الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ج4 من 5ج/هوامش سريعة على كتاب -تاريخ الإسلام المبكر-: إنكار الفتوحات وكيف أسس -المسيحي الفارسي اليهودي عبد الملك بن مروان- الإسلام دينا ودولة!

علاء اللامي

2018 / 4 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


نواصل في هذا الجزء من مجموعة الهوامش السريعة التي سجلناها على كتاب "تاريخ الإسلام المبكر" لكاتبه محمد آل عيسى ونقول :
16- يشكك الكاتب في وقوع حروب الفتح العربي الإسلامي أصلا، لأنه يؤمن أن الفرس والبيزنطيين انسحبوا من هذين الإقليمين دون حرب، أو بسبب التعب على حد قوله، لنقرأ ما كتبه (لقد ترك الفرس العراق للمناذرة بسبب هزيمتهم الكبيرة أمام البيزنطيين، و ترك البيزنطيون بلاد الشام بسبب تعبهم من الحروب ورغبتهم للتفرغ لحروب جديدة في منطقة أرمينيا. لم يخرج البيزنطيون من سوريا بسبب غزو عربي أو فتح إسلامي ولم تكن هناك أي مواجهات. ص 29 م.س). ثم يتساءل وكأنه صدَّق بما يقول: (لماذا لم يثر المسيحيون في القدس على الغزاة؟ لماذا وصف العرب القادمون بأنهم مؤمنون؟ هل كان دينهم شكلا من أشكال المسيحية / اليهودية؟ فقد بدا الحكام العرب أقرب إلى اليهود... بل انهم قاموا بالصلاة على أطلال المعابد اليهودية. وعندما بنى العرب أكبر مسجد وهو قبة الصخرة بنوه على أطلال الهيكل اليهودي). صراحة، يمكن اعتبار هذا الخليط من الأسئلة المتداخلة والملغومة كل شيء إلا كتابة في علم التاريخ. إنه عبارة عن خلط عجيب وأقرب إلى التخليط والهذيان. ومع ذلك لنحاول أن نفصل الأسئلة عن بعضها في محاولة لمعرفة ماذا يريد الكاتب منها، وقبل ذلك سنقتبس الفقرة التي عبر فيها عن فكرته لتكون الأمور واضحة:
لنبدأ بسؤاله "لماذا لم يثر المسيحيون في القدس على الغزاة؟" وسنكتشف عبثية السؤال إذا ما علمنا ان المسيحيين المقصودين هم السكان الأصليون في مدينة أورشليم القدس أو "إيلياء" كما كانت تسمى "نسبة الى الاسم الذي أطلقه عليها القائد الروماني (هادريان) سنة 135م، وأن الغزاة هم العرب المسلمون. والحقيقة التي يسجلها المؤرخون وحتى المراجع المسيحية المقدسية هي أن الأهالي ثاروا ورفضوا طوال فترة حصار مدينتهم الذي دام من عام إلى عامين حسب المصادر المختلفة كما ذكرنا في موضع آخر، أن يدخل من يسميهم آل عيسى "الغزاة" أو ربما " الغزاة الذين لم يغزوا أحداً أو بلداً" مدينتهم حربا، وطالبوا ان يأتيهم الخليفة العربي المسلم عمر بن الخطاب نفسه ليتسلم منهم مفاتيحها بموجب عهد مكتوب عرف في التاريخ باسم "العهدة العمرية". وأن العرب المسيحيين كان لهم جيشهم المستقل والمهم ضمن قوات التحالف البيزنطي في معركتي أجنادين واليرموك، وكان يقود هذا الجيش جبلة بن الأيهم، وقد تعرضنا تفصيلا لدور هذه القوات العربية المسيحية في الفصل الخاص بتلك المعركة.
إنَّ الكاتب مندهش من أن المسيحيين المقادسة وصفوا المسلمين بالمؤمنين متسائلا (هل كان دينهم- دين العرب المسلمين - شكلا من أشكال المسيحية / اليهودية؟) وهنا يبلغ الكاتب ذروة الجهل والتخليط، وكأنه لا يعلم أن الإسلام يوجب على أتباعه المسلمين الإيمان بالرسالات السماوية الإبراهيمية السابقة، وتحديدا باليهودية والمسيحية وأنبيائها وكتبها المقدسة سوى انه يعتبر تلك الكتب المقدسة قد حرفت! فهل يجهل أي مسلم عادي ذلك، دع عنك المسلم المثقف أو المتعلم، أم ان آل عيسى اكتفى بنقل تساؤلات صغار المستشرقين الجهلة بتاريخ ومضمون الإسلام وبتلامذتهم العرب ممن يعتبرون الدين الإسلامي "مجرد هرطة مسيحية أبيونية" وأسندها لنفسه دون ان يتوقف عندها ويناقشها منهجيا وعلميا.
بل إن الكاتب يتمادى في الخيال ويعتبر بني أمية هم المؤسسون الحقيقيون للإسلام وتحديدا عبد الملك بن مروان! ولو أنه قال إنهم مؤسسو الإسلام الملكي الوراثي لكان كلامه قابلا للمناقشة ولكنه يكتب شيئا آخر لنقرأ (إن عبد الملك بن مروان -الذي يعتبره الكاتبُ المؤسسَ الحقيقيَّ للإسلام - يمكن أن يكون مسيحيا نسطوريا من بلاد فارس جاء ليحكم بعد أسرة معاوية فالاسم بن مروان تعني القادم من مرو وهي مدينة فارسية. ص 45 م.س) والدليل على هذه الفرضية العجيبة أكثر هَبَلا من الفرضية نفسها لنواصل القراءة (أن العملة التي ضربها عبد الملك ثبت عليها عبارة توحيدية هامة مأخوذة من الناموس اليهودي: "اسمع يا إسرائيل الرب الهنا رب واحد" وترجمتها كانت: قل هو الله أحد ص 45 م.س)! أما سورة الإخلاص القرآنية التي تبدأ بآية (قل هو الله أحد) فلا يبدو أنها مرت على ذاكرة وخاطر الكاتب ولكنه سارع لأن يجعل (من عبد الملك بن مروان الفارسي مسيحيا نسطوريا يقتبس الآيات عن الناموس اليهودي) فيا للعجب العجاب!
ولكن لماذا يهتم آل عيسى بعبد الملك بن مروان دون غيره من خلفاء بني أمية؟ نجد الجواب على هذا السؤال في قوله (وكما رأينا فإن الإسلام لم يظهر بشكله الأولي إلا مع عبد الملك بن مروان ولم يكتمل إلا مع العباسيين. فالقرنان الهجريان الأولان يقعان في ظلمة التاريخ. ص 182). وليفهم من يريد ان يفهم ما يكتبه آل عيسى بطريقته الخاصة، أما إذا طالب أحد بدليل ملموس على هذه التخليطات فها قد وجده آل عيسى عند كاتب آخر، لنقرأ (وكما يرى سليمان بشير فلا يوجد أي دليل تاريخي أو أثرى ملموس على وجود الإسلام قبل فترة عبد الملك وأقدم المساجد والنقوش والآثار النقدية والمسكوكات والإشارات المتفرقة في أوراق البردي تعود إلى فترة عبد الملك. ص 186 م.س). ولا ندري كيف خرج آل عيسى بهذا الاقتباس أو الفهم لكتاب سليمان بشير مع أن هذا الأخير، وطوال صفحات كتابه الخمسمائة وأربعة عشرة يناقش السردية الإسلامية نقاش العارف المدقق والخبير بتلافيفها وبطريقة منهجية علمية وهو الحامل لشهادة الدكتوراه في التاريخ من ألمانيا، ليخرج أحيانا كثيرة بنتائج جديدة ومثيرة أو مخالفة للسائد، فيختلف معه القارئ أحيانا ويتفق أحيانا أخرى، ولكن سليمان بشير لم يشطح به الخيال مثل صاحبنا لينفي وجود مكة ونبي الإسلام بل والإسلام نفسه كدين إنما قال ما نقوله نحن الآن في الصفحات الأولى من مقدمة كتاب حين كتب عن خصيصة أعاقت النمو العلمي للرواية التاريخية الإسلامية وهي ( ندرة المصادر الأثرية والوثائقية الثابتة والمستقلة لدراسة التاريخ العربي في الجاهلية وصدر الإسلام . ص 8 - مقدمة في التاريخ الآخر)، وحتى حين يكتب في الصفحة نفسها عبارة (والواقع إنه لا يوجد دليل تاريخي ملموس على وجود الإسلام قبل فترة عبد الملك بن مروان فهو يوضح ما يقول مباشرة ويحدد انه يعني بذلك ( الآثار المساجد والنقوش والآثار النقدية والإشارات المتفرقة في أوراق البردي تعود الى تلك الفترة) وهذا صحيح جزئيا ونكرر أن الآثار الأركولوجية من فترة أقدم هي نادرة وليس معدومة وقد ذكرنا بعض الأمثلة عليها في ما سبق وسنذكر غيرها لاحقا. ثم إن سليمان بشير لا يشتط مثل آل عيسى ويقول إن الفترة التي لا وجد فيها للآثار المادية كالمساجد والنقود محصور في الخمسة وسبعين عاما ويسجل أن الأدلة موجودة منذ الربع الأخير من القرن الهجري الأول وليس لقرنين بعدها، وهذا امر طبيعي في بداية نشوء الدعوة الإسلامية والحصار والحروب التي خاضتها وانعدام الدولة بصورتها المادية المكتملة خلال تلك السنوات!
وإذا كان آل عيسى ومن يستشهد به يشكك ولا يثق بما تقوله الروايات العربية الإسلامية عن الإسلام في الطور المكي ثم المدني اليثربي فالفتوحات بعدهما وخاصة فتح القدس بعد حصار طويل فماذا يقول بصدد الروايات المسيحية المقدسية لمن عاشوا الحدث المقدسي الذي انتهى بعقد العهدة العمرية؟
لقد وردت قصة "العهدة العمرية" في كتب التاريخ بأكثر من صيغة ونص، وتتراوح من نصوص قصيرة ومقتضبه كنص اليعقوبي ونص ابن البطريق وابن الجوري، أو مفصلة كنص ابن عساكر ونص الطبري ومجير الدين العليمي المقدسيِ ونص بطـريركيـة الروم الأرثوذكس. وما يهمنا أكثر من غيره من مصادر هو ورود العهدة في وثائق البطريركية المسيحية التي توقفنا عندها في الفقرة الثامنة من هذا الملحق يجعل من مزاعم الكاتب محض هراء لا طائل تحته. وأكثر من هذا نضيف الآتي:
*قام مستشرقان أوروبيان بدراسة العهدة العمرية هما المستشرق والأمير الإيطالي من ثلاثينات القرن الماضي ليون كايتاني annali dell islam ..p.957. و المستشرق الأسباني دي خويه صاحب الكتب الجيدة والرصينة حول الشرق والإسلام في كتابه (Mémoire sur la conquête de la Syrie, p. 143) واتفق هذان الباحثان على أن (هناك أدلة تؤكد أن القيود ضد المسيحيين في شروط العهدة العمرية قد أضيفت في العصور المتأخرة ومع ذلك فقد قبل فقهاء المسلمين الذين عاشوا في أزمان أقل تسامحا بانها شروط صحيحة). فهل تورط هذان المستشرقان وغيرهما كثيرون في تلفيق هذه "الكذبة التاريخية" من عهد عمر بن الخطاب أيضا بحسب المنطق الذي يعتمده محمد آل عيسى؟ يتبع في الجزء السابع والأخير قريبا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قتلى وجرحى جراء هطول أمطار غزيرة تسببت بفيضانات في أفغانستان


.. مصادر أمنية عراقية: انفجار ضخم في قاعدة عسكرية تستخدمها قوات




.. ماذا تعرف عن قاعدة -هشتم شكاري- الإيرانية التي استهدفتها إسر


.. صور متداولة لضربة استهدفت قاعدة للحشد الشعبي قرب بابل في الع




.. ضربة استهدفت قاعدة-كالسو- التابعة للحشد الشعبي شمال بابل في