في اذهاننا من عالقٍ سيء .
القراءة غير المنتخبة واعتماد المناهج الرثّة والكتب الصفر الغثّة الخالية من العقلانية والتنوير والتي عفا عليها الزمن وضعفت جدارتها لاتعدو كونها سيفا خشبيّا لايقتل عدوا ، انها استعمار للعقل واحتلال بغيض للذهن وقيود للأيدي والعضل الذي يريد ان يبني ويعمّر .
من يفتح كتابا ثريّا في علومه كمن يفتح نافذة في مكان خانق او ثغرة في حائط سجنٍ مقفل ، والقراءة السليمة سفَـرٌ في أزمنة وأمكنة بعيدة وتوغلّ مدروس في أرواح البشر الراحلين والماكثين معنا .
القراءة السليمة رحلة مع المعرفة وسياحة للعقل ولقاء بينك وبين العباقرة والعظماء والأدباء والعلماء وحينما تحوز كتابا رصينا كأنك تقطع تذكرة بطائرة لتكتشف شيئا لم تره قبلا وكثيرا ماتتوقف في محطات العقل الانساني لتهنأ وتستريح بضع ساعات لتتزود بالوقود الفكري وتواصل سفرك الى هدفك .
القراءة المنتخبة انتقاء السلاح العصري الفعّال الضامن لتحقيق النصر مهما كان عدوك قويا ، هو الجرأة والإقدام في مواجهة الخوف وحب الحياة وتجميلها بما يضفي عليها العقل والعضل من سمات تسرّ الأنظار وأصوات كالموسيقى العذبة لتؤنس الأسماع وتسعد العيون بكلماتها وهي تقرض الجهل وتبيد خرقه البالية وتحيلها مزقا مزقا لترمى اخيرا في حاوية مزابل الفكر الضار غير السوي .
لا يخفى عليكم أحبّاءنا القرّاء اذا ابتُلِي احدٌ بداء عضال – عافاكم الله – فإنّ جلّ حياته تكون نكدا وغصّة وحزنا وفقرا وقلقا دائما حتى يشفى فتنفرج أساريره وتعود الفرحة والبسمة الى محيّاه ، لكنّ هناك مرض وداءٌ رافق حياتي وكنت سعيدا بهِ ومؤنساً لي ولا اريده ان يفارقني الاّ لفترات قصيرة عند الأكل أو الاستحمام مثلا او الخروج لأنجاز شيءٍ ما عند اقتضاء الحاجة .
فمنذ ان شببتُ وترعرت وبدأت نوافذ عقلي ترفع ستارها على مايحيط بي كان اولّ ما انشددتُ اليه هو الكتاب ولاشيء غيره حتى صرتُ أسيره وكثيرا ما نادمني في ليالي القرّ والصرّ وأنست به صديقا صدوقا لايجزع عندما أتركه لسبب من الأسباب ويهلل ترحابا بي ويفتح قلبه سعةً وتحنانا حتى صار دائي ودوائي .
ولأني ولدت وكبرت في مدينة خالية تماما من كل وسائل المتعة فلا دار للسينما ولا مسرح ولا فعاليات فنية ولا قاعة تعرض فيها لوحات ورسومات في غاليري او صالة عرض ولا حتى ممارسة اللعب البريء كالشطرنج او النرد او الدومينو فكان لزاما عليّ ان أمسك جليس الخير هذا ؛ مادامت كل المتع الاخرى غير متاحة لنا .
هذا يعني اني مصاب بداء يسمونه " الببلومانيا " وهو في ابسط تعريف له التعلقّ بالكتب تعلقا مفرطاً قد يصل الى حدّ الهوس والهيام حتى اني بكيت وكدت انهي حياتي انتحارا حينما بعتُ مكتبتي ووليت هاربا من سطوة الدكتاتورية الصدامية لكني ابقيت بعضا منها من نفائس الكتب التي يصعب التفريط بها في حقيبة السفر وانا ارحل بعيدا عن وطني اذ اعتدت ان احمل أسفاري مع أسفاري وأتحمّل عبء ثقلها وهي عندي اخفّ من جناح فراشة وكم كنت سعيدا الان حينما عوّضت عن حمل الكتب الورقية بأخذ حاسوبي معي وفي مكامنه مكتبة كاملة وألقمته بآلاف الكتب المفضّلة لديّ ، يرافقني أينما رحلت وحيثما أزفت مثلما كان يفعل الصاحب بن عباد ، الشاعر والوزير وجوّاب الآفاق الأكثر وعيا حين كان يأمر رجاله بتخصيص اكثر من خمسة جِمال محمولة كتبا لتصحبه في رحلاته الطويلة لولا ان ظفر بكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني فكان وحده المؤنس الرفيق ولم يعد يأخذ بقية مختارات كتبه معه ويرهق صحبه وحاشيته أثناء السفر
فما أجمل صحبة الكتاب وما ألذّ الشوق اليه ولو كان سقاما طويل الأمد خاصة في زمن عزّ فيه الصحب والأصدقاء وتناءى الأقرباء وشحّ الأوفياء وتدانى بيننا الغرباء .
فليكن الكتاب الثريّ صديقكم الدائم وأشيعوه تداوله واقرأوا كي ترتقوا بأيّ كيفية كانت سواء كان ورقيا ام إلكترونيا مادامت تصبّ كلها في تغذية العقل وترتيب السلوك الإنساني نحو الأفضل والأكثر تميّزا

جواد غلوم
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى


.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا




.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني